الأستاذ مهدي محمود
الحوار المتمدن-العدد: 4774 - 2015 / 4 / 11 - 11:01
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
التواطؤ الأوروبي والصمت الأمريكي بدا واضحاً في تنامي الدور الإيراني في المنطقة، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما سُئل عن متطرفي السنة ومتطرفي الشيعة أيهما أشدُ خطراً" قال: يبدو أن نظام المرشد علي الخامنئي أكثر عقلانية، والميليشيات الشيعية، أكثر انضباطا، بعكس الميليشيات السنية المتفلتة" إذاً قررت أمريكا أخيراً حسم أمرها، في المنطقة بأن وضعت ثقتها بالنظام الإيراني، ضاربةً مصالح حلفائها العرب عرض الحائط، فأمريكا لا يهمها في النهاية إلا مصالحها في المنطقة، والكل يريد أن يتعامل ويتعاون مع القوي، وإيران تبدو القوة الإقليمية الأبرز في المنطقة، وبمجرد عقد اتفاق بشأن برنامج إيران النووي، ستفتح الأسواق العالمية، على الأسوق الإيرانية المتعطشة، للمنتجات الأوربية والأمريكية، لذلك لم يعد يخفى على أحد وجود قاسم سليماني في العراق، مع قادة البيشمركة، بعد أن كان دور إيران يقتصر على دعم المواليين لولاية الفقيه، وتتكشف الحقائق تباعاً، فبعد انسحاب تنظيم الدولة الإسلامية من ديالى وبعقوبة تدخل الميليشيات الموالية لفيلق القدس وترتكب مجزرة مروعة بحق المدنيين راح ضحيتها 70 مديناً، وعُلقت أجساد 15 شاب على أعمدة الكهرباء بحجة مبايعة تنظيم الدولة، وحتى في سورية بعد انسحاب تنظيم الدولة من عدة مناطق في ريف دير الزور تمكن الأسد من بسط سيطرته على تلك المناطق.
كما بدا واضحاً أيضاً أن المناطق التي تخضع لتنظيم الدولة ليس أمامها إلا خيارين إما أن تبقى تحت حكم تنظيم الدولة، أو ستعود لأحضان أتباع إيران الذين يسومونها سوء العذاب، بعد انسداد الأفق عبر تسوية يكون فيها بارقة أمل للمناطق المحررة، فتجربة الصحوات لن تتكرر ثانية في العراق، وهذا التهريج الإعلامي، لم يعد مجدياً، فلقد تنصل رئيس الوزراء العراقي حيدرالعبادي من وعوده بضم العشائر السنية المسلحة في الحرس الوطني، بحجة عدم وجود سيولة مادية، في موازنة عام 2015بعد هبوط أسعار النفط، فسياسة التهميش والتطنيش التي تتبعها واشنطن مع المجمل السني السوري والعراقي على حد سواء، بدت سياسة خرقاء، ولن تؤدي بالنهاية إلا إلى مزيد من الاحتقان والاحتراب الطائفي وسيساعد على نمو وازدياد قوة تنظيم الدولة التي هي المستفيد الأول والأخير من تهميش السنة في سورية والعراق.
وعموماً السياسة الأمريكية والإيرانية في المنطقة ليست مستغربة، فالسياسة تندرج تحت إدارة مصالح الدول، ولكن المستغرب هو تشرذم القرار السياسي العربي، فبعد أن كانت إيران البعبع والغول الذي يريد أن يأكل المنطقة " حسب ما كان يصرح قادة العرب" نجدهم اليوم قد ارتموا في أحضان هذا الغول الإيراني، وقبلوا بتصوراته ورؤيته، بدءاً بإبقاء الأسد في السلطة، لفترة محدودة، ثم القبول بأي حل سياسي، ثم تخليهم عن تسليح المعارضة، بل وحتى أجهزتهم الإعلامية بدأت تفقد حماستها لنصرة الشعب السوري، وظهرت حالة التلاوم بينهم، فتراهم يحملون قطر وتركيا تفاقم الوضع في سورية، إن المراقب لما يجري في الساحة العربية يعلم ويستشف بأن قادة العرب سيتخلون عن سورية كما تخلوا عن اليمن، ولم يعلم هؤلاء القادة أن الشعب السوري لما خرج، في ثورته المباركة لم يكن قلبهُ ليركن إليهم أبداً، بل تعلق قلبه بالله أولاً وأخيراً وقال: كلمته الشهيرة "مالنا غيرك يالله" ولكن هؤلاء القادة هم الذين أرادوا أن يستغلوا ويوظفوا جهاد الشعب السوري، ليرفعوا من مكانتهم أمام شعوبهم بأنهم أنصار المستضعفين في الأرض، فأبى الله إلا أن يفضحهم أمام العالم أجمع، فلقد ارتموا بأحضان إيران وألقوا بكل أوراقهم، ولم يتركوا بابً واحدً للتفاوض أو المناورة، بل سلموا لها على بياض.
فعلام يتحامل القادة العرب على تركيا الآن، ألم يكن تسليح المعارضة مطروحاً على طاولة المفاوضات، ومحل إجماع دولي وإقليمي؟ ألم يكن تسلل المقاتلين ينظر إليه بعين الرضى من قبل الإدارة الأمريكية، ليجعلوا سورية محرقة للمجاهدين؟
لقد ظل موقف تركيا صلباً وثابتاً من قضية الشعب السوري، لأنها وعت تماماً تصريحات المسؤولين الإيرانيين بأن أي حزب شيعي في المنطقة هو نفوذ لإيران، وستعمل إيران على تدريبه وتأهيله ليكون قوياً في بلده، ولقد نجحت في اختطاف العراق ولبنان واليمن وسورية، بهذه السياسة وهي تصدير الثورة الإسلامية، إلى دول الجوار، فهل تنتظر تركيا حتى تستغل إيران علويي تركيا وتقلبهم على حكومتهم، لتمزيق النسيج التركي، لذلك أراد رجب طيب أردوغان قطع الطريق على إيران، بإسقاط نظام الأسد أولاً، ليضمن تحصين بيته الداخلي من أي تدخل إقليمي، في المستقبل البعيد، فأردوغان سياسي محنك، وهو رجل دولة قوي بكل معنى الكلمة، يعلم مواطن القوة والضعف في تركيا، لذلك آثر خسارة تبادل تجاري بينه وبين إيران، الذي قد بلغ 30 مليار دولار، على وحدة بلاده، وعلم أن هذا الإقبال الإيراني، ما هو إلا طعم من إيران (التقيّة)، لذلك استشعر بالخطر الإيراني، وراه كابوساً، ماثلاً أمامه وهو يرى بأم عينيه هذا الإخطبوط الإيراني، كيف يتمدد شيئاً فشيئاً، تحت سمع وبصر الإدارة الأمريكية، التي تراه الفتى الواعد المُدلل الذي سيحفظ المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، على حدٍ سواء.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟