أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - هاني عضاضة - واليسار يفتقد إلى اليسار (2)















المزيد.....

واليسار يفتقد إلى اليسار (2)


هاني عضاضة

الحوار المتمدن-العدد: 4734 - 2015 / 2 / 28 - 05:57
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


إن مسألة البقرطة المستمرة والمتزايدة في التنظيمات اليسارية، وعلى رأسها الحزب الشيوعي اللبناني، هي على رأس أولويات اهتمامات اليساريين الخارجين عن السرب المتوجّه نحو المجهول، والمزيد من التشرذم والتشظّي الذي يتخذ اتجاهات يمينية قبيل كل مؤتمر. فالبيروقراطية المتفشية في اليسار، لم تعد "ظاهرةً" استثنائية مستمدّةً من المحيط الاجتماعي، ودخيلة في صفوف التنظيم الذي وجد لكي يكون ثورياً، أو لا يكون. بل أصبحت البيروقراطية هي القاعدة في التنظيم، الذي فقد صفته الثورية في غياب الممارسة النضالية، لتنتقل عدواه إلى مختلف المنظمات المرتبطة به، حتى الشبابية منها. أما المفاهيم النظرية الماركسية والممارسة العملية للنضالات الجماعية الواعية، فأصبحت هي الدخيلة، على قواعد التنظيم المتبقرط، المنادي بدولة "المواطنة" على قاعدة "الانتقال الديمقراطي" من طورٍ إلى آخر عبر الانتخابات البرلمانية، وعبر التحالفات الهشة مع "المنظمات غير الحكومية"، الطفيلية الوجود، البرجوازية التكوين، والليبرالية الأهداف.
يفقد الحزب الشيوعي اللبناني اليوم القدرة حتى على تحديد مواقف سياسية بديهية، وُجدَ أساساً لكي يحدّدها في سيرورة الصراع الطبقي، المعقّد والطويل. هذا الحزب العريق، حزب المناضلين من العمال والفلاحين والطلاب والشهداء ضد الصهيونية والرجعية، يحتفظ قادته، وجزء واسع من قاعدته، اليوم، بالإسم والتاريخ، متخلّين عن المهمات الحقيقية، الطارئة، وعلى رأسها توحيد قوى الطبقة العاملة حول برنامج وخطاب ثوريّين، قبل التفكير بخوض أي انتخابات برلمانية. لقد أصبحت أزمة هذا التنظيم بالفعل، على شاكلة أزمة النظام اللبناني، من حيث المأزق الذي لا يجد طريقاً للخروج منه، وتصبح عوامل ديمومته كتنظيم "ظاهري"، هي نفسها عوامل زواله كتنظيم "ثوري".
فلنبدأ بالهدف "الاستراتيجي"، الذي حددته قيادات هذا التنظيم، في ممارستها على الأرض قبل أي شيء آخر، طوال أكثر من عقدين من الزمن: الوصول إلى البرلمان النيابي. كرسيٌ واحدٌ يشفي غليل القيادات التي تخلّت عن الماركسية مفهوماً وممارسة، وجعلت من التكتيك النضالي للأحزاب اليسارية القوية، المتمثّل بدخول البرلمان البرجوازي، والنضال من داخله، في ظروف معيّنة تسمح بذلك، ولأهداف إيديولوجية بحتة – كالترويج لبرنامج الطبقة العاملة بغية توحيد القوى الطبقية المتضرّرة، وفضح سياسات البرجوازية ومؤامراتها على الطبقة العاملة ومصالحها – استراتيجيةً قائمةً بحد ذاتها لحزبٍ يكاد لا يستطيع الحفاظ على وجودٍ بسيطٍ له حتى في العاصمة بيروت وضواحيها. والأسوأ من كل هذا، أن هذه الانتخابات البرلمانية في لبنان، تنطلق بدورها من قاعدة التقسيم الطائفي، وبالتالي فهي بحد ذاتها، أداة رجعية للبرجوازية الكولونيالية، تجعل الصراع من أجل مقعدٍ نيابي واحد لليساريين، شبه مستحيل، يتطلّب جهوداً ضخمة، تقابلها مكاسب محدودة جداً، إن وجدت، وبالتالي تبديد طاقات وموارد التنظيم، بهدف تحقيق مكاسب لا ترتقي إلى مستوى المعركة. في الوقت الذي لا تنفكّ تتذمر فيه تلك القيادات وتستعمل مختلف التبريرات لتغطية تخاذلها، فإحدى التبريرات الجاهزة دوماً على لسان بعضهم هي غياب الرؤية الطبقية الواضحة، وعدم وجود طبقة عاملة بالمواصفات المطلوبة في لبنان. هذه ليست مأساة العقل الميكانيكي العاجز عن تظهير الواقع المادي بكل تناقضاته فحسب، بل هي أيضاً من تجليات الممارسة السياسية للبرجوازية الصغيرة وفهمها المبتور للواقع، وهو ليس مبتوراً بسبب انعدامٍ للوضوح في الرؤية، بل لأنها تنطلقُ من نقطةٍ هي تحدّدها في تفسيرها للواقع، في إخفائها لطابعها الطبقي الخاص، فيما تنطلق القيادات العمالية الثورية من نقطة مختلفة، بوضوح وحزم.
وفي غياب الاستراتيجية الثورية الواضحة، وتَركُّز الممارسة السياسية حول أهدافٍ مؤقتة محدودة الأفق، يبلغُ التنظيم أقصى درجات الانحطاط والتدهور، ويتحوّل خطابه من سياسي هدفه التغيير إلى عصبوي هدفه الدفاع عن الوجود. وتتحول ممارسات قياداته الداخلية إلى الإقصاء والعزل والتخوين بحق كل معارض، لتصل درجات الإنحطاط إصدار بيان إقصائي فاشيّ الشكل والمضمون بحق بعض الأعضاء الحزبيين، حيثُ يُمنَع حتى الاحتكاك الاجتماعي بهم، وهم مناضلون أبناء وأخوة ورفاق مناضلين، ولكن العقل البيروقراطي محدود الآفاق لا بدّ أن يظهر على حقيقته في لحظات المواجهة. فيما العلاقات "الخارجية" تبقى ضبابيةً، في تعبيرٍ عن انتهازية لا مثيلَ لها، كما هي الحال عندما يرضخ الشيوعيون لمقاييس "الديمقراطية" في النظام البرجوازي الكولونيالي. في الوقت الذي نشهد فيه تفشّي كل أنواع المشاكل الاجتماعية بشكلٍ غير مسبوق، بسبب الفقر والحرمان، وتشكّل المزيد من الأحياء الفقيرة ذات الطابع العمالي، ونفور الناس من أحزاب السلطة نتيجة لتفاقم أزمة النظام السياسي. ولكن سرعان ما تلتف الجماهير حول أحزاب السلطة من جديد، في ظلّ غياب أو ضعف تطوّر البدائل السياسية.
إن سيطرة البيروقراطية إذاً، مفهوماً وممارسة، يعني تحوّل الاستراتيجية من التغيير الثوري في المجتمع، وتفعيل العمل الديمقراطي في سيرورة بناء أو إعادة بناء الحركة الثورية، إلى استراتيجية البقاء ومركزة العمل بشكل غير محدود، حيث تبدأ القضايا بالتمحور حول ما يريده الأفراد في مواقع "القيادة" عوضاً عن الأهداف الجماعية والمجتمعية للجسم النضالي بأكمله. وما يريده الأفراد في تلك المواقع، ليس مكسباً شخصياً، مادياً أو معنوياً، بشكل أساسي، بل ما يريدونه هو ما يعبّر عن رؤيتهم الطبقية الاجتماعية، من زاوية نظر طبقتهم.
وتنطلق عملية تدجين الفئات الشبابية لمصلحة المفاهيم الليبرالية وفكر "المنظمات غير الحكومية"، والاشتراكية – الديمقراطية في أحسن الأحوال، وإبعادها عن المفاهيم الثورية والماركسية، بحجّة انتظار "تدرّجها" من مرحلةٍ إلى أخرى. وفي حركةٍ موازية، حيث تتعمّق سيطرة التوجهات الفردانية، وينتقل طور تشكّل البيروقراطية إلى المرحلة الجديدة، تنشب الخلافات الصبيانية وتنتشر: فالتنظيم لم يعد في هذه الحالة أداةً للتغيير تحظى بقدرٍ من التماسك والقوة، بقدر ما هو ملجأ، أو مكاناً يجمع كتلاً بشرية متصارعة داخلياً، انطلاقاً من فهمِ كل كتلةٍ للصراع القائم، وتفسيرها له، وبالتالي ممارستها السياسية في حقل هذا الصراع. وفي ظل الفهم المبتور للواقع لدى الكتلة المسيطرة، وعدم إنتاجها الخطة العملية، وتغييبها للتثقيف الماركسي في الوقت الذي تطرح فيه كميةً من المفاهيم النقيضة، يتحوّل الصراع كما قلنا، ومع الوقت، إلى خلافاتٍ مدمّرة، لا تنحصر تأثيراتها داخل التنظيم فحسب، بل تمتدّ لتطال مختلف أطراف الحركة العمالية والطلابية، التي تصاب بدورها بالإحباط، فتتراجع حركتها وتنحسر. وهذه ليست سوى قلّة من مخاطر تفشّي التوجهات اليمينية في اليسار، والباقي أعظم.



#هاني_عضاضة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- واليسار يفتقد إلى اليسار
- الثورة الاشتراكية والقيَم والحريات الديمقراطية
- في فشل تفسير سرّ الفشل - -وبهدوء-
- في الطريق إلى النهوض: نقاشٌ حول النظرية والممارسة
- اليمن.. بين الثورة والثورة المضادة
- عن -تراجع الإمبريالية- و-العالم المتعدد الأقطاب-
- الواقع الاقتصادي في لبنان


المزيد.....




- بلومبرغ: دول مجموعة السبع تبحث تخصيص 50 مليار دولار لأوكراني ...
- كيف تساعد الصين إيران في الالتفاف على العقوبات الدولية؟
- مطالبات في لبنان بحجب تطبيق تيك توك إثر استخدامه من عصابة مت ...
- بعد أن ألمح إلى استعداد فرنسا إرسال قوات إلى كييف.. روسيا تع ...
- وول ستريت جورنال: إسرائيل أمهلت حماس أسبوعاً للموافقة على ات ...
- ماكرون وشولتس -ينسقان مواقفهما- بشأن الصين قبل زيارة شي إلى ...
- بوريل: نهاية الحرب واستسلام أوكرانيا -خلال أسبوعين- حال وقف ...
- زاخاروفا تعلق على تصريح بوريل حول وقف إمدادات الأسلحة إلى كي ...
- مصرع 37 شخصا في أسوأ فيضانات يشهدها جنوب البرازيل منذ 80 عام ...
- قناة -12- العبرية نقلا عن مسؤولين إسرائيليين: وفقا للتقديرات ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - هاني عضاضة - واليسار يفتقد إلى اليسار (2)