أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - إِنْتَبِهْ .. أنْتَ مَوْعُودٌ بِتَخَلُّفٍ عَقْلِي!















المزيد.....

إِنْتَبِهْ .. أنْتَ مَوْعُودٌ بِتَخَلُّفٍ عَقْلِي!


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 4768 - 2015 / 4 / 5 - 03:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(1)
المثقفون، خصوصاً المعلقين والمحللين السِّياسيين، لا يهتمُّون، عادة، سوى بالقضايا الكبرى التي تُحدِث فرقعة إعلاميَّة. لكن البيانات التي أدلى بها، مؤخَّراً، رئيس وحدة مكافحة نقص المغذِّيات الدَّقيقة بوزارة الصحَّة الاتحاديَّة في السُّودان، لمفزعة بحق، رغم أنها لم تُحدِث الفرقعة المطلوبة. فقد كشف الرَّجل، في إفادته أمام منتدى جمعيَّة حماية المستهلك، بالسبت 28 مارس 2015م، عن أن 22% من جملة السُّكان يعانون من نقص "اليود" في أجسامهم، مِمَّا يؤدِّي، فضلاً عن إجهاض الحوامل، وولادة الأطفال الموتى، وموت الأطفال حديثي الولادة، ونقص أو انعدام حاسة السَّمع، وعيوب الكلام، وقصر القامة، وتضخم الغدة الدرقية، إلى مجموعة أمراض "ذهنيَّة"، كـ "التخلف العقلي"، و"تلف الدُّماغ"، و"تناقص نسبة الذَّكاء"، حيث يولد حوالي 242.400 طفل، كلَّ عام، وهم مصابون باضطرابات مختلفة، وأن 7000 طفل قد يصبحون "مختلين عقليَّاً"، وأن 24.000 يعانون من "تخلف عقلي حاد"، و210.000 سيكبرون وهم يعانون من "خلل ذهني" (اليوم التالي؛ 29 مارس 2015م).
الحكومة نفسها استشعرت الفزع، على ما يبدو، إزاء البيانات المشار إليها، والتي ربَّما كانت أخطرها الأرقام المتعلقة بـ "التخلف العقلي"، فانتفضت، فجأة، كمن يدفع عن نفسه تهمة ما، لتسارع إلى تأكيد اهتمامها بشريحة "المعاقين ذهنيَّاً"، وذلك من خلال خطاب عبد الرَّحمن الصَّادق، مساعد رئيس الجُّمهوريَّة، أمام مؤتمر علمي عن "الإعاقة الذهنيَّة" تصادف انعقاده بعد يومين، فقط، من منتدى حماية المستهلك، حيث قال إن رئيس الجُّمهوريَّة أصدر توجيهات مهمَّة بتنفيذ احتياجات ذوي "الإعاقة الذِّهنيَّة" في الصَّحَّة، والتَّعليم، والتَّمكين الاقتصادي، والعيش اللائق (اليوم التالي؛ 31 مارس 2015م).

(2)
غير أن بيانات حماية المستهلك لا تتحدَّث عن احتياجات شريحة "المعاقين ذهنيَّاً" عقب الإصابة بـ "الإعاقة"، وإنَّما عن أسباب هذه "الإعاقة"، أصلاً، ومن أهمِّها نقص الغذاء. فما مِن عنزين ينتطحان، يقيناً، على مسؤوليَّة الحكومة عن نقص الغذاء، أو عدم سلامته، مِمَّا تترتَّب عليه كوارث وأمراض تشمل الإصابة بـ "التخلف العقلي" mental retardation الذي هو انحطاط في نسبة الذكاء يُعجز صاحبه عن التعلُّم صغيراً، وعن تدبر أموره كبيراً، دَعْ أن تصل نسبة هذه الإصابة إلى 22%، مِمَّا يُشكِّل "فضيحة" بامتياز!
فمع الإقرار بمسؤوليَّة المستهلك الذَّاتيَّة عن التَّسلح بقدر من الوعي لدى تسوُّق غذائه، فضلاً، بالطبع، عن مسؤوليَّة المنتجين، والمصنِّعين، والموزِّعين، وتجَّار التجزئة، أو مَن يُطلق عليهم "شبكة إمداد الغذاء"، إلا أن المسؤوليَّة الكبرى عن الإشراف على كلِّ هذه الشَّبكة، وضمان توفير الغذاء السَّليم بتكلفة معقولة، إنَّما تقع، في نهاية المطاف، على عاتق الحكومة، إذ أن من أهمِّ وظائفها المحافظة على الصَّحَّة العامَّة، ومنع ظهور أو انتقال الأمراض، بسبب سوء الغذاء، أو نقصانه، سيَّان، وذلك برسم السِّياسات والاستراتيجيَّات اللازمة، وتحديد النُّظم والمواصفات الفعَّالة، وسنِّ التَّشريعات والقوانين الرَّادعة، وتطبيق المعايير الدَّوليَّة بشأن الحماية من مخاطر الأغذية، سواء المنتجة محليَّا أو المستوردة؛ وقبل ذلك كله، بل فوق ذلك كله، محاربة الفقر بتطبيق شكل معقول من العدالة الاجتماعيَّة التي تحول دون إصابة الناس بـ "الأمراض العقليَّة" بسبب الحاجة التي تجبرهم على تعاطي غذاء فاسد، أو ناقص القيمة.

(3)
حديثنا ينصبُّ، هنا، على "التخلف" بدلالته "الجَّسديَّة" و"العقليَّة"، لا دلالته "الفكريَّة". فالأخيرة بدأ تناولها منذ مطالع خمسينات القرن المنصرم، في إثر هزيمة النَّازي، وانهيار النظام الاستعماري القديم، ورفرفة رايات الدِّيموقراطيَّة فوق قبَّة العالم، وتدشين حصول الكثير من بلدان العالم الثَّالث على استقلالها السِّياسي. وقد استتبع تناوُلُ "التخلف" بهذه الدلالة، منذ ذلك الوقت، مباحث متعمِّقة لشبكة من المعارف والعلوم السِّياسيَّة، في حقول الاقتصاد، والاجتماع، والأنثروبولوجيا، وغيرها، شاملة ما يُعرف بـ "اقتصاد التَّخلف"، و"اجتماع التَّخلف"، وما إليهما، مثلما استتبع، لاحقاً، الكثير من أطروحات علم النفس الاجتماعي، كمدخل بحثي إلى سيكولوجيَّة الإنسان المقهور، وتفسير "التَّخلف" على صعيد سلوك الإنسان، وقيمه، وردود أفعاله المختلفة، رغبة في تجاوز وضعيَّة القهر السَّابقة، سواء قهر السُّلطة أو قهر الطبيعة، والوصول إلى التوازن النفسي المطلوب.
وتختلف أعراض "التَّخلف الاجتماعي" عن أعراض "التخلف العقلي"، بحيث ينبغي عدم الخلط والتَّخليط المنهجيَّين بينهما. وكمثالين لأعراض "التَّخلف الاجتماعي": "دَوْرُ التعليم"، حيث لا يعدو كونه محض قشرة خارجيَّة ما تلبث أن تنهار عند الأزمات، فهو لا يشتغل كعامل تكامل للشَّخصيَّة، بل كمظهر لانفصامها. أمَّا المثال الآخر فهو الانجذاب إلى "الماضي"، من حيث الاستمساك بالتَّقاليد، أكثر من التَّصدي لإشكاليَّات الحاضر أو المستقبل، فكلا "الإنسان المتخلف" و"المجتمع المتخلف" سلفيٌّ بالأساس.

(4)
لقد رُزئت بلادنا بـ "التَّخلف"، جرَّاء تاريخ طويل من التَّدخُّل الاستعماري، ومن التعسُّر الوطني. لكن، لئن جاز القول بأن ثمَّة ما هو أسوأ من هذا "التخلف الاجتماعي"، فهو "التخلف العقلي" الذي يعدنا به، الآن، واقع سياساتنا "الغذائيَّة" و"الصِّحِّيَّة" المزرية، نحن الذين لم نكفَّ، يوماً، مثلما لم يكفَّ الآخرون، أيضاً، عن وصف بلادنا بـ "سلة غذاء العالم"!
هذا "التخلف العقلي" يصنِّفه العلماء أوَّلاً في "أعراض جسـديَّة" تتمثَّل في بطء النُّموِّ الحركي، وصغر حجم ووزن الجِّسم، ونقص حجم ووزن المخ، وتشوُّه شكل وتركيب الجُّمجمة، والفم، والأذنين، والعينين، والأسنان، واللسان، والأطـراف، وضـعـف واضطـراب النَّشـاط عمومـاً؛ ويصـنِّفونه، ثانياً، في "أعراض عقليَّة" تتمثَّل في بطء معدَّل النموِّ المعرفي، ونقصان نسبة الذَّكاء، وعدم انسجام القدرات، واضطراب الكلام، وضعف الذَّاكرة، والانتباه، والتَّركيز، والإدراك، والتَّعميم، والتَّخيُّل، والتَّصوُّر، والتَّفكير، والفهم، وضعف التَّحصيل، ونقص المعلومات، والخبرة، والعجز الجزئي أو الكلي عن كسب الرِّزق، والمحافظة على الحياة؛ ويصنِّفونه، ثالثاً، في "أعراض انفعاليَّة"، كالتقلب، والاضطراب، وبطء الانفعالات، وغرابتها، وسرعة التَّأثر، وجمود ورتابة السُّلوك، وقرب ردود الأفعال من المستوى البدائي؛ كما يصنِّفونه، رابعاً، في "أعراض اجتماعيَّة" تتمثَّل في صعوبة التَّوافق، واضطراب التَّفاعل، وضعف الاهتمام، وعدم تحمُّل المسؤوليَّة، واضطراب مفهوم الذَّات.
وللمتخلف عقليَّا صور شكليَّة، من أكثرها شيوعاً صورتا المنغولي والقميئي cretinous؛ فأمَّا الأولى فانعكاس لضعف العقل يتَّسِمُ بوجه مسطح، مكوَّر، تحفُّ به أذنان ضئيلتان، وفم صغير بشفتين غليظتين، وعينان ضيِّقتان، وجفون منحدرة باتِّجاه أنف أفطس قصير؛ وأما الثَّانية فحالة من عجز النُّموِّ الجِّسدي والعقلي تتميَّز بقِصَر القامة، وبروز البطن، وتثاقل الخطى، وخمول وبلادة النَّشاط عموماً.

(5)
تفاقم ظهور هذه الأعراض بصورة جماهيريَّة ليس مستبعداً كأحاجي الجِّدَّات، أو أفلام الرُّعب، أو روايات الخيال العلمي، بل هو حقيقة يُنتظر أن تتجسَّد، حتماً، في جيل أو جيلين، على أكثر تقدير، إذا ما استمرَّ حال نقص الغذاء وسوء التَّغذية على ما هو عليه الآن، بحسب جرس الإنذار الذي يقرعه رئيس وحدة مكافحة نقص المغذِّيات بالسُّودان. فأيُّ شعب هذا الموعود بظهور أعراض "التخلف العقلي" على 22% من بناته وأبنائه، أي ما يربو على خُمس السُّكان، دَعْ الأمراض الأخرى، بينما نحن غير مهتمِّين سوى بقضايا الفرقعات الإعلاميَّة الكبرى؟!
***



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قِيَامَةُ مُنْتَصَفِ لَيْلَةِ 26 مَارِس!
- مَرحَباً بِجَهدِ شَبَكةِ صَيْحة الاستِنَاري!
- عَلِي عُثْمَانْ وَالحِقْدُ الطَّبَقِي فِي السُّودَان!
- مِن نِيو دَلْهِي إلَى الخُرْطومِ إلى بُوغُوتَا: العِلمُ لأجْ ...
- بِانتِظارِ المِيلادِ الثَّالِث: مَنْ هُوَ -دَاعِشُ- اتِّحَاد ...
- فَارُوق وأَمِين: إِطلاقُ سَراحٍ أَمْ تَحْريرٌ بِالقَتْل؟!
- مَرْحَبَاً بِمحمَّد بَنيس وأَسئِلَتِهِ الشَّائِكَة!
- جُوزيف كُونِي: التَّقَرُّبُ إلى اللهِ زُلْفَى .. بِالسَّكاكِ ...
- شَمْلَلَةُ الدُّستور!
- ستيلا: صَفحَةٌ ماجِدةٌ فِي أَدَبِ الحَربِ الصَّافِع!
- أَرَبُ التُّرابِي!
- عِيدٌ بأيَّةِ حَالٍ ..!
- ما الذي حفِظَتْ بِنْسُودا؟!
- الحُكْمُ الذَّاتِّي: كَمينٌ تفاوُضِي بأديس!
- للمرَّةِ الألْف .. مطلوبٌ حيَّاً!
- هَلْ كانَ مُمْكِناً فَوْزُ نَافِع عَلى البَشير؟!
- مِنْ هُمُوم المُجابَهَةِ الفِقْهوفِكريَّة معَ التَّطرُّف!
- من السَّيادةِ الوطنيَّةِ إلى الجَّنائيَّةِ الدَّوليَّةِ .. و ...
- عَشيَّةٌ أسيفةٌ للعيدِ سعيد!
- حقوقُ الإنسان وقانونُ الأمنِ في السُّودان!


المزيد.....




- متى تتوقعون الهجوم على رفح؟ شاهد كيف أجاب سامح شكري لـCNN
- السعودية.. القبض على شخصين لترويجهما مواد مخدرة بفيديو عبر و ...
- مئات الغزيين على شاطئ دير البلح.. والمشهد يستفز الإسرائيليين ...
- بايدن يعلن فرض الولايات المتحدة وحلفائها عقوبات على إيران بس ...
- لماذا تعد انتخابات الهند مهمة بالنسبة للعالم؟
- تلخص المأساة الفلسطينية في غزة.. هذه هي الصورة التي فازت بجا ...
- شاهد: لقطات نشرها حزب الله توثق لحظة استهدافه بمُسيرة موقعًا ...
- ألمانيا تطالب بعزل إيران.. وطهران تهدد بمراجعة عقيدتها النوو ...
- مهمات جديدة أمام القوات الروسية
- مسؤول إيراني: منشآتنا النووية محمية بالكامل ومستعدون لمواجهة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - إِنْتَبِهْ .. أنْتَ مَوْعُودٌ بِتَخَلُّفٍ عَقْلِي!