أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أدهم مسعود القاق - التناص والمناص، قراءة تطبيقية جبران، مريم المجدلية، ودرويش، لا أقلَّ ولا أكثرَ  أدهم مسعود القاق، باحث سوري في النقد الأدبي الحديث














المزيد.....

التناص والمناص، قراءة تطبيقية جبران، مريم المجدلية، ودرويش، لا أقلَّ ولا أكثرَ  أدهم مسعود القاق، باحث سوري في النقد الأدبي الحديث


أدهم مسعود القاق

الحوار المتمدن-العدد: 4708 - 2015 / 2 / 2 - 21:20
المحور: الادب والفن
    


يتعلق مفهوم التناص في تتبع المكونات الجنينية للإبداع والتعالقات النصيّة، ويعدّ مفتاحاً لفهم الأدب المقارن، على اعتبار أن النصوص الإبداعية هي نتيجة امتصاص ومحاكاة للنصوص السابقة، عبر عمليات الحواريّة والنقد.
 ومن آليات التناص الإجرائية المهمة المناص، وهو مصطلح يتضمن الانطلاق بالنصّ من مصدر لمبدع آخر، فيحاول محاكاته أو نقده أو حواره.
 وتستوجب قراءة نصّ محمود درويش، "لا أقلّ ولا أكثر"، إلى دراية في مفهومي التناص والمناص، وبالتالي تحتاج إلى متلق ذكي قادر على استكشاف شفرات النصّ وإشاراته ورموزه الدالّة.  يحيلنا نصّ درويش إلى نصّ جبران خليل جبران، "مريم المجدلية"، ومن قبله إلى قصتها مع السيد المسيح في العهد الجديد من الكتاب المقدّس، المستمدة من الميثولوجيا الضاربة في القدم لدى ممالك الشرق القديم.
    في نصّ جبران، التقت مريم المجدلية عيسى ابن مريم في حزيران، فأشاح بوجهه عندما حيّته، ثمّ رحل فمرضت، ليعود في شهر آب إلى حديقتها، فبدا لها ساكناً كـ "تمثالٍ قدّ من حجر"، ثمّ تخيّلته فتراءى لها "أنّ بين أعضاء جسمه عشقاً متبادلاً"1 ولمّا واجهته حسبت نفسها "عارية أمامه فأطرقت حياء" ثمّ تلاقت عيونهما فـ "انفصلت عن الأرض التي عاشت عليها، وأصبحت مريم، مريم فحسب"، لتجد نفسها في أفق جديد، هو أفق جبران خليل جبران في سمو روحها، التي كانت قد طلقتها، نحو عالم الغيب المؤجّل الذي دعاها المسيح إليه، من دون أن يزور حديقة جسدها فـ:"تحدثت الحياة إلى الممات"بعد افتراءات مجتمعها لها واتهامها بالساقطة. وبعد تضرعها أن يلمّ بدارها جسداً، فاجأها بكلامٍ غامضٍ عن عشقه لها لنفسها، وليس كما يعشقها الرجال لأنفسهم، ثمّ طلب منها أن ترحل، استصرخته ليرافقها حيث حوض الماء من فضّة، وأريج بخورها سيشيع بدارها معه، ولكنه مضى وابتعد، أمّا مريم فدريت شيئاً واحداً: "في ذلك اليوم انطوت بغروب عينيه نار الحقد الكمين في نفسي، وصرت امرأة، وصرت مريم... مريم المجدلية" صارت امرأة لاأقلّ، كما يريدها الرجال، ولاأكثر كما أرادها مسيح الربّ جبران.
استخدم محمود درويش المناص وانطلق بنصّه من حيث انتهى جبران، بحوار تفاعليّ تمكّن من خلاله امتصاص نص جبران واجتراره، ثم الإنطلاق ببناء نصّ  برؤى جديدة على المستويين الدلالي والشكلي.
" أنا امرأةٌ. لا أقلَّ ولا أكثرَ"2، تعيش حياتها الواقعية من دون أوهام ومن دون شمس المجهول كما أريد للمجدليّة أن تعيشها، هي ترى الحقائق على ماهي عليه، وإن كانت تضطر أحياناً للتحديق في ظلالها لتعرف حجم خساراتها فيما مضى، ماض لم يتبق منه إلّا الصدى المتلاشي أمام ذكرياتها الغامضة، مثل مسافر يخاطب طيوراً صامتة في لياليها، متوارية خلف ذكرى الثرثرات الرومانسية. " أنا امرأةٌ. لا أقلَّ ولا أكثرَ" تزدهر في آذار، وتجنّ إلى ملامسة الحلم مع رجل لم يصلها بعد، قائلاً لها: "المسيني لأُوردَ خيليَ ماء الينابيع" وتبكي له، من دون سبب واضح. لأنّها امرأة الحبّ، لا أقلّ ولا أكثر، تحبّه كماهو، رجل من غير تزييف، رجل، لا أقل ولا أكثر، لاتريده متكئاً لحياتها، ولا هباء منثوراً، تريده رجلاً ينسدل ليل الظلمة من نفسه عندما يشعّ جسدها ضياء بضمّه، فهي امرأة تفيض أنوثة في عناق الوجد مع الحبيب، فتشعّ روحها، ويتلاشى أمامها شمس النهار وقمر الليل.
هذه هي امرأة درويش تتفتح مع براعم زهر اللوز المبكّر في آذار، ولاتنتظر، كما انتظرت مريم جبران مسيحها حتّى آب، شهر النضوج الآيل ثمره للسقوط، حينئذ لاتتمكن أن تورد خيله إلى ماء ينابيعها، قسقوطه محتّم مع الرحيل، رافضاً دعوتها لحوض مائها، فصارت مريم فحسب، تنتظر أوهاماً. لقد شاء جبران لأمرأته أن تكون وحيدة، أمّا امرأة قصيدة درويش فلا ترضى أن تكون وحيدة، وإذا كانت مشيئة جبران أن تكتفي مريم بالانتظار، فله كما شاء، فقبله اشتاق قيس لليلى وجعلها صورة ملّونة جميلة، وحبّاً عذرياً اختلطت فيه موسيقا الألحان، في غابات الروح بين الأيائل المتحابّة، وطارت فكرة حبّه لها في كلّ الأمكنة وعلى مرّ الأزمان، ولكن لا، امرأة درويش لن تقبل بقيس المتيم الذي يندب آلامه في بيداء روحه الهائمة، امرأة لايعجبها أن تّحَبَّ إلّا كما هي، لاتريد ان تكون صدى لصرخات ليلى على فراش الحبّ، ولا لاستغاثاتها للتخلّص من أوهام شاعر أو نبيّ يأسطرانها لتناقل أخبارها، إنّها امرأة تريد تأريخاً على مقدار أنوثتها على فراش الحبّ، امرأة، لاأقل ولا أكثر، مع رجل، لا أقلّ ولا أكثر، "أنا من أنا، مثلما/ أنتَ من أنت: تسكن فيّ/ وأسكن فيك إليك ولك/. عندما يسكن حبيبها فيها، يتوضّح لغز أنوثتها التي تفيض على ظلام ليل جبران ومسيحه وقيس الشاعر، الظلام الذي فرضوه على مريم المجدلية "حتى توارت نجوم ليلها" وعلى ليلى التي تصرخ، لكسر قيود وحدتها. إنّها امرأة "تفيض عن الليل" ولا تتوارى النجوم من ليلها، لأنّها أكبر من الأرض التي تحتاج إلى ثوّار لتحريرها، وأكبر من جموحهم في الأسفار، امرأة، لا أقلّ ولا أكثر، فكرة كفيلة بتحرير النفوس والأوطان، فعندما يسكن حبيبها فيها، تغوص فيه وتسعى إليه، وتكون له حبّاً يفيض أنوثة على الأرض وعلى الرحيل.
امرأة، من لحم ودم، لا ترضى بوعود جبران لمريم المنتظرة أوهاماً، إنّها تعتزّ بأنوثتها التي قد تتعبها استجابة لفطرية الحياة في دورة قمرها الأنثويّ، تبدأ بالذبول، فيتوقف جسدها عن عزف موسيقا الحبّ كأوتار قيثارة تتراخى تحت أصابع عازفها، ولكنها متأكدة أنّها تفخر بهذه الأنوثة الخلّاقة للحبّ، المجدّدة للحياة، ولا ترضى أن تكون إله جبران ولا قصيدة قيس، ولا أسطورة هوميروس، ولا صوراً ملونة، إنها امرأة، لا أقل ولا أكثر، مريم المجدلية، ولكن بعين العقل في شعر محمود درويش المتجدد.
                         أدهم مسعود القاق، جامعة الإسكندرية
كل الإستشهادات الموضوعة بين قوسين يحرف مائل مأخوذة من:
[1] - ثروت عكاشة، جبران خليل جبران، عيسى ابن الإنسان(دارالشروق: القاهرة، ط6، 1999م) ص40

2- محمود درويش، سرير الغريبة(رياض الريّس للنشر: بيروت، ط2، 2000م) ص60



#أدهم_مسعود_القاق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهيدة ميادين الحرية شيماء الصباغ في القاهرة
- المذهب الرومانسي، جبران خليل جبران لايزال حيّاً
- عن الثورة السورية، بيان معاذ الخطيب، وكيلو وكيلة وعبد العزيز ...
- طالبات وطلاب الدراسات العليا والتعليم المفتوح السوريون المسج ...
- لسلفيون هم الأكثر جهلاً بالتراث
- كلمة ألقيت في كلمة أقيت في جلسة المراجعة الدورية لسوريا في م ...
- ملامح في نظرية جماليات التلقي
- إخضاع الفتاوى الدينية والنصوص الطائفية الفاعلة في مجريات الث ...
- أهمية تحديد التخوم بين المصطلحات النقدية الحديثة - بحث تطبيق ...
- تيمة الفساد في رواية الرجل المحطم وفقاً للنقد الموضوعاتي
- ثورة شعب سورية العظيم، رؤية قدمت لمؤتمر -التجمع الوطني السور ...
- بعض ملامح التناص في رواية -الرجل المحطّم- لطاهر بن جلون
- المواطنة والنظام الديمقراطي


المزيد.....




- رحيل -الترجمان الثقافي-.. أبرز إصدارات الناشر السعودي يوسف ا ...
- “فرح عيالك ونزلها خليهم يزقططوا” .. تردد قناة طيور الجنة بيب ...
- إنتفاضة طلاب جامعات-أمريكا والعالم-تهدم الرواية الإسرائيلية ...
- في مهرجان بردية السينمائي.. تقدير من الفنانين للدعم الروسي ل ...
- أوبرا زرقاء اليمامة.. -الأولى- سعوديا و-الأكبر- باللغة العرب ...
- ابنة رئيس جمهورية الشيشان توجه رسالة -بالليزر- إلى المجتمع ا ...
- موسيقى الراب في إيران: -قد تتحول إلى هدف في اللحظة التي تتجا ...
- فتاة بيلاروسية تتعرض للضرب في وارسو لتحدثها باللغة الروسية ( ...
- الموسم الخامس من المؤسس عثمان الحلقة 158 قصة عشق  وقناة الفج ...
- يونيفرسال ميوزيك تعيد محتواها الموسيقي إلى منصة تيك توك


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أدهم مسعود القاق - التناص والمناص، قراءة تطبيقية جبران، مريم المجدلية، ودرويش، لا أقلَّ ولا أكثرَ  أدهم مسعود القاق، باحث سوري في النقد الأدبي الحديث