أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الباسوسي - تلاشي (قصة قصيرة)














المزيد.....

تلاشي (قصة قصيرة)


احمد الباسوسي

الحوار المتمدن-العدد: 4777 - 2015 / 4 / 14 - 08:57
المحور: الادب والفن
    


التصقت صورة ذلك الشاب القصير المتباهي الأرعن في تلافيف أعصابي التي فارت بفعل طلقات الرصاص الطائشة التي بثها لسانه المنفلت تجاهيٌ قبل أن يقلب وجهه الاسمر النحيل المختبئ خلف نظارة طبية سميكة ويختفي بسرعة، كأنه تقمص دور أُولئك الارهابيين الذين اعتادوا تفجير قنابلهم عن بعد هذه الأيام والاختباء بسرعة. لأول مرة أشعر فعليا بدوران الأرض، أو دوراني على الأرض، كان كل شيء يهتز حولي وداخلي. أيقنت أن الكون لم يعد يتسع سوى لهؤلاء الحمقى والارهابيين. دارت رأسي المتورمة مع عجلات السيارة العتيقة كأنها تستجير بها لكي تسرع بالولوج داخل فضاء متمدد يتسع لشجني المهول الذي يتكاثر مع مرور الدقائق. كأني أبحث عن رحم أمي لاختبأ داخله في تلك اللحظة الفريدة من الزمن. صعدت السيارة الكوبري وهبطت. كان سور القاهرة القديم، والسيارات والناس يصخبون، ويتعاركون بالأيدي واللسان. مالت السيارة يسارا، توقفت أمام المبنى التركوازي لعلاج سرطان الطفال. التقطت أنفاسي، دلفت مهموما الى الداخل. مهمة شاقة يجب أن أنفذها حتى لو تشققت رأسي، أو انسحقت تحت أقدام أحد أجلاف هذه الأيام، حيث اكتفى والديه بالنفخ في بالون ذاته فتورم، وصعد للسماء، وأصبح طبيبا لا يرى سوى ذاته ومصالحه ولا شيء آخر. عند الزاوية كان صديقي يقف مشدودا، متوترا بالقرب من الباب، وكانت طفلته الشقية تحاول التملص من قبضته لتفر في الفضاء مع عشرات الاطفال الذي كانوا يصخبون، ويملؤون المكان مرحا وشقاوة وحيوية بأرديتهم النظيفة الجميلة. التقطتها، رفعتها الى أعلا لأقبلها، ضحكت بقوة، كأن السماء هي التي ضحكت، احتوتني ابتسامتها وعينيها بدرجة أشعرتني أن الدنيا كلها معي. دلفت مع والدها للداخل، المكان يغص بالأطفال والامهات الشابات، ودوران متواصل لا يتوقف في مختلف الجوانب والزوايا لأطباء شباب وممرضات، وفنيين وموظفين وعمال. كانت حركة الأطفال وهم يمرحون، ويجرون خلف بعضهم على الارضية الملساء الناعمة النظيفة مثل ملائكة السماء تشعرني بانقباضه متوترة، موجعة بشدة، ترى كيف يفعلها هؤلاء العفاريت على الرغم من تلك الكرات النارية التي تعشش بعناد وصلف داخل رؤوسهم وأحشائهم، والمستعدة للانقضاض على هؤلاء الملائكة في جزء من الثانية، وفي أي لحظة فيذوي بسرعة، ويموت بسرعة أيضا؟. سارعت مع صديقي الى احدى الغرف لترتيب أمر ما بخصوص العلاج، استقبلتنا الطبيبة الشابة الجميلة بحميمة وود، أخبرتنا بالترتيبات العلاجية في المراحل القادمة، أخيرا انزاح العبوس الذي تملك صديقي منذ أن التقاني، مددت يدي لفتاتي الصغيرة اقبلها ثانية وأسعد بابتسامتها، وكانت تحاول التملص من كلانا لكي تنطلق حرة من دون قيود، نصحته أن يحررها من قبضته، غادرنا المكان الى الفضاء الخارجي الواسع خلف الباب الرئيسي، كانت تجري وتمرح أمامنا، ترمقنا أحيانا بنظرة للخلف ثم تعدو للأمام. وبينما كنت منشغلا مع صديقي في احاديث السياسة والناس، ونحن في طريقنا للسيارة اكتشفت ان صورة ذلك الشاب الأرعن المتباهي لم تعد موجودة في وعيي ولا في ذاكرتي، كأنها تلاشت أو تضاءل حجمها مثل صاحبها الذي سوف يعيش وحده ويموت وحده ولن يستلفت اهتمام أحد أبدا.
احمد الباسوسي
13/4/2015



#احمد_الباسوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصعيدي الذي قهر الفصام


المزيد.....




- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...
- أحمد عايد: الشللية المخيفة باتت تحكم الوسط الثقافي المصري
- مهرجان -شدوا الرحال- رحلة معرفية للناشئة من الأردن إلى القدس ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...
- لغز الإمبراطورية البريطانية.. الإمبريالية مظهر للتأزم لا للق ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الباسوسي - تلاشي (قصة قصيرة)