أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رمضان عيسى الليموني - التبصر الأعمق














المزيد.....

التبصر الأعمق


رمضان عيسى الليموني

الحوار المتمدن-العدد: 4690 - 2015 / 1 / 13 - 11:17
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إنّ جوهر الملمح المتأصل في طبيعتنا الإنسانية يتجلى في حاجاتنا لأن ننتمي إلى تلك الحياة التي نرغب أن نبدع فيها وأن نطور أنماطها المختلفة وأن يفهم بعضنا البعض، ولا يتأتى ذلك الفهم إلا من خلال حركة استكشاف كلٌ منّا للأخر واستيعابه عبر الانفتاح على ذلك الآخر والوصول إلى تفهّم كل ما له معنى بالنسبة لأحد الأطراف وتقدير ما له معنى بالنسبة للطرف الآخر، وفي النهاية محاولة التوافق حول ذلك المعنى الذي يمكن أن يصل إليه كلا الطرفان معاً، إنّ ما يواجهنا في سبيل الوصول إلى تلك الحالة هي صعوبة التفرقة بين الأفكار في محتواها العام المجرد وبين وجهات النظر حول تلك الأفكار، لذا فإنّ ما يصنع مزيداً من التفهم المتبادل بين الأفراد هو بلورة ذلك " المعنى " المطروح في وجهات النظر عبر المناقشة وطرح التساؤلات الكاشفة، الأمر الذي يعزز الثقة والاطمئنان بين الطرفين المتحاورين ويسمح بوجود تواصل أعمق من شأنه أن يقيم جسوراً ممتدة بين المعتقدات المتعددة والقيم الإنسانية. كذلك فإنّ قيام كل فرد منّا بتفهم دوره المتبادل مع الطرف الآخر عندما نقف في موقعه لاستبيان الدوافع الخفيّة وراء وجهة نظره من شأنه أن يزيد من إدراكنا لأنفسنا كمخلوقاتٍ لها خصوصيتها الذاتية ورؤيتها المتفردة، الأمر الذي يمنحنا احتراما ًأعمق للاختلافات ويحثّنا لأن نتشارك في اختلافاتنا ومعارفنا وتبصرنا بحقائق المواقف الحياتية المتنوعة، إنّ ذلك التبصر يعكس درجات تفهمنا العميق أيّاً كان مستوى تباينّا في الخبرات والعلاقات الاجتماعية والقيم والمشاعر.
إنّ التحرك بعيداً عن التحيّز لوجهات نظرنا الجامدة وتصنيفاتنا الجاهزة يخلق لدينا تبصر أعمق لما تعودنا على الاعتقاد بأنه الحقيقة المطلقة، وذلك عندما نضع أفكارنا على طاولة التأمل والحوار لمحاولة استقراء معانٍ جديدة مختلفة ومشتركة بيننا في الأساس. إنّ التأمل والحوار يديره دائماً التساؤل والفضول نحو استكشاف حقائق الأمور ويبعث على الانفتاح نحو الآخر لنصل إلى تبصرٍ بالحاجات والقيم والدوافع التي تكمن وراء وجهات نظرننا، وهو ما يجعل الحوار بيننا ليس مجرد وسيلةً لتبادل وجهات النظر والآراء، بل إنه يشكل حركةً حلزونية نحو استكشاف طبيعة مواقفنا في الحياة ورؤتيتنا للوجود ولطبيعة الاختلافات بين بعضنا البعض.
إنّ كل واحد منّا يمتلك قوّة كامنةً للخير والشر، وبرغم أننا قد لا نكون دائماً على صوابٍ في كافة المواقف الحياتية ووجهات النظر إلاّ أنه يمكن بسهولة تحفيز جانب الصواب والخير في أفعالنا وسلوكياتنا، لذا فإن الحوار يعطينا قوّة دافعةً ونافذةً نحو اختيار تصرفاتنا التي تنبع من مبادئ الخير والحق والعدل بطريقة أكثر عقلانيةً وهادئة بدلاً من نزعتنا نحو فرض إرادتنا وتحطيم أحدنا للآخر.
قد نعرف أنه ينبغي علينا أن نستمع إلى الآخرين وأن نحاول فهم وجهات نظرهم لكنّ ما إن نشرع في الحوار حتى تتبدل تلك الأسس وننهال في هدم كل ما يعترضنا من اختلافٍ لوجهة نظرنا الذاتية خاصة فيما يتصل بالقيم والمعتقدات العامة والآراء الأخلاقية، وعليه فإذا ما أردنا بناء جسور الثقة والاطمئنان من أجل التوصل إلى التوافق بشأن اختلافتنا فإن ذلك يستلزم كخطوةٍ أولى أن نتساءل حول : ما الذي نرغب في تحقيقه من خلال الحوار؟، فإذا ما استطعنا أن نحدد ذلك الهدف، فإن فضول الاستشكاف وطرح التساؤلات يجعلنا أكثر استعداداً لمحاولة تفهم بعضنا البعض، ولتعميق مسار هذا الهدف فإن الأمر يستلزم إنصاتاً جيداً ومركزاً لكافة محتوى وجهات النظر والآراء التي نتلقاها، فإن آفة التوافق والتفهم هو ذلك الاستماع العابر والمتسرع لما نتلقاه دون أن نُعِمل فيه أدنى قدراً من التأمل والتحليل والتفسير، فتقف دائما الرسالة حائرة ككرة يتلقفاها كل طرفٍ ويلقي بها كيفما يدفعه هواه النفسي واستعداده الذهني.
إنّ الحوار يمثل حالةً جيدةً وذات مغزى في كل المواقف التي نحتاج للوصول فيها إلى توافق بغرض اتخاذ قرارٍ تشعر إزاءه جميع الأطراف المتحاورة بفوائده وإيجابياته، وعندما تشعر كذلك بالتقدير واحترام كل طرفٍ لمسئولية أفعاله، وهو الأمر الذي يزيل الغمامة من على أعين الناس ليروا العالم بمنظورٍ جديدٍ ومختلف ومتمركز حول الأشياء التي قد نتشاركها ونتعايشها سويّاً بعيداً عن أساليبنا الدائمة في الإصرار على إبراز التناقضات وكشف السلبيات. ولذا فإنّ الناس يشعرون برؤيةٍ مختلفةٍ للحياة عندما يستطيعون تفسير الخبرات المختلفة لوجهات نظرهم، خاصة عندما يعون جيداً أن ما نتصور أنه حقيقة في الحياة ليس كياناً جامداً أو شيئاً موضوعياً مجرداً، بل هو نتاج تفسيرنا الذاتي لما نمرّ به من خبرات وأحداثٍ تعمل كخارطةٍ توجه سيرورتنا في الحياة، ومن ثمّ فإنّ تفهمنا لكثيرٍ من الأمور يعتمد على تأملها واستكشاف طبيعتها وجذورها النابعة من هذا التراكم الضخم لخبراتنا وثقافتنا والأحداث التي مررنا بها وتفاعلنّا معها على مدار حياتنا والتي تؤثر في الافتراضات والقيم والمعايير والسلوكيات التي تبلور رؤيتنا للعالم، أي تبلور وجهات نظرنا، وهو ما يجعلنا لا نفرّق بين تأملنا وتفسيرنا للأشياء وبين إدراكنا لها " كما هي"، أو كما اعتدنا على فهمها دائماً، ولذا فإن ما يُحِدث أيضاً الاختلافات بيننا عند تواصلنا هو أننا نبذل جهداً في تفسير كافة ما نتلقاه بناءً على رؤيتنا للأمور( والتي تنبع من قيمنا ومعاييرنا ووجهات نظرنا)، لا بناءً على محاولتنا لتفهم ما تعنيه تلك الأشياء للطرف الآخر. مرة أخرى إن محاولة فهمّ معنى الأشياء بالنسبة للطرف الأخر تمثل فرصة مهمةً لأن نتعرف على خرائط مختلفة لرؤية الأشخاص للعالم، وتزيد من تبصّرنا للمواقف بشكلٍ جديدٍ ومختلف. ويُعد الوعي بطريقة تكوّن تلك الخرائط من أهـم خطواتنا واضحة المعالم لتغيرنا الواعي وزيادة فاعليتنا نحو تقبّل الآخر واكتسابنا لتلك المرونة الساحرة في تغيير أنماط العلاقات والنظم الاجتماعية المختلفة إلى الأمام وبناء قدرتنا على الفعل الإيجابي، وإذا ما تلاقت رغبتنا في هذا التغيير كلما أصبح شاملاً وجذرياً في حياتنا بشكلٍ عام.



#رمضان_عيسى_الليموني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أطفالنا يُسرقون منّا
- الحياة التي يجب أن نعيشها


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رمضان عيسى الليموني - التبصر الأعمق