أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد جبر - عناق














المزيد.....

عناق


عبد جبر

الحوار المتمدن-العدد: 4783 - 2015 / 4 / 21 - 22:01
المحور: الادب والفن
    



مهداة الى الصديق عبد الرضا حمد مع التحية


نسمات الصباح تهزج بسعادة وهي تطارد ذيول الغبش العكر المزاج ، قطرات ندى منزلقة بانتشاء تلهو بلمعان بريقها المتقافز فوق سياج المدرسة ، طرق على الباب الحديدي الخارجي للمدرسة يصاحبه زعيق مبحوح محرج ومناداة على معيوف الحارس المنهمك منذ ثلاثة أيام بلياليها في تنظيف وترتيب القاعات ويهيئها لاستقبال معرض الأعمال اليدوية والتاريخ الطبيعي الذي يقام سنويا في أحد مدارس المدينة ، وهذا العام من نصيب مدرسته وهو ينتظره بشغف ويعد له الأيام التي تمر عليه ببطء شديد .
- معيوف ... معيوف ، وصل الضيوف ... أفق يكفي نوما وافتح الأبواب .. مثل من فز من حلم مرعب ، قفز بخطوات مرتبكة فزعة نحو الباب الخارجي للمدرسة وفتحه على مصراعيه أمام وفود المدرسين والحيوانات والطيور المحنطة ، وبفرح غامر فغر فاه,فهو لم يصدق ما تراه عيناه وهما تدوران بقلق مشوب بفرح في محجريهما وشارباه الكثان يهتزان بدهشة عصية على الإدراك وبين الفينة والأخرى يرفع بنطاله الذي يتهدل لهزال جسده الضامر .
يصغي الى لغط الحيوانات والطيور ( المحنطة ) المتقافزة في عراء القاعة بحماسة وازدراء ، الطيور تهذي في نومها وبعض العصافير الصغيرة تلوذ به خائفة فتختبئ في جيوبه وهو يعبأ النسيان في أكياس لا يعنيه لغط الغيوم الغافية على تنهدات السماء ، والقاعة غاصة بالزوار المصفقين بأذرع خفية .
هناك اسماك بعيون شيطانية تلصف بخبث وفكوك ملطومة تحت صفوف أسنان صغيرة متيقظة لالتهام هلاميات سكان اقفاص الحياه الزجاجية وباحثة عن أهاليها وسط نباتات نهرية تتلوى طوال الوقت بغنج .
سلاحف أقل مهارة على الاصطياد تتلذذ بغفوات طافية على أحلام تزاوج وشيك .
تلك الهياكل العظمية لم يلقي عليها احد تحية الصباح سوى معيوف وكل مساء يلقي عليها وحده تحية المساء أيضا لأنها ببساطة لا تعني احد سواه .
طيور ملونة بأناقة باذخة مدججة بالشغب تجلس على ركبتيه ، طيور قادمة من حدائق وغابات نائية يعتقد إنها تتلصص على خباياه وتشاكسه مبتهجة ، زواحف مسكونة بالبحث عن هجرة في فلوات متشظية وحفر وشقوق ناصعة الفوضى تبحث عن ظلام عميق مستديم أسفل كل الحيطان للاختباء عن شتات رعب يترقبها ويترصد حركاتها في خواء غياب سحيق .
كان يظن ان السحليات وبعض المحنطات أشد مكرا لتنسحب لائذة من مخابئها وجحورها المعدة سلفا بعناية ، كان طوال الوقت يمسد بيديه الابويتين على فراءها الناعم .
في مساء ينتظر الظلمة بشغف ، المحنطات تحلق وحدها في سماء القاعة ولزواحف تدب منتشية ، فوجدها معيوف لعبة مسلية وهي ترافقه وتحف به اثناء تقافزها وهو يلعن الرماة الذين سببوا بعض الجروح والندوب لهذه الحيوانات المسالمة المسكينة الهانئة بمراراتها وحريتها وبحثها المستديم عما يؤكل .
ستسيل الظلمة بوهن هذه الليلة وبمزيد من الترف ستدفع المحنطات الصمت نحو ثقوبها وجحورها وهي تمسد باصابعها وحراشفها الحانية على رأس معيوف الذي لا يتوقف عن الاهتزاز وعيونه الملتمعة بالعمى تعيد تشكيل الممرات والنوافذ والحيوانات المحنطة والمتعانقة بألفة منهكة ، الحيوات الحاملة بنوم طري والصوت يحوم حول مناقيرها وأفواهها ويمطر هرمه ورفيفه الاخرس .
المكان ..
فكر معيوف ربما هو المكان الوحيد الذي لا يسمع فيه أوامر ... فستختفي زوجته الرعناء وكذلك مدير المدرسة المتقزم في اكوان بعيده ونائية فقط هو وحده يدب بخفه مع الزواحف على أرضية القاعة ويشعر بهناء غامر وهو يرفرف باجنحته الهلامية مع الطيور المحلقة في فضاء القاعة التي بدا له انه يراها تتسع لسموات اخرى تلاحق طيوره المرفرفة بمرح مطلقة اصوات ملائكية يسمعها للمرة الاولى في هذا المكان .
- مسكين لقد رحل عقله مع رحيل المعرض .
قالها مدير المدرسة دون اكتراث .
بحيادية ينظر المارة الى معيوف لأن أمره لا يعنيهم ، كانوا يهمهمون بكلمات مبتورة ويمضون الى غاياتهم التي يجهلها ولا يأبه بها لانهم ببساطة لا يعنون اليه شيئا ، كانوا واضحين مثل ظهيرة قائضة الا هو فقط كان غائما طوال الوقت ، يركض ... يتبع العربات ويصرخ يهستيرية في وجوه الحمير التي تجرها .
كان يرى النسوة تنحني على التراب تفتش عن أشياء مبهمة غارقة في التلاشي والفقدان وصخب رنين غائص في الصغر والفوضى وعارية من التسمية تدميها عتمة نادرة .
مسكين ..
يركض الصبية خلفه في الازقة والحواري ..
- طار .. طار .. معيوف الخمار .
وصل الى باب القاعة منهكا ، سقط مغشيا عليه حينما لم يجد المحنطات نظر بألم وعتاب عميق الى الحارس المناوب الذي قال بدوره
- كان معيوف في حياته وفي موته أيضا .
تلوى معيوف مترنحا وغامت في عينيه القاعات والمدرسة والاشجار .
البعض ظنوه مازحا لكنه مات بجد .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...
- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد جبر - عناق