أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ‎مراد الخشناوي - الجريمة ضد الأنسانية هل هي مسؤولية المنفذ أم المخطط المستفيد ؟ أيخمان نموذجا















المزيد.....

الجريمة ضد الأنسانية هل هي مسؤولية المنفذ أم المخطط المستفيد ؟ أيخمان نموذجا


‎مراد الخشناوي

الحوار المتمدن-العدد: 4764 - 2015 / 3 / 31 - 17:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل كان ايخمان حقا مسؤولا على إبادة اليهود ؟ يقف اليوم أكبر خبراء العلوم الإنسانية مشدوهين أمام هول ما يقترفه الإنسان من جرائم ضد الأنسانية برودة دم ضربت بكل القيم الأنسانية عرض الحائط فتساءلوا عن مدى مسؤولية أخطر المجرمين في تاريخ البشرية ونذكر من أهمهم ايخمان المتهم بإبادة اليهود إبان الحرب العالمية الثانية ترى أرندت أن المسؤوليّة الأخلاقيّة للذّنب دائما ذاتيّة وشخصيّة في حين تكون المسؤوليّة السياسيّة أساسا مسؤوليّة جماعيّة، ولو كان الذّنب جماعيّا في نظرها لما بقي أحد « Nous sommes tout coupable personne ne l’est «
تتساءل حنا أرندت عن معنى المسؤوليّة الشخصيّة في ظل دكتاتوريّة سياسيّة إذ كيف لموظّف مثل " ايخمان " أن يتحمل مسؤوليّة ذنب وهو مجرّد موظف عند نظام توتاليتاري بل أنّ فعله في نظر أرندت لا يعدو أن يكون غير احتراما للقانون Eichman agissant dans tout ce qu’il faisait en cytoyen qui respect la loi.
لقد قام " ايخمان " بواجيه وهو تطبيق القانون لا غير، هكذا صدح المتهّم وهو واقف أمام القاضي محتجّا على محاكمته. فالواجب في نظره هو الخضوع اللاّمشروط للأوامر و للقانون.لم يظهر ايخمان بهذا المعنى إلاّ بإعتباره مواطنا محترما للقانون محبّا لوطنه بل إنّه قام محتجّا أمام الحاكم بفحوى الفلسفة الأخلاقيّة الكانطيّة الّتي تعلى من شأن إحترام القانون والخضوع للواجب. وبالتالي فإنّ سياسة الفهرر والنّظام التوتاليتاري النّازي الّذي اقترف المحرقة هو المسؤول الأوّل عن ذلك أمّا من قام بالفعل فهو مجّرد موظّف. بل إنّ ايخمان قد اعترف أنّ ما فعله أبشع جريمة ضدّ الإنسانيّة، لكنّه لم يبدي في نفس الوقت ندمه، ولم يعترف بمسؤوليته وهذا ما جعل حنا ارندت تعيد النظر في ما أقرّته الفلسفة الكانطية عن راديكاليّة الشّر أو ما يسمى بــــ " الشرّ الأصلي" Mal Radical إلى القول بتفاهة الشرّ Banalité du Mal.
إنّ السيستام التوتاليتارري هو الّذي جعل من الجلاّدين أنفسهم ضحايا يأتمرون بأوامره فينزع عنهم كل إحساس بالذّنب أو بالمسؤولية، وتفاهة الشرّ في نظر حنا ارندت ليس تبريرا ولا تعليلا للذّنب أو للجريمة بل تحويل المسؤوليّة من الفرد إلى المجموعة السياسيّة. فالفاعل في ظلّ الأنظمة الكليانيّة بهذا المعنى ليس منبعا للشرّ بل إنّه مجرّد وسيلة لتنفيذه. تضعنا هنا حنا ارندت أمام مفارقة قوامها أنّ الشّر ليس ذنبا مقترفا يجب تحمل مسؤوليّته من لدن الفاعل بل هو استجابة لأوامر نظام سياسي وطاعة عمياء لأوامره. فرغم ما يحمله مفهوم الشرّ من بشاعة وعنف على الإنسانيّة فإنه يعتبر في إطار النّظام التوتاليتاري مجرّد فعل تافه وهذا ما جعل أرندت تقرّ أنّ ايخمان الّذي انتصبت من أجله محكمة في إسرائيل غير مسؤول عمّا اقترف من جرم وهو براء من كلّ ذنب. " كان من الواضح للجميع مهما كانت أقوال النّائب العام أنّنا لسنا أمام وحش ولم يكن بالإمكان أن نفكّر أنّنا لسنا إلاّ أمام مهرّج ".ايخمان إذن ليس وحشا ولا هو ملك بل إنّه كائن مستلب، آلة مبرمجة لتنفيذ برنامج لسيستام ولخطط وضعت مسبقا من لدن قوّة لا يستطيع غير الإنصياع لأوامرها.لكن إذا كان الإنسان ضحيّة سيستام خارج عن إرادته من جهة السياسة. فهل هذا يعني نفيا لما يحمله هذا الكائن من إكراهات داخليّة وعوائق ذاتيّة تدفعه لفعل الذّنب ؟. أليس الإنسان بمحدوديّته " كائن خطّاء " كما عّرفه بول ريكور. وأنّ إمكانية الشرّ متأصّلة في تكوينه la possibilité du mal morale est inscrite dans le constitution de l’homme
إنّ ما يمكن أن نستشفّه من خلال بعض المقاربات الفلسفيّة لا سيّما مقاربة ريكور، أنّ الذّنب يطرح في إطار محدوديّة الكائن الإنساني وتناهيه وهو ما يطلق عليه ريكور مفهوم " اللاّعصمة ". وهي إمكانيّة لوقوع الإنسان في االخطأ لذلك يرى ريكور من خلال ذلك بإمكانيّة وجود الشرّ في العالم و "هي إمكانية منقوشة في تكوين الإنسان".
وهو ما عبّر عنه ليبنيتر أن محدوديّة الإنسان هي فرصة الشرّ المعنوي لكن ريكور يرى أنّ المحدودية والتناهي غير كافية ليصدر عنها الشّر بل يمكن أن نضيف إليها عدم التناسب بين الإنسان وذاته، فاللاّتناسب إذا هو قدرة الإنسان على الخطأ وإمكانيّة فعل الشرّ، فالشرّ إذن هو إنتقال من اللاّعصمة إلى الخطأ " الشر هو عبور من اللاعصمة إلى الخطأ ". لكن هل أن الشرّ يعبّر عن ماهيّة الإنسان وجوهره ؟ يجيبنا ريكور بلا، ويؤكّد أنّ العلاقة بين الإنسان والشرّ هي مجرّد علاقة عرضيّة، فالشر دائما في ضديّة مع الإنسان رغم أنّه إمكانيّة فهو " ما لا يجب أن يوجد ".
Le mal n’est pas un chose un élément du monde un substance….
الإنسان بهذا المعنى ليس مطبوعا على الشرّ ولا يمثّل بذلك جوهره ولا ماهيّته كما أكّدته الديانات والأساطير، بل إنّ الشرّ مجرّد عرض من أعراضه وهو نتيجة طبيعية إن لم نقل حتميّة للهشاشة والمحدوديّة واللاّعصمة. فهو رغم ما يملكه من قدرة عقليّة هائلة إلاّ أنّه كائن ضعيف تتقاذفه الأهواء والإنفعالات الداخليّة وقوّة العالم الخارجي وبالتّالي فإنّه يمكن القول مع ريكور أيضا أنّ" الضعف يجعل الشّر ممكنا ".
يمكن أن نفهم الضعف الإنساني في معاني كثيرة، في المحدوديّة والهشاشة والفرصة السانحة إلى جانب توسط الإنسان للواقع ووجوده كجامع لأكبر الأضداد بل هو الأضعف في حلقات الواقع ولو استعرنا روايات السقوط والخطيئة الأولى الّتي ترويها الأديان والأساطير لقلنا أنّ إمعان الإنسان في الضعف هو سبب السقوط. فرمزيّة حوّاء كما يراها ريكور إنّما تدلّ على الإنتقال من الضّعف إلى الإغراء ومن الإغراء إلى السقوط، فالشرّ في نظر ريكور وباعتباره لا يمثّل ماهيّة الإنسان فهو "هذا الذي نصارعه"، وهو ما لا يجب أن يوجد، وهو يأتي للإنسان كما الخارج بالنّسبة للحريّة " فالإنسان بذلك ليس أصل الشرّ بل أنّه صادفه فاستأنفه".
إذا كان ريكور قد أكّد أن وجود الذّنب وأصل الشرّ يعود إلى الهشاشة، فإنّه بقى وفيّا للمرجعيّة الكانطيّة. فالشرّ في نظر كانط نابع عن الرّغبة والحساسيّة، ورغم اعتراف كانط علنا في كتاب " الدّين في حدود العقل " بصعوبة سبر أغوار الشرّEst Insendable. وهو موضوع ملغز inscrutable. فالحريّة غير المسؤولة وغير المطابقة للقانون هي أصل الشرّ في نظرا كانط. وبالتّالي فإنّ الشرّ نابع من الإرادة غير المشروطة، وهو بالتّالي ما يخالف الأمر القطعي النّابع من الإرادة الطيّبة.
كما أنه لا وجود لعدم في فلسفة كانط النظريّة،ّ فإنه أيضا لا وجود لشرّ في فلسفته العمليّة، فالشرّ هو مالا يتطابق مع الخير، فإذا كانت التجربة محكومة بقوانين الحتميّة الفيزيائيّة الصّارمة، فإنّ الأخلاق محكومة بقوانين الواجب الأخلاقي بينما الشرّ لا يحكمه أيّ قانون. فهو حريّة غير محكومة بقانون صارم أو بأمر قطعي.
Pour donner un fondement de mal moral dans l’homme la sensibilité contient trop peu car en étant les motifs qui peuvent naitre de la liberté.
إنّ الطبيعة في نظر كانط ليست منبعا لا للخير ولا للشرّ الموجودة في الإنسان بل إنّ الإنسان وحده المسؤول عمّا يصدر عنه من أفعال، فالخير والشرّ في الحقيقة ليسا فطريين فينا، بل إنّهما نتيجة استعمالنا للحريّة، وحدها الحريّة مصدر كل ما هو خير أو شرّ فينا.فالشرّ في نظره جذريّ لأنه جزء من الطبيعة البشريّة لكنّه ليس فطري لأنّه لا وجود لشرّ أخلاقي دون حريّة. وبالتّالي فإنّ الإرادة الشرّيرة هي بالأساس حريّة مطلقة وأن الأصل في نظر كانط ليس الشرّ ولا الذّنب بل إنّ الأصل هو الإرادة الطيّبة وما يخالفها فهو عَرَضٌ. أساس الشرّ إذن في القاعدة الذاتيّة الّتي أقامتها الإرادة الحرّة لذاتها في ممارسة حريّتها. وبالتّالي فإنّ الخير والشر الحاضران في الإنسان هما غرائز بإعتبارهما وضعا كأساس أوّلي في جبلّة الإنسان قبل أيّ استعمال للحريّة في المجال الخارجي أي قبل أي ممارسة عمليّة " هذان الأساسان الأوّلان يتصوّران على أنهما غرائز شبّ عليهما الإنسان منذ الولادة دون أن تكون الولادة هي سببهما ".الإنسان إذا في استعداد دائم على فعل الشرّ كأنه من طبيعته رغم أنّه مجرّد استعداد غريزي قد يصبح فعلا منجزا إلاّ جرّاء استعمال الحريّة. فإنّ كانط يقرّ أنّ "الإنسان واع بالقانون الأخلاقي لكنّه في مسلّمته وافق على الإبتعاد ظرفيّا عنه". وهذا الأمر يدخل في إطار ضعف الإرادة أو الهشاشة ولا يمسّ طبيعة الإنسان الخيّرة بكليّتها.
إنّ الأصل في أن يكون الإنسان خيّرا أو شرّيرا هي الإرادة الحرّة أو الطريقة والمسلك الّذي سلكه ذلك الكائن في استعماله للحريّة.التناهي هو الصفة الغالبة للواقع الإنساني، الإنسان هو الكائن المخلوق المتناهي بالمقارنة مع اللاّنهائيّة الإلهيّة.الإنسان المتناهي كحبّ، كرغبة، و كإنفعالات متضاربة، الإنسان الخطّاء كما صوّره ريكور، ذلك الموجود الّذي يتّسم بالبؤس، إنسان النّفس البائسة الّتي جسّدها للفناء، هي النّفس المرتبكة الّتي تجاهد نفسها بالإنتقال من المحسوس إلى المعقول و البحث في الوجود.البؤس إذن هو محدوديّة أصليّة هو شرّ أصلي.هذا الكائن الهجين الّذي صوّره أفلاطون بين رغبات جيّاشة وعواطف متضاربة وبين عقل يتوق نحو المستحيل، هو أيضا الكائن الهجين الّذي صوّره كانط، الّذي لا يمكنه أن يعرف ولا أن يدرك إلاّ بجمع هجين بين الفاهمة والحساسيّة."أخيرا ما هو الإنسان في الطبيعة عدم بالنّسبة للاّنهائي وهو كلّ بالنّسبة للعدم وهو وسط بين لا شيء وكلّ شيء". الإنسان متموضع بين البداية والنهاية، هو مؤقّت، نسبيّ وغائيّ لنعرف إذن مدانا، نحن شيء ما ولسنا كلّ شيء، ما نكوّنه يحجب عنّا معرفة المبادئ الأولى الّتي تولد من العدم والقليل الّذي يملك كينونته يخفي علينا رؤية اللاّنهائية. إنّها وضعيّة كائن بائس فان، لا يدرك جيّدا ماهيّته، لا يعرف أصله ولا مصيره، إنّه وضع الإنسان المثير للسخريّة، إنّه وضع العاجز، اللاّمستقر، الواهم أيضا، إّنه الإنسان الحامل للشرّ " فمن الشر أن يكون الإنسان حافلا بالأخطاء لكن الشرّ الأكبر أن يكون عنده كلّ هذه الأخطاء ولا يعترف بها" .التناهي يظهر في كون الإنسان لا يظهر له العالم إلاّ من خلال توسّط الجسد المتناهي، وقد سمّاها كانط " توسطيّة التلقّي " ، أي عدم مقدرة المتلقي لضعفه.



#‎مراد_الخشناوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذّنب مقاربة علميّة : علم النفس نموذجا
- العدل بين الإنصاف والتشفي


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ‎مراد الخشناوي - الجريمة ضد الأنسانية هل هي مسؤولية المنفذ أم المخطط المستفيد ؟ أيخمان نموذجا