أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الصمد النعناع - الآخر.. هو الإنسان















المزيد.....

الآخر.. هو الإنسان


عبد الصمد النعناع

الحوار المتمدن-العدد: 4747 - 2015 / 3 / 13 - 08:25
المحور: الادب والفن
    


إن الحديث عن النزعة الإنسانية، كفكر تأسس عبر قرون بعيدة، أصبح آيلا للسقوط. مع العلم أن الذات الإنسانية هي محور الوجود، ودورها فيه مركزي تماما كالجبال في علاقتها بالأرض. وكان المفكرون العرب من بين الذين دعوا إلى هذه النزعة ولو بشكل غير مباشر، نذكر من بينهم ابن المقفع من خلال كتابه كليلة ودمنة على حد تعبير الدكتور عبد الرحمان بدوي. إلى جانب أبو حيان التوحيدي صاحب الإمتاع والمؤانسة، والجاحظ، والمعتزلة كذلك.. لكن سرعان ما انطفأت هذه الشعلة الفكرية عند العرب القدامى؛ لتنتقل إلى الساحة الفكرية الأوربية التي استكملت المشروع الإنساني، والذي كان عنوانا للحداثة الفكرية بصفة عامة والفلسفية على وجه الخصوص.
- فما هي مقومات الفكر الإنساني؟
- وهل المناداة بهذا الفكر إلغاء لفلسفة الاختلاف؟
- ما موقع الغيرية في النزعة الإنسانية ؟
- وكيف تؤسس الذات الإنسانية الفاعلة لمجتمع إنساني بمواصفات كونية؟
إن ما نقصده بالنزعة الإنسانية هو محاولة إعادة الاعتبار للذات الإنسانية، ليس كذات تعيش فقط من أجل الموت والعالم الأخروي، وإنما كذات تستحق الحياة بالمعنى الحقيقي للكلمة. وهذا لن يتم إلا إذا تجنبنا النظرة الدونية للحياة واعتبرناها تجربة إنسانية لا تتكرر، وننعم بها على سبيل الخلود. فزوالها بالموت لا يعني احتقارها أو حقارتها لأن الموت، وكما عرَّفه سقراط هو غياب للحياة، والحياة هي تغييب مؤقت للموت. إذن فالذات الإنسانية هي محور البحث، نظرا لما تتميز به من خصائص وفاعلية، والإنسان ذات عاقلة، حرة، قادرة على الإبداع والابتكار وعلى إنتاج معرفة تُفَسَّر فيها الطبيعة والإنسان معا *أو معرفة تُفَسِّرُ بها الطبيعة والإنسان معا*. معرفة تتوخى فيها العلمية والموضوعية، بعيدا عن كل تأويل لاهوتي ميتافيزيقي، وكل ما من شأنه أن يجعل الذات تعيش داخل دائرة مغلقة تتغذى على اجترار وتكرار المستهلك، أو ما يمكن تسميته بلغة بيير بورديو إعادة الإنتاج، . لذلك سعى رواد هذا المشروع الفكري الضخم إلى تحرير العقل الإنساني من الفكر الجامد والدفاع عن استقلاليته من كل وثوقية و دوغمائية. إلا أن الذين سعوا هذا المسعى وجدوا أمامهم رواد الفكر التقليدي الذي يرفض كل تجاوز وثورة على المألوف ، بدعوى أن هذا الاستقلال وهذا التجاوز، هو بالضرورة خروج عن الدين وتعارض معه بل وانتصار للحقيقة العقلية على النقلية. هذا العداء المجاني بين الناس والمفكرين هو ما أرادت النهضة الإنسانية أن تزيله وذلك من خلال تأسيس فكر حر، مستنير وإنساني بالدرجة الأولى. إن ما قام به ديكارت وبلوره كانت وعبَّر عنه هيجل بالوعي بالذات لم إلا نقطة أساسية
لانطلاقة عصر تنويري شكَّل قطيعة مع فكر عُطِّلت فيه وظيفة العقل. فكر ينظر إلى العالم من زاوية واحدة، فكر أوقف الحقيقة والتاريخ والزمن عنده وادَّعى المطلق و اليقين القطعي. وهذا ما عبر عنه المفكر العربي محمد أركون، أحد أقطاب النزعة الإنسانية في الفكر العربي المعاصر، عندما وضع المراحل الثلاث للعقل، الأولى: تحدَّث فيها عن العقل اللاهوتي أو عقل القرون الوسطى، الثانية: عقل علمي كلاسيكي، والمرحلة الثالثة: عقل نسبي ينتقد نفسه، من حيث كونه مجالا للحقائق المطلقة الخالدة، و بالمقابل لا يرى في نفسه إلا محاولات نسبية للوصول إلى حقيقة تكون نسبة الخطأ فيها أكبر من اليقين. نستطيع القول مع أركون إن المعرفة التي تظل في يقين تام يجب أن تعيد فيها الذات الإنسانية النظر ومن زاوية نقدية. انطلاقا من هذا التقسيم الثلاثي للعقل الإنساني، الذي يشبه بوجه كبير ما قام به السوسيولوجي الفرنسي آوغست كونت المعروف ب قانون المراحل الثلاث. حاول أركون أن يرسخ فكرتين أساسيتين هما: أن المعرفة تبنيها الذات الإنسانية وليست معطاة أو هبة تمنح ومن تم فهي ليست ثابتة، بل تاريخها يفصح إنها تتأرجح بين الهدم والبناء وإنها قابلة للتجاوز والفناء على حد تعبير الابستمولوجي الفرنسي المعاصر" ادغار موران"، وهذا ما يعطينا الفكرة الثانية المتمثلة في نسبية الحقائق الإنسانية، الشيء الذي يؤكد أن الذات العارفة لا تدعي المطلق ولا تراهن على إغلاق مجال البحث بلغة الرياضيات. بل إن كل بحث تقوم به ينطلق من الذات ويعود إليها، باعتبارها الوسيط المباشر بينها وبين المعطيات الخارجية كالطبيعة والمجتمع والتاريخ والفن واللغة. لا يجب أن نفهم من هذا أن قصور الذات الإنسانية وعدم بلوغها اليقين المطلق عيب إنساني يحط من قيمتها، بقدر ما هو تأكيد واضح أن الإنسان في وجوده يقبل الرأي و الرأي الأخر، يقوم بنقد ذاتي ويؤمن بالمتغير وبالصيرورة غير المتوقفة، والتي تنشأُ على أنقاضها كينونة جديدة، وتخييب مستمر لكل التوقعات الفكرية والسياسية والاجتماعية والأخلاقية.
إن أركون سعى إلى نقد العقل المنغلق حول ذاته والرافض للتجديد الفكري والذي يحاول قطع الصلة واختلاق علاقات ابستمولوجية متوترة بين الحقائق العقلية والنقلية، علما أن هذا الإشكال صار كلاسيكيا إذ أن ابن رشد سبق لمعالجته في القرن الثاني عشر الميلادي. فهذا الأخير هو أيضا يقول بقدرة الذات الإنسانية على بناء الحقائق ومشروعيتها في التفلسف و بدلائل نقلية، قال تعالى {فاعتبروا يا أولي الأبصار } الحشر/2. فالمخاطب هنا هو الإنسان الذي من المفروض أو المُشَرَّعِ أن يجيد إعمال عقله. وهذا ما حاول أركون أن يبينه من خلال تأكيده على أن بلورة المعرفة والإيمان هو السبيل لتقدم العقل وهو الذي يحول دون سقوط الإنسان في هاوية العدمية والضياع. إن العقل محايث للتاريخ البشري في جميع مستوياته، فهو يحاول إن يدرس الإنسان في جوانبه المختلفة وهذا ما يجعلنا نسمي العلوم الإنسانية بصيغة الجمع وليس بصيغة المفرد. ومعنى هذا أن حصر حقيقة الإنسان في بعد دون استحضار الأبعاد الأخرى يؤدي إلى ضياع حقيقة الإنسان، التي لطالما حاولت الأنتربولوجية إبرازها، هذا إن دل عن شيء فإنما على أن الإنسان ليس موضوعا أو شيئا ضمن أشياء وموضوعات الطبيعة، وإنما هو ذات واعية تبحث لنفسها عن منهج ملائم لخصوصيتها كظاهرة متغيرة وواعية لا يمكن أن تستقل عن شعور الذات الإنسانية.
إن النزعة الإنسانية تحاول أن تتجاوز الفكرة القائلة بموت الإنسان وبأنه فقد إحداثياته داخل الكون. فهذا خطاب العلم الذي عجز أمام حقيقة هذا الكائن الغريب والذي قضى على الحتمية وعوضها باللاتمركز. ولا نعني باللاتمركز هنا محاولة إزاحة التواجد الحتمي للإنسان في مختلف الميادين المعرفية، والانطولوجية؛ والابستمولوجية والاكسيولوجية، كقضايا كبرى للفكر الفلسفي، بقدر ما نقصد به أن الإنسان ذات قادرة على إحراج أنانية العلوم الحقة المتمسكة بالموضوعية المطلقة، ذلك أن حضور ذاتية الباحث صار مفروضا على كل جهد علمي حتى داخل مجال العلوم الحقة. وهذا ما يتيح الحديث عن الاحتمال والنسبية في مقابل الحتمية. نفهم من هذا أن النزعة الإنسانية تحمل في نفسها قاعدة أساسية تتمثل في ضرورة حضور الذات الإنسانية، المركز، في المجتمع والتاريخ واللغة، الشيء الذي يجعلها تكتسي صبغة كونية؛ وشمولية، إنها عبارة عن امتداد غير منقطع للماضي في حاضر مجاور للمستقبل، امتداد للإنسان بالإنسان في الشكل والمضمون. وهكذا فعوض أن نجد أنفسنا أمام أرخبيلات إنسانية متباعدة لا تحتمل أي تفسير علمي حتى في إمكانية الاقتراب بعضها من البعض، نجد أننا إزاء استمرارية غير قابلة للقسمة، استمرارية جوهرية لمجرى حياة إنسان موزع بين مقاييس الزمن { القبل؛ ألان؛ البعد } إلى جانب حياة أناس آخرين. إذن، لو على الإنسان أن يسلم بمطلق ما؛ فهو تسليمه بالنزعة الإنسانية. وأسميناها بالمطلق؛ لأنها لا يمكن حصرها في ركن ضيق من العالم، وأنها أقوى من كل اعتبار حتى من الانتماء ذاته، إلى جانب كونها عنوان كل الديانات وكل التشريعات السماوية بالرغم من اختلاف شكلها. إنها كونية لا تؤمن بالحدود الجغرافية وبالتقسيمات التي قام بها الطبوغرافيون والجيولوجيون من حيث تقسيمهم العالم إلى قارات ودول. ليس لديها منطق السياسة الترابية أو الدبلوماسية..
طبعا لا نلغي الخصوصية الثقافية الأنتربولوجية أو السياسية التي تخص كل مجتمع، بل نود أن نبين إن كل تعدد واختلاف مهما كان فإنه محكوم بقانون كوني عنوانه الإنسان أو الإنسانية. وهو ما تسميه الدراسات المعاصرة بالثقافة الكونية الموازية لفكرة العالم كقرية صغيرة تحكمها قواسم مشتركة. إلا أن هذا لا يمنع كما سبق القول استحضار فلسفة التعدد والاختلاف باعتبارها خصائص الفكر المنفتح المبني على تكريس مبدأ الغيرية التي يمكن تلخيص شعارها فيما يلي: إن أغلبية ما فينا ينتمي إلى الإنسانية ويأتينا منها؛ الحياة؛ الثروة؛ الموهبة؛ المعارف؛ الحنان.. فالحياة والمعرفة نتلقاهما من الآخرين كعناصر فاعلة غير مباشرة. وهذه جوانب يعجز الآباء بمفردهم توفيرها لنا. فالآباء إلى جانب هؤلاء الفاعلين غير المباشرين؛ والذين لا نعرف الكثير عنهم؛ هم الذين تتشكل منهم الإنسانية.إنه الغير في كل علاقاته التكاملية معنا. هو الذي يغطي معنى إيجابيا للحياة؛ اقل ما يمكن أن يقال عنها؛ إنها حياة وُهبت كقربان للغير المقدس، حياة يتلقى فيها كل واحد من أفراد المجتمع مساعدة مباشرة آو غير مباشرة. وكنتيجة هذه المساعدة، ثم كبح جماح ميولات الفرد الشخصية والأنانية؛ التي تجعله يعتقد أنه داخل إمبراطوريته، فيضع نفسه في تعارض مع الآخر ومع العالم، ينظر إلى نفسه كبداية مطلقة، ويتصرف وفق ما يمكن تسميته بالاستكفاء الوهمي، إن هذه الصيرورة التراكمية أحيانا والحلزونية أحيانا أخرى للنزعة الإنسانية؛ تنفي فكرة استقلالية الذات عن الغير. فهذا الغير شرط أنطولوجي ملازم للذات. ليكون عنوان الإنسانية الزوج التالي: { الذات // الغير آو الغير // الذات } الإنسان بهذا المعنى ابستومولوجيا وسوسيولوجيا و أخلاقيا، بمثابة نقطة وصول لمسار طويل من التعلم ساهم فيه الغير المادي أو المعنوي؛ البعيد أو القريب؛ الصديق أو الغريب. ولكن بالمقابل لا يجب أن نهمل الجهد الفردي المبذول من قبل الذات لبلوغ الغايات المرسومة التي اختارتها عن حرية ومسؤولية، يفرضهما الوجود الجماعي الإنساني، كمجال للتعايش والمشاركة الأخلاقيين .إن الثراء الحقيقي في حياة الإنسان لا يوجد في التحيز والتملك المنغلق وإنما في وجود يكتمل أو يتكامل؟ ويتلقى بقدر ما يعطي وما يمنح. فكل نشاط إنساني يندرج داخل هذا العالم الذي تساهم قيمه في النمو والارتقاء بالحياة الجماعية، وتجسد كل ما من شانه أن يعطي "براديغما" عن الإنسان الكوني القادر على أن يسافر عبر حضارات الماضي والحاضر، والقادر على التعايش وسط الثقافات الأجنبية المعاصرة أو القديمة في التاريخ، دون استحضار فكرة الانتماء والعنصرية الممزقة التي تولد الحروب والعنف والتشييء والرغبة في الاستيلاء. إن رهان ما هو إنساني يتحقق من خلال بناء مجتمع بدون حدود؛ مفتوح؛ يجسد فطرية الخير والفضيلة والعدالة والسعادة.. مع الأخذ بعين الاعتبار الفاعلية الإنسانية في التغيير وفق ميتودولوجيات ملائمة تساند وتدعم هذا الخير الفطري، الإنساني في حياته ومع أسرته و في مزاولته مهنته وفي كل أمور حياته .
النزعة الإنسانية عريقة في تاريخ البشر حتى عند المجتمعات البدائية، نشأت عند الإنسان وسكنته حتى أصبحت فطرية فيه. فهي لا تخص إنسانا في شخص ما؛ وهذا ما يجعلها رحّالة بين جميع البشر وفي كل الأزمنة والأمكنة، تكاد تختنق إذا هي محبوسة في موطن أو ملة أو عرق.. إنها تحب التجوال مادامت لا تقيد بظرفية أو بشروط، همها الوحيد هو الاستفادة والتبادل وخلق ظروف أكثر تنوعا لتحقيق المزيد من الرخاء والمنافع والأغراض الإنسانية داخل مختلف المحيطات في العالم بالنسبة للفرد أو للجماعة. في ظل هذه النزعة العالمية يصبح الإنسان الفاعل مؤثرا ومتأثرا بالمحيط الضيق الذي يسكنه والذي يغدو واسعا وفسيحا بحيويته وإبداعاته. داخل هذا الحراك الإنساني تنتشر قيم مشتركة بين بني الإنسان دون أن تتوقف مسيرتها عند حدود أو تردعها سلطة. فهذه النزعة هي المعطى الذي تتفق حوله كل الشرائع السماوية؛ التي جاءت لهداية الإنسان وتربيته؛ كمكلف بإصلاح الأرض بالتدبير والتصرف الحكيم، والدود عن الإنسان؛ من خلال ترسيخ القيم الأخلاقية التي تضاعف الخير و تقويه بل وتجعله مشروعا ومطلوبا في الآن نفسه، وبالمقابل تحارب الشر و تمقته وتدفع عجلة الرقي الاجتماعي إلى الأمام لتشمل مقومات الفكر الإنساني المنفتح على ذاته وعلى غيره، مجسدا العدالة والالتزام والاحترام والتسامح. كل هذا يُمَكِّنُ الإنسان من العيش في أمن وسلام وتعاون لتحقيق السعادة، كغاية يجب أن ينخرط فيها كل إنسان من جميع المحيطات والقارات. وهنا يحضرني قول جميل لميخائيل نعيمة يقول فيه: " إني رأيت الناس كالأزهار الشائكة: إن أنت جئتها مغتصبا أدمتك، وان جئتها كالنحلة حاملا إليها سلام الله ومحبة رفيقاتها وأخواتها، فتحت لك قلوبها وأعطت كل ما فيها من حلاوة " هكذا هو عنوان الإنسانية ورهانها؛ أن نصلح الإنسان ونكره الظلم والجهل ونحب العدل والعلم، فنكون ونخدم الإنسانية.
من هنا نقول إن الإنسان مالك لكل الحضارات البشرية السابقة والمستقبلية، إن الإنسانية مرعى المولود وملاذه وغايته ومسؤوليته. فهي التي يلجأ إلى حضنها النوع البشري في وقت الأزمات وهي المنهل الذي تفيض منه شمس الرحمة الإلهية على الكون؛ لتقضي على البغضاء والحقد والعدمية. إنها اللُّحمة الأصيلة للفكر الأصيل الذي يلغي الإقصاء والأنانية والفروق الاجتماعية؛ المادية والمذهبية والعقدية .
الإنسانية وحدة كل موطن وبؤرة تنصهر فيها كل الأوطان وكل الانتماءات. إنها موطن كل الناس في مختلف الأعمار والألوان والأجساد، كروافد كلها تصب في جوهر الإنسانية التي تقوم على الاعتراف بالغير وعلى الاندماج والخروج من الهامش القائم على التشييء. واستشهد هنا بالمنفلوطي الذي يقول كلاما يخص عواقب التخلي عن الإنسانية كمذهب ومبدأ كوني يقول: " إذا جاز لكل إقليم إن يتنكر لغيره من الأقاليم، جاز لكل بلد أن يتنكر لغيره من البلاد، بل وجاز لكل بيت أن ينظر تلك النظرة الشزراء إلى البيت الذي يجاوره، وجاز للأب أن يقول لولده وللولد أن يقول لأبيه إليك عني لا تمد عينيك إلى شيء ما في يدي، ولا تطمع أنْ أوثرك على نفسي مما امتلكه لأنني غيرك، فيجب أن أكون عدوك المحارب لك" من هذا القول نؤكد إن النزعة الإنسانية عظيمة ولن يطوي النسيان كل ما هو عظيم ولو رغب في ذلك . هكذا يستطيع الإنسان من بين جميع الكائنات؛ بقدرته على تجاوز المعطى وكسر حدود الزمان والمكان، ليتخيل أجمل و يتصور أرحب واكبر، تماشيا مع مضمون الرسالات السماوية كرسائل كونية عظيمة وشرائع كاملة تحتوي مبادئ عامة لاستقرار المجتمع وتطوره معا، لتكتمل قوة الذات الإنسانية في صراع المصير ضد الشهوات والأهواء.
تبين لنا بوضوح كيف يستطيع الإنسان: الفرد؛ الشخص؛ الجماعة، بناء فكر إنساني عقلاني اكسيولوجي بالدرجة الأولى، يربط الأخلاق بالبراكسيس واللسان بالعمل. بهذا نستطيع إتمام المشروع الذي وضع لبناته الأولى سقراط عندما صرح قائلا:" أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك "، دون الخروج عن تصريحه الأخر حيث قال: " كل ما اعرف أني لا اعرف شيئا" .إجمالا نختم موضوعنا هذا؛ بالتقسيم الذي وضعه لا فيل لمسار الذات الإنسانية والمتمثل في أن الإنسان في الوجود يوجد على ثلاث وضعيات هي: الإنسان في العالم: حيث يكون الإنسان جزاء من الطبيعة منغمسا في الحياة المادية وفي هذا الإطار تتحدد قيمه جميعا، فتنشأ عن علاقته بالوسط المادي قيمه الاقتصادية إلى جانب قيمه السيكولوجية اللذة والألم . الإنسان أمام العالم: عندما تشعر الروح بذاتها، حيث تسعى الذات إلى التحرر من المادة، فلا يبقى الإنسان سلبيا إزاء الوسط الخارجي، بل يتعلم بناء مواقف، على شكل تفسير عقلي للوجود؛ وهنا تظهر القيم العقلية ومظاهر الفكر والفلسفة أو يكتسي صبغة وجدانية فيأتي على صورة أعمال فنية بأضواء قيم الجمال والإبداع، الإنسان فوق العالم: أي سمو الروح لترتفع فوق عالم الطبيعة والمعاملات النفعية وتبحث عن كمالها في عالم القيم الأخلاقية تحقق مصيرها في مجال القيم الروحية. هكذا تتجلى لنا الإنسانية بقيمها التصاعدية بيد الإنسان فترتفع به من المادة إلى العقل، ومن العقل إلى الروح من مستوى الاستسلام للطبيعة إلى مستوى التفكير فيها والتعبير عنها، إلى مستوى صياغتها صياغة جديدة تنم عن تفوق الإنسان وامتيازه، وإرادته في الوصول إلى قانون سام؛ بنوده لا تتنافى مع الطبيعة الإنسانية الاجتماعية والأخلاقية والسياسية ، حيث سيتكامل الطبيعي بالثقافي وتغدو كل القيم؛ بالرغم من الاختلاف الصوري بين المجتمعات والثقافات؛ متفقة حول المضمون الموحد والمشترك والرئيسي في الوجود والذي هو الإنسان .

المراجع المعتمدة


- محمد أركون: قضايا في نقد العقل الديني، ترجمة هاشم صالح، دار الطليعة- بيروت 1998
- أوغست كونت، مواعظ وضعية، الحوار التاسع، غاريني بدون تاريخ
- هنري برغسون: الفكر والواقع المتحرك ومنبعا الأخلاق والدين
- جورج غسدروف: مقالة في الوجود الأخلاقي- مكتبة ارموند كولان، باريس 1949
- لوي لافيل: إشكالية القيمة،
- إيمانويل ليفيناس، إنسية الإنسان الآخر، تأليف جون ماري مولر
- إيمانويل كانط: أسس ميتافيزيقا الأخلاق ، ترجمة فيكتور ديبلوس دو لاغراف 1969
- مصطفى لطفي المنفلوطي . النظرات .الجزء الثاني .دار إحياء العلوم .الدارالبيضاء.طبعة 2002 ص .148
- احمد شوقي .اسواق الذهب .ص 10 وما بعدها مطبعة الاستقامة . القاهرة .طبعة 1951 منشورات الامم المتحدة .1995 ص 59 .



- M . Dufrenne. philosophie de l---;---homme et philosophie de la nature. in les etudes philosophique. 1970



#عبد_الصمد_النعناع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الصمد النعناع - الآخر.. هو الإنسان