أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عمر عودى - كوميديا الموقف في التلفزة العربية: أربعة أسس لتحقيق مقصدية الإقناع















المزيد.....

كوميديا الموقف في التلفزة العربية: أربعة أسس لتحقيق مقصدية الإقناع


عمر عودى

الحوار المتمدن-العدد: 4753 - 2015 / 3 / 19 - 21:49
المحور: الصحافة والاعلام
    


كوميديا الموقف أو " السيتكوم " سلسلة تلفزيونية فكاهية تنفرد عن الأفلام والمسلسلات بوحدة الحيز المكاني وقلة الشخصيات وبتوظيف خلفية laugh tracking الصوتية التي تحاكي تفاعل جمهور افتراضي مع مختلف وضعياتها الكوميدية. وتقوم بنيتها الدرامية على معالجة أنماط الصراع والائتلاف تقريبا على شاكلة المسلسلات.
والمتتبع لمختلف الإنتاجات التلفزية في مجال كوميديا الموقف، لا يمكن أن يفوته إدراك طابع الهواية الذي يطبع هذه الإنتاجات، ولا يمكن أن يخفي امتعاضه من الابتذال المخل الذي يطبع حواراتها ومواضيعها أحيانا، أو طريقة معالجتها في حال نجحت في انتقاء مواضيع ذات أهمية. وبمتابعة بعض النماذج المعروضة على القنوات العربية، يمكن أن نلاحظ أن التركيز المقصود على الفكاهة، على حساب المضامين وأشكال معالجتها فنيا، يقيد الشخصيات بوضعيات تمثيلية ثابتة لا تشكل في مجموعها إلا زبدا تعبيريا يندثر بمجرد الانتهاء من عرضها وقد توارى القصد والرهان الذي يفترض أن يستنبط من تطور الشخصيات وفق مسار فني مدروس، يعكس بجلاء تغير مواقفها وأفكارها أفقيا وعموديا، فيغيب الأثر والانطباع الذي من أجله يمضي المتلقي ما يربو عن عشرين دقيقة ونيف أمام الشاشة.
لا شك أن كل منتوج تلفزي، من هذا القبيل، يقتضي - في مقدمة ما يقتضيه من أولويات- إلمام كتاب السيناريو ومؤلفيه بالقضايا الاجتماعية والفكرية والثقافية التي تعكس مظاهر اختلال يعيق فعليا حركية المجتمع وتقدمه، ويهم طائفة عريضة من جمهور المتلقين. بيد أن شرط الإلمام بالواقع وببؤر اللاتوازن في المجتمع ليس كافيا للتأثير في وجدان المتلقي وتمثله للواقع، لأن هذا التأثير رهين بالقدرة على إعادة تشكيل هذا الواقع في قالب فني، من المهم جدا أن يحترم الحد الأدنى المتفق عليه من معايير الذوق الجمالي حتى يتمكن من تحقيق مقصديته التواصلية، وهي دون شك بلوغ أقصى درجات الإقناع والتأثير.
هذان المطلبان - نقصد الإلمام بمشكلات الواقع والقدرة على تشكيلها فنيا - نرى أنهما يقتضيان أن تتسم مواضيع كوميديا الموقف بأربع خصائص هي الضامنة لنفعية عائدها الفكري، وهي أن تكون واقعية ومعاشة، وأن تخدم مقصدية محددة تتناغم وجنسية المتلقين الثقافية، وأن تكون قادرة على صقل الذائقة الفنية والارتقاء بها. وكل هذه الخصائص لبنة أساس يجب أن تستأثر بإجراءات مرحلة ما قبل إعداد السيناريو والإخراج.
وقد يبدو للقارئ في الوهلة الأولى أن الخاصيتين الأولى والثانية تحيلان على ذات الشيء إذ تتعلقان بالسياق الزمني الذي تؤثثه القضايا المعالجة، فنجيب قائلين إن الواقعية أعم من المعايشة ونقصد بها المشكلات التي تدخل في تكوين المتلقين الذهني، ثقافية كانت أو حضارية أو فكرية، بينما نعني بالمعايشة الحوادث المستجدة والموضوعات الراهنة التي تنجم عن تفاعلات الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وترتيب هذه الخصائص، كما أوردناه، ليس ترتيب أولوية. فالخصائص جميعها على نفس الدرجة من الأهمية، واختلال أحدها أو قصوره يجعل المنتوج الفني، حتما، ضربا من ضروب التهريج، وزبدا تعبيريا لا يدين في نجاحه إلا إلى نسبة المشاهدات وإلى العائد المادي الذي قد يحققه في أنجح الحالات.
1- الواقعية:
تتحقق واقعية كوميديا الموقف بقدرتها على محاكاة معطيات الواقع في بعديه المكاني والزماني والتعبير عنها بشكل مكثف. وعليه يفترض أن تلامس هذه الكوميديا مشكلات العصر وهموم المتلقين الفكرية والسياسية والاجتماعية بوضوح وجلاء، بعيدا عن المداهنة والاعتبارات الإيديولوجية التي تعيق المتلقي عن إدراك الصلة بين انشغالاته ومضامين الموقف.
والواقعية ليست واقعية موضوع فقط، وإنما واقعية الشكل الفني كذلك، وخصوصا ما يتعلق منه بالفضاء وبالقوى الفاعلة المحركة للموضوع، لأنه لن يكون للموقف معنى إذا دارت أحداثه، مثلا، في فيلا فخمة أو شقة فاخرة، ومشكل السكن يؤرق غالبية المجتمع، بل وبعض فئاته دون مأوى، كما أنه سيفقد قيمته إذا فعلت أحداثه شخصيات لا مرجعية لها في الواقع، ولا يتفاعل معها في الحقيقة إلا الضحك المسجل في الخلفية الصوتية والفئات العمرية الصغيرة.
وضابط الواقعية ليس بالأمر الهين لأنه يطرح إشكالا حقيقيا يجب أن يؤرق المؤلفين إن هم أخذوا في الحسبان اختلاف الأحداث والوقائع باختلاف الأحياز الجغرافية والإثنيات والثقافات التحتية التي تشكل مجتمعة ثقافة مجتمع ما. وعليه تتعين معالجة الاختلالات الممتدة التي تعني شريحة مجتمعية كبرى حتى يتخلص المنتوج من طابع النخبوية الذي ما فتئ يلازم مختلف الإنتاجات، التي لا تعبر إلا عن انشغالات أحياز جغرافية محددة على حساب فضاءات أخرى، تؤرقها هموم وأمراض مجتمعية ذات أولوية، لا شك أنها تؤثر بفعل تفاقمها على تقدم المجتمع برمته.
2 - المعايشة:
الكوميديا بصفة عامة أداة تأمل وتفكير في تناقضات المجتمعات الإنسانية وتفاعلاتها. ومظاهر السخرية فيها لا يفترض أن تطال الشخصيات بل أسلوب عيشها ونمط حياتها وتفكيرها وتمثلاتها. هذه المستويات، بالإضافة إلى ضرورة الحرص على تحري الواقعية في حصرها ومعالجتها فنيا، لابد أن تكون معالجتها آنية تقف عند حدود مستوى تطور الحادثة، وبالشكل الذي يعين المتفرج على استلهام حلول عملية لمشكلاته. لأن مقاربة جذور الظواهر سيضفي على العمل الفني طابعا توثيقيا لا علاقة له بأسلوب كوميديا الموقف على الإطلاق، كما أن استباق المشكلات والتنبؤ بمستقبلها ومآلها في وضعيات تمثيلية سيقلل لا محالة من قيمة العمل وفائدته.
وعلى هذا الأساس فإن المعايشة أخص خصائص كوميديا الموقف، وهي عماد نجاحها وقوامه. لكنها قد تكون في المقابل آفتها وسبب إخفاقها في تحقيق مقاصدها لأنها رهينة بقدرة المؤلف على تثبيت ظواهر دائمة الحركية والتطور، ومعالجتها في مستوى معين من مستويات تطورها. وكل موسم كوميدي ينقضي لا يعني أبدا أن الحلول المقترحة نهائية، لأن الظاهرة ستتخذ حتما شكلا آخر يحتاج بدوره إلى تثبيت مؤقت ومعالجة وقتية.
والمعايشة فضلا عن ذلك تخصص عمل التأليف الكوميدي، وتشترط سعة الاطلاع والفهم الأمثل للتفاعلات البيإنسانية. لأن رؤية المؤلف الخاصة للواقع وفهمه للظواهر التي تؤشر على الاختلال واللاتوازن، لا تكفي لمعالجة الموضوع بدقة، وتتوقف موضوعيتها على اعتبار نتائج البحث في علم النفس وعلم الاجتماع والاقتصاد والأديان والحضارات، وغيرها من الأطر المرجعية ذات الصلة، والتي من شأنها أن تحقق معياري المشاركة والامتزاج الوجدانيين، اللذان يجعلان المتلقي يسقط ذاته على الموقف وعلى الشخصيات التي تفعله.
3 - المقصدية:
إن أهمية تحديد النوايا والمقاصد في الكتابات الدرامية أمر لا يحتاج إلى تقرير، خاصة إذا سلمنا أن حمولة هذه الأعمال، لا تكتفي بالتسلل إلى وجدان المتلقي واختراقه، بل تعمل على احتوائه والتحكم فيه، وإعادة تشكيل عواطفه واهتماماته وفق رهان يكون مضمرا في أغلب الأحايين. وجمهور المتلقين - باختلاف فئاته وطبقاته - لا يمضي الوقت خلف الشاشة لمجرد التمتع بتنامي الموقف دراميا فحسب، وإنما ليشهد وجهة نظر مختلفة حيال قضية تهمه، وليستلهم حلولا لمشكلات تؤرقه. وهذه النفعية في تلقي مضمون كوميديا الموقف الدرامي تضبط المقصدية بضابط الوظيفية والواقعية، وتقتضي بذلك أن تكون الحلول عملية قابلة للتطبيق، تلائم المواقف الحقيقية وتوجه المتلقي في تفكيره في المستقبل وفي إثارة النقاش حول تداعيات الوضع القائم، ولا حاجة إلى التأكيد على ما لذلك من أهمية بالغة في الحفاظ على وحدة المتلقين المجتمعية والاطمئنان على رصانتها، فما التأليف الدرامي في نهاية الأمر إلا قناة للتوجيه والإرشاد وتثبيت شخصية مجتمع متجانس.
معنى ذلك أن كتابة الحادثة الحكائية في كوميديا الموقف يجب أن تأخذ منحى تحليليا يركز على حمولة المضمون وأبعادها وتداعياتها، وينطوي على غايات يتجاوب المتفرجون معها، حتى لا يتلاشى دورها في تشكيل فكر المجتمع ووجدانه، وحتى لا تتداعى غاية التوجيه والتنوير الثقافي التي تراهن عليها.
4 - الارتقاء بالذائقة الجمالية:
من المؤكد أن الذوق الجمالي لا يمكن تنميطه لأنه يتباين باختلاف ثقافة المتلقين ومزاجهم وأوضاعهم النفسية والاجتماعية. وكوميديا الموقف على غرار المسرح والسينما، جُماع لفنون أخرى كالموسيقى والشعر والفن التشكيلي وغيرها من الأنماط التعبيرية التي يتوسل بها لدعم عرض المواقف وضمان أقصى درجات التفاعل والتأثير النفسي. وتطوير الذائقة الجمالية والارتقاء بها يمر عبر انتقاء واع للصور وللقطع الموسيقية وكلماتها. هذا الوعي لا يمكن أن يتشكل دون الاستناد إلى مبادئ علم الجمال، وإلى السيميوطيقا وعلم الاجتماع الجمالي. لأن اعتباطية الانتقاء أو الاستناد إلى الذوق الفردي سيفضي حتما إلى رداءة العمل الفني، رداءة تعكسها سماجة العرض وتخلف المضمون عن قالبه الفني.
إن المتلقي في حاجة دائمة إلى استثارة وعيه بالجمال وتحفيزه، وهي حاجة نوعية لن تتحقق دون استهداف مشاعره من خلال مؤثرات جمالية تجعله يدرك تجليات الجمال في هويته وحضارته وثقافته ويحافظ عليها، وتعزز كفاءته في تمييز مظاهر السلبية وتفادي استهلاكها.
والذائقة الجمالية على ما فيها من اعتبارات نفسية ذاتية فردية، لا يمكن تكوينها وبلورتها خارج واقع المتلقين الثقافي والاجتماعي. وعليه فإن استدعاء فنون أخرى وتوظيفها ينبغي أن يكون بالشكل وبالقدر الذي يضمن المشاركة الجمالية والتذوق الجمالي من قبل فئات مجتمعية مختلفة، بل وبالكيفية التي توجه عنايتهم إلى هذه الفنون وتجعلهم ينفتحون عليها.
إن اختلال الخصائص الآنفة أو غيابها آفة التأليف في كوميديا الموقف، لأنها الضامنة للإفصاح عن مشكلات الواقع والسبيل إلى تخليص المجتمع من اختلالاته وأمراضه. وكلما التفت المؤلفون إلى المقاصد وأمعنوا النظر في الواقع احتدت نبرة الكوميديا ونفذ صوتها إلى أذهان المتلقين وعواطفهم، وكلما اتسعت الهوة بين المواقف والحقائق توارى القصد وربما أفرزت تداعياتها هموما ومشاكل مجتمعية أخرى.



#عمر_عودى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- ماذا قال الحوثيون عن الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الجام ...
- شاهد: شبلان من نمور سومطرة في حديقة حيوان برلين يخضعان لأول ...
- الجيش الأميركي بدأ المهمة.. حقائق عن الرصيف البحري بنظام -جل ...
- فترة غريبة في السياسة الأميركية
- مسؤول أميركي: واشنطن ستعلن عن شراء أسلحة بقيمة 6 مليارات دول ...
- حرب غزة.. احتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية
- واشنطن تنتقد تراجع الحريات في العراق
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- جامعة جنوب كاليفورنيا تلغي حفل التخرج بعد احتجاجات مناهضة لح ...
- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عمر عودى - كوميديا الموقف في التلفزة العربية: أربعة أسس لتحقيق مقصدية الإقناع