أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - هاشم عبد الرحمن تكروري - لا مساس














المزيد.....

لا مساس


هاشم عبد الرحمن تكروري

الحوار المتمدن-العدد: 4745 - 2015 / 3 / 11 - 11:10
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


"فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ" (الآية:97؛ سورة طه)
وُجِدَ مبدأ العقوبة منذ خلق الله عزوجل أبُ البشرية الأول "آدم عليه السلام"؛ فبعد خلقه وبثَّ الروح فيه؛ وجّه الله عزوجلَّ إليه الخطاب ببعض القواعد التي وجب عليه إتّباعها لتجنب العقاب وللحفاظ على ما لديه من مكتسبات بقوله:" يَا آدمُ اسْكُنْ أنتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ ولا تقْرَبَا هَذِهِ الشجرةَ فَتَكُونا مِنَ الظالمينَ" (الآية:35؛سورة البقرة) ؛ وحين خرق آدم الاتفاق مع ربه أوجب ذلك العقوبة؛ وهي الطرد من الجنة؛ ومنذ ذلك الوقت اقترن عدم الالتزام بما هو متفق عليه بعقوبة زاجرة؛ وفيما بعد وخلال مكوث الإنسان على الأرض توالت الرسالات والحضارات وجميعها أتى بنظم وقواعد سُيِجَت بإطار من العقوبات حفاظا على هذه القواعد والنظم؛ وبالتالي حفاظا على المجتمع نفسه-بغض النظر عن عدالتها-؛ ومع التطور الذي بدء يطرأ على حياة الأمم والمجتمعات أصبحت هذه القواعد والنظم قوانين تحكم تلك المجتمعات؛ فوجد القانون البابلي المشهور"قانون أورنمو؛ وشريعة حمورابي؛ ومدونة آيشنونا؛ ومدونة عشتار "؛ والقانون الفرعوني "مدونة بورخوريس"؛والقانون الصيني"نظام با يي؛ ونظام فا جين"،والقانون الهندي"قانون مانو"، والقانون الروماني"مدونة الألواح الإثني عشر"؛ والقوانين التي جاءت بها شريعة السماء في التوراة والإنجيل والقرءان؛ وانتخب منها في العصر الحديث، القانون الفرنسي والانجليزي؛ والذي اشتقت منهما مختلف القوانين في دول العالم.
وهذه القوانين بأجمعها لها قواعد رئيسة تستند عليها؛ لعل من أهمها: لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص القانون؛ ولا رجعية بالنص؛ والمساواة أمام القانون؛ وغيرها، كذلك وضع ترتيب يميز بشكل تصاعدي بين الجرائم "مخالفة ؛ جنحة؛ جناية" أو حسب ترتيب الشريعة "الحدود؛ الجنايات؛ التعزير؛ المخالفات"، وهذا الترتيب جاء للحفاظ على العدالة في إيقاع العقوبة، وسنستعرض هنا عقوبة أرى أنها حملت التدريج السابق بأكمله في عقوبة واحدة؛ وهذه العقوبة الفريدة في بابها الجامعة لأنواع العقاب، والتي لم يأتي بمثلها نص وضعي حديث هي: قول رسول الله موسى عليه السلام للسامري" فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ؛ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ " وذلك عندما أضلَّ قومه عندما ذهب موسى للقاء ربه وصنع لهم العجل، -ومن المعلوم ان السامري كان من وجهاء بني إسرائيل وحكمائهم؛ وكان مسموع الكلام؛ ويؤخذ برأيه؛ مُهاب الجانب؛ عظيم المُلك؛ صاحب سطوة وعلم- وسنرى تفسير هذه الآية في أحد كتب تفسير القرآن المُعتبرة وهو تفسير القرطبي، حيث جاء في تفسير هذه الآية:" قَالَ لَهُ مُوسَى فَاذْهَبْ أَيْ مِنْ بَيْننَا؛ أَيْ لَا أُمَسّ وَلَا أَمَسّ طُول الْحَيَاة . فَنَفَاهُ مُوسَى عَنْ قَوْمه وَأَمَرَ بَنِي إِسْرَائِيل أَلَّا يُخَالِطُوهُ وَلَا يَقْرَبُوهُ وَلَا يُكَلِّمُوهُ عُقُوبَة لَهُ ، قَالَ الشَّاعِر : تَمِيم كَرَهْطِ السَّامِرِيّ وَقَوْله أَلَا لَا يُرِيد السَّامِرِيّ مِسَاسَا قَالَ الْحَسَن جَعَلَ اللَّه عُقُوبَة السَّامِرِيّ أَلَّا يُمَاسّ النَّاس وَلَا يُمَاسُّوهُ عُقُوبَة لَهُ وَلِمَنْ كَانَ مِنْهُ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة -;- وَكَأَنَّ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ شَدَّدَ عَلَيْهِ الْمِحْنَة , بِأَنْ جَعَلَهُ لَا يُمَاسّ أَحَدًا وَلَا يُمَكَّن مِنْ أَنْ يَمَسّهُ أَحَد , وَجَعَلَ ذَلِكَ عُقُوبَة لَهُ فِي الدُّنْيَا . وَيُقَال : ابْتُلِيَ بِالْوَسْوَاسِ وَأَصْل الْوَسْوَاس مِنْ ذَلِكَ الْوَقْت ، وَقَالَ قَتَادَة : بَقَايَاهُمْ إِلَى الْيَوْم يَقُولُونَ ذَلِكَ - لَا مِسَاس - وَإِنْ مَسَّ وَاحِد مِنْ غَيْرهمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حُمَّ كِلَاهُمَا فِي الْوَقْت . وَيُقَال: إِنَّ مُوسَى هَمَّ بِقَتْلِ السَّامِرِيّ , فَقَالَ اللَّه تَعَالَى لَهُ : لَا تَقْتُلهُ فَإِنَّهُ سَخِيّ . وَيُقَال لَمَّا قَالَ لَهُ مُوسَى : " فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَك فِي الْحَيَاة أَنْ تَقُول لَا مِسَاس فخَافَ وَهَرَبَ فَجَعَلَ يَهِيم فِي الْبَرِيَّة مَعَ السِّبَاع وَالْوَحْوشِ ، لَا يَجِد أَحَدًا مِنْ النَّاس يَمَسّهُ حَتَّى صَارَ كَالْقَائِلِ لَا مِسَاس ؛ لِبُعْدِهِ عَنْ النَّاس وَبُعْد النَّاس عَنْهُ "وجاء تفسير هذه الآية في مجموعة كبيرة من كتب التفسير في نفس المعنى ومنها:"الطبري؛ وبن كثير؛ والجلالين؛ وبن سعد"، وقيل أيضاً أنه أُصيب بمرض في جلده منعه من الاحتكاك المادي بأي أحدٍ من البشر، ونرى هنا أن هذه العقوبة قد تتجاوز عقوبة الإعدام في شدتها، ففي قوله لا مساس مُنع من الكلام والاختلاط والعيش المُشترك مع البشر طول فترة حياته حتى موته؛ فالإعدام يحصل ألمه في نفس اللحظة وينتهي، كما أن عقوبة السجن في أشدها وهي المؤبد تنتهي بعد حين في بعض القوانين ، وأيضاً فإن السجين داخل محبسه يتواصل مع السجناء الآخرين ويتواصلون معه- حتى وإن كان في سجنه معزول- كذلك فإن طعامه ومشربه وملبسه مؤمن بحكم القانون من الدولة، كذلك الحال في حال عقوبة النفي من الوطن ؛ فرغم شدة وقعها على النفس في البعد عن الوطن والاهل والأحبة؛ إلاّ أنَّ المنفي يبدءُ حياة جديدة قد تعوضه جانباً ممّا فقد، ولكن في حال عقوبة لامساس فالمُلقى عليه هذه العقوبة يُعدم كل يوم، وسجين حتى الموت بحكم منع البشر من التواصل معه في كل شيء، كذلك عدم قدرته هو نفسه من القدرة على التواصل مع الآخرين بحكم إلقاء المنع في نفسه من الله، فهو سجين ربه؛ وسجين نفسه؛ وسجين غيره، وما أصعبها من عقوبة ففي ظاهرها تعزير وفي باطنها عقوبة جامعة مانعة تحوي مختلف العقوبات ومع ذلك هي بمفردها أقسى منهم جميعاً، صُمِمَتْ من لدن خبير عليم، وأُلقيت في روع رسولٍ قويٍ أمين، لتتناسب مع حدث أثيم لئيم.



#هاشم_عبد_الرحمن_تكروري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحطيم اللغة
- ءامين أم آمين
- سلسلة نثريات السجن(30)، والأخيرة، دمعة حزينة
- هل أشار القرآن الكريم إلى وجود مخلوقات عاقلة غيرنا في الكون؟
- سلسلة نثريات السجن(29)، شيطان مَريد.
- يوم العمل الاسلامي
- سلسلة نثريات السجن(28)، هم عجيب
- سلسلة نثريات السجن(27)، ريشة فنان
- اكتشافات لا اختراعات
- سلسلة نثريات السجن(26)، أيا ليتني
- سلسلة نثريات السجن(25)، طفل صغير
- مفارقات
- الاسلام القادم من الغرب
- سلسلة نثريات السجن(24)، آنستي.
- سلسلة نثريات السجن(23)، ذكرى صديق
- سلسلة نثريات السجن(22)،أحببتك
- سلسلة نثريات السجن(21)، بيتح تكفا
- سلسلة نثريات السجن(20)، موتٌ وحياة
- دعيني أرحل
- روح الشيطان


المزيد.....




- -الأونروا- تدعو إلى تحقيق في الهجمات ضد موظفيها ومبانيها في ...
- الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد ...
- مسؤول أميركي: خطر المجاعة -شديد جدا- في غزة خصوصا في الشمال ...
- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - هاشم عبد الرحمن تكروري - لا مساس