سعدون الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 4680 - 2015 / 1 / 2 - 18:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في حقيقة الأمر , فإن الذي يتحكم في جميع تصرفات البشر و أفعالهم الحميدة منها أو غير الحميدة أو الشريرة, ليس الرب _ أيآ كان هذا الرب, سواء أ كان رب المسلمين أو المسيحين أو اليهود أو البوذيين أو الهندوس, الى آخره من الأرباب الذين يعتقد بهم البشر في صقاع الأرض الواسعة _ و ليس الأنبياء الذين أرسلهم الأرباب في مختلف الأزمان, و ليست الأديان التي لا تعد و لا تحصى, في صقاع هذة الأرض, و ليست العادات و لا التقاليد.. نحن هنا نتكلم عن الأرض فقط, و عن الأنسان فقط. نقول إن الذي يتحكمً في هذه التصرفات و الأفعال هو " المال ".. فالله أو الرب خلق البشر و أعطاهم العقل, و أرسل لهم الرسل و الأنبياء بالبلاغ المبين, و قال لهم: هذا هو الحق و هذا هو طريقه و ذلك هو الباطل و ذلك هو طريقه, فأنتشروا في هذه الأرض الواسعة و أعملوا فسيرى الله عملكم. " (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ). فلو فرضنا إن الله أو أيٍ من الأرباب الآخرين أو الأديان أو الرسل هو أو هم من يحركون الأنسان _ و كأنه روبوت يتحكم به بجهاز تحكُم _ فمعنى ذلك إنه هم من يدفع الأنسان لفعل الخير و فعل الشر سواء بسواء, و هذا المنطق هو منطق غير مقبول بنظر جميع الأرباب و جميع الأديان و جميع الأنبياء. فهم جميعآ يهدون الإنسان الى سلوك الصراط المستقيم و تجنُب فعل الشر.. فمن من البشر يقول بأن ربه أو دينه أو نبيه يدعوه لفعل الشر أو لإرتكاب أعمال الفحشاء و المنكر؟ نحن كمسلمين, نقول: حاشى الله و رسوله و كتابه, أن يأمر الأنسان بسلوك طريق الشر و فعل الفواحش و قتل النفس التي حرًم الله قتلها إلا بالحق.. و من البدهي القول, بإن من لا يتحكم بالأنسان لمنعه من فعل الشر, فهو لن يتحكًم به في فعل الخير.. و لو درسنا مسيرة البشر طول التأريخ و في الحاضر و الى آخر يومٍ في تأريخ البشر و البشرية, فنحن سنرى, إن جميع الحروب و الغزوات التي قام بها البشر في أي مكان من الأرض و في جميع العصور, و المجازر و القتل الذي أرتكبه الأنسان بحق أخيهِ الأنسان, و الدمار الذي الحقه الأنسان, بما خلقه الخالق أو بما أبدعه الأنسان نفسه, طول التأريخ من حضاره, و التي هي أعمال شريرة, كما إن جميع الإنجازات و جميع الإبداعات على طول التأريخ, و التي هي عصارة كفاح و تفكير المبدعين أو المخترعين و بقية البشر الذين ساهموا ببناء و تطوير هذه الحضارة الجميلة التي ننعم بمنجزاتها العظيمة, و هذه تختلط فيها الجوانب الخيرة و الشريرة على حدٍ سواء, أي, بمختصر الكلام و خلاصة القول, إن جميع ما قام به الأنسان و على طول التأريخ من خيرٍ أو من شر و كل ما أنجزه من حضارة, هو ليس لأرضاء الرب أو ممثلي الرب أو الأديان و كتبها, بل هو لأجل المال!! في الحقيقة و في النتيجة, حتى و إن تظاهر, كهنة الرب أو القادة _ من قادة القبائل الى الملوك العظام و قادة الحروب _ بأنهم يدافعون لنصرة الرب و ما أمر به الرب, أو لوجه الرب أو لنصرة هذا الدين أو ذاك المذهب أو لإعلاء كلمة الحق في الأرض أو لمحاربة الشر و الأشرار؟! لنأخذ مثلآ ملموسآ للتبسيط: لنرجع لتأريخ الفتوحات الأسلامية مثلآ, و لنتسائل: ألم يكن دين الله الأسلام, هو دين يدعو لنشرة كلمة الله في الأرض و التي تعني نشر العدالة و طريق الحق بين الناس, و دعى بهذا الدين رسول إصطفاه الله, و آمن به من آمن من أهل الجزيرة من حوله, ثم أراد نشر الدعوة بالغزو أو بالجهاد, السؤال هو: لماذا لم يكتف من دعى المسلمين للجهاد _ من بعد رسول الله _ و قادهم لمحاربة المشركين, بتنفيذ أمر الله لوجه الله فقط و الأكتفاء بمرضاته و جنته, بل راح يعدهم بالغنائم الدنيوية, أي المال, و وعدهم بشيء آخر يهواه الأنسان مثل المال و هو الجنس, بل سُمح لهم _ للمسلمين _ بإشباع غرائزهم من المال و الجنس, بشكل وحشي و غير إنساني و مخالف لإرادة الله و الشرع في البلاد التي غزوها لنشر دين الله؟! أي إن المسلمين لم يكونوا قدوة حسنة للشعوب التي غزوها, بل تركوا الآلام و الأحزان في قلوب الشعوب التي وقعت تحت سيطرتهم!! طبعآ عكس ما حشر التأريخ في أدمغتنا من حشو!! لماذا؟ لأن حب المال هو المحرك الأساسي للأنسان _ أي إنسان كان _ و هذا الإنسان, يستعمل الرب و الدين و القيم و المباديء, مطية لتحقيق مآربه في كسب ربهٍ الحقيقي و هو " المال "!! و لو شئنا أن نتصوًر بالواقع الملموس, ما كان يفعله المسلمون سابقآ, بالشعوب و البلاد التي غزوها و إحتلوها لنشر دين الله, فما علينا إلا أن ننظر لما تقوم به داعش اليوم في سوريا و العراق, إذ إن ما تقوم به داعش اليوم من جرائم وحشية لا يرضى عنها لا الله و لا البشر, هي نسخة طبق الأصل من غزوات المسلمين و جهادهم منذ وفاة الرسول محمد و حتى نهاية الدولة العثمانية!! و نفس الكلام في ربوبية المال للإنسان, يمكن تطبيقها في حروب الأسكندر المقدوني و حروب نبوخذنصر و الفراعنة و الرومان و الحروب العالمية و القاعدة و داعش و جميع الحروب في التأريخ.. و لا يختلف إثنان, بأن ما تقوم به داعش اليوم في سوريا و العراق لا علاقة له بالدين, بل هو لغرض الوصول للمال , لمصلحة داعش أو لمصلحة من خلق داعش. بل نحن نعرف بأن ما يحرك الدول و حتى الأفراد نسميه " المصلحة " و المصلحة هي المال في حقيقة الأمر.. و لو درسنا في التأريخ أو حتى في الحاضر, فإننا سنرى, بأن جميع من إخترعوا الأختراعات أو أبدعوا, لا علاقة لهم بالدين, بل إن معظمهم من الملحدين.. و حتى لو سعى بعضهم في سعيهم لغرض الشهرة, فإن هدفهم الرئيسي و الأول و الأخير, هو المال, رغم إنهم قد أنجزوا إنجازات خيرة نفعت البشرية كثيرآ, و رغم إنهم ملحدون لا يؤمنون بأي ربً للكون!! و لو كان الخير مرتبط بالأديان مثلآ, لما رأينا, بإن الحروب و الجرائم مرتبطة إرتباطآ وثيقآ, بالكنيسة عندما كانت لها السلطة أو بالجامع, الذي أصبح إسمه مرتبطآ بالأرهاب و تخريج الأرهابيين و القتلة!! و كل هؤلاء يستعملون الدين كمطية للوصول الى الغاية الأنسانية المرتبطة بغريزة الأنسان في حب البقاء و هي: المال و حب المال.. و لو كان الشر مرتبطآ بالألحاد, لكانت الكثير من الدول و الشعوب المتحضرة المسالمة. هي بؤرة الأرهاب.. و لا يختلف أي إنسانٍ عن أنسان آخر بغض النظر عن الأصول القومية أو العرقية أو الدينية أو مستوى التطور أو التخلف في عبودية المال له, و عمل أي شيء في سبيله, رغم التظاهر بالعفة و الإيمان و النزاهة و الترفع, رغم إن هذه النظرية ليست مطلقة, بل فيها إستثناءات, و لكنها إستثناءات قليلة.. و لقد ثبت على طول التأريخ, بأن هناك أمرين يجعلان الأنسان ينسلخ عن سموه الأنساني و يتحول الى وحش كاسر و شرير متعالي و متعطش للتدمير و سفك الدماء و ألغاء الآخرين, و هما: الدين و العرق أو العنصر.. طبعآ هذان العاملان يعتبران عاملان أساسيان, يستعملان كمطية ممتازة لتحويل الإنسان الى شرير و وحش كاسر, لإستعماله و إستعمال دماءه و أمواله, لتحقيق الهدف الغريزي للإنسان, و هو " المال ".. و ليس صحيحآ القول, بأن الإنسان الأوروبي أو الأمريكي, و غيرهما من الشعوب المتحضرة اليوم, هم خير من الأنسان العربي أو الأفريقي. ذلك إن ابشع الحروب و التدمير و المجازر التي أرتكبت بحق الأنسانية و منذ القدم و حتى اليوم _ و هي في المحصلة بدافع المال _ كان قد إرتكبها الإنسان الأوربي أو الأمريكي, بغض النظر عن شعارات هذه الحروب المعلنة للملأ, للدفاع عن الصليب في الحروب الصليبية أو القومية و العنصر و تعاليهما, في الحربين العالميتين, الأولى و الثانية, فالهدف النهائي كان واحدآ, و هو المال...و رغم المظاهر الروحانية و الدينية و القيم و التقاليد في عالمنا العربي و الأسلامي, إلا إننا نرى إن ما يرتكب من جرائم و حروب بدافع المال _ المقنع بالدين أو القومية _ في عالمنا العربي و بعض العالم الأسلامي, هو أكثر بكثير مما يحدث في العالم الغربي شبه الملحد!! عندما حدثت ثورات الربيع الأوربي في أوروبا الشرقية, كان الناس يتسابقون لحماية المنشآت العامة و الخاصة, بينما تحول بعض الناس في الربيع العربي الى وحوش كاسرة و إنتشرت أعمال النهب و القتل و التخريب, رغم إن الكثير ممن يقومون بهذه الأعمال هم من رواد الجوامع و الدائبين على العبادة و الصلوات.. لقد تحولت العبادات الى صكوك غفران و بيوت الله الى ملهم للشباب لتسميم الأفكار و السير في طريق العنف و الإرهاب, و عبادة المال و ليس الله!!
تراهم يسرقون حجاج بيت الله الحرام على بضعة أقدام من بيت الله الحرام.. بينما كانت أقاويل الغيبة و النميمة قائمة على قدم و ساق, و بعض " الزعران " يتسابقون في شوارع مكة للنيل من هذا العامل المصري الذي أثار حفيضتهم, و يفسدون حج و عبادة الآخرين.. و ترى معظمهم يمارسون نفس طبائعهم الذميمة التي إعتادوا عليها في حياتهم قبل الحج, حتى في موسم الحج! و آخرون يتجادلون فيما بينهم, و يعدون مسؤول " الحملة ", رجل الدين " النصاب ", بأنه وعدهم بإسكانهم في فندق " زمزم " الملاصق للبيت الحرام, فنكث بوعده, و أسكنهم و أسكن غيرهم في فندق درجة ثانية, و وعدوه بالويل و الثبور و عظائم الأمور! و عندما يحاول أحد الحجيج من بينهم الأبتعاد عن هؤلاء المنافقين, و قضاء وقته في العبادة و الطواف حول البيت الحرام, ينظر إليه و كأنه منطو على نفسه.. بينما لن ترى أيآ من الحجاج يضيع فرصة الحج دون أن يكون للتجارة وربح " المال " مكانآ!! تحول المسلمون الى وحوش كواسر يشربون من دماء بعضهم البعض بإسم الدين زورآ و بهتانآ!!
ما هو تفسير هذا التفاوت بين السلوك الحضاري الذي يسمو بالإنسان نحو الرقي في العالم المتحضر, و بين السلوك غير الحضاري الذي يطبع العالم العربي و بعض العالم الإسلامي بطابعه, و الذي يبدو فيه الإنسان العربي أو المسلم أكثر عدوانية و وحشية, رغم إن الإنسان في العالم المتحضر هو غير روحاني, بينما الإنسان المسلم هو أقرب للروحانيات؟ السبب هو: إن الإنسان هو حيوان ناطق و ذو عقل, إذا تركته تحت رحمة غرائزه دون ضوابط, سيتحول الى وحش كاسر, و إذا ما قيدته بالضوابط سيترفع عن غرائزه الحيوانية. الإنسان في العالم المتحضر تم تقييده بالقوانين الوضعية المتجردة من الدين و العرق, و هما أهم العوامل التي تأجج الغرائز الحيوانية العدوانية لدى الإنسان.. و هذه القوانين الوضعية تحدُ من جشع الإنسان للمال,, و بمرور الوقت يتم تدجين الإنسان بالقوانين و التربية و التعليم, للسيطرة عليه و جعله أكثر إنسانية.. بينما بقي العربي أو المسلم يحكم بقوانين الدين و البداوة و القبيلة, التي تبيح الغزو و قانون القوة, و تجعل شخصية الإنسان العربي إزدواجية منافقة, تظهر الإيمان و التقوى و تخفي الكثير من الطبائع الغريزية الحيوانية أو الشريرة.. و لا يعني هذا التناقض بين الإنسان في البلاد المتحضرة و بين الإنسان العربي, هو إن الأول ملاك و الثاني شيطان, لا بل على الإطلاق. فالأوربي هو ملاك بالتدجين, نتيجة للقوانين و السنن, و لكن ما أن تتهيأ الضروف للروح الحيوانية الشريرة الكامنة, حتى نراه وحشآ كاسرآ, سواء في الحروب الأهلية _ في يوغسلافيا مثلآ, إذ تحول الناس من مجتمع متحضر الى وجوش كاسرة, إرتكبت أبشع الجرائم و أسوأ حتى من جرائم داعش _ أو في الحروب و غيرها..
الخلاصة و الحل في العالم العربي و الأسلامي و العراق خاصة, هو: وضع الدين و القومية جانبآ في قوانين الدولة. و الأخذ بمبدأ الدين لله و الوطن للجميع. و كل إنسان حر بما يعتقد, و حسابه في الآخرة عند الله. أما في الدنيا, فهناك قوانين تتعامل مع الإنسان بتجرد و سمو وإنسانية. و الناس أمام القانون كأسنان المشط.. و بالتربية المستمرة و التدجين يمكن الإرتقاء بفكر الإنسان العربي الى مستوى الفكر المتحضر. و إبعاده شيئآ فشيئآ عن الخرافات و السير به نحو الإيمان الحقيقي و الرقي ليصبح الإنسان أكثر سمو و رحمة و أقرب الى الله مما هو عليه الآن.. و يتخلص من إزدواجية الشخصية و النفاق, رغم إن المال سيبقى هو الهدف و الرب المحرك له في حياته..
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟