أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تيسير حسن ادريس - العقلية الارتدادية فقر المرجعية وعُسر المراجعات!















المزيد.....

العقلية الارتدادية فقر المرجعية وعُسر المراجعات!


تيسير حسن ادريس

الحوار المتمدن-العدد: 4676 - 2014 / 12 / 29 - 14:32
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


توطئة:
المراجعات الفكرية عند (الأخ المسلم) في لحظات انعتاقه القليلة من الغيبوبة التاريخية غير نزيهة ومشروطة بمبدأ (عفا الله عما سلف) الابتزازي، فهي لا تتحرى الحقيقة، ولا تكف عن بابتزاز الآخر، وتظل تقدم المبررات، وتسوغ لسوء الأفاعيل المنهجية، وإن بلغت مبلغ الجرم المشهود؛ فالأخ المسلم خير من يقتل القتيل ويمشي في جنازته.

(1)
من العسير على الباحث والمراقب للحراك الفكري في صفوف تيارات الإسلام السياسي في السودان أن يتجاهل أطروحات بعض منظريه الذين يحاولون الانعتاق من بؤس المنهج القديم الذي أورث السودان وشعبه كل هذه التعاسة والشقاء، ولا يقيم ربع قرن متصل ومتواصل من الحكم اقترن فيها شعار (الإسلام هو الحل) عمليا بالممارسة، حيث أتاح القدر للمشروع الإسلاموي الوقت، ووفر إمكانية دولة بحجم السودان لاختباره على أرض الواقع، وفي محك التنفيذ؛ ليشهد العالم مخرجات كسبه، ويحكم على مدى صلاحية وصحة مسيرته القاصدة. ولعل الجميع -إذا ما استثنينا من يتوسد رطاب الامتيازات السلطوية- قد أقر بأن الحركة الإسلامية السودانية بعد جلبة الهتافية الربع قرنية قد أوتيت كتابها بشمالها، وتعيش اليوم حالة من الإحباط والحيرة، دفعت بعض سدنتها للقول صراحة (يا ليتني لم أوت كتابيه ).

(2)
أدهش بؤس التجربة التي حاق بها الفشل، وحاصرتها الخطايا والذنوب، كثيرا من شيوخ الحركة الإسلامية، فنكرها البعض، وتنكر لها نفر، وانقسم الجمع ما بين مكابر يرفض الإقرار بالفشل؛ يداهن أحلام النجاح ويستمنيها، وناقد يستجدي المناهج المنتجة للازمة ذات نفسها ،ويتوسلها في خطل طلب الخروج من التيه، وفهم كنه العلة، تتخبطه أدوات تحليل معطوبة، ولسان حاله يقول: (داويني بالتي كانت هي الداء)، ضعف الطالب والمطلوب؛ فأصل العلة واضح وضوح (دبر عنزة) ويكمن في خراب النهج المنكفي على الماضي، المحتكم لاشتراطاته القابعة في دهاليز النسيان، وأضابير التاريخ كمرويات سردية، يخالط جدها الهزل، وحقائقها الأساطير، يراد لها أن تحكم الحاضر، وتتحكم في صياغة المستقبل أيضا؛ بحجة انحياز التأريخ والجغرافيا والوجدان الجمعي لطرحها المعوج.

(3)
نكب الفريقان عن الصواب، وتنكبا طريق الخروج من الأزمة التاريخية، فالفريق المكابر ظل سادرا في غيه، يقاتل من وراء جدر دون السلطة وامتيازاتها، يظعن نحو حتفه المحتوم بظلفه؛ أما الفريق الساعي للانعتاق من وهم التجربة وشعارها الفضفاض، فقد ارتقى مرتقًى صعبا، وسلك للخروج من المتاهة مسلكا زلقا، معولا على أدوات (التاريخانية القديمة)* ومنهجها المعتمد على المَرويَّات والسردِيَّات التاريخيَّة، التي تُعبِّر عن أيديولوجيَّات السلطة، أو الفئة المُهيمنة، أو الطبقة الحاكمة، بعد أن وجد فيها معادلا نفسيا يحد من غلو الصراع النفسي، وتأنيب الضمير، مترسما خطى مستحيلة للموائمة بين القناعات القديمة، والرغبة في الفكاك من أسرها؛ ليندلع صراع أضداد داخلي بالغ الخشونة والحدة، لم يجد في مذهب التحليل (التاريخاني) الذي لجاء إليه تفسيرا، لما جرى تطمئن له القلوب.

(4)
فالتاريخانية القديمة بدعوتها الصريحة للعودة للماضي تعتبر أن العقل البشري لا يدرك إلا ما يصنع، أي المنشآت التي تكون العالم التاريخي، لذا فهي أبعد ما يكون بمنهجها المنكفي عن تفسير ظواهر وأزمات الحاضر، وأعجز من أن تقرأ آفاق المستقبل، وقد كان توسل مفكري الحركة الإسلامية لأدواتها من أجل استقصاء الحقائق وسبر غور أسباب الفشل حرثا في البحر، وفشلا وإخفاقا فكريا وفلسفيا مخجلا، يدل على ضعف الخبرة، وتواضع الحصيلة المعرفية.

(5)
والتاريخانية القديمة التي ابتدعها كارل فرنر عام 1879م في معرض تعريفه لفلسفة (فيكو)*** مذهب يدافع عن خصوصية المنهج التاريخي في البحث، وتعني حسب فريدريك مينكه الشعور بأن الحوادث البشرية فريدة ومتطورة؛ إذا التاريخانية تؤمن بأن التاريخ هو العامل المؤثر في أحوال البشر، وتضع الإنسان في قلب العملية التاريخية،إذ تستحضر الماضي بشكل مستمر لتستمد منه مقولات جاهزة، لإحيائها وإحداث تغيير بواسطتها، باعتبار أن تاريخ البشر عامر بلحظات مضيئة تستطيع دوائر ضوئها أن تصل الحاضر، وتنير الطريق أمام الإنسان وتلهمه سبل الرشاد!!.

(6)
هذا الاستحضار في الفكر التاريخاني يتبعه موقف فلسفي آخر، وهو "تجاوز" القديم وإحداث قطيعة نهجية مع أنماطه الثقافية لصالح أنماط ثقافية بديلة، ترسم طريق التحرر والانعتاق من أخطاء الماضي، وهذا الأسلوب نجده في كثير من مواقف شيخ حسن الترابي الفكرية والسياسية، حتى تكاد تجزم أنه يؤمن إيمانا مطلقا بأن التاريخ الإسلامي هو العامل الوحيد المؤثر في البشر، وينشد عبر هذا التصور الفلسفي (التاريخاني) إحداث نقلة فكرية تتجاوز ما هو كائن نحو ما يجب أن يكون اعتمادا على ما كان، أي على ما حدث في تاريخ الدولة الإسلامية من أحداث، فيحاكم الحاضر بالماضي ليصبح التاريخ تجليا للوعي عبر المراحل والحقب، ويتعالى عن سجن نفسه في الشواهد، ويرقى إلى مستوى الإدراك الذي لا يحصل إلا بتعميق الوعي، فتطرح من ثمَّ كل القضايا في إطار التاريخ، ويتم البحث عن أجوبتها في التاريخ أيضا.

(7)
ويجدر بنا في هذا المقام الإشارة إلى الفروقات الجوهرية بين (التاريخانية القديمة والجديدة) حيث تتميَّز (التاريخانية الجديدة)** التي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين (1970م) بشكلٍ من الأشكال عن التاريخانيَّة القديمة، التي ظهَرَت في القرن التاسع عشر الميلادي، بكونها تتجاوَز المَرويَّات والسردِيَّات التاريخيَّة، التي كانت تُعبِّر عن أيديولوجيَّات السلطة، أو الفئة المُهيمنة، أو الطبقة الحاكمة، ومِن ثَمَّ تَستند التاريخانيَّة الجديدة إلى لغة التفكيك والتشريح، وتقويض تاريخ المَقولات المركزيَّة، وفَضْح الأيديولوجيَّة السائدة في المجتمع، وتَعْرية أساطير المؤسَّسات الثقافيَّة الحاكمة، ولا يُمكن بأيِّ حالٍ من الأحوال الحديثُ عن تاريخ متجانس متطوِّر بشكلٍ مُتَسلسل كرونولوجي، بل هناك تاريخٌ مُتَقطع، به العديد من الثَّغرات؛ حيث تُهَمَّش فيه فئات، وتَسود أخرى؛ لذلك يَتقابل التاريخ المَنسي للشعوب مع التاريخ الرسمي الذي يُعَبِّر عن الطبقات الحاكمة التي تسود المجتمع، ويعني هذا أنَّ ثَمَّة تاريخين مُتناقضان: تاريخ السُّلطة، وتاريخ الشعب.

(8)
السؤال الذي يؤرق الباحث، ويراكم من سوء ظنه في الهدف الذي سعى له مفكرو الحركة الإسلامية السودانية، وهم يتوسلون التاريخانية القديمة منهجا لسبر تعقيدات أزمة تجربة حكمهم المنكودة، خاصة بعد أن تكشفت عوراتها بظهور (التاريخانية الجديدة) التي وضَّحت بجلاء لا لبس فيه أن (التاريخانية القديمة) ما هي إلا قراءةٌ ذاتيَّة وأيديولوجيَّة للأحداث التاريخية غير بريئة، ومُقاربةً شخصيَّة في خدمة الأيديولوجيا السائدة؛ تَعمل على نَشْر الوعي الزائف، وترويج التفكير المَغلوط، والاهتمام بالبطولات الفرديَّة والشخصيَّات الكاريزميَّة، وذلك في إطار مجموعة من المَرْويَّات والخطابات السرديَّة التي كانت تتَّسم بالمُبالغة والخيال، وفي بعض الأحيان بالكذب الصريح، فلماذا يتوسلها منظرو الحركة الإسلامية إذا ما أرادوا عدل ميزان تجربة الحكم اللاسلاموي في السودان والخروج منها بالعظات والعبر؟؟!!

(9)
وبمعرفة السبب الذي دفع جل منظري الحركة الإسلامية لتوسل التاريخانية التقليدية للبحث عن أسباب فشل تجربتهم في السلطة، وتجاهل مناهج البحث الأخرى الأكثر دقة وانضباطا، وهو تحاشي الوقوف بين يدي الحقيقة المرة، يزول العجب، ويستبين الهدف الجوهري من وراء مراجعات دهاقنة الحركة الإسلامية القابعين إلى اليوم في جلباب السلطة الحاكمة، والمغادرين له على حد السواء.

(10)
فهدف تقديم المراجعات في حقيقة الأمر لم يكن الحقيقة ؛ بل جل الجهد المبذول لم يكن سوى تعبير بائس عن موجة فكرية ارتدادية، تهدف لتبرير سوءة التجربة بحصر الخطأ في الممارسة وتبرئة المنهج ومن ثم العمل على إيجاد ما تيسر من حلول تحفظ ما تبقى من ماء وجه الحركة الإسلامية، شرط أن يكون دواء العلة بترياق من أصل الداء، أي البحث عن حلول لمعضلات الحاضر في تاريخ الدولة الإسلامية دون غيرها من الإرث البشري، ليفقد البحث بهذا حياديته وتأتي جملة المراجعات الفكرية المنجزة عجفاء و(أفقر من أهله ملحوب) ما لها (سعنة ولا معنة).

* التاريخانية القديمة مفهوم ابتدعه كارل فرنر1879 في معرض تعريفه لفلسفة فيكو (Vico) الذي أكد أن العقل البشري لا يدرك إلا ما يصنع، أي المنشآت التي تكون العالم التاريخي. (عبد الله العروي).

** التاريخانيَّة الجديدة (New Historicism) من أهم نظريات الأدب التي ظهرَت في مدَّة ما بعد الحداثة، ما بين1970 و1990م، وقد تَبَلْوَرت هذه النظرية فعليًّا ضمن حقل النقد.
*** ميشال فيكو (1926 - 1984) فيلسوف فرنسي، يعتبر من أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين، تأثر بالبنيويين ودرس وحلل تاريخ الجنون في كتابه "تاريخ الجنون", وعالج مواضيع مثل الإجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون. ابتكر مصطلح "أركيولوجية المعرفة". أرّخ للجنس أيضاً من "حب الغلمان عند اليونان" وصولاً إلى معالجاته الجدلية المعاصرة كما في "تاريخ الجنسانية".
الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 30/12/2014م



#تيسير_حسن_ادريس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - تيسير حسن ادريس - العقلية الارتدادية فقر المرجعية وعُسر المراجعات!