أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كايد الركيبات - فرصة الإصلاح الضائعة















المزيد.....



فرصة الإصلاح الضائعة


كايد الركيبات
(Kayed Rkibat)


الحوار المتمدن-العدد: 4684 - 2015 / 1 / 7 - 12:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



مثلت أحداث الربيع العربي التي شهدتها البلاد العربية مع نهايات العام 2010، والتي انطلقت شرارتها بقيام الشاب التونسي محمد البوعزيزي بإحراق نفسه، احتجاجا على التسلط والقهر الذي عاشه وتعيشه بلاده بأكملها، لتنتج تونس على اثر هذه الحادثة، نموذج ثوري ينقض المسلمات المعروفة في الفلسفات السياسية، بان الثورة لابد من أن تكون مبنية على ركائز مواجهة القوة بالقوة، فثورة الياسمين التونسية قامت سلمية، واستطاعت أن تحطم قوة دولة عرفت بأنها دولة قمع بوليسية.
ومن هنا فانه لا يمكن اعتبار التطورات التي حدثت لبعض الشعوب العربية، بانتهاج المبدأ الثوري السلمي، على انه تراكم طبيعي للوعي المدني، أو تطور في النشاط السياسي المعارض، في معزل عن التأثر بالتجربة التونسية، التي استطاعت أن تصنع نموذج ثوري نقل فكرة التغيير من التهيئة والتحفيز إلى الواقع (القديمي، 2012 : 181 – 182).
والأردن كغيره من البلدان العربية، تأثر بمجريات الربيع العربي، وقد اتسم الحراك الأردني الذي انطلق مع بدايات العام 2011 بالمناطقية، حيث نسب لكل منطقة حراكها، كحراك ذيبان، وحراك الطفيلية، وحراك اربد، وحراك معان، وغيرها من التسميات المناطقية الأخرى.
كما اتسم الحراك الأردني بالتعامل الأمني على قاعدة الأمن الناعم، وان لم تدم طويلا، حيث تحولت الإستراتيجية الأمنية إلى استخدام القوة لفض اعتصام دوار الداخلية في شهر آذار 2011، والذي دعت إليه القوى السياسية والحزبية المختلفة، وكشف خلاله عن وجود خطة أمنية لمواجهة الأحداث بطريقة الاستعانة بمجموعات شبابية، ودفعهم تحت شعارات الولاء للدولة، ومواجهة المتمردين، للتصدي للمتظاهرين والاشتباك معهم، لتوفير ذريعة لتدخل قوات الأمن، لفض الاشتباكات والمظاهرات، كما تكرر هذا الحدث أيضا في ساحة النخيل، ومسيرة العودة (حسني، 2014).
إضافة إلى ذلك فقد اتسمت حراكات العديد من القوى الحزبية، بأنها مفتعلة في كثير من جوانبها، ولا تعكس رؤية المواطن الأردني البسيط وهمومه الحقيقية، وذلك بتبني شعارات في فعالية من الفعاليات، والرجوع عنها في فعالية لاحقة لصالح شعار جديد، يتوافق مع ما تخضع له الأحزاب التقليدية، من تأثير وتأثر بالأحداث الدائرة على مستوى المنطقة العربية، وتتجاهل القيادات الحزبية في كثير من الأحيان، أن القوى الحراكية الشعبية تعتبرها جزء من المشكلة والخلل القائم في العملية الإصلاحية السياسية، ولا يؤمنون بقدرتها على تقديم الحلول للمشكلات التي تعاني منها البلاد، مما أسهم في إيجاد فجوة كبيرة بين حراك النخب السياسية، بشعاراتها وتطلعاتها، وبين تطلعات الحراك الشبابي، الذي تم تغييبه عن المشاركة في قيادة القوى الوطنية التي أفرزتها الحراكات الشعبية (البطاينة، 2011).
ونتيجة لذلك لم تجدي الجهود المبذولة لتوحيد هذه الحراكات تحت قيادة واحدة، وبرنامج عمل موحد متفق عليه، ليتم مواجهة النظام به وطرحه على طاولة الحوار.
مساهمة حركات الربيع العربي في توعية المواطن الأردني لحقوقه السياسية
تمثل الوعي السياسي للمواطن الأردني بتبنيه لمجموعة من المطالب السياسية، التي حاول أن يفرضها على صانع القرار السياسي، مستثمرا انطلاق شرارة الربيع العربي، ومن ابرز المطالب السياسية التي طالبت بها الحراكات الشعبية، والأحزاب السياسية الأردنية، واستطاعت أن تحصل على شيء منها، أو اضطرت للتنازل عنها لاحقا، كانت تتعلق بالمحاور التالية:
الشعب مصدر السلطات: حسب نص المادة 24 من الدستور الأردني فان الأمة مصدر السلطات، ومفهوم الأمة مصدر السلطات يقصد به (أن السيادة في الدولة، يجب أن تكون للأمة، باعتبارها شخصاً معنوياً -قانونياً- له كيان مستقل عن الأفراد الذين يكونونها) (الحياري، 2013).
على الرغم من إقدام الحكومة على تعديل 41 مادة من الدستور إلا أن هذه التعديلات لم تكن بالمستوى المطلوب، فالتعديلات الدستورية لم تشمل المواد الأكثر حاجة للتعديل، مثل المادة 34 من الدستور، والتي كانت المطالب الحراكية تدفع باتجاه تعديلها، لتضمن تحصين مجلس النواب من الحل، فإبقاء مجلس النواب مهددا بالحل من قبل الملك صاحب السلطة الدستورية، يعني انه سيبقى عرضة للضغوط التي تمارس عليه، وان أدائه سيبقى أدنى من المستوى الذي تتطلع إليه القوى الحراكية في الشارع الأردني، كما ولم تتضمن التعديلات أيضا أي تطور في آلية تشكيل الحكومات، بحيث بقيت المادة 35 من الدستور على حالها، وأبقت للملك صلاحيات تسمية رئيس الوزراء، وإقالته، وقبول استقالته، وبذلك غاب مفهوم الحكومات البرلمانية في هذه التعديلات، وفيما يتعلق بتعديل المادة 36 من الدستور، كانت المطالب الحِراكية تدفع باتجاه إلغاء مجلس الأعيان، أو إبقائه على أن يتم انتخاب أعضاءه انتخاباً بدلا من التعيين، أو انتخاب نصفهم على الأقل، وهذا المطلب أيضاً تم تجاهله عند إجراء التعديلات الدستورية.
تعديلات دستورية تحصن مجلس النواب من الحل: تتزعم جبهة العمل الإسلامي المطالب الشعبية المتعلقة بتعديلات دستورية تحصن مجلس النواب من الحل، وهذه رؤية يفيد تحققها كثيراً في إكساب مجلس النواب قوة كبيرة، للتصدي للمشاريع الحكومية التي من الممكن أن تكون لها معارضة حزبية أو شعبية، وتُمكن مجلس النواب من العمل بحرية اكبر في المجال الرقابي على الحكومة، وقد أسهمت التعديلات الدستورية في التقدم خطوة ايجابية في هذا المجال، حيث نص الدستور الأردني في المادة 74، على انه إذا حل مجلس النواب لسبب ما، فلا يجوز حل المجلس الجديد للسبب نفسه، ونص على أن الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها تستقيل خلال أسبوع من تاريخ الحل، ولا يجوز تكليف رئيسها بتشكيل الحكومة التي تليها.
ومن جانب آخر، فان إكمال مجلس النواب لمدته القانونية، يسهم في تعزيز ثقة المواطن بدور المجلس النيابي، ومؤسسات الدولة ذات المساس المباشر بالحياة السياسية، وجدية صانع القرار بتبني النهج الديمقراطي، كما ويسهم استمرار عمل المجلس كامل مدته القانونية، في تخفيض النفقات المترتبة على إجراء الانتخابات النيابية، حيث أن كلفة إجراء الانتخابات النيابية للعام 2013، التي أخرجت المجلس النيابي السابع عشر مثلا، بلغت 17مليون و125 ألف دينار، رصدت منها وزارة المالية 14 مليون دينار، وساهمت مديرية الأمن العام، ووزارة التنمية السياسية بمبلغ 500 ألف دينار، وباقي المبلغ تم تقديمه من جهات مانحة خارجية والذي بلغ 2 مليون و 625 ألف دينار(الهيئة المستقلة للانتخابات، 2013).
فمبلغ 14 مليون و500 ألف دينار، التي أُنفقت من الوعاء المالي الحكومي، لإخراج المجلس النيابي السابع عشر، لا يمكن تجاهلها عند اتخاذ أي قرار يتعلق باحتمالات حل المجلس النيابي، قبل انتهاء مدته القانونية، في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
حكومة إنقاذ وطني تقود عملية الإصلاح: جاءت النداءات الحِراكيه الشعبية، والحزبية، متوافقة في مطلبها بتشكيل حكومة إنقاذ وطني، تقود عملية الإصلاح، فمفهوم حكومة الإنقاذ الوطني مفهوم متطور وجديد في المعجم السياسي، ورُصد ظهوره مع انطلاقة أحداث الربيع العربي، يقصد به أن تشكل حكومة من شخصيات وطنية، تكون من ابرز سمات أعضائها، القيادة الفذة الواعية، التي تولي المصالح الوطنية جل اهتمامها، وان لا تكون هذه الشخصيات ممن سبق وان تورطوا بقضايا فساد، أو سبق أن شغلوا مناصب كبيرة في الدولة، وتبين فشلهم وعدم قدرتهم على إدارة أمور الدولة، ورغم أهمية هذا المطلب، إلا انه لم ينجز بشكل يرضي القوى الحِراكية المختلفة، فالحكومة التي شكلت خلفا لحكومة دولة سمير الرفاعي، كانت حكومة دولة معروف البخيت، والتي قوبلت باستنكار شعبي، لكون رئيسها كان رئيس الحكومة التي كانت متورطة بقضية الكازينو، والتي تعتبر من قضايا الفساد المشهورة، إضافةً لفشلها بإدارة الانتخابات النيابية 2007 التي أفرزت المجلس النيابي الخامس عشر، وتلتها حكومة دولة عون الخصاونة والتي لم يحتمل النظام وجودها، فأقال رئيسها وهو في زيارة رسمية لتركيا، وجاء بحكومة دولة فايز الطراونة، الذي استطاع أن يمرر قانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2012، وفي عهد حكومة الطراونة أيضا، تم حل المجلس النيابي السادس عشر، واستقالت الحكومة وجوباً، حسب نصوص الدستور الأردني بعد سبعة أيام من حل المجلس، وكلف دولة الدكتور عبدالله النسور بتشكيل حكومة جديدة، مهمتها إجراء انتخابات نيابية، وبذلك فان مطلب تشكيل حكومة إنقاذ وطني إصلاحية، لم يجد استجابة من النظام، الذي استطاع أن يتجاوزه بسهولة.
تطوير قانون الانتخاب النيابي: منذ تبني الحكومة لنظام الصوت الواحد وإجراء الانتخابات النيابية في ظله، شهدت الساحة السياسية الأردنية حملات نقد كبيرة لهذا النظام، لما يترتب من سلبيات وآثار على تطوير العمل الحزبي وتراجع مكانته، كما كان قانون الصوت الواحد أداة الحكومة الرئيسية في تحجيم نسبة تمثيل الإخوان المسلمين، واسهم هذا النظام الانتخابي في تعظيم أهمية الإجماع العشائري وارتكازه على حجم العشيرة (النمري، 2010: 60).
فمن سوق نظام الصوت الواحد، كان حريصا على عدم نمو أحزاب سياسية ذات برامج واضحة ومحدده، يمكن أن تصل لمرحلة تداول السلطة، بل سعى إلى تنمية الانتماءات الفرعية القبلية، على حساب الانتماء للدولة ومجتمعها(الحموري، 2014).
لقاء ذلك النقد الموجه لنظام الصوت الواحد الانتخابي، فان هناك اعتبارات تم مراعاتها عند تصميم النظام، تصر الحكومة على أن تكون متوفرة في أي صيغة مقترحة، لأي نظام انتخابي يمكن أن يقدم على طاولة النقاش، أول هذه الاعتبارات، أن لا يؤثر النظام المقترح على التركيب الديمغرافي للبرلمان، بحيث يؤدي إلى زيادة ضخمة في نسبة تمثيل نواب من أصول فلسطينية، فهذا محذور سياسي رئيسي في قانون الانتخاب لا يمكن تجاهله، وثاني هذه الاعتبارات، أن لا يؤدي أي نظام انتخابي مقترح، إلى إتاحة الفرصة لتيار سياسي بعينه إلى اكتساح اكبر عدد من المقاعد النيابية، وثالث هذه الاعتبارات، هو عدم التراجع عن المكتسبات التي تم تحقيقها على مستوى الكوتات، التي يمكن أن تؤثر على نسبة تمثيل البدو، والمسيحيين، والشركس، والسيدات في المجلس النيابي (النمري، 2010).
ونتائج التجاوب الحكومي مع هذا المطلب جاءت ممثلة بقانون الانتخاب لمجلس النواب لسنة 2012، والذي تم تطويره عن النظام الانتخابي السابق له، حيث أبقى الدوائر الانتخابية على حالها، مع زيادة ثلاث مقاعد تضاف للكوتا النسائية، يتم من خلالها تمثيل دوائر البدو الثلاث، بحيث يصبح عدد مقاعد الكوتا للسيدات في القانون الانتخابي 15 مقعد، وجاء القانون بمقاعد تمثيل للقوائم الوطنية منحها 27 مقعد، وبذلك تطور القانون الانتخابي بمنح المقترعين صوت لمرشح الدائرة المحلية، وصوت للقائمة الوطنية، أيضا كان من ابرز ايجابيات قانون الانتخاب لسنة 2012، هو إدارة العملية الانتخابية من قبل هيئة مستقلة للانتخابات، ونظرا لان هذا القانون لم يكن بالمستوى المُرضي بالنسبة لبعض الأحزاب السياسية، التي رأت بأنه امتداد لقانون الصوت الواحد، وان وجه الاختلاف يكمن بان هذا النظام جعل هناك بابان لدخول مجلس النواب، باب القائمة الوطنية، والتي لا تشكل أي ثقل أو وزن سياسي في المجلس النيابي، والباب الآخر هو الدوائر المحلية وعلى حالها السابق في القوانين السابقة للانتخاب، ونتيجة لذلك قاطعت بعض الأحزاب وعلى رأسها جبهة العمل الإسلامي الانتخابات النيابية لعام 2013، التي تمت وفق هذا القانون الانتخابي.
العوامل الداخلية المؤثرة في إثارة واستجابة الشارع لمجريات أحداث الربيع العربي
أدت مجموعة من العوامل الداخلية المرتبطة بالقوى الحِراكية، والحزبية، والتركيبة الديمغرافية لسكان المملكة، بالإضافة إلى الدور الحكومي الرسمي، إلى ترك آثار واضحة على استجابة المواطن الأردني مع فعاليات الحِراكات الشبابية، والحزبية، في الساحة الأردنية، يمكن توضيحها كما يلي:
عدم توافق القوى السياسية والحِراكية على أولويات مطالبها: كشفت تفاعلات الربيع العربي عن أربع قوى رئيسية في البلاد، تتمثل أولاها بالقصر، ممثلا بالعائلة الملكية وتحالفاتها وحاشيتها، وتتبعها القوة الرئيسية الثانية، والمتمثلة بأجهزة الدولة الأمنية والإدارية، والتي تكن الولاء للعرش، إلى جانب استقلاليتها وبيروقراطيتها، التي تعارض بعض المشاريع والتوجهات الجديدة في إدارة ملفات الاقتصاد، والسياسة، ومساعي التجنيس والتوطين السياسي للفلسطينيين، التي تتبناها النخب المقربة من القصر، وتتكون القوة الرئيسية الثالثة من جماعة الإخوان المسلمين، الذين يشكلون الجزء الأكبر من المعارضة السياسية في البلاد، وأكثرها تنظيما ووضوحا في المطالب السياسية، والتي من أبرزها المطالب المتعلقة بإجراء تعديلات دستورية، تحد من صلاحيات الملك، وتحصن مجلس النواب من الحل، وتعطي صلاحيات حقيقية للحكومة لتتولى ولايتها العامة، بالإضافة إلى وضع قانون انتخاب نيابي يحقق العدالة في التمثيل لكل الأردنيين في مجلس النواب، وأخيرا فان القوة الرابعة التي أفرزتها تفاعلات الربيع العربي، تتمثل بالحِراكات الشعبية، والتي تعد حِركات اجتماعية، وعمالية، وشعبية، تتجه مطالبها حول حرية التعبير، والتنظيم النقابي، ومكافحة الفساد، وتنمية المحافظات، وتوفير فرص العمل (حتر،2013).
لذلك أدى اختلاف القوى الحِراكية المختلفة في ترتيب أولوياتها، إلى تفكك القوى الحِراكية، واستحالة اجتماعها تحت قيادة واحدة تدير الحدث، مما سهل عملية اختراق الحراك، والتأثير على فعالياته وكسر حدته.
التركيز على تدخل القوى الحزبية والأردنيين من أصول فلسطينية في إثارة الأحداث وتأجيج الموقف باستمرار: قد تكون مشاركة وإسهامات جماعات الإخوان المسلمين في أحداث الحِراك في الشارع الأردني، سببا من أسباب إضعاف الحراك برمته، ذلك لأنه تم الترويج لمساهمات الإخوان بالحِراك، على انه فرصة لتقوية موقفهم وإضعاف النظام، لتحقيق مكتسبات تصب في اتجاه حل القضية الفلسطينية على حساب حق العودة.
ومن جانب آخر، يرى الفلاحات في أن التركيبة السكانية للمجتمع الأردني أسهمت في إضعاف الحراك، فالشارع انقسم بين شريحة تخشى على المواطنة والحقوق والمكتسبات، وشريحة تخشى على هوية الدولة والتأثير على مكتسباتها (أورد في: الشناق، 2014: 21).
التفاعل الحكومي بتقديم إصلاحات وطروح آنية تظهر تجاوبها لمطالب الشعبية: عند انطلاقة الاحتجاجات في بداية العام 2011، تصدت لها حكومة دولة سمير الرفاعي بحزمة دعم قدرها 230 مليون دولار، وتلتها حزمة أخرى بقيمة 550 مليون دولار (حميد و فريد، 2011).
وهذا لم يشفع لحكومة الرفاعي، التي منذ حصولها على ثقة مجلس النواب بـ 111 صوت، وهي عرضة للتهكم والنقد من قبل مختلف الحِراكات الشعبية، التي بقيت تطالب برحيلها إلى أن استجاب لذلك الملك وأقالها، وكلف دولة السيد معروف البخيت بتشكيل حكومة جديدة، لم تسلم أيضا من الانتقاد الشعبي، بل وطولب دولة الرئيس بالاعتذار عن تشكيل الحكومة من مختلف الفعاليات الشعبية، لأسباب تتعلق بضعف أداء البخيت أبان حكومته السابقة، التي أدارت اسواء انتخابات بتاريخ المملكة، وتركه المجال لمختلف الأجهزة بالتغول على سلطته تلك الفترة، إضافة إلى ارتباط قضية الفساد المعروفة بقضية الكازينو بحكومته السابقة أيضا، وتوالت الأخطاء بعد ذلك أيضا، متمثلة بقضية تهريب خالد شاهين، المحكوم على خلفية قضايا فساد، واستهلاك جهد كبير لإعادته إلى الأردن.
وفي عهد هذه الحكومة، أنهت لجنة الحوار الوطني التي شكلت لدراسة ومراجعة قوانين الأحزاب السياسية، وقوانين الانتخاب، وقدمت توصياتها وصدرت الإرادة الملكية بتاريخ 26/4/2011 بتشكيل لجنة ملكية لمراجعة نصوص الدستور، وتم تعديل ثلث مواد الدستور الأردني.
إضافة إلى ذلك فهناك العديد من العوامل المؤثرة، التي استطاعت الجهات الرسمية استثمارها للتخفيف من حدة النشاط الحراكي الشبابي والحزبي، من أهمها نجاح الإعلام الرسمي في التعامل مع الأزمة، وتجاوب شريحة كبيرة من المجتمع معه بهذا الخصوص، إضافة إلى إشغال الشارع عن المطالب السياسية، بقضايا الفساد الإداري والمالي، ومحاولات التصدي لها، والتركيز على المطالب الفئوية، والتعامل معها على أنها هي المطالب الحقيقية للشارع.
العوامل الخارجية المؤثرة في ديمومة وقوة الحراكات الشعبية الأردنية:
تأثرت مجريات الربيع العربي التي مرت على المملكة الأردنية الهاشمية، بمجموعة من العوامل الخارجية التي تركت آثاراً واضحة على التيارات السياسية والحراكات الشعبية، ومنحت صاحب القرار السياسي الأردني فرصة كبيرة للمناورة، زادت من مرونته في التعامل مع مختلف الاتجاهات، والتيارات السياسية في البلاد، والتي يمكن بيان أبرزها كما يلي:
الموقف الأمريكي الداعم للنظام الملكي الأردني: على الرغم من أن الولايات المتحدة تسوق نفسها بأنها الدولة راعية الديمقراطية في العالم واكبر دعاتها، ومهتمة كثيرا في التطور الديمقراطي لشعوب العالم، وحريصة على تمتعهم بالحريات العامة، إلا أن موقفها هذا لا يصمد كثيرا في الواقع إن كان سيلحق بنفوذها أو مصالحها أية أضرار، فعلى الرغم من أن منظمة فريدوم هاوس، وهي منظمة تعنى بالديمقراطية، والحرية السياسية، وحقوق الإنسان، صنفت الأردن على انه دولة عديمة الحريات، بإعطائها 6 درجات للحقوق السياسية، و6 درجات في الحريات المدنية، ومع ذلك كانت الولايات المتحدة الأمريكية مؤيد قوي للنظام الملكي الهاشمي، ويتضح ذلك من كون الأردن من اكبر الدول تلقي للمعونات الأمريكية، فمع اندلاع أحداث الربيع العربي 2011 بادرت الولايات المتحدة بزيادة المساعدات للأردن بمبلغ 100 مليون دولار، ولتأكيد الموقف الأمريكي الداعم للملك أيضا، اتصل الرئيس الأمريكي اوباما بالملك عبدالله شخصيا ليؤكد دعمه له، كما أرسل المسئول الثالث في وزارة الخارجية الأمريكية وليم بيرنز، ورئيس هيئة الأركان المشتركة إلى عمان، لإظهار الالتزام والتأكيد على العلاقات الثنائية بين البلدين (حميد وفريد، 2011).
الموقف السعودي والإماراتي من وصول الإخوان المسلمون للحكم في مصر: تعد جماعة الإخوان المسلمين من أولى الجماعات السياسية الإسلامية التي دخلت السعودية، وذلك بعد فرارهم من مصر في عهد جمال عبد الناصر، وكثير من أفكارهم دخلت إلى دول الخليج من خلال المدرسين المصريين، ويرى الأمير نايف وزير الداخلية وولي العهد سابقا في المملكة العربية السعودية، أن جماعة الإخوان المسلمين (هم أصل البلاء ومصدر كل المشكلات) وقال أن حسن الترابي، وراشد الغنوشي، وعبد الرحمن خليفة، ونجم الدين اربيكان، وهم من قادة جماعة الإخوان المسلمين قد تسببوا في مشكلات كثيرة للسعودية (فولر، 2004 ).
وقد أسهم الدور الكبير الذي لعبته كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، في مصر، بعد الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي، وتسليم السلطة انتقاليا للرئيس المصري عدلي منصور، حيث كانت السعودية والإمارات أول الدول تأييدا لهذه الخطوة، وباشرت بتقديم دعم لمصر بقيمة 8 مليارات دولار، ويأتي هذا الموقف السعودي الإماراتي استشعارا منها بخطر نجاح الإخوان المسلمين في إدارة البلاد، وانتقال التحركات الإخوانية على الساحة السعودية والإماراتية، الأمر الذي ينذر بخطر الإطاحة بالحكومات الخليجية عند تحرك الخلايا النائمة في كل منها، والرفض التام لظهور أي جماعات سياسية تحت المظلة الإسلامية في دول المنطقة (الوطن المغاربية، 2013).
فشل جماعة الإخوان المسلمين في إدارة الحكم في مصر: عام واحد من حكم دولة بحجم مصر ليس بالفترة الكافية للحكم على تجربة الإخوان المسلمين في حكم البلاد بالنجاح أو الفشل، سيما وان هذه الفترة تعد فترة تحول من نظام استبدادي تغلغل في كل أركان الدولة، واستطاع أن يعزز تواجده في كل المؤسسات التي تدير الحياة اليومية في البلاد، فالجهاز الإداري المصري جهاز يتم إدارته من قبل جماعات وصلت للإدارة أبان فترة الحكم السابق للبلاد، وبقيت تدير هذا الجهاز بتلك العقلية التي بدأت بها، بل وان فلول النظام السابق الذي كان له هيمنة في ذلك الجهاز، مارس ضغوطه لإفشال أي خطط أو توجهات إصلاحية، يمكن أن تنعكس نتائجها على ازدهار وتطور البلاد، أو حتى إخراجها من أزمتها.
إضافة إلى عدم قدرة الإخوان المسلمين في التصدي للتحريض المستمر من قبل الإعلاميين والمشاهير المصريين، وجبهة الإنقاذ الوطني، التي تزعمها محمد البرادعي وحمدين صباحي وعمر موسى، وتحريض الشارع للانقلاب على الشرعية، واصطياد أخطاء الإخوان، والعمل منها ذريعة لتفتيتهم والقضاء عليهم.
وانعكس هذا الفشل على الشارع الأردني، الذي بات محبطا من هذه النتائج، ومتخوفا من تكرار هذا الفشل في الساحة الأردنية، فيما لو وصل الإخوان في الأردن للسلطة التنفيذية، وإدارة مرافق الدولة.
تردي الأوضاع في سوريا وانقسام الشارع الأردني بين مؤيد للنظام ومؤيد للثوار: أدى تزايد العنف في المشهد السوري وتطوره، بان أصبح ساحة للصراع الدولي للحفاظ على المصالح، ومنذ انطلاق شرارة الثورة السورية، والساحة الأردنية تشهد نشاط سياسي للتعبير عن موقف شعبي حيالها، فمن جهة شهدت السفارة السورية في عمان عدة وقفات احتجاجية على استخدام النظام السوري المفرط للقوة ضد الشعب السوري، ومن جهة أخرى، تكررت زيارات الوفود الأردنية للنظام السوري مؤيدة ومؤازره له في المحنة التي يتعرض لها، وتصور الأحداث الدائرة في سوريا على أنها أعمال إرهابية، تستهدف جبهة الصمود والممانعة المتمثلة بالزعامة السورية وقائدها الرئيس بشار الأسد، والمؤيدين للنظام السوري في الأردن تتنوع مراكزهم ووظائفهم حيث تشمل الوزراء، والوزراء السابقين، ونواب، واعيان، وصحفيين، ومنهم من هو معلن موقفه بشكل صريح، ومنهم من هو مع النظام ولكن لا يسمح له مركزه الوظيفي الإعلان عن هذا الموقف صراحة، حتى لا يتم اعتبار المواقف الشخصية على أنها مواقف رسمية، الأمر الذي اثر على القوى والحراكات الشبابية والحزبية في التعاطي مع أحداث الربيع العربي، الذي يعد الاستمرار به في مثل هذه الظروف تناقض في التوجهات والأفكار، مما أدى إلى إضعاف الحراك الأردني وترك آثاره عليه بشكل كبير.








المراجع:
الكتب
1. حتر، ناهض (2013). ربيع زائف نقد الثورات العربية لعام 2011 من وجهة نظر حركة التحرر الوطني. عمان، الأردن، منشورات مركز التقدم الأردني.
2. الشناق، احمد(محرر). (2014)، معوقات الإصلاح في الأردن، مركز دراسات الشرق الأوسط- الأردن.
3. النمري، جميل (2010). الإصلاح السياسي والانتخابات الدليل لقانون بديل. دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، الأردن.

المواقع الالكترونية
1. البطاينة، خالد حميد حسين (2011). ملاحظات حول الحراك السياسي في الأردن في ظل الربيع العربي، الحوار المتمدن، العدد: 3449 - 2011 / 8 / 6
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=270176

2. حسني، وليد (2014). الأردن: سيرة ذاتية لنهاية حراك شجاع، السفير العربي، تاريخ النشر 25/5/2014، تاريخ زيارة الموقع 2/9/2014.
http://arabi.assafir.com/article.asp?aid=1872&refsite=arabi&reftype=leftmenu&refzone=selectedarticles

3. الحموري، محمد (2014). عن نظام الصوت الواحد وحقيقته، موقع عمون الإخباري، (10/9/2014)، تاريخ زيارة الموقع 12/9/2014.
http://www.ammonnews.net/article.aspx?articleno=205501

4. حميد، شادي و فرير، كورتني (2011). ما مدى استقرار الأردن، مركز بروكنجر الدوحة، قطر. تاريخ زيارة الموقع 3/9/2014.
http://www.brookings.edu/~/media/research/files/papers/2011/11/jordan%20hamid%20freer/10_jordan_hamid_freer_arabic.pdf

5. الحياري، عادل (2013). النواب والتقاعد ومبدأ الأمة مصدر السلطات، جريدة الرأي، مقال منشور بتاريخ 21/10/2013، تاريخ زيارة الموقع 13/9/2014.
http://www.alrai.com/article/612697.html

6. فولر، غراهام (2004). الأمير نايف والإخوان المسلمون، الجزيرة نت، مقال منشور بتاريخ 3/10/2004 تاريخ زيارة الموقع 7/8/2014.
http://www.aljazeera.net/home/-print-/787157c4-0c60-402b-b997-1784ea612f0c/e94a8e64-ba72-4739-8950-211f6d3f9273

7. الهيئة المستقلة للانتخابات. (2013). التقرير التفصيلي لمجريات العملية الانتخابية لعام 2013، تاريخ زيارة الموقع 13/9/2014. .
http://www.entikhabat.jo/Documents/Report1.pdf

8. الوطن المغاربية (2013). الدور السعودي والإماراتي لتطهير العالم العربي من الإخوان المسلمين، العدد 527، تاريخ زيارة الموقع 7/9/2014.
http://www.alwatan-press.info/def.asp?codelangue=23&id_info=9886&date_ar=2013-7-24&tit



#كايد_الركيبات (هاشتاغ)       Kayed_Rkibat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسرار داعش
- الصراع الخليجي في الدول العربية المحترقة
- الحكومة المصرية الجديدة
- ضربة عسكرية لسوريا


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كايد الركيبات - فرصة الإصلاح الضائعة