أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالعزيز عبدالله القناعي - رسالة كويتية الي الرئيس الفرنسي















المزيد.....

رسالة كويتية الي الرئيس الفرنسي


عبدالعزيز عبدالله القناعي

الحوار المتمدن-العدد: 4694 - 2015 / 1 / 18 - 11:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


رسالة كويتية الي الرئيس الفرنسي

فخامة الرئيس فرانسوا أولاند، قصر الإليزيه، باريس، فرنسا
قد أكون لست الوحيد الذي أرسل إليكم خطابا عربيا مباشرا من عامة الشعوب العربية، أو من مثقفيها، ولكني أعتقد بأنني الأول الذي يرسل إليكم خطابا من إحدى دول الخليج العربي، وهي الكويت. في البداية أحمل إليكم ولأسر الضحايا تعازي الحارة، وبالغ الأسي والمرارة والمواساة لوفاة الرسامين المبدعين في صحيفة شارلي ايبدو بعد أن طالتهم يد الغدر الديني وأباحت قتلهم لأسباب فكرية مستقاة من الفكر الإسلامي، والذي دائما يتحفنا بطرق بشعة وهمجية ودموية في التعامل مع الآخر المختلف، وحتي لو كان هذا الآخر قمة في الإنسانية، أو أنه يعبر عن حريته في الرأي والتعبير والرسم والإعتقاد. فبالنهاية يعتبر هذا الآخر كافرا ملعونا يجوز قتله.
لعلكم فخامة الرئيس تعيشون هذه الأيام مذهولين من بطش وسطوة الفكر الديني في التعامل معكم ومع شعوبكم في الغرب وأوروبا، وهو شعور وسطوة نحن في الشرق مازلنا نعيشها كلحظات يومية مع الارهاب الإسلامي الذي طال كل تفصيل في حياتنا وأفكارنا وسلوكنا لدرجة أنه بات يتدخل بين الرجل والمرأة، وبين العائلة وأفرادها، وبين التعليم والمناهج، وكل ذلك من أجل تطبيق الشريعة السمحاء كما يدعون والتي لم نري منها نحن أولا إلا القسوة والجلافة والظلم والفساد. لقد حاول الغرب وبعد انتصار مباديء النهضة الاوروبية وشيوع ثقافة التنوير والحداثة، أن يبني مفاهيم انسانية كونية، وقد استطاع تحقيق ذلك بعد تضحيات رجالكم ونسائكم، وبعد قيام الفلاسفة والمفكرين العظام من تقديم عصارة جهدهم وفكرهم في التوصل الي أنظمة علمانية تقود المجتمعات الي التقدم والتطور عبر المفهوم الخالد بفصل الدين عن الدولة والسياسة. لقد توقعتم أن مفاهيم التعايش المشترك، والتعددية الثقافية، وجو الحريات العامة، والنظرة الإنسانية الي غالبية المسلمين المهاجرين والهاربين من بطش حكوماتهم وسعيهم الي الحياة الكريمة، كفيل باندماج هؤلاء البشر في مجتمعاتكم بعد أن قمتم بحسن نية وإنسانية بدمجهم بدولكم ومجتمعاتكم وشعوبكم. ولكن أعتقد أن النتيجة التى حصدتموها كفيلة بإعادة النظر من جديد الي الفكر الإسلامي وما يحويه من ضغائن وحسد وكراهية لا تنضب نحو اليهود والنصاري وغير المسلمين.
لاشك أن الحكم يكون قاسيا لو شملنا الجميع أو عممنا النظرة السلبية الي كل العرب والمسلمين الذين يعيشون في الغرب وأوروبا، فما فعله المسلم الحسن باثيلي، العامل في متجر يهودي بإخفاء عدة أشخاص في ثلاجة المتجر وأطفأ النور وطلب منهم إلتزام الهدوء حتى خرجوا أحياء من بعد المجزرة الدينية، كفيل بأن يزيل بعض المخاوف، وليس هناك أجمل من العبارة التي قالها بعد انتهاء الأزمة "المسألة ليست مسألة يهود او مسيحيين او مسلمين .. جميعنا في قارب واحد"، فنرى هناك من المسلمين من يرفض أن يكون عونا للإرهاب الإسلامي، بل وينتصر للإنسانية في خطوة تحسب لهذا الرجل وتفوقه على فكره الديني. وأنا على يقين بأن هناك الكثير مثله ممن يحملون في قلوبهم وعقولهم مبادئ الانسانية والمحبة أكثر مما يحملون من أفكار دينية هادمة للحياة حتى وإن كانوا مسلمين. هنا فخامة الرئيس، أنتم ونحن ، نعيش في نفس المأزق الديني، بل إن شعوبنا العربية كما تعلمون تماما، تعيش في خراب ودمار بسبب الفكر الاسلامي وتداعيات وصول وهيمنة الاسلام السياسي في بعض الدول الخليجية والعربية، ونظرة بسيطة الي الخليج سوف تجعلكم تعيشون وتحسون الألم والمرارة مما نعانيه من تراجع فكري وحضاري، ومن انهيار المنظومة الإنسانية مقابل صعود المنظومة الدينية الفقهية وتدخلها بحياة الإنسان، وما جلد رائف بدوي كل اسبوع وبعد صلاة الجمعة تحديدا إلا تعبيرا عن إستمرار الفكر الديني في بطشه وجرائمه نحو الإنسان لمجرد كتابة رأي أو مقال، وهذا بخلاف من هو في السجون نتيجة فكره الليبرالي كالسيدة سعاد الشمري، والسيدتين لجين الهذلول وميساء العمودي نتيجة القيام بأفعال تعتبر مخالفة للشريعة كقيادة المرأة للسيارة في السعودية. ومؤخرا في موروتانيا تم الحكم على الكاتب محمد الشيخ بن محمد بالإعدام بناءا على كتابته لمقال الدين والتدين والمعلمين. وغيره من أصحاب الرأي في طول وعرض الوطن العربي البائس. ولا يخفي عليكم أساليب تطبيق الشريعة الاسلامية على مذهب وفكر داعش والقاعدة من القتل والتفجير والجلد والرجم بصور موثقة تدل على بشاعة الفعل في عصر التمدن والحريات والأمان،
ولا يخفي أيضا عليكم ما نعانيه نحن في الكويت من هيمنة رجال الدين والفقهاء على الحكومة الكويتية والتى لا تستطيع اتخاذ أي قرار إلا بالرجوع الي السلطة الدينية ومحاباتها في المجتمع الكويتي، فلعلك لا تعلم أيضا بأن احتفالات رأس السنة حرام وبدعة، وبأن عيد الحب بدعة وكل بدعة في النار، وبأن من يمارس حقه في التعبير والنقد ضد الفكر الديني فهو مهدد بالردة والتكفير والسجون، ومن يكتب حول العلمانية فكأنما مارس إثما ودعارة وانحطاط، بالإضافة الي منع الكتب الفكرية من النشر والعرض في دور المكتبات ومعارض الكتب. وهذا بخلاف التدخل الفقهي وهيمنة الفتاوي الدينية في الثقافة والفنون والاقتصاد وقمع المرأة وفرض الذكورية بناءا على مرجعية فقهية تتيح للرجل التحكم بالمرأة وبحياتها. والأغرب من هذا أن يأتي مجلس الأمة والمنتخب من الشعب ليمارس وصايته الدينية بشكل فج وقبيح يعبر عن مدي وصول وتغلغل الفكر الإسلامي في الديمقراطية ليغير من مبادئها المتمثلة بالحريات والتعددية والمساواة الي التدين والتخلف والهمجية، ولا أعلم إن وصلت إليكم أخبار عن محاولات أعضاء مجلس الأمة في السابق من محاولة إصدار قوانين تجيز إعدام كل من يتعرض للرموز الدينية. فكل هذا السعار الديني إنما جاء بسبب الإدعاء بالمحافظة على الثوابت الدينية وما أدراك ما هي الثوابت الدينية والمحرمات والممنوعات والمكروهات المتفرعة منها، القديمة والجديدة.
وإذا ما أنتقلنا الي العالم العربي، فسوف تصيبك الدهشة والرعب، فالشعوب العربية أصبحت أكثر تمذهبا وفئوية، بل وأصبحت الهوية الدينية السمة البارزة في التعاطي مع الأزمات السياسية والاجتماعية والفكرية وحتى الإقتصادية، ولا تكاد تخلو دولة عربية او مجتمع عربي من التشرذم والتناطح والإقتتال، وكل ذلك يتم تحت راية الله وتراث النبي محمد، حتى لتخال بأننا نعيش قلبا وقالبا في عصور الإسلام الأولي قبل أكثر من 1400 سنة. لقد تحولت الشعوب العربية وضمن صراع القوي الداخلية وتدخلات القوى الخارجية الي أدوات السيف والرماح والسبي والغزو، فلم تيأس الشعوب من تخلفها بل وأضافت عبئا جديدا على الوضع العام بأن استمرأت الجدال الديني والسياسي على خلفية دينية لم يأخذوا منها ما يدعون بأنها ثقافة تحض على السلام والمحبة، بل أخذوا منها ما يحض على القتال والكراهية ونشر الجهاد بالقوة، ولعل ما يحدث في سوريا والعراق واليمن وحتى لبنان ومصر ماهو إلا تداعيات خطيرة طالت الدول العربية وحولتها الي مستنقعات دينية تخشي الشعوب من الغرق داخلها.
في مثل هذه الأوضاع، وتحت ظل الفكر الديني الذى لم تسلموا من آثاره السلبية المدمرة لقيمكم وتاريخكم، حريا بنا وبكم أن تجدوا الحل والعلاج، ففي فرنسا تم انطلاق الثورة التنويرية الكبري، وتم قيام الحريات الانسانية والفردية، وتم إعلاء مفاهيم العدالة والمساواة والإخاء. فكيف يمكن مواجهة هذا التطرف الديني وهذه الأفكار التى تأخذ قدسيتها من جهل الشعوب وخوفهم من انتقادها أو التساؤل حولها. هنا في هذا الخطاب أتوجه الي فخامتكم بأن يتم تبني عقد مؤتمر تنويري عربي يكون نواة لانطلاقة عربية نهضوية تنويرية تواجه الفكر بالفكر، وتسعي الي إيصال الصوت المدني الي غالبية الشعوب العربية والغربية لتدارك مخاطر التيارات الاسلامية وتقديم الصورة الحقيقية للشعوب والمجتمعات العربية الصامتة والرافضة لهيمنة التيارات الاسلامية في السلطة والحكم (تفاصيل المؤتمر وأهدافه وتطلعاته موجودة لدي لمن يرغب )، وحتى نكون نحن الشعوب العربية يدا واحدة أمام التراجعات الحضارية التى مازلنا نعاني منها الي اليوم بسبب الفكر الديني وهيمنته على العقل العربي والبنية المعرفية للتاريخ الاسلامي.
وفي ختام رسالتي، لا يسعني إلا أن أؤكد بأن الإرهاب الديني مرفوض وتشمئز منه كافة النفوس الحرة، وما حدث في فرنسا يعتبر مأساة رهيبة نعيش تداعياتها بعد تفريخ التيارات الاسلامية لتيارات جهادية راديكالية لن تخضع ولن تهادن إلا بعد فرض سلطتها الدينية على كافة الدول وفق عقيدة الولاء والبراء، ومفهوم دار الكفر ودار الإيمان.
وأنا أكتب نهاية هذه الرسالة تفاجئت بورود أخبار تفيد بأنه تم احتجاز رهائن جدد في فرنسا في مكتب للبريد. فماذا ننتظر أكثر، والفكر الديني يشحذ السيوف ويمارس البشاعة المتطرفة ليوقع المزيد من الضحايا والأبرياء، ليجعل من الشعوب الغربية مجتمعات تعيش فعلا حروب النبي محمد وصحابته.
دمتم بود، وتقبلوا تحياتي.

د. عبدالعزيز عبدالله القناعي
كاتب صحفي - الكويت
[email protected]
@Azizalqenaei



#عبدالعزيز_عبدالله_القناعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالعزيز عبدالله القناعي - رسالة كويتية الي الرئيس الفرنسي