محمد فتاتي
الحوار المتمدن-العدد: 4728 - 2015 / 2 / 22 - 23:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كانت للشعب تجربة انتخابية اولى بعد "هروب" بن علي التلقائي او ارغامه على ذلك.وكان من نتائجها ان اعتلى سدة الحكم اخوان الظلام الذين لم يدخروا جهدا مع حلفائهم على امتداد فترة بقائهم في السلطة ،
لإضاقتنا طعم الويلات.وجاءت الانتخابات الأخيرة وكأنها "الحرب التحريرية" الثانية،غير ان هذا الشعب و بفضل غبائه السياسي يعيد الكرة فيسترد رقبته جزئيا من قبضة اخوان الظلام ليضعها من جديد بين ايدي التجمعيين.
حصل زواج المتعة بين التجمع والنهضة قبل الانتخابات نفسها.وكنا جميعا كقوى واحزاب ديمقراطية وثورية وكمنظمات وطنية ومجتمع مدني ومثقفين نيرين.... "كالاطرش في الزفة".ظننا ان المهم يكمن فقط في "ازاحة"الترويكا والنهضة تحديدا من الحكومة،ولم نكن نولي اية اهمية تذكر لمسألة من ستكون بيده رقابنا بعد ازاحة النهضة؟
جزء هام من الشهب ومعه اعدادا كبيرة من الديمقراطيين "تخمروا"،واصبحوا مسكونين فقط بهاجس ازاحة الكابوس الذي افرزته الانتخابات الاولى التشريعية والرئاسية.ودغدغهم حنين العودة الى من اعتبروهم اقل سوءا واكثر دراية بقيادة البلاد ومواجهة ازمتها الخانقة وخطر الارهاب،وكان النداء ومكينته التجمعية اكثر ذكاء واكثر تهيئا لالتقاط الفرصة لمغازلة الجميع تقريبا وكسب ودهم وجعلهم ابواقا وادواتا في خدمتهم وخدمة برنامجهم وخططهم وقد ساعدهم في ذلك وجود الباجي ذلك الذئب المحنك والمعتد بنفسه في قيادتهم.
ونجح الباجي في ترويض الغنوشي وجزءا هاما من حركته قبل انطلاق الانتخابات،ومرر في ذهنية الشعب و جزءا هاما من "الديمقراطيين"واللاهثين وراء حب الجلوس على موائد الولائم حتى وان جالسوا الشيطان والارهابي نفسه (وما اكثرهم بين صفوفنا) ، امكانية بل وضرورة ان "يحكم مع النهضة"بعد الانتخابات.
لم نولي هذا الموقف الخطير اية اهمية تذكر وتعامين عليه ظانين انه قول من باب الهرتقة "الباجية"،فالرجل محنك وبارع في "تزليق"مواقفه ونواياه السياسية.وصدق الرجل في"هرتقته"ونجح في ضرب يقضة الشعب وتخدير وعيه ازاء النهضة طبعا لضمان فوزه بالرئاسية خاصة.
مشت الامور كما خططا لها الشيخان الصديقان جدا جدا تحت المظلة الامريكية والاوروبية.وانطلت اللعبة على شعب ضعيف الذاكرة السياسية ومعارضة مرتبكة وممزقة الاوصال حتى اوصلونا الى تقاسم السلطة فيما بينهما.
ولكن السؤال الذي ظل معلقا ويحتاج الى جواب جريء من قبل القوى والاحزاب الديمقراطية والمجتمع المدني،هل ما حصل يعد مسألة قدرية ام ضرورة سياسية؟اعتقد شخصيا ان الجواب لا يكمن لا في "القدرية"ولا في الضرورية،وانما اصل الداء والعلة في الغباء السياسي والسذاجة وضبابية الرؤية التي تعاملت بها المعارضة الديمقراطية والثورية احزابا ومجتمعا مدنيا ومثقفين نيرين ...... مع الاوضاع وتطوراتها المتلاحقة ومع الشعب على حد السوى.
فكنا كديمقراطيين وثوريين اغبياء وسذج طوال مرحلة"الحوار الوطني"بقيادة الرباعي الراعي لها ، مرحلة ترويض القوى الثورية والديمقراطية والمجتمع المدني لتثبيت ، في الاذهان وفي الواقع ان الترويكا والنهضة خاصة جزءا من الحل لازمة البلاد وليست اصلها وعمقها.كما كنا طوال النضال داخل جبهة الانقاذ بشقيها المكونين لها الجبهة الشعبية والاتحاد من اجل تونس أدواتا لهذا التوضيف ، وموضوعيا في خدمة خطة النداء وشقه التجمعي خاصة للوصول الى السلطة.ان هذا الحكم الجوهري على التجربتين تؤكده تطورات الاوضاع لاحقا والنتائج التي آلت اليها.فاحزاب الاتحاد تم "تشغيلها" والتلاعب بها من طرف النداء والباجي شخصيا الى حد "تشليكها"و"تخييشها"وقارب جلها على الاندثار.اما الجبهة الشعبية وان خرجت باقل الاضرار من تجربة جبهة الانقاذ فهي الاخرى لعبت دور المطية موضوعيا للنداء وقدمت له جليل الخدمات في"ايصاله"للشعب و"التعريف"به داخل البلاد خاصة
ان رفضنا الاعتراف بهذه الاخطاء ومواصلتنا التعنت والمكابرة لن يغير من الواقع شيئا،ولكنه يبقي على جروح لن تندمل ابدا بل انها لن تزيد الا في تعميق الفرقة و"التناحر"بين الديمقراطيين والثوريين٠-;-فالتجربة كانت ثرية ومميزة بالاخطاء والمكاسب وتستحق التقييم الجدي عوض ادارة الظهر لها وتجاهلها.
الحقيقة العنيدة التي تقض مضجعنا ونرفض التسليم بها وهي ان النهضة والنداء انتصرا بفضل غبائنا السياسي كديمقراطيين وثوريين كقوى و كأحزابا وافرادا،بفضل سكتاريتنا المقيتة التي ورثناها على عقود من الفكر والممارسة المتحجرتين.وبفضل مرض الزعامتية والنرجسية لقيادات تربت على التسلط وقراءة المستجدات من زاوية مصلحة ومنفعة حوانيتها وذواتها.ورفضت على الدوام حتى ونحن نئن ونرزح تحت وطأة الديكتاتورية البورقيبية والنوفمبرية ونكتوي بنارها وبنار الظلاميين ايضا ، الدخول في نقاشات جدية من اجل وحدتها السياسية والتنظيمية.
اليوم ايضا وبعد فشلنا جميعا ولو بتفاوت نصر على تشتتنا ، نصر على عدم مراجعة انفسنا وتصحيح ما يستوجب تصحيحه من اجل وحدة اعمق وارقى واشمل تضم كل اطراف المعارضة الديمقراطية والثورية احزابا وافرادا.فلا الجبهة الشعبية تجرأت على ذلك وتحملت المسؤولية ولا بقايا احزاب الاتحاد والترويكا وغيرها اتعضت.بل نراها تسارع في بعث جبهة اخرى لا لون ولا طعم لها.ولن يكون لها من دور غير تقسيم المقسم وتجزئة المجزء.
اتمنى ان يكون ما يحدث اليوم على الساحة الوطنية من مخاطر يمثلها الارهاب الزاحف علينا من ليبيا ومن انتعاش انشطة خلاياه النائمة على طول البلاد وعرضها،علاوة على ما نشاهده في مجلس العهر"بباردو من ممارسات وانقلابات ابطالها النداء والنهضة وادواتها الخسيسة وجوها لئيمة من اشباه الديمقراطيين،اتمنى ان لا تشكل مجمل هذه الاوضاع السلبية تعلة لتأبيد امراضنا والابقاء على تشتتنا وضعفنا.
محمد فتاتي
تونس:٢-;-١-;- فيفري ٢-;-٠-;-١-;-٥-;-
#محمد_فتاتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟