أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - هيثم محمدين - رسائل إلى الشباب الثائر















المزيد.....


رسائل إلى الشباب الثائر


هيثم محمدين

الحوار المتمدن-العدد: 4712 - 2015 / 2 / 6 - 08:08
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


رسالة 1:
الإرهاب المسلح أم الغضب الجماهيري
في ظل تصاعد إرهاب الدولة ضد كل المطالبين بالحرية والعدالة الاجتماعية، عن طريق المذابح والاعتقالات وفض المظاهرات وتبرئة المجرمين القتلة بالجملة، لاحظنا مقابلة بعض الشباب لأحداث قتل الجنود إما بالتأييد أو اللامبالاة، فما هو الموقف الصحيح من هذه العمليات؟ وهل تخدم مشروع التغيير والثورة أم لا؟

الجماهير هي الحل عندما تناضل. واجه حسني مبارك نوعين من المعارضة أثناء فترة حكمه البغيضة؛ الإرهاب المسلح في التسعينات، وهي الوسيلة التي تبنتها جماعات إسلامية، فاستهدفت ضباط ومقار الشرطة والسائحين وكبار رجال الحكم، فماذا حققت؟

هذه الجماعات التي استبدلت الجماهير بنفسها، ورفعت شعارات طائفية، منحت نظام مبارك الغطاء الكافي لسحق أي تحركات اجتماعية أو سياسية في هذه المرحلة. غاب الصراع الطبقي عن المشهد وتصدرت مشاهد القتل والدماء صفحات الجرائد والمشهد السياسي بشكل عام، تماسكت الطبقة الحاكمة أكثر من أي وقت مضى، ومضى مشروع الخصخصة الذي شرد مئات الآلاف من عمال القطاع العام، وارتفعت أسعار السلع والخدمات بشكل جنوني، وسيطر على الثروة والسلطة قلة من رجال الأعمال في ظل سياسات الليبرالية الجديدة.

تراجعت حركة الجماهير وسُحقت القطاعات التي تحركت منها بطلقات النار، فقُتل عمال الحديد والصلب في إضراب 1989، كما أطلقت الشرطة النار على عمال كفر الدوار في 1994، وقتلت الفلاحين في انتفاضتهم عام 1997، واستطاع النظام تمرير كافة سياساته بالقمع في ظل حالة طوارئ كان يتم تجديدها باستمرار بحجة مكافحة الإرهاب، في حين فشلت الجماعات المسلحة في تحقيق أهدافها بإقامة “الدولة الاسلامية” فشلاً ذريعاً، بل وأصدرت مراجعات فكرية من داخل السجون في نهاية التسعينات.

باختصار فشل الإرهاب المسلح في إسقاط نظام مبارك، بل ساعده كثيراً.

الإرهاب المسلح يتنحى جانباً والجماهير تتصدر المشهد
بعد معاناة طويلة من سياسات نظام مبارك التي أفقرت الغالبية العظمى من الشعب المصري تحت غطاء من القمع والطوارئ، بدأت التحركات الطلابية والشعبية في الظهور بعد انقشاع دخان وغبار معركة الإرهاب. انطلقت مظاهرات بمئات الآلاف لدعم انتفاضة الشعب الفلسطيني، وبدا لأول مرة منذ تولي مبارك للسلطة في 1981 أن هناك معارضة حقيقية تتشكل، وأن أملاً في التغيير أضحى موجوداً، وظهرات لأول مرة في عصر مبارك مجموعات الشباب الثائر الذي يرفض الأوضاع القائمة ويسعى من أجل إسقاطها.

انضمت إلى مظاهرات الجامعات قطاعات شعبية واسعة باستمرار، حتى دخلت الجماهير ميدان التحرير في مارس 2003 في مظاهرات اشتعلت ضد غزو العراق، رفعت لأول مرة بشكل جماهيري مطالبات إسقاط حسني مبارك. ارتفعت المعنويات ودخل إلى حركات التغيير آلاف الشباب، وتأسست حركة كفاية التي لعبت دوراً محورياً في وضع مطالب إسقاط حسني مبارك على جدول أعمال معركة التغيير.

وعلى خلفية المساحات التي انتُزعت من المظاهرات السياسية والوطنية، تدخلت الحركة الاجتماعية. عاصفة من الإضرابات العمالية بدأت بإضراب عمال غزل المحلة في ديسمبر 2006، وانتقل شعار “يسقط حسني مبارك” من القاهرة إلى المحافظات، ومن التحرير إلى ميدان الشون في انتفاضة المحلة، وأضحى إسقاط نظام مبارك ممكناً لأول مرة.

لم تتوقف الحركة الجماهيرية بشقيها السياسي والاجتماعي والرافضة للاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي حتى انطلاق ثورة 25 يناير.

28 يناير: الغضب الجماهيري هو الحل
على مدار عشر سنوات من استهداف الجماعات المسلحة في التسعينات لضباط الشرطة، لم تنجح في إضعاف جهاز الشرطة الذي كان يقتل ويبطش بالجماهير، ولا هزت شعرة من نظام مبارك. بينما كانت جمعة الغضب الجماهيري تمثل الزلزال الذي ضرب نظام مبارك وكسر ذراعه القمعية وهزيمة كل قوات الشرطة في ساعات. لم تكن جماهير الشعب تستخدم قنابل ولا مدافع، كمنت قوتها في أعدادها الهادرة ومطالبها العادلة، لم ترفع مطالب إقامة الدولة الاسلامية أو شعارات طائفية، كانت تطالب بدولة العيش والحرية والعدالة الاجتماعية، دولة لكل مواطنيها من الأقباط والمسلمين، دولة للفقراء والمضطهدين، فنجحت، نجحت في الإطاحة بمبارك وخلقت واقع جديد، واقع الثورة التي ترفض السياسات القديمة بقمعها وظلمها وترفض كل من يمثلها أو يسير على دربها، وامتلكت الجماهير زمام الأمور وعرفت قوتها في النضال الجماعي وأدركت أنها قادرة على إحداث التغيير المنشود إذا هي تحركت.

—————————————

رسالة 2
الثورة المضادة تتقدم وتساندها شعارات طائفية وشعارات وطنية زائفة وبدعم من قوى سياسية إسلامية ومدنية
الطائفية سكة الثورة المضادة، فقد عرف طنطاوي طريقه جيداً؛ تفتيت الجماهير المتحدة في الميادين وتزييف وعيها عبر عدد من التكتيكات في إطار خطة النظام للقضاء على ثورة يناير.

تنحي مبارك وانفضاض جماهير الميادين واستمرار إضرابات العمال
كان الإجراء الأول هو القبول بمطلب تنحي مبارك وإعلان المجلس العسكري انحياز خادع من الجيش إلى الثورة، انفضت الميادين بسبب غياب حزب ثوري جماهيري يفضح الخدعة ويلعب دور في توجيه الجماهير إلى ضرورة الاستمرار حتى إسقاط كامل لنظام مبارك، لكن قُضيَ الأمر وبدأ المجلس العسكري في مهاجمة الثورة بعد فض القلة القليلة التي بقيت في التحرير بالقوة ثم التفت إلى موجة الإضرابات العمالية التي انطلقت يوم 5 فبراير واستمرت بعد التنحي. أطلق المجلس العسكري حملة إعلامية شرسة ضد حركة العمال ومطالبهم، واصفاً إياها بـ”الفئوية” وأنها تعطل عجلة الانتاج وتهدد “الاقتصاد الوطني”، بل وصل الأمر إلى وصف إضرابات العمال بأنها خطر يهدد الثورة!

وفي ظل غياب القوى السياسية عن الالتحام بحركة العمال التي كانت ترفع شعار تطهير المؤسسات الصناعية والخدمية من كل رجال مبارك وفلوله، وتحقيق مطلب الثورة في العدالة الاجتماعية، استطاع مجلس طنطاوي تشويه الحركة العمالية، وانتقل إلى مرحلة القمع المباشر لها عبر إصدار أول مرسوم بقانون بحظر الإضراب واعتباره جريمة يُعاقب عليها بالحبس أمام القضاء العسكري، وأخذ يفض إضرابات العمال بقوات الجيش في السويس والإسكندرية وحلون وغيرها لوقف زحف هذه الحركة العمالية التي كانت تتطور بسرعة على مستوى الوعي والتنظيم، حيث شهدنا تنسيق لإضرابات عامة قطاعية ومطالب من نوعية إدارات مدنية لمصانع الإنتاج الحربي وتطهير وزارة الطيران المدني من لواءات الجيش، وغيرها من المطالب التي عكست وعياً كبيراً وتحدياً عنيداً لاستمرار سيطرة العسكر على السلطة والثروة.

أما الإجراء أو التكتيك الثاني للمجلس العسكري فكان تفتيت حركة الجماهير عبر تقسيم الفقراء والمضطهدين على أساس ديني وطائفي. وقد ساعدته في ذلك قوى الإسلام السياسي بكافة أطيافها، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وكان مشهد استفتاء 19 مارس 2011 تعبيراً عن هذا الاتجاه، رُفعت مرة أخرى الشعارات الطائفية بعد أن كانت ثورة يناير قد نحتها جانباً ورفعت الوعي العام ضدها.

جماهير الأقباط ظلت تعاني الفقر جنبا إلى جنب مع فقراء المصريين المسلمين لعشرات السنين، ولكنها كانت بالإضافة إلى ذلك تتجرع الاضطهاد الديني، اضطهاد الدولة التي تعاملهم كمواطنين درجة ثانية بشكل عام، واضطهاد المجتمع لهم الذي هو انعكاس لاضطهاد الدولة، بالإضافة إلى انتشار أفكار القوى الدينية الرجعية.

هذه الكتلة من الجماهير كانت تتقوقع داخل الكنائس ولا تشارك في الاحتجاجات السياسية والاجتماعية إلا القليل، وذلك تحت ضغط خوفها الشديد. كانت أسيرة القيادات الدينية في الكنيسة وأسيرة الدولة التي تضطهدها ولكن توفر لها “الحماية” من بطش “المسلمين”!

لكن في السنوات الأخيرة لعصر مبارك، وقعت العديد من الأحداث الطائفية التي ظهر وقوف الدولة خلفها بوضوح، وكانت أبرزها حادثة قتل الأقباط ليلة عيد الميلاد في نجع حمادي، والتي دبرها عبد الرحيم الغول زعيم الكتلة البرلمانية للحزب الوطني، ثم حادثة تفجير كنيسة القديسين في الإسكندرية من قبل وزارة الداخلية حتى تستطيع تمديد حالة الطوارئ والتشويش على الصعود الجماهيري في ذلك الوقت.

خرج الأقباط بعد حادثة القديسين لأول منذ ثورة 1919 إلى الشوارع احتجاجاً على استمرار الحوادث الطائفية ضدهم، خرجوا يهتفون ضد الشرطة التي دبرت المذبحة وليس ضد المسلمين، خرجوا بمئات الآلاف في القاهرة والإسكندرية، وحدثت موقعة ماسبيرو الأولى التي فضت فيها الشرطة مظاهرات الأقباط الغاضبين بالغاز والخرطوش.

كان خروج الأقباط التتمة لاكتمال عناصر الثورة ضد نظام مبارك بعد خروج الطلبة في مظاهرات القضايا الوطنية، وخروج العمال للمطالبة بالعدالة الاجتماعية، ومظاهرات القوى السياسية ضد استبداد نظام مبارك، اجتمعت هذه القوى الفقيرة والمضطهدة على الخروج في ثورة يناير، شارك الطلبة والعمال والأقباط والمرأة ورفعت مطالب كل المصريين في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.

جاء استفتاء 19 مارس 2011 لضرب هذه الحالة تحديداً واستطاع المجلس العسكري بالتحالف مع الإسلاميين تحقيق الهدف منه، فبعد ان كانت الثورة تمثل الامل لجماهير الأقباط في رفع الاضطهاد الواقع عليها أضحى من “نتائج” الثورة ان “اللي مش عاجبه يروح كندا” ومصر “إسلامية”.

طبعا لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأت سلسلة من جرائم الاعتداء على الكنائس وحرقها، بعضها من فعل النظام نفسه وأغلبها بتأييد من بعض قوى التيار الاسلامي.

وجاء التتويج لتحقيق الخطة الشيطانية لتفتيت الجماهير بتدبير العسكر لمذبحة ماسبيرو ضد الأقباط مع ترديد صيحات “الله اكبر” من بعض الجنود وبعض السلفيين الذين ظهروا فجأة على مسرح الأحداث!

كان لهذا المذبحة تأثيرها المدمر على التحام جماهير الأقباط بفقراء المسلمين في ثورة يناير، وتحت ضغط الإحساس الشديد بالاضطهاد والقهر، بين دولة تسحقهم وإسلاميين يهللون للمذبحة تقوقع الأقباط مرة أخرى داخل الكنيسة ورفعوا شعارات دينية معاكسة كرد فعل، وما بين مطرقة الدولة وسندان قوى من الإسلام السياسي، بين الذهاب إلى كندا ومذبحة ماسبيرو، عاد الأقباط أسرى التقوقع داخل الكنيسة، ثم عادوا إلى حضن الدولة مرة أخرى، الدولة التي قد تقتلهم أحياناً وتضطهدهم دائماً، لكنها بالتأكيد لن ترحلهم إلى كندا!

هذا درس من الدروس السلبية لثورة يناير، هل نتعلمه؟

هل نعمل على استعادة الأقباط إلى الثورة عبر الدفاع عن مطالبهم التي هي من صلب مطالب الثورة؟ على أي ثوري أن يقف ضد اضطهاد الدولة أو الجماعات الدينية للأقباط، علينا التصدي للشعارات والممارسات الطائفية، والنضال ضد أي مجموعة ترسخ لها.

فجماهير الأقباط ستظل في حضن الدولة – وهو مكسب للثورة المضادة – طالما تصدّرت المشهد جماعات طائفية أو شعارات طائفية، فالثورة تحرر المضطهدين والثورة هي عيد الفقراء، فإذا تصدّرتها مجموعات الرعب الطائفية أو إذا لم ترفع مطالب الفقراء كان مصيرها الفشل لا محالة.

—————————————

رسالة 3:
تفويض إرهاب الدولة يخدم الثورة المضادة، وتأييد إرهاب الجماعات يخدم الثورة المضادة أيضاً
منذ انطلاق ثورة يناير استطاعت الثورة المضادة فرض سيطرتها وتصدّرت المشهد بشكل كامل لأول مرة بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو، مَثَل هذا الانقلاب هزيمة ثقيلة في معركة من معارك ثورة يناير، لكن هذا اليوم لم يكن هو الأسوأ بالنسبة للثورة، اليوم الأسود فعلا كان يوم التفويض، حين طالب السيسي الشعب بالخروج لإعطائه تفويض لمحاربة الإرهاب “المحتمل”.

لماذا يعتبر هذا اليوم هو الأسوأ ؟ ولماذا لا يجب علينا أن نعطيهم الفرصة لإعادة الحياة إليه مرة أخرى؟

كانت جماهير الثورة المصرية قد خرجت وهي تعرف عدوها بوضوح – نظام مبارك وجهازه الأمني. وجهت ضرباتها إلى نظام مبارك وخاصة جهازه الأمني، وانتقلت بعد ذلك تهتف ضد العسكر وطرحت الاول مرة امبراطورية الجيش الاقتصادية على طاولة النقاش بشكل جماهيري، وانكشف وجه المجلس العسكري سريعاً حتى وصل الوعي إلى محاكمة قادة الجيش جميعهم على جرائم الفساد المالي وجرائم القتل.

جاء التفويض ليضع الجماهير خلف المدرعة بدلاً من أمامها وفي مواجهتها، استطاعت دعاية الدولة وقد ساعدها في ذلك خطاب الاسلام السيسي أن تعود بالوعي الجماهيري إلى نقطة رجعية بشكل مخيف، فبعد أن كانت الجماهير تقف أمام المدرعات باعتبارها رمزاً لاستبداد وظلم نظام العسكر، أضحت بفعل الدعاية العسكرية رمزاً للحماية من “حرب الإخوان على الشعب”!

كان هذا الهدف الأول من التفويض، أما الهدف الثاني هو القيام بالمذابح ضد أية معارضة للانقلاب العسكري، بل وأي تحركات شعبية اجتماعية.

وتحت غطاء هذا التفويض الفاشي، قامت الدولة بارتكاب أكبر عدد من المذابح وأبشعها في تاريخ مصر الحديث، وبهذه المذابح أعادت الخوف إلى صدور الجماهير بعد أن كانت تجاوزت هذا الحاجز مع الثورة.

أضحى للثورة المضادة ظهيراً شعبياً لأول مرة وأصبح شعار “الحرب على الإرهاب” هو الضمانة لاستمرار هذا الظهير.

من التفويض الأول إلى الثاني.. الأمل يظهر وتبدده القنابل
لا شك أن السيسي استغل التفويض الأول لتدعيم الثورة المضادة بشكل كبير، ولكن للصبر الجماهيري حدود، فبعد فترة من الانتظار لتحقيق الاستقرارالمنشود الذي وعد به السيسي، لم يتحقق ذلك أبداً حيث استمر مستوى خدمة المرافق العامة في التدين، علاوة على انقطاع للكهرباء والأزمات دورية المتبادلة في الغاز والسولار.

أزمة اقتصادية تزداد حدة: ارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور
انفضاح جهاز الكفتة والتشكك في مشاريع القناة والمليون شقة وغيرها من المشاريع التي أعلن عنها السيسي، كل هذه الأمور جعلت الجماهير تبدأ في التململ من السيسي. وبعد أن كان الاعتراض على السيسي في البداية أمراً قد يعرض صاحبه لاعتداء مبرح، أضحت معارضة السيسي وجهة نظر يمكن أن تنطق بها في أي مكان.

حافظت الجامعات على انتفاضتها، وبدأت الحركة العمالية والاجتماعية تستعيد نشاطها في الفترة الأخيرة ونظمت العديد من الإضرابات في قطاعات مهمة، وبدأت تعود ظاهرة الاحتجاجات العمالية أمام مجلس الوزراء. بعض هذه الاحتجاجات والإضرابات تحدت قانون التظاهر وبعض منها تحدت ضرب الرصاص نفسه.

وعندما طال القمع الجميع، سواء طلاب وعمال وباعة جائلين أو من القوى السياسية غير الإسلاميين، بدأ شعار الحرب على الإرهاب يخفت وكان يقترب من أن يصبح كارت محروق لا يثمن ولا يغني من جوع.

تحركات 25 يناير – شيماء الصّباغ
شعرنا جميعاً في احتجاجات ذكرى الثورة أن نظام السيسي يظهر مرتبكاً وخائفاً هذه المرة. صحيح أن ميدان التحرير كان خالياً من الثوار، لكنه كان خالياً من المفوضين أيضاً.

لم يجرؤ السيسي على إعلان الحشد هذه المرة للاحتفال لعلمه أن جماهير التفويض أضحت أقل بكثير عما كانت عليه، وبالتالي دعوتها للنزول سيشكل مظهر ضعف لا قوة بالنسبة له، تحجج بموت الملك و”ألغى” الاحتفالات بالثورة والشرطة!

أما عن الثوار فقد كانوا يتظاهرون مثل كل مرة، لم يخسروا شيئاً جديداً، ولكنهم كسبوا غياب جماهير التفويض، وعادت المواجهة بين الثورة وأجهزة القمع بدباباتها ومدرعاتها وجها لوجه مرة أخرى، المعركة بهذا الشكل وضعية أفضل لصالح الثورة.

وكان استشهاد الرفيقة شيماء الصبّاغ على أيدي الشرطة نقطة تحول أربكت حسابات النظام، فلم يجد مساحة لاتهامها بالانتماء لجماعة إرهابية أو بأنها مخربة أو خلاف ذلك، انطلقنا جميعاً نفكر في شكل الاحتجاج على هذه الجريمة، وأضحت لنا شيماء الصبّاغ أيقونة تماثل خالد سعيد ودمائها الذكية التي سالت قد تشكل الطريق لفتح مساحات أكبر لإسقاط هذا النظام في المستقبل.

عملية إرهابية في سيناء.. كما كنت
جاءت العملية الإرهابية في سيناء التي سقط فيها عشرات الجنود شهداءاً، جاءت لتقطع طريق بدأت ملامحه تتشكل. عاد شعار الحرب على الإرهاب بقوة ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ومطالبات بمنع المظاهرات وقتل “الخونة والطابور الخامس في الشوارع”. شوّشت العملية على كل شيء، وعادت الأبواق الإعلامية في نشر الدعاية الفاشية مرة أخرى، ووجد السيسي ضالته أخيراً لطلب تفويض جديد يعيد به تماسك نظامه إلى سيرته الأولى!

الثورة لا ينقصها القنابل والسلاح.. الثورة ينقصها حزب ثوري جماهيري
قابل الشباب هذا الحادث الإرهابي بتعبيرات متباينة، ما بين رافض لهذه الجريمة، وهم على حق في رفضها، ومؤيد متشفي، وما بين داعم للدولة في حربها على الإرهاب ومتجاهل للحادث تماماً.

فمن هم هؤلاء الجنود وما هو موقفنا من هذا العمل الإرهابي؟

في بداية ثورة يناير كان من الصعب على مجلس طنطاوي إقناع الجنود بقتل المتظاهرين دفاعاً عن نظام مبارك، لأن كل جندي أو ضابط صغير كان على علم بظلم وفساد نظام مبارك وأن خطوة كهذه قد تتسبب في تفكك الجيش. وفي هذا الإطار كان الاشتراكيون الثوريون قد أصدروا بياناً في 1 فبراير 2011، عن الموقف من الجيش. إليكم فقرة منه:

“جيش الشعب هو الجيش الذي يحمي الثورة
الجميع يتساءل: هل يقف الجيش مع الشعب أم ضده؟ لابد أن ننتبه إلى ان الجيش ليس كتلة واحدة. فمصالح الجنود وصغار الضباط هي نفس مصالح الجماهير المنتفضة.. أما كبار الضباط فهم رجال مبارك، اختارهم بدقة ليحموا نظامه وتربطهم نفس علاقات الفساد والثروة والاستبداد. هم جزء لا يتجزأ من النظام. يجب ألا ننسى ان هذا الجيش لم يعد جيش الشعب. هذا الجيش ليس هو الجيش الذي حارب العدو الصهيوني وانتصر في أكتوبر 1973. هذا الجيش هو الجيش الذي ارتبط بشكل وثيق بأمريكا واسرائيل وأصبح دوره هو حماية اسرائيل وليس حماية الشعب المصري. نعم نريد كسب الجنود إلى الثورة. لكن لا يجب ان ننخدع بالشعارات حول وقوف الجيش إلى جانبنا. وسوف يقوم الجيش في نهاية المطاف إما بقمع المظاهرات بشكل مباشر أو بإعادة تشكيل الشرطة لتلعب هذا الدور”.

كان لابد لإنجاز هذا الأمر من استحضار الجندي (أحمد سبع الليل) الذي يقاتل أعداء الوطن. نعم، هناك تراث من الصعوبة في فضح مضمونه من قبل قيادة الجيش، وهو تراث أن جندي الجيش مهمته الدفاع عن الوطن. ولكي يتم إقناع الجنود بأنهم في حرب مقدسة للدفاع عن الوطن أو الدولة، كان لابد أن تعمل آلة الدعاية للشئون المعنوية العسكرية مبكراً جداً بأن تبدأ في بث دعاية أن البلد مُستهدف بمؤمرات خارجية، الجواسيس في كل مكان، المخربون المأجورون يدمرون البلد، هذه الدعاية انطلقت منذ موقعة الجمل واستمرت معنا حتى هذه اللحظة ودخل إلى قاموس المصطلحات المصرية “الطابور الخامس”، و”عملاء قطر”، و”القلة المندسة” وغيرهم. كان جزء كبير من هذه الدعاية يتم بثه في الوحدات العسكرية لتهيئة الجنود إلى خوض معركة مقدسة ضد “أعداء الوطن”.

عندما يُضاف إلى هذه الدعاية استهداف المجموعات الإرهابية المسلحة لهؤلاء الجنود، فإنها لا تفعل غير أنها تزيد من غضب الجنود تجاه الثورة والنظام في آن معاً، يخفت إحساس الجندي بالمهانة والحياة البائسة عندما تكون حياته نفسها مهددة، ويصبح عدوه الأول ليس المتسبب في حياته العسكرية البائسة وإنما عدوه من يستهدف حياته.

الجنود هم أولاد الفقراء من العمال والفلاحين والموظفين، دخلوا الجيش عبر التجنيد الإجباري، فإذا بالبعض منهم يجدون أنفسهم يعملون في مزارع الجيش وشركاته، وأكثرهم متفرقون في وحدات عسكرية ضعيفة التسليح والتدريب ومطلوب منها مواجهة الجماعات المسلحة المحترفة، فيُقتلون بالجملة دون أن يتم محاسبة مسئول عسكري واحد عن كل هذا الفشل.

الجنود في المعسكرات يعانون من تَسلُط الضباط، ويعيشون حياة غير آدمية يتم تبريرها بحجة “قسوة الحياة العسكرية” التي يجب أن يتعايش معها الجنود حتى يستطيعون مواجهة ظروف وقسوة الحرب!

لكن هؤلاء السادة لم يبلغونا، ما هي علاقة الشتائم والإهانات اليومية التي يتعرض لها الجنود بطبيعة الحياة العسكرية؟ لم يبلغونا لماذا يرتدي الجنود أفرولات وملابس داخلية فرز ثالث وأقل جودة من ملابس الضباط؟ لم يبلغونا لماذا يوجد بالجيش “ميس الجنود” و”ميس الضباط”؟ لماذا يأكل الجنود طعام أقل من الضباط من حيث الكم والكيف/ النوعية، لماذا والجنود يقومون بنفس مهام الضباط وأكثر؟ لما يحصل الجنود سواء في المعسكرات القتالية أو في مصانع وشركات الجيش على أجور رمزية، في حين يحصل السادة الضباط على مرتبات لا يمكن مقارنتها بأجور الجنود، ويستحوز كبار الجنرالات على الملايين والمليارات في حين يعيش الجنود حياة بائسة؟

هؤلاء الجنود هم أبناء الفقراء تم تجنيدهم ليقفوا بأسلحتهم وجهاً لوجه مع أقاربهم وأهلهم. إنهم ضحية نظام كامل وليسوا جناة، إذا كان هناك من عمل ثوري تجاه الجنود فهو رفع مطالب تحسن من أوضاعهم وليس قتلهم، هؤلاء الجنود يستحقون:
– الحصول على حد أدنى للأجور.
– نصيب في أرباح شركات الجيش لمن يعملون بتلك الشركات.
– يستحقون المساواة مع الضباط في الملابس/ المهمات والغذاء والمبيت.
– يستحقون معاملة آدمية لائقة بعيدة عن الإهانات.

مع العلم أن تحقيق هذه المطالب لا يتناقض أبداً مع مطالبات عاشقي كلمات “قسوة الحياة العسكرية”، ذلك أن قسوة العسكرية قد يكون لها علاقة بالتدريب لكن لا علاقة لها بعدم المساواة، وإلا فلماذا كانت قسوة الحياة العسكرية من نصيب الجنود فقط دون السادة الضباط؟



#هيثم_محمدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - هيثم محمدين - رسائل إلى الشباب الثائر