بمناسبة الذكرى 60 لتأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية ( الحلقة الثالثة )

جبهة التحرير الوطني - البحرين

الحوار المتمدن-العدد: 4715 - 2015 / 2 / 9 - 10:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    

بمناسبة الذكرى 60 لتأسيس جبهة التحرير الوطني البحرانية
( الحلقة الثالثة )
من ارشيف الجبهة
انتفاضة مارس 1965 المجيدة
في عام 1965 قادت جبهة التحرير الوطني البحرانية والقوى الوطنية الأخرى الانتفاضة الشعبية المجيدة التي بدأت في أوائل مارس واستمرت ثلاثة شهور وشملت كل مدن وقرى البحرين.
فقد كانت هذه الانتفاضة أول مواجهة بهذا الاتساع والشمول بين الجماهير والاستعمار بعد قمع حركة الهيئة – لكنها جاءت في ظروف ومعطيات جديدة – تؤكد تلك التأثيرات الايجابية لنضال الجبهة والقوى الوطنية الأخرى في السنوات السابقة.. لذا لم يعد النضال الوطني تحت وصاية البرجوازية وقيادتها، لقد تسلمت المنظمات الوطنية، وبينها جبهة التحرير، الدور القيادي في انتفاضة 1965 .. لم يكن هذا أمرا اعتباطيا أو عارضا بل كان تعبيرا عن حقيقة موضوعية جديدة تمثلت في ازدياد شكل الطبقة العاملة وتنامي وعيها السياسي وتمرسها بمقدار أكبر في الكقاح، الأمر الذي كان يجد تجليه في الدور البارز الذي لعبته الجبهة بوصفها التعبير السياسي – الحزبي لهذه الطبقة.
فقد كان دور الجبهة في قيادة وتوجيه تلك الانتفاضة،جنبا إلى جنب مع القوى الوطنية الأخرى، واضحا خاصة على صعيد استخدام السلاح وتوزيعه على المنظمات الوطنية الأخرى وتنظيم المظاهرات والاعتصامات في المدن وتوزيع المنشورات التحريضية.
أول علاقة مباشرة بين جبهة التحرير والقوى الوطنية الأخرى في الساحة لم تتم إلا في اثناء هذه الانتفاضة، وهذا التأخير في اللقاء كان يعود للأسف إلى إساءة الآخرين لفهم مواقف الجبهة، رغم ذلك تعرف المناضلون الشيوعيين والقوميين على بعضهم في خضم الأحداث وأوجدوا أشكالا تنسيقية لنضالهم المشترك رغم انها لم ترتق إلى المستوى المطلوب. وقد صدر بيان مشترك وقعت عليه الجبهة وخمسة تنظيمات أخرى تمثل التيار القومي حدد مطالب الشعب، ويذكر في هذا المجال ان هذا البيان قد طبع على مطبعة الجبهة السرية ووزع على نطاق واسع.
تفجير سيارتي المجرمين بوب وأحمد محسن
في مارس 1966 وفي الذكرى الأولى للانتفاضة احتفلت الجبهة بالذكرى بطريقتها الخاصة.
ففي عملية انتقامية وتأديبية في نفس الوقت من جهاز المخابرات البريطاني ورمزيه القياديين: الضابطين: "بوب" و "أحمد محسن"، قام مناضلوا الجبهة البواسل بوضع عبوتين ناسفتين في سيارتي هذين المجرمين، حيث تسللوا إلى سكن بوب وأحكموا ربط العبوة في سيارته بحيث تنفجر بمجرد تحريك محركها، كما فعلوا الأمر نفسه في سيارة الثاني أمام بيته في القضيبية رغم الحراسة المشددة... وانفجرت السيارتان يصاحبيهما كما كانت الخطة، ووجهت الجبهة بذلك ضربة موجعة لجهاز المخابرات أربكته وأسكنت عناصره حالة من الهلع والخوف الشديد، بينما استقبلت جماهير الشعب هذا العمل البطولي باعجاب وتقدير للجبهة ولدور مناضليها.
هاتان العمليتان البطوليتان جاءتا تنفيذا للتحذير الذي كانت الجبهة قد وجهته إلى المستعمرين والسلطة في بيانها الشهير الصادر في 28 سبنمبر 1965 الذي كان تحت عنوان (لا يفل الحديد إلا الحديد) إذا ما هم استمروا في "صلافتهم وعنادهم في تجاهل إرادة شعبنا وحكم البلاد بالجاسوس والبوليس والرشاش" .
وقال البيان بالحرف الواحد: "ان المستعمرين وعملائهم وعصابتهم يبدو انهم لا يفهمون إلا لغة واحدة .. هي لغة الحديد والنار .. وان شعبنا الجبار لقادر تماما على اتقان هذه اللغة ومخاطبتهم بها .. ان السلطات الاستعمارية بأساليبها هذه تعمل على جر الأحداث في بلادنا إلى اتباع أساليب أخرى .. غير الاضراب والمظاهرات .. ونحن على ثقة ان شعبنا بإمكانه أن يواجه إرهابهم وعنفهم وتحديهم بإرهاب وعنف وتحدي لن يكون في طاقتهم مواجهته" .
ولم تمض سوى شهور على هذا التهديد حتى نفذته الجبهة بشجاعة .. واجهت العنف الرجعي بالعنف الثوري وعلمت العدو انها تتقن مخاطبته بكل اللغات.
بعد عامين من الحادث، أي في عام 1968 ، اعتقلت المخابرات المناضل مجيد مرهون، وفي محاكمة صورية حكمت عليه بالسجن المؤبد بتهمة تفجير سيارة المجرم (أحمد محسن)، رغم ان الحادث والحكم قد جريا في فترة ما قبل الاستقلال.
الأندية الثقافية والرياضية: مجال للنشاط
توجهت جهود الرفاق في السنوات الأولى نحو الاهتمام بالعمل في أوساط أعضاء الأندية الثقافية والرياضية بغية ايصال الأفكار التقدمية لهم، وكان هذا الأمر يجد سببه في كون النادي منتديا لتجمع الشباب وممارسة هواياتهم وأنشطتهم المختلفة، عدى ان النادي في البحرين يتميز، في غياب كافة المؤسسات والهيئات التي تتيح حرية التعبير عن الرأي، بكونه يعبر عن حركة ثقافية اجتماعية .. وتطورت اهتمامات الأندية وميول أعضائها تبعا لتطور الحركة الاجتماعية والوطنية، ورغم أجواء الكبت السياسي التي عانت وتعاني منها البحرين إلا ان الأندية رغم ذلك ظلت متنفسا، لحد ما، للشباب.
برز بين الأندية التي كان للجبهة نفوذا قويا فيها، نادي "الفجر" ونادي "النور"، وكانا ناديان نشطان جدا، وإضافة إلى نشاطهما الثقافي والرياضي، كانا ينظمان دورات لمحو الأمية .. ويذكر ان المطبوعات التي كانت تصدر في العراق بعد ثورة 14 تموز المجيدة كانت تصل بالبريد لهذين الناديين .. إلا ان سلطات الاستعمار ضاقت درعا بنشاطهما فقامت بإغلاقهما وختمهما بالشمع الأحمر.
وإضافة لنادي "النور" الذي كان موقعه مقابل مدرسة الامام علي (كانت تعرف بالمدرسة الوسطى)، ونادي "الفجر" الذي كان موقعه مقابل مدرسة الحورة الثانوية للبنات من جهة الجنوب، كان هناك ناديا ثالثا في مدينة "الحد" يعرف باسم (العلم الأحمر)، كان لرفاقنا دورا فيه، والطريف ان صاحب مقر هذا النادي (الذي كان عبارة عن غرفة واحدة) هو شخص عادي جدا اعتقل عام 1960 وفتش المقر من قبل المخابرات بدقة أثناء حملة اعتقال بعض الرفاق اثر حملة كتابة الشعارت على الحيطان ظنا من المخابرات ان مقر النادي كان يستعمل كمخبئ للأدبيات والمنشورات، غير انها لم تحصد من عملية التفتيش هذه شيئا.
أولى المنشورات
نظرا للحملات والمداهمات المستمرة لا نملك مع الأسف الأعداد الأولى من منشورات الجبهة، وان كان من الثابت ان المنشورات الأولى كانت موجهة حينذاك نحو إيقاظ الوعي الوطني وتحفيز همم الجماهير وحثها على مواصلة الاستعداد للكفاح، وغرس شعارات وأفكار الجبهة التقدمية في عقولها ونفوسها، وكان البعد القومي والأدبي في نهج الجبهة واضحا منذ البدء .. ذلك الشعور الكبير بالواجبات القومية والأممية عكس رسوخ وقوة الأرض الفكرية التي كان يقف عليها التنظيم منذ تأسيسه.
فرغم ان البحرين بلد صغير وقليل السكان كان هناك وعيا عميقا بان نضال شعبنا لا ينفصل أبدا عن نضال شعوب الخليج ولا عن نضال الشعوب العربية وفي الأخير لا ينفصل عن نضال كل شعوب العالم من أجل مستقبل مشرق وضّاء للبشرية.
لذا كانت هناك بيانات صادرة عن الجبهة تؤكد كفاح الشعب المصري الشقيق وتدين العدوان الثلاثي ضده، وتشير مقدمة برنامج الجبهة إلى كفاح الشعب الجزائري وتنوه بمظاهرة التأييد التي نظمها الطلاب ابتهاجا بانتصاره، وكل وثائق الجبهة تبرهن على ذلك الاهتمام الكبير بكفاح الشعب في الجنوب العربي والمتابعة الدقيقة التي أولتها الجبهة لتطور هذا الكفاح.
من بين البيانات الأولى التي أصدرتها الجبهة صدر في الخمسينيات بيان عبرت فيه الجبهة عن تضامنها مع جمهورية الصين الشعبية التي كانت يومها تواجه حشودا عسكرية أميركية وتهديدات بالعدوان عليها.
وكان إصدار نشرة "الجماهير" نقلة نوعية هامة في اعلام الجبهة والاعلام الوطني عامة.
نلاحظ مقدمة كتاب وثائقي صدر عن الجبهة مؤخرا تضمن مجموعة من اعداد "الجماهير": ان هذه النشرة" كانت في الواقع محاولة مبكرة لتأسيس صحافة حزبية ثورية في البحرين ... فعدى عن اعداد "الجماهير" الأولى وكذا البيانات السياسية التي أصدرتها جبهة التحرير كانت هي الشكل الاعلامي الرئيسي بعد تصفية حركة هيئة الاتحاد الوطني، فان "الجماهير" وغيرها من منشورات الجبهة ظلت هي الشكل الأبرز والأكثر انتظاما في المجال الصحفي الحزبي حتى مطلع السبعينيات.. بتعبير أدق فان "الجماهير" هي المحاولة الوحيدة لخلق صحافة ثورية، سرية بالطبع، قي بلادنا بين الستينيات حتى السبعينيات .. وعلى هذا الأساس ليست هناك ثمة مغالاة لو اعتبرنا نشرة "الجماهير" هي السقف الأول للصحافة الحزبية في البحرين" .
وقد استمرت "الجماهير" في الصدور بالرغم من فترات الانقطاع التي تنتاب عملية اصدارها بين الحين والآحر، والشيء المؤسف هو ضياع قسم مهم من أعداد هذه النشرة، بالذات تلك الأعداد المبكرة منها، وكانت حملات الاعتقال والمداهمة الأولى التي تعرض لها الحزب الفتي سببا في ضياع هذه الوثائق وفقدانها، وعلى سبيل المثال يذكر الرفاق القدامى ان الأعداد الأولى من النشرة كانت تصدر بثلاث لغات: العربية والفارسية والانجليزية، وكانت الفكرة في استحدام اللغتين الأخريتين هي ايصال النشرة إلى جماهير الكادحين من غير العرب، خاصة أولئك ذوي الانحدار من أصل ايراني والعمال الهنود، ومثل هذه الأعداد للأسف ليس لدينا منها أثر حتى الآن.
"الجماهير" لسان حال جبهة التحرير الوطني البحرانية، سلسلة وثائق نضال جبهة التحرير الوطني البحرانية – منشورات دار الهدف عام 1980 .
على ان الجبهة أولت ومنذ البداية أيضا اهتماما بايجاد نشرة تنظيمية داخلية خاصة بالرفاق كانت توصل توجيهات وتعليمات المركز القيادي لكل الخلايا والحلقات واللجان المنطقية .. محللة الظروف والمعطيات التي تمر بها البلاد وعمل الحزب في كل فترة محددة على ضوء تلك المهام المطروحة على عاتق الأعضاء والكوادر .. برز في هذا المجال وثيقة داخلية عامة عنوانها (المد والجزر في حركة الجماهير) وجهت الرفاق للتعاطي بواقعية مع المزاج الجماهيري، وشخصت المهام المختلفة التي على المناضل تنفيذها في حالتين مختلفتين تماما، حالة النهوض والمد الجماهيري، وحالة التراجع والركود.
لعبت نشرة "الشرارة" الحزبية الداخلية دورا هاما في هذا النطاق، وتشكل أعدادها وثائق تنظيمية بالغة الأهمية لتبيان ذلك الفهم الصائب الذي اتسمت به الجبهة لتطور الأوضاع في البلاد، وصياغة التكتيكات والأساليب النضالية الخاصة لكل فترة .. ونشرة "الشرارة" بالاضافة إلى وثيقة النظام الداخلي للجبهة شكلت الأسس التنظيمية التي أرست وعززت الوحدة الأيديولوجية والتنظيمية الراسخة التي ميزت جبهة التحرير طوال تاريخها النضالي.
في بداية الأمر كانت وثائق ومنشورات الحزب تسحب على آلات سانسل، استمر ذلك حتى عام 1961 عندما أفلح الحزب في تهريب أول مطبعة له إلى البحرين، المطبعة كانت عبارة عن وعاء بروفة من الحديد تنضد عليه الحروف باليد، الحروف هربت إلى البحرين من الخارج، والطريف ان بعض الحروف كانت تنقص من مقاس معين، فتجري الاستعانة بحرف مقاس آخر، لذلك تجد في بعض أعداد "الجماهير" ان كلمة واحدة مصفوفة بحروف من مقاسات مختلفة .
تم تصميم صندوق خشبي صغير، مشابه لتلك الصناديق التي تستخدم لهذه الغاية في المطابع، عند أحد النجارين يتسع لكل الحروف الأبجدية ووضعت فيه بعناية توخيا للدقة بسرعة العمل وتجنبا لاختلاط الحروف بعضها بالبعض.
كانت عملية الصف والطباعة منهكة وتحتاج لصبر وجلد، فعدى ما تستغرقه عملية صف الأحرف من وقت تأتي عملية طباعة مئات النسخ من العدد الواحد باليد أيضا، نسخة نسخة وكانت الجبهة تطبع من منشوراتها الأولى ما يزيد على خمسمائة نسخة .
لقد كان النشاط الاعلامي المتزايد للجبهة يشكل مصدر ازعاج لدى المخابرات، وكان هدفا ملحا باستمرار أمام هذا الجهاز هو اكتشاف المخبأ السري للمطبعة ةمصادرتها، ظل ذلك هاجسا حتى تمكن العدو في نطاق ضربته الكبرى ضد الجبهة عام 1968 ان يكتشف هذه المطبعة هي وكميات من الأسلحة وقسما من المنشورات والوثائق.
في السبعينات شهد اعلام الجبهة تطورا جديدا، وأصبح للجبهة دوريات جديدة حيث صدرت منذ عام 1975 مجلة (النضال) .. وفي أواخر 1978 صدرت "الفجر" كنشرة اخبارية دورية تطورت واغتنت باضطراد..
كما ان المنظمات الجماهيرية اصبحت لها صحافتها المستقلة عن صحافة الجبهة كما هو الحال لـ (الشبيبة) لسان حال الشباب الديمقراطي البحراني، و (طريق الشباب) مجلته المركزية الدورية الأخرى، ولمنظمات المناطق والفروع المختلفة نشريات متعددة.
***
للحديث صلة

#جبهة_التحرير_الوطني_-_البحرين (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات