أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد البكوري - الفعل الجمعوي بمناطق الواحات واحة أحميدي بورزازات نموذجا - ( الجزء الاول)















المزيد.....


الفعل الجمعوي بمناطق الواحات واحة أحميدي بورزازات نموذجا - ( الجزء الاول)


محمد البكوري

الحوار المتمدن-العدد: 4693 - 2015 / 1 / 16 - 08:36
المحور: المجتمع المدني
    


يمكن التأكيد بداية، ان المجتمع المدني ظل دوما احد المكونات الرئيسية الفاعلة داخل المجتمع المغربي، فأشكاله التداولية وأساليبه التعبيرية، ما فتئت تعرف تغيرات كثيرة، متكررة ومستمرة. وهي التغيرات التي فرضت على مكوناته ضرورة الاستجابة لظروف التأقلم والتكيف مع المستجدات الداخلية والخارجية، علما ان تأثيره، لم يتصف يوما من الأيام بنفس المستوى من العمق والدرجة من الحدة، اذ تحكمت في وتيرة فعاليته ضوابط متعددة، ولم تتكمن الاكراهات التي اعترضت سبيله ولا العوائق التي وقفت حاجزا أمام طموحه، من أن تنال من استمرارية ووظيفية دوره الرئيسي، والمتمثل في تنبيه السلطة (الدولة) وحثها على ضرورة الاستجابة المتواصلة للمطالب الاجتماعية والفكرية (أساسا) والتي أضحت – ووفق منطق السياقات والمسارات – تفرض الحاحيتها وراهنيتها.
إن الفعل الجمعوي المنبثق من هذا التصور، هو فعل ديناميكي يتجايل،يساير،يواكب، يؤطر يعتمل في كل الاتجاهات، يشمل جل الميادين، ينصهر في بوتقة كل المشاريع، ويتحيز سائر الفضاءات... وعلى رأس كل ذلك كل ما له صلة بالتدبير البشري، وما يدخل في سياقه من مؤسسات ناظمة/ضابطة للسلوك الجماعي المتحكم فيه – وان كان بنوع من الارادوية – وذلك كله بغية تحقيق جملة من الأهداف والطموحات المشتركة . ان أصل المجتمع المدني بالمغرب يعود إلى النظرة إليه كدولة تقسيمية في أوسع معاني الكلمة، لان سكانه خضعوا طيلة قرون لنسق الأنساب الانقسامية، حيث ما فتئت المشاعر الأساسية في المغرب تتبلور حول الانتماء إلى القبيلة أو إلى الدين، وفي بعض الحالات حول الانتماء إلى منطقة أو مدينة، أو حي أو أسرة. ولقد جعلت خطوة الانقسام هذه بتشابكها وتداخلها من المغرب القديم فسيفساء انقسامية عريضة ,وكان باستطاعة كل فرد من الأفراد أن يحدد موضعه ,باعتبار هذه الوحدة أو تلك من هذا الهيكل الاجتماعي- كما يرى ذالك جون واتربوري في كتابه الشهير "أمير المؤمنين :الملكية والنخبة السياسية المغربية "- هذه الملاحظة الأخيرة يتجذر الوعي بأهميتها و تترسخ مؤشراتها سواء في البوادي أو الحواضر ,كما تظل مسألة راهنيتها مسألة حاضرة بقوة ,وغير قابلة للنفي المجانب للصواب.فالمجتمع المدني بالمغرب هيمنت عليه وما تزال النظرة الانقسامية و البعد القبلي , وهو ما يتبلور في الفعاليات الجمعوية المشتغلة بأدوات وخطابات العالم القروي (التويزة ,اجماعة العرف ,لحساب ,الشرط...),كما يتمظهر ذلك فيما تقوم به هذه الفعاليات من خطوات ومجهودات جبارة في سبيل ترسيخ البعد التنموي مع مراعاة خصوصيات كل منطقة وعدم المجازفة بالتغيير الجذري الذي قد يجعل الأهداف المنصوص عليها في قوانينها الأساسية أهدافا "ملغومة "قابلة للانفجار في أي وقت وحين ,أي ضرورة تبني أطروحة "التغيير في ظل الاستمرارية ".هكذا,ووفق التوجه السابق:انقسامي/ قبلي, تنمو وتترعرع في السياقات المغربية المختلفة نفس الصورة النمطية , سواء في الجبال , أو السهول، أو الصحاري، أو الأحواض، أو الواحات.... فنفس المنظور يتكرر, المتح من كل ما هو تقليداني وعدم المجازفة الغير المأمولة العواقب, في حالة تبني عكس ذلك. فالتقليدانية, هنا تصبح صورة مطابقة للأصل للعقلانية , والسلوك الذي يسير عكس التيار يصبح – حسب البعض- تهورا, طيشا وشيئا منبوذا, بل يحرم حتى التفكير فيه. إن دراستنا هاته ,ستحاول أن تبرز عمق هذه الملاحظة , من خلال الوقوف على الفعل الجمعوي في مناطق الواحات, مع التركيز على إحدى أهم وابرز الواحات الموجودة بإقليم ورزازات ,وهي واحة أحميدي, التي تشكل بهذا الإقليم ,بالإضافة إلى واحتي فينت وسكورة ثالوثا "تنمويا" رائدا : فلاحيا,سياحيا و ايكولوجيا ...وتركيزنا على هذه الواحة مرده بالأساس إلى كون " واحتي فينت وسكورة" أخذتا النصيب الأوفر في تسليط الضوء عليهما, سواء من طرف الجهات المعنية بالشأن الواحاتي أو الباحثين أو السياح ( وذلك بالنظر للعديد من المؤشرات: الاهتمام الإعلامي, التصوير السينمائي, التثمين السياحي، أهمية الفاعل المدني....) في حين ان الواحة موضوع الدراسة ما فتئت تعاني من التهميش – على الأقل من ناحية الصيت ,والدليل على ذلك عند البحث عن هذه الواحة في الشبكة العنكبوتية, فيقل تواجدها إن لم نقل ينعدم ذلك-
واحة أحميدي : نموذج الرافد التنموي لمنطقة تازناخت :
تنتمي واحة أحميدي لجماعة وسلسات, المحدثة سنة 1992 والمنتمية ترابيا وإداريا إلى قيادة وسلسات, دائرة امرزكان، إقليم ورزازات ، جهة سوس ماسة درعة. وهي الجماعة التي تقع في الجنوب الغربي لورزازات و على بعد 94 كلم ( عن مركز الجماعة الواقع بدوار تمجيشت) وتعتبر من اكبر الجماعات القروية بالإقليم، بمساحة تبلغ 1710 كلم مربع, أي بنسة 9% من مجموع مساحة الإقليم يحدها شمالا وغربا جماعة سيروا، وجنوبا جماعة ازناكن وجماعة الوكوم ( التابعة لاقليم طاطا) وشرقا جماعة ترميكت وجماعة تمنسيفت ( التابعة لإقليم زاكورة ) وتتفرع الى ثلاث مشيخات : ايت ضوشن, ايت عمرو وأحميدي. هذه الأخيرة تقسم إلى أحميدي الشرقية و أحميدي الغربية, وتشمل مجموعة من الدواوير من قبيل : تستيفت, ايت مرابط, ايت عيسى , امزر, زاوية سيدي بلال, واكينخت، تاوينخت، ونتجكال، اكريد... وعموما يشكل هذا التقسيم الترابي صورة ناصعة لتقسيم آخر هو تقسيم تنموي, يرتبطان معا بمجمل عوامل الإنتاج الموجودة بواحة أحميدي من ارض وماء ورأسمال غير مادي ,وهي العوامل التي تتحكم فيها العقلية الممتوحة من النمط العقاري السائد وهو " ارض الجموع" ,حيث غلبة المنطق الجمعي والرؤية الجماعية على مستوى مختلف أشكال الإنتاج والطقوس الاحتفالية والعادات القبلية والأعراف الانقسامية... إن واحة أحميدي , ووفق المنظور السابق أضحت تجسد منطقة غنية بالمرجعيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية , والتي ما فتئت تقوم بتصديرها كمرجعيات متحركة, بدءا من اقرب مركز حضري لها (تازناخت) ,مرورا إلى مركز مدينة ورزازات، ووصولا إلى مختلف أرجاء المغرب . إلا انه ووفق معطيات الملاحظة والرصد, تظل تازناخت منطقة جذب واستقطاب لمختلف مرجعيات واحة أحميدي ( خاصة في يوم السوق الأسبوعي الذي تحول من يوم السبت إلى يوم الخميس ) ,وهي الملاحظة التي يمكن تعميمها على مختلف الجماعات القروية المكونة لما تم تسميته بتازناخت الكبرى : وسلسات ,ازناكن, سيروا, خزامة,حيث تبرز الأبعاد التنموية لهذه المرجعيات الاستقطابية : وسلسات ( إنتاج التمور والمعدن) ازناكن ( إنتاج الزعفران الحر) سيروا( زربية ايت واغرضة ) خزامة ( إنتاج التفاح ). وعموما، تشكل واحة أحميدي خزانا تنمويا مهما على مستوى فلاحة النخيل ( الإنتاج والتخزين والتسويق) ,وهو الخزان الذي بدأ معينه ينضب للعديد من الاعتبارات : توالي سنوات الجفاف, الاستنزاف المفرط للفرشة المائية، عدم التكتل التعاوني الايجابي التعامل مع الرصيد العقاري الجماعي وفق أبعاد ضيقة , الاكتساح العمراني غير الاستشرافي ... و حتى يتم تجاوز كل ذلك أضحت تلوح في الأفق بوادر ايجابية ستساهم في التخفيف من وطأة المعاناة بهذه الواحة , و منها التوجه التنموي الدولتي ( في إطار مشاريع INDH,وكذا المجهودات الجبارة التي أضحت تقوم بها الفعاليات الجمعوية المتواجدة في مختلف ربوع هذه الواحة .

الجمعوية الواحاتية : الانبثاق الكبير
تشكل "الواحة"، منظومة ايكولوجية متكاملة، تتسم بالتفرد والجاذبية والتعددية على مستوى مشاهدها الطبيعية، كما انها وعبر أشجار النخيل التي تتوفر عليها، تجسد أبعادا بيئية مستدامة، ذات قيمة عالمية تجعل منها "كنزا" تنمويا ثمينا، يساهم في بلورة التوجه السكاني المستمروالمتواصل في صياغة مفاهيم الاستقراروالتمكين والتوطيد والتثبيت، وذلك بالنظر للأهمية الحيوية التي يوفرها نخيل الثمر، اقتصاديا، اجتماعيا، بيئيا، ثقافيا وغذائيا. وفي مقابل ذلك، أخذت في الوقت الراهن تطفو على السطح مظاهر للسلوك الإنساني "الأرعن" في التعامل مع هذه المنظومة الايكولوجية، المتسمة بمعاني السمو والرفعة، وهذا بالإضافة إلى "القدر" المناخي الذي ما فتئ يلم بها، ويجعلها تعاني من النضوب والجفاف... الشيء الذي يحتم تضافر جهود الجميع وتكتلها، بغية التخفيف من وطأة وحجم هذه المعاناة "القاسية"، والموقفة للنبض "التنموي" الصاعد .في هذا الصدد ينبثق الدور المحوري الذي يمكن للفاعل الجمعوي أن يضطلع به في المحافظة على هذا الرصيد الواحاتي الغني، من خلال التأكيد على ضرورة التثمين الايجابي والاستغلال المعقلن للموروث الثقافي والاجتماعي المرتبط به، والذي بحمل في طياته جملة من المعاني والمعارف والمهارات المكثفة (التدبير المحلي خصوصا)، مما يمكن في نهاية المطاف من خلق أسس لحكامة جيدة رائدة اتجاه المجتمع الواحي.
إن الملاحظة الجديرة بالانتباه في هذا السياق، هو غلبة وهيمنة الطابع الايكولوجي على الجمعيات الفاعلة في المنظومة الجمعوية الواحاتية، والتي تتوخى بالأساس المحافظة على الواحات، باعتبارها تراثا إنسانيا (ملكا للبشرية بأسرها) قبل أن تكون تراثا قبليا (يدخل في إطار الملك العقاري والنعرة القبلية، الضيقة الأفق). فالواحة هنا، توحي بالوحي الوجداني لإنسانها وانتماءه المتجذر في أعماقها ذات الدخائر والمكنونات المفعمة بالمعاني المكتظة بالحمولة "الانسانية". وهنا يمكن ان نقف عند تجربة "شبكة الجمعيات للتنمية المستدامة بالواحات RADDO" ،والتي ما فتئت تسعى إلى الإحاطة بالإشكاليات العويصة المرتبطة بالواحات من قبيل مواجهة التغييرات المناخية وبعض تدخلات الإنسان السيئة لاستدامة الموارد الطبيعية ,وعلى رأسها تلك الظاهرة الغريبة التي أخذت تكتسح منطقة زاكورة ,والمتمثلة في زراعة البطيخ الأحمر( الدلاح ), وما يشكله ذلك من تدبير غير مستدام وغير رشيد للموارد المائية المتسمة أصلا بالندرة (لدرجة معها تعرف مناطق عديدة بزاكورة نقصا حادا في الماء الصالح للشرب ،تاكونيت نموذجا)، هذا من جهة ومن جهة أخرى يمكن الوقوف على تجربة فيدرالية جمعيات احميدي، والتي تبنت في أجندتها الجمعوية، خيارا استراتيجيا لا محيد عنه في الدفاع المستميت عن واحة احميدي وجعلها في منأى عن خطر الزوال أو الانقراض، وذلك عبر القيام بعملية تحسيس واسعة في صفوف الفلاحين لتفادي الاستغلال العشوائي وغير القانوني للثروة المائية ،و بل وحث السلطات ( السلطة الإقليمية، السلطة المحلية، وكالة الحوض المائية، مديرية الفلاحة) على مجابهة كل سلوك يمكن أن يشكل خطرا محدقا على البنية الايكولوجية المرتبطة بواحة احميدي، وكذا رسم خارطة طريق عمل مستقبلي لضمان تنمية مستدامة لواحة دائمة .
وعموما، يلاحظ في الاونة الاخيرة ان المجتمع المدني المشتغل بمناطق الواحات أخد يكتسب القوة والاحترافية اللازمتين لبلورة تصوراته الحكاماتية المرتبطة بتثمين سلاسل إنتاجها ،وجعلها " القدوة الفلاحية الحسنة" ،و الواجب إتباعها للتمكين من مسارات "الحلم الفلاحي العظيم "والمسمى بالمغرب الاخضر، وهو الدور الذي يمكن الاضطلاع به –بكل ثقة ومسؤولية – بتبني مقاربة تشاركية ، مندمجة وفعالة . هذه الاخيرة التي اضحت مرتكزا اساسيا من متركزات احدى المؤسسات التي قامت الدولة باحداثها لتدبير الشأن الواحاتي والرفع من قدراته التمكينية ،وهي الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجرة الاركان ANDZOA.
الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجرة الاركان والتشاركية الجمعوية
تشكل فضاءات الواحات 15 في المائة من التراب الوطني، متمركزة اساسا في المناطق الصحراوية والمناطق المتاخمة للصحراء، جنوب شرق المغرب، ويقطن بها حوالي 1.6 مليون نسمة، وتتجسد جغرافية زراعة النخيل في كل من الراشيدية (التي تحتضن مهرجان التمور بارفود) وورزازات وزاكورة،وطاطا، واكادير،وتيزنيت، وكلميم، وطانطان والعيون والسمارة ووادي الذهب .وتجدر الاشارة في هذا الصدد، انه هناك اعتراف اممي بأهمية الابعاد التنموية للواحات، تمثل في جعل منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) في نونبر 2000 من منطقة الاقاليم الثلاثة (ورزازات، الراشيدية، زاكورة) "محمية للمحيط الحيوي لواحات الجنوب المغربي" ، كما شكلت الواحات المغربية ، وعلى وجه الخصوص منذ اعلان عام 2006 سنة دولية للصحاري والتصحر واختيار 17 يونيو يوما عالميا لمحاربة التصحر، موضوعا يحظى بالاعتراف الشمولي والمكانة الراقية، الشيء الذي يفسر ارتفاع وتيرة تنظيم الانشطة التي تتغيى حماية الفضاءات الهشة للواحات، بالنظر لكونها تمثل ضمانة حقيقية للتوازنات الايكولوجية واداة لا محيد عنها للرفع من القدرات التثمينية للنمط التنموي الرائد والمتمظهر في الاقتصاد الاجتماعي، الذي تبرز اهميته في الادوار الطلائعية التي اضحت تقوم بها التعاونيات المشتغلة في الحقل الواحاتي ، من خلال ارسائها لبنية متناسقة ومتوازنة من الانشطة المدرة للدخل ومحاربة الفقر وادماج المراة القروية في الصيرورة التنموية، وبالتالي توفير المجالات الملائمة لتطوير الواقع الانساني والبيئي والتنموي لواحات المغرب ، وجعل هذه الاخيرة درعا قويا ومنيعا لمواجهة كل اشكال التهديد الحالي لها من تصحر وندرة مياه وزحف رمال، وكذا المحافظة على الموروث الثقافي والحضاري المتميز للانظمة البيئية السائدة في مناطق الواحات.
الا انه، ورغم الاهمية القصوى التي تحظى بها الواحات كثروة تنموية حقيقية، فانها ما زالت تعاني كمنظومة بيئية تنموية من العديد من بؤر العجز، والتي اضحت مع مرور الوقت تشكل "اكراهات مزمنة" تصيبها في العمق وتقلل من الدور الذي يمكن ان تقوم به في تحريك دواليب عجلة التنمية في المناطق التي تتموقع فيها ومن بين هذه البؤر نجد : التآكل والتصحر وشيخوخة اشجار النخيل والاختلالات البيئية المرصودة على مستوى جفاف ينابيع ومجاري المياه الدائمة والاستغلال المفرط للمياه الجوفية وانجراف التربة... مما يجعل من هذه البؤر في نهاية المطاف خطرا محدقا بالانظمة الواحاتية وتصييرها انظمة هشة ومعقدة، غير قادرة على التكيف الملائم مع النظام الايكولوجي الجديد,القائم على الاقتصاد الاخضر والتنمية المستدامة . وعموما, ومحاولة من الدولة للتخفيف من وطأة هذه المعاناة الملاحظة على مستوى واحاتنا وحمايتها والمحافظة عليها وجعلها تدخل مرحلة من العقلنة والترشيد والمأسسة ,ومن ثم بلورة نمط حكامة خاص بها, قامت (الدولة)باحداث الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان ( بموجب قانون رقم 10-106 الصادر بتنفيده الظهير الشريف رقم 187-10-بتاريخ 7 محرم 1432 ( 13 دجنبر 2010) بالنشرة العامة للجريدة الرسمية عدد 5900 بتاريخ 10 محرم 1432 الموافق 16 دجنبر 2010 ) , والتي أنيطت بها ,بالدرجة الاولى مهمة حماية وتثمين الموروث الوطني من اشجار النخيل, التي تعد عصب النظام البيئي, وفق مبدأ التنمية المستدامة, وكذا الحرص على عقلنة تدبير الموارد المائية ومكافحة التصحر وزحف الرمال, والعمل على استباق مخاطر وانعكاسات التغيرات المناخية والنهوض بالبحث العلمي, المتعلق بهذا النظام البيئي المنفرد والمتميز . وبشكل إجمالي يجسد إحداث هذه الوكالة قفزة نوعية في سبيل ترسيخ أسس التنمية المحلية وتحسين ظروف عيش ساكنة الواحات, متوسلة في كل ذلك بتوفير الظروف المواتية للتنمية البشرية بخلق أنشطة متمرسة وجديدة تتلاءم مع الحفاظ على الموروث الثقافي والحضاري للانظمة الايكولوجية للواحات وتثمينه عبر اعادة تأهيل الواحات وادخال صناعات تحويلية للتمور (مربى التمر مثلا) وضمان الحكامة التدبيرية لهذا القطاع من خلال جودة الانتاج وسلامة التخزين وتنويع التسويق . ولن يتأتى كل ذلك الا بالايمان الراسخ في كون "تنمية الواحات" هي مسؤولية مشتركة تستند بالأساس على المشاركة الموسعة للجميع وفق رؤية تواصلية جادة,تجعل من هذه المشاركة مفهوما محوريا وقطب رحى على مستوى المقاربة التشاركية ككل.هذه الاخيرة التي حتمت على الفاعل الدولتي اللجوء الى خدمات فاعل آخر من فاعلي الحكامة هو الفاعل الجمعوي , وذلك بالنظر الى كونه يجسد المرآة الحقيقية التي تعكس بدقة وموضوعية – واحيانا ينتفي ذلك لاعتبارات سياسية وذاتية – طموحات وتطلعات واحتياجات الفئات المستهدفة من الصيرورة التنموية وجعل الساكنة تنخرط في هذه الصيرورة, مما يشكل الضمان الابرز لادماج المواطنين بشكل مباشر في التنمية وممارسة السلطة . على هذا الاساس سعت الوكالة وفي اطار اشراكها للجميع في صياغة ميثاق اقتراحي للنهوض بقطاع الواحات ببلادنا, الى تشجيع التعاونيات والجمعيات على تقديم المشاريع الرامية الى تنمية مناطق الواحات في مختلف المجالات ,وذلك من خلال تحفيزها على المساهمة الفعالة والايجابية في انقاذ الواحات من الاندثار,بغية بناء منظومة متكاملة من الواحات المستدامة.
الفاعل الجمعوي الاحميدي : الادوار الرائدة و التطلعات الريادية –
الفعل الجمعوي هوفعل متنامي باطراد, وهو كثيرا ما يجعل اهميته تضاهي اهمية باقي مكونات الفعل التنموي من دولة وقطاع خاص ومواطن في اطارالمغزى التشاركي الذي اضحى في الوقت الراهن سلوكا متصاعدا يجنب المقاربات التنموية المتبناة كل شكل من اشكال الويلات التي يمكن ان تمسها في العمق وتحرج متخدي القرار التنموي. ان الفاعل الجمعوي – المشتغل بواحة احميدي وبمعظم دواوير هذه الواحة المتدفقة بكل معاني التنمية والمهددة –مع ذلك- في حالة عدم ايلاء العناية اللازمة بها بفقدان رونقها التنموي – يعي تمام الوعي ببداهة هذه المسألة, والمتمثلة في ترسيخ البعد التشاركي وجعله محك العملية التنموية برمتها لاعادة انعاش واحياء هذه الواحة المعطاءة وتجنيبها "السوء الاكبر" وذلك كله في اطار من التوجه المندمج, الذي يتعامل مع التنمية ككل موحد, تتداخل ادواته وتنصهررهاناته. ولتحليل هذا المعطى نقف عند الدراسة المهمة ل ماري انخيلس روكي بالفرنسية والمعنونة ب "انبثاق المجتمع المدني في الجنوب : جهة سوس" والواردة في المؤلف الجماعي "المجتمع المدني بالمغرب : انبثاق فاعلين جدد للتنمية" والصادر عن دار النشر "بيبليسيد سوشبريس 2004" , اذ من بين ما جاء فيها ان الحركة الجمعوية بمدينتي ورزازات وزاكورة اخذت تتسم بانتعاشة حيوية، ورغم حداثة نشوءها، فهي اضحت تقوم بانشغالات رئيسية كثيرة على مستوى البنيات التحتية والتربية والتنمية الاقتصادية والبيئية، كما تشير هذه الدراسة إلى البحث القيم ل " زينابي ولكبير" والمقام سنة 2003، والذي يرى ان واد درعة عرف في سنوات التسعينات – بالنظر الى الانعكاسات الاجتماعية وتراجع دور الدولة وبالنظر ايضا الى تنمية برامج التعاون الدولي – ميلاد مكتسح للجمعيات، وعلى وجه الخصوص سنة 1996، اذ انه يمكن التاكيد على ان اغلبية نسبة( 84%) ل 425 جمعية موزعة في ذاك الوقت على الواد (بمتوسط جمعية لالف مواطن) تم انشاءها بعد سنة 1996. وبخصوص البنية النوعية المتواجدة بمدينة ورزازات، ترى دراسة "ماري روكي" انه هناك غلبة لثلاثة توجهات : الرفع من قدرات الفئات الاجتماعية الهشة او ذات الدخل "المنخفض"ثم تنمية البنيات التحتية الاساسية (الكهربة والتزويد بالماء الصالح للشرب) وثالثا : التركيز على التربية والتكوين (محاربة الامية، تعليم النساء، والتكوين المهني التقني للشباب) , ولابراز التنوع المرتبط بالمجتمع المدني الورزازاتي وقفت الدراسة عند تجربة جمعية تازناخت للتنمية , وهي الجمعية التي تأسست سنة 1994,بهدف تعبئة الموارد البشرية و المادية للتنمية الاقتصادية ,والاجتماعية و الثقافية و الرياضية المستدامة ,كما انصب اهتمامها ايضا على محاربة الامية وحماية التراث المنطقة. وعموما، فالفاعل الجمعوي الاحميدي ,وباعتباره جزأ لا يتجزأ من الفاعل الجمعوي التازناختي –الورزازاتي هو فاعل يرسم ملامحه الاستراتيجية ,من منظور ان التنمية هي عملية تشاركية، لا يمكن ان تقوم لها قائمة ان لم يتوفر الشرط الوجودي لها ,وهو المشاركة.وذلك ما يتضح من خلال ارتفاع وتيرة الشراكات التعاقدية الملاحظة بين هيآت المجتمع المدني بواحة احميدي والدولة (عمالة اقليم ورزازات وجماعة وسلسات خصوصا). فما هي اهم الادوار التي حاول الفاعل الجمعوي الاحميدي القيام بها لابراز التقاطبات التنموية بهذه الواحة؟ وكيف ينعكس ذلك على اهم التطلعات؟ ذلك ماسنحاول ان نستشفه في الجزء الثاني من هذه الدراسة.




#محمد_البكوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النسيج الجمعوي بالمغرب :مخاضات النشأة وارهاصات التطور - قراء ...
- المسؤولية و المحاسبة-التلازم المطلق من اجل الادراك المنشود-
- الديمقراطية المترنحة
- فرنسا،الفاجعة الكبرى و الفهم الاكبر لسوء الحكامة


المزيد.....




- أمين الأمم المتحدة: أي هجوم بري إسرائيلي برفح سيؤدي لكارثة إ ...
- -بحلول نهاية 2025-.. العراق يدعو إلى إنهاء المهمة السياسية ل ...
- اعتقال العشرات مع فض احتجاجات داعمة لغزة بالجامعات الأميركية ...
- مندوب مصر بالأمم المتحدة يطالب بالامتثال للقرارات الدولية بو ...
- مندوب مصر بالأمم المتحدة: نطالب بإدانة ورفض العمليات العسكري ...
- الأونروا- تغلق مكاتبها في القدس الشرقية بعدما حاول إسرائيليو ...
- اعتقال العشرات مع فض احتجاجات داعمة لغزة بالجامعات الأميركية ...
- تصويت لصالح عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- الأمم المتحدة تدين الأعمال العدائية ضد دخول المساعدات إلى غز ...
- الإمارات تدين اعتداءات مستوطنين إسرائيليين على قافلة مساعدات ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد البكوري - الفعل الجمعوي بمناطق الواحات واحة أحميدي بورزازات نموذجا - ( الجزء الاول)