أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جيلان صلاح - ورقصت نبيلة















المزيد.....

ورقصت نبيلة


جيلان صلاح

الحوار المتمدن-العدد: 4794 - 2015 / 5 / 2 - 00:15
المحور: الادب والفن
    


هل تساءل أحدكم يوماً عن السبب الذي جعل من الرقص وسيلة للتعبير عن الانتصار؟
في تراثنا كمصريين، للرقص أهمية كبرى، ليس فقط لكوننا أحفاد الفراعنة والذين عدوا الرقص طقساً من طقوس التقرب للآلهة، لكننا أيضاً أبناء القارة السمراء والتي يعد الرقص من معالمها المميزة، فالأفارقة –ونحن منهم- يرقصون للحب والحرب والموت والمطر، ولطرد الأرواح الشريرة ولاستحضار الأرواح الخيرة المحملة بالنماء. يقول الصوفيون أن الرقص مع اتجاه حركة دوران الأرض، يصلنا بالجزء الربوبي الكامن داخلنا، وربما، هذا هو سر حركة الدراويش الدائرية.
لكننا اليوم في حل من الحديث الروحي، ما أشقاه وما أصعب دروبه! اليوم سنتحدث عن رقصة الانتصار.
شاهدت الكثير من الأفلام المصرية، والتي تنتصر فيها البطلة برقصة. قد لا تكون هذه الرقصة معبرة عن مشاعرها، ولن تعني بالطبع انتصاراً حقيقياً يحل للبطلة كل مشاكلها وعقدها وينتهي بزواجها من البطل، لكنه انتصاراً لحظياً، جولة في مباراة الحياة الأبدية، والتي نظل نصارع فيها وحوشاً ومسوخاً طالما حيينا، فإما كسبنا بونطاً أو شوطاً، أو كسبونا، وأصبحنا تحت رحمتهم في عداد الخاسرين.
ماذا عن الرقص؟ لماذا هو أداة من أدوات المكسب أو الخسارة؟ لماذا يعد تطويعنا للجسد، هذا الميراث الثقيل من المعادن والمياه والبروتين، نصراً لذواتنا؟
حاولت الإجابة عن هذا السؤال بتصفح سير السابقات من اللاتي رقصن في الأفلام، وكانت لرقصتهن معنى أو مغزى.
زوزو، الراقصة الجامعية التي جسدتها على الشاشة بتمكن سعاد حسني، لتترك لنا أيقونة من أيقونات الفيمينزم. نعم، زوزو ألماظية شخصية نسائية فيمينست على الشاشة الفضية، امرأة متحررة مثقفة، تتمسك بحقها في المتعة وفي التعليم، واعية كل الوعي لقدرات جسدها وجمالها، وأيضاً واعية لعقلها وذكائها، مدركة تماماً لأنوثتها، ولا تخافها أو تحاول إخفاءها، بل تفخر بها وتتباهى بها.
هيام، فتاة المصنع التي جسدتها الشابة الجميلة ياسمين رئيس، ورقصة الانتصار على شرف زيجة الحبيب الغادر من فتاة ملائمة له اجتماعياً وشكلياً.
مشهد رقص دنيا، أو حنان ترك، في الفيلم بنفس الاسم، وانعتاقها من سجن الجسد في توظيفها لحركاته وسكناته وهي تتعلم الرقص، سواء الصوفي أو الشرقي.
مشهد رقص أمينة، أو الفاتنة ذات الجسد العذب فريدة فهمي، في البروفات التمهيدية لفرقة الفن الشعبي، وتناغم جميع الآلات الموسيقية والراقصين الآخرين معها، وتفتح قلب صلاح نحوها بالحب، بينما هي تثبت له جدارتها في أن تكون راقصة الفرقة الأولى.
سوسو بلابل، الراقصة التي لا يحركها سوى وتر القانون، والتي تؤديها نجوى فؤاد في واحد من أجمل أدوارها، ورقصتها على مقطوعة القانون البديعة، والتي ألفها العظيم الراحل حسن أبو السعود.
ونبيلة عبيد!
كلا، لا أقصد نبيلة عبيد كممثلة تؤدي واحد من أدوارها البديعة على شاشة السينما، فنبيلة عبيد من أفضل الفنانات اللاتي قمن بتأدية دور الراقصة، ولها أكثر من تابلوه استعراضي شرقي تناغم فيه جسدها مع الموسيقى بينما عكست ملامحها الجذابة أقسى صور الاندماج. عندما أتكلم عن رقص نبيلة المنتصرة فإنني أتكلم عن رقصتها على المسرح في حلقة من برنامج "نجمة العرب" والذي كثر أمثاله على الفضائيات العربية من برامج اكتشاف المواهب، لتحوز على اهتمام ومتابعة المشاهدين على اختلاف مشاربهم وأهوائهم. عادة لا ألتفت لتلك البرامج، لكنني وبالصدفة وقعت عيني على كليب رقص "نبيلة عبيد" على المسرح وهي تعيد أحد مشاهد رقصها من فيلم "الراقصة والسياسي". وأصابتني الدهشة الممتزجة بالإعجاب.
نبيلة الآن ليست نبيلة الثمانينات، هذا مؤكد، لكن روح نبيلة الآن هي ذات الروح التي تمتعت بها النجمة الضحوكة من قبل. وبينما هي ترقص على الأنغام الشرقية الفرحة، وجدتها تغمض عينيها وتستمتع باللحن، تستحضر ذات الحركات التي استخدمتها منذ أكثر من عشرين عاماً، تحرك جسدها المتناسق وتنتشي بالموسيقى، فتثير إعجاب الجميع وتنتزع الشهقات من الملايين الذين يشاهدونها على قنوات اليوتيوب.
رقصة انتصار نبيلة كانت على أكثر من عدو. أولئك الذين يكرهون الفن وينتهزون اللحظة التي يقع فيها الفنان وتتساقط أوراق موهبته كما الخريف، فينهالون عليه بالتعليقات التي تنال من هيئته ومظهره وخفة وظله وموهبته. مع كل زلة يزلها الفنان، أو تجعيدة لا يفلح الماكياج في إخفائها تظهر على وجهه، يظهر هؤلاء من العدم، ساخرين، متهكمين، يذكرونه بعذاب القبر، أو يلقبونه ساخرين ب "جدو" أو "تيتا".
عندما رقصت نبيلة، انتصرت أيضاً على شبح المرأة الآخر الذي يؤرق مجتمعاتنا العربية الذكورية العظيمة، والتي تضع للمرأة فترة صلاحية وتعاقبها إذا ما تمردت عليها، فالمرأة إذا بلغت الأربعين "عضمة ناشفة" والويل لها لو حاولت الاستمتاع بأنوثتها والتباهي بها، كان مصيرها السخرية المقيتة والكلام الجارح الذي ينال من مظهرها وملامحها ووزنها وأدائها. المرأة عندما تصل للخمسين أو الستين بالنسبة لهم، يجب أن تركن على الرف، كما علب الطعام المحفوظ، لا يلتفت إليها أحد، وإذا ما حاولت هي لفت الانتباه تكون "كبة" و "خايبة" و تمتهن دعارة الاهتمام attention whore لا جدال في عبثية ما تفعل.
"أنت بتلعبي في الوقت الضايع يا حاجة،"
لاحظ اللقب المقيت. حاجة! أعرف نساء اشتكين من أن أي امرأة محجبة ينعتها الأغراب ب "الحاجة"، وأخريات تجرأن على ترك شعورهن دون صبغة فقط لينعتهن الباعة وسائقي الأجرة بنفس الكلمة الكئيبة.
حاجة، في هذه الكلمة تلخصت كل عقد الشعوب العربية، فالحاجة هي المرأة العجوز المنسية المريضة المنكسرة الشفافة والتي لا يراها أحد. الحاجة هي المرأة العربية التي غفل عنها الزمن، وتركت في الخلفية بينما يتقدم العالم للأمام.
الكوميدي في الشعوب العربية هي الازدواجية التي يعاني منها معظمهم سواء رجال أو نساء، فبينما يتهم معظمهم نبيلة عبيد بأنها "عجوزة" و "عيب على سنك" يبدي الجميع الانبهار بهيلين ميرين السبعينية والتي مازالت تحتفظ بأناقتها ورشاقتها، أو بكيت وينسلت والتي مازالت تظهر جمالها من خلال فساتين السواريه الأنيقة.
ومالذي فعلته نبيلة إذاً؟
في برنامجها تحدثت نبيلة عن مدى إخلاصها لفنها واهتمامها برشاقتها، حتى أنها ضحت بالأمومة من أجل الفن ولئلا يزداد وزنها فينفر منها الجمهور. وعلى المسرح، بينما هي ترقص مستحضرة روح سونيا سليم، الراقصة الأثيرة والتي صاغها وحيد حامد في فيلم "الراقصة والسياسي" لتبدع نبيلة في تجسيدها، أثبتت نبيلة أنها مازالت تحترم تاريخها الفني وجمهورها، فبدت في كامل أناقتها وجمالها ورشاقتها، ترقص بخفة وشياكة، فتحرك القلوب.
بعد مقالات كثيرة مزعجة، تحدثت عن لجوء نبيلة عبيد لعمليات التجميل مما ترك ملامحها جامدة وبلاستيكية، وبعد تجاهل تام لتاريخها الفني وعذوبة أدائها، وعجز السينما عن توفير أدوار تلائم المرحلة العمرية التي تتصدرها نبيلة وزميلاتها من قامات السينما المصرية، وقفت نبيلة على خشبة المسرح، ترقص، تبتسم، وتستمتع بالموسيقى، والتي بدا أنها خارجة من جسدها وليس من مكبرات الصوت. أثبتت نبيلة للعالم أن المرأة قد تكبر في السن وقد تختلف عن بداياتها كشابة صغيرة وطائشة، لكن النظرة إليها بدلاً من أن تكون هجومية وعدائية، ربما توجب أن تصبح مرحبة، متفهمة لتغير الزمن، وتعاقب آثاره على الوجه والجسد.
حتى وإن استنكر البعض تعامل غيرهم مع الزمن، عليهم تقبل الاختلاف، وربما ولو اللحظة، أن يهبطوا من أبراجهم العاجية ويستقبلوا أولئك الذين أحبوا الحياة ما استطاعوا إليها سبيلاً، حتى ولو على واحدة ونص!



#جيلان_صلاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عزيزتي المرأة المصرية، نعم أنت عنصرية


المزيد.....




- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جيلان صلاح - ورقصت نبيلة