أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حلا السويداات - القراءة بين التثمين والوصاية















المزيد.....

القراءة بين التثمين والوصاية


حلا السويداات

الحوار المتمدن-العدد: 4729 - 2015 / 2 / 23 - 13:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



القراءة من أكثر الطُّرق المتأتيّة لتقنين جنيالوجيا المعرفة وتحقيق النّمط التقنيّ لها، ويعدّ هذا الفعل الأكثر تمحوّرًا حول هاجس الحقيقة، الذي عُرض بفلسفات مختلفة مُتَأَرْجِحًا بين أنْسَنَةِ الخِطابِ وتأليهه، فكانت الكِتابَة أزليّةً بما ترتأيه بنفسها وسيلةً كبرى ومُنْتَخَبَةً، فما زالت متعرّضة لأشكال رِئويّة تتنفّس بهوائها؛ أي بالهويّة التّجنيسيّة والمعرفيّة المطواعة والمتمرّدة لكلّ أشكال التّأويل البشريّة.التّأويل المستمد من الوجود العينيّ المنساق خلال جماعات تمتلك الخصائص عينها، من الذّات نحو الغير، دون أي غيرانيّة مبتذلة، ودون الامتزاج بالمفاهيم المثلى؛ بالاقتصار على النّشوة الّتي يحققّها الخطاب العالي.

لمْ يتَجَرّد مُثَقّفُ العصرِ الجديد من هذا الانفعال ، وأبقى على شرفته العاليّة، وعلى لغته الخاصّة وعلى جمهوره الكبير، ولم تكن غاية الكتابة الطّرح الفكري التّحليلي لمعطيات متفق عليها، بل تتعدى ذلك لإيصال نتائج معيّنة تعد جزءًا من السّياق الفكريّ الإنسانيّ. ويعدّ تناولها محفوفًا بأسئلة كثيرة يفترضها ذهن القارئ؛ منها: هل من المفترض أن أتناول هذه الطّريقة في التّفكير كنظريّة تعطي نفعًا لحل إشكاليّات أُعاني منها؟ وهل هذا الطرح أصلا أخذ هذه الإشكاليات بعين الاعتبار؟ ربما قد ترضي هذه الأسئلة الفلسفات التي تسعى للتحزب في ذاتها، ولكن قد تهملها الطّروحات الحالمة والذاتيّة، غير المتّصلة بالواقع الفكريّ والسلطويّ.

فمن الصّعب نقاش أيّ كتاب دون التماس الحسّ العالي بالاصطفاء الذّاتي في أبعاده وأبعاد مؤلّفه، فالفَهْمُ المراد من تأمُّلات الكاتب سبيل من سبل اقتلاع سلطة التّقويض، وليس مجرد إضافة لسياق عامّ كليّ، قد طرح فَهْمًا بدرجات معيّنة، وقد لا يوجد ذلك إلا في أنساق مذهبيّة جمعيّة، على نطاق زمنيّ ضيّق، أيْ أنّها تبحثُ عن النّفع الواقعيّ ودمجه بالطّرح ليتأتّى قوّة تصل لأزمان طويلة، وتحديدًا أكثر قوّة الانتشار والتّخليد بالفعل، وقد يتوارد على الذّهن سؤال، لماذا لا ينفصل الفَهْمُ عن ارتقائيّته الخطابيّة، ويسعى لتكوينٍ حزبيّ لا يتّجرد من النّفع والانتشار؟ الكثير من الأطروحات والكتب قد لا تعي كونها تهمل الأفْق النفعيّ الزمنيّ، الخاص بخصوصيّتها الزّمنيّة، بل تجد ذلك عيبًا، وقد يتصل ردّ الفعل لدى المثقّف أيًّا كانت ارتقائيّته بمتلازمة الاغتراب لديه، فيتشكّل لديه رفض ضروريّ لقيمة الزَّمن الحاضر ويتجه نحو الخطاب الشامل بعيد الأفق، كما ارتضى نيتشه عدم الفهم والتناول الصحيح لمؤلّفاته ليقينه بأنها تجاوزت زمنه من ناحية ارتقائها، فتحققت لديه الغطبة، والكونيّة المدهشة. وتعددت الحقيقة السيكولجية لهذا النوع من الخطاب في الطّرح الأوروبيّ الألمانيّ والفرنسيّ خاصّة، ولم يقتصر على الفلسفة بل على الأشكال الأدبيّة التجريبيّة الما بعد حداثيّة في الرواية والتجريديّة الحالمة في الشّعر، واختصّت الفلسفات النفعيّة أو يصحّ القول الأفكار النّفعيّة كالماركسيّة والرأسماليّة بالاندفاع التطبيقيّ نحو آمالها، في حين لم يعرف ذلك عن الفلسفات بعيدة الأفق وصاحبة الذاتية الفجّة والشرسة، كالنيتشاوية والسارترية والقصيمية (نسبةً إلى عبد الله القصيمي).

وبما أنّ الكتابة ما زالت السّبيل الأوّل لاجتذاب التّلقي تكون القراءة بالضّرورة تحكيميّة، أو امتصاصيّة تكوينة حَسْبَ درجة تماسك ذهن القارئ، ويعرض الفَهْم تِبْعًا لذلك لفَهْم آخر أكثر اختصاصيّة وغربة عن المفهوم الأوّل، إذ لا تتعدّى سلطة الكتاب سلطة ذات القارئ المقوّضة للمطروح، فحينًا تتصارعان، وحينًا تُسيّطر الأُولى على الثّانية، وإِنْ تلاقى الفَهْمان يتشكّل تيارٌ من خطاب زمنيّ سابق لالتقائه بِفَهْم واعٍ لاحق، ضمن نسبيّة غير محددة، فيخرج التّثمين عن كليّته القيميّة، المقتبسة من أنّ القراءة ضرورة لا بدّ منها لتحقيق تيار توعويّ جمعيّ؛ فالجدير بالملاحظة أنّ أي كتاب ينطلق من رؤية ذات غريبة إلى ذوات غير متسقة، من ناحية الزمان والمكان، إلّا أن النسبية في كونها دافعيّة نحو الوعي تجعل من التّنظيم المعرفيّ وتكوين/ تعقيل الذّهن الذي لا بدّ منه، طريقةً من طرق فرض السّلطة، سلطة ذات نحو ذوات عديدة، دون أدنى تكشّف عفوي من القارئ، تكشّف ينبغي أن يكون لبنة معرفية أولى من ناحية القيمة والذهنيّة الأوسع، وهنا تحديدًا يكمن خطر القراءة وأهميتها، فهي لا تنقل كمّا معلوماتيًّا هائلًا ومُدْهِشًا فقط، بل تنقل تفكيرًا، بمعنى أن يخطر في بال القارئ في لحظة ما" ثمّة من كان يفكّر في هذه الطريقة المدهشة!" .عند هذه اللّحظة تمامًا يحدث التّوسع وتدخل الفكرة الخالدة المُجهّزة منذ زمن بعيد لتخترق الرأس، وتترسّبُ فيه ككلس لا يذوب إلا بمادة أخرى أكثر فاعليّة، ويتحقق في هذه اللحظة وهم الأصالة.

منذ البَدْءِ كانت كلّ الأفكار محفّزة من أفكار أخرى تجسدّت بأشكال إبداعيّة مختلفة، فإن لم تكن الكتابة رد فعل والقراءة امتصاصًا له وإعادة تشكيل لرد فعل آخر لتحقيق دورة تكافليّة من السّير نَحْو فَهْم أعمق. فمن ذا الذي يجزئّ حواسه ورأسه ليخرج بفكرة أصيلة من ناحية التأثير والتأثر؟ فعدم القراءة خبث لن يستطيعه أحد. لكنّ غرور الكاتب هو الذي يجعله يغترب، ويجعله يسعى لأن يكون لبنة أولى لعقول في زمن آخر، *فهو الآخر زمانه.

ما زالت القراءة شكلاً من أشكال الانتشار الخطير، ونوعاً من أنواع الوصاية البريئة، وتستلزم القارئ الصّلب أميالًا من الحذق والتّفكر والتّمكّن من ذاته، لكنّها شكل من أشكال تخليد عظمة الإنسان، شاكلة الله الصغرى. وشكل معرفيّ دائريّ ما زال غيابه يوسّع دائرة الجهل، وحضوره باللا انتظام في عقل المُثقّف العربي والصّحوة المفاجئة بين تحقيق رفض لما تمّ تشربّه وإيجاد بديلٍ واعٍ ضِمْنَ مساحة زمنيَة ضيّقة يدعم إشكالًا حولَ النَّفع والإثمار، وفي كون المعرفة دائريّة، يصعب الارتكاز على زاوية تحقق نجاعة ضمن نسق خاصّ إقليمي مرضٍ، رغم النّفع الكبير في طرق التّفكير والتّناول. وربّما على القارئ وخاصّة العربي إن شاء الاطلاع على نتاجات الثّقافة العولميّة أن يحدد مواقفه من موروثه بشكل علميّ واضح يتّسم بالمعرفة، وحسن التّعامل مع اللّغة من ثمّ يبني لذهنه خصوصيّة مكانيّة وزمانيّة وفلسفيّة تتجرد من الجمود الفكريّ ، والانفتاح غير العقلانيّ للمفاهيم في عصر النّهضة، بحسن التّعامل مع خطر التّشوّه ليدرأ أيّة وصاية لا أخلاقية لأيْ معرفة غريبة بالتّرسبات الخاصّة بها. وحين يتمّ تدارك هذه الإشكالات يصير تمييز القارئ لزوايا هذه الدائرة سهلًا ويسيرًا ويصير يعرف من أين تؤكل الكتف، ويستطيع تثمين المعرفة والتّفكير الإنسانيّ بعموميّته المنتقل عبر الكتب متجرّد من أيّة وصاية مقصودة أو غير مقصودة؛ أي حسن تعامل مع المقروء تِبْعًا لأبعاد مختصّة بذهن القارئ.

وقدرة تحكّم القارئ بما يقرأ وبالّذي يتأثّر به لا تنفي عدم التّأثير المطلق لأي معرفة إذا تواءمت مع الطّريقة الصّحيحة للتفكير والتناول، فهي توسّع مدارك هذا التّفكير إن لم ترسّب نتائجها فيه ومن هذا تنبع ضرورة القراءة، كضرورة الاطّلاع على الفَهْمِ الإنسانيّ العام وتطوّره ضمن سياقات خاصّة، من ناحية الزّمان والمكان.



#حلا_السويداات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بعضها أوقف التصدير... ما هي الدول التي تزود إسرائيل بالأسلحة ...
- الآلاف يرفعون علم روسيا العملاق في قبرص احتفالا بيوم النصر
- لجنة فلسطينية تدعو أهالي الضفة والقدس والداخل للانتفاضة إسنا ...
- ساحة حرب.. مشاهد مروعة لهجوم نشطاء على مصنع -تسلا- في ألماني ...
- -كتائب القسام- تفجّر نفقا بقوة إسرائيلية في رفح
- الدفاع الروسية تعلن تدمير 3 دبابات -ليوبارد- ألمانية ودبابتي ...
- تأهل المتسابقة الإسرائيلية في مسابقة -يوروفيجين- وسط تظاهرات ...
- السفارة الروسية في الإمارات تنظم أمسية احتفالية بمناسبة الذك ...
- إسرائيل تتحدث عن مغادرة مقاتلين من -حماس- رفح وتكشف عن استرا ...
- لسبب غريب.. صينيون يدهنون وجوههم باللون الأسود (فيديو)


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حلا السويداات - القراءة بين التثمين والوصاية