أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الشريف قاسي - محاكمة ديكتاتور مستبد















المزيد.....



محاكمة ديكتاتور مستبد


محمد الشريف قاسي

الحوار المتمدن-العدد: 4671 - 2014 / 12 / 24 - 11:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كتبت هذه المحاكمة (الحوار) كتبتها أيام سقوط بن علي تونس وقذافي ليبيا ومبارك مصر، وأنا أتخيل في محاكمة عادلة لكل حكام العرب والمسلمين منذ عهد ما بعد خلافة سيدنا الإمام علي حيدر رابع الخلافاء بعد وفاة الرسول صلى الله عليه آله وسلم. لأن ما وقع قديما كان أكبر وأعظم مما هو واقع الآن، إلا أنه لا صحافة ولا إعلام حقيقي وحر في نقل ما وقع، ولم تكن أنذاك لا حقوق إنسان ولا هيئات دولية ولا محكمة لاهاي ولا غيره، بل كل ماجرى جرى في ظلام الليل ولا نعلم عنه شيئا إلا من تلك الكتب التاريخية والتي أغلبها كتب بمراقبة وتحت إمرة السلطان الديكتاتور أنذاك. وهذا ليس في العالم الإسلامي والعربي فقط بل حتى في المجتمعات والدول الأخرى، ولكن الحمد لله أن الله تعالى كان يراقب ويعلم بما جرى، وسوف يحاسب كل ظالم عما ظلم ويأخذ حق المظلوم يوم لا ينفع مال ولا بنون، وفي انتظار ذلك اليوم الحق، يوم الجزاء والحساب نرجو من الله تعالى أن يجعلنا مع الصادقين ومن أهل الحق، فالظلم ظلمات يوم القيامة. يمكن أن تترجم هاته المحاكمة إلى مسرحية أو فيلم .

القاضي : ما إسمك وما وظيفتك ؟.
المتهم : أنا الزعيم العربي وأمير المؤمنين، أنا الملك، أنا الرئيس، أنا الكل في الكل.

القاضي : كيف وصلت إلى الحكم ؟.
المتهم : عن طريق إنقلاب عسكري، أو قال: ورثت الحكم عن أبي، أو قال:
عن طريق إنتخابات صورية ومزورة. وهكذا كان كل الحكام العرب والمسلمين يحكمون هاته الشعوب بهذه الطرق الثلاث.

القاضي : أين حرية وإرادة الشعب في إختيار ممثليها ؟.
المتهم : إن شعبي أمي وبالتالي فهو لا يعرف مصالحه ولا يفهم الديموقراطية وليس أهلا لها، وهو شعب راض وقانع ووديع، لا يفكر في السياسة، فشعبي جسد بلا عقل، فهو يحب أن يساق ويقاد لا يقود، فهو عبر كل التاريخ الإسلامي لم يحكم أو يستشر أو ينتخب حاكمه منذ عهد أمير المؤمنين وخليفة رسول الله الصحابي الجليل معاوية إبن أبي سفيان رضي الله عنه.


القاضي: إن معاوية لم يكن خليفة بل ملكا حسب علمي، أليس كذلك ؟
المتهم: نعم هو أول من سن لنا هذه السنة الحميدة في الحكم الشمولي وبدون إستشارة للشعب المسلم، كما أنه كان أول من سن سنة سب ولعن الصحابة على منابر المساجد ولذلك هاهم اتباعه مما يسمى الشيعة يسبون ويلعنون الأقدمين.

القاضي : كيف إستطاع أن يسكت عنك الشعب كل هذه المدة من الزمن ؟.
المتهم : سيدي القاضي، إن شعبي ورعيتي شعب مسالم ووديع، ولست أنا من أسكته، بل العلماء والمشايخ هم من علمه أن لا يناقش ويجادل أو يطالب بحقوقه، وهم من أفتاه بطاعة الحاكم وعدم الخروج عليه ( حتى ولو كان هذا الخروج سلميا ومطلبيا مشروعا ) وهم من أفتاه بتحريم المظاهرات والإعتصامات وهم من أفتاه بأن الديموقراطية كفر وأنها من التشبه بالكفار وأنه يجب الصبر على ظلم الحكام وعلى تفقيرهم وتجهيلهم للشعوب. إن شعبي لا تحركه إلا العواطف والجوع، ولذلك تراني أقيم له الحفلات الغنائية الراقصة وأأتيه بالمطربين من كل بلدان العالم، وأقيم له مباريات كرة القدم وغير ذلك، أنظر إلى قنواتنا العربية فستجد أن أغلبها إما فيما يسمى الفن والغناء والرقص أو كرة القدم، وإن كانت ما يسمى بالدينية فهي على المقاس طائفية مذهبية تثير النعرات والإشقاقات بين المواطنين وهذا كله من تدبيرنا وخطتنا لتخدير هذا الشعب العظيم . سبق وأن قلت لك سيدي القاضي أن شعبي شعب عظيم .

القاضي : هل الشعب العظيم يحكم من طرف ديكتاتور مستبد ؟.
المتهم : سيدي القاضي، شعبي العظيم ألف الحكم الشمولي والديكتاتوري فهو لم يحكم منذ سقوط الخلافة إلا من طرف حكام شموليين ديكتاتوريين، لقد رضي سلفنا وأجدادنا الأولون بحكم بني أمية، وكان يسمى الديكتاتور أنذاك بأمير المؤمنين والخليفة، شيء عاد في بلادي لقد ألف شعبي هذا النمط من الحكم منذ قرون وقرون ولله الحمد.

القاضي : لماذا لم تحدث إصلاحات ديموقراطية في البلاد ؟.
المتهم: سيدي، إن شعبي عربي مسلم كان يحكم من طرف شيخ القبيلة فهو مجتمع قبلي عروشي، ولازال حكم القبيلة في ذهنه وعقيدته السياسية، فالحاكم هو رئيس القبيلة وحاشيته من علماء وقوات أمن ومداحين من رجال الإعلام من المستفدين من الريع والجاه، أما بقية الشعب ( يسمى عندنا الرعاء والرعية ) فهم خدام عندنا وعبيد لنا لا يحسنون إلا الطاعة وقول كلمة نعم سيدي. الحمد لله أن شعوبنا شعوب مطيعة ولا تناقش أو تبحث لا يهمها إلا أن تعيش وكفى.

القاضي: كيف قمت بتثيب حكمك على هذا الشعب ؟
المتهم : بعد إغتصاب السلطة قمت بمايلي :
- فتحت المعتقلات.
- أكثرت من السجون لأبناء بلدي من العلماء والأحرار.
- سحقت المعارضة الحقيقة للحكم وأبقيت إلا على المعارضة الشكلية فقط، لذر الرماد في العيون .
- مارست التعذيب وتفننت في ذلك.
- إستخدمت الدين الإسلامي في الخداع والتخدير والتنويم.
- إستعملت العلماء والمشايخ والصحافة والأئمة والبلطجية.
- قمت بعملية إبادة جماعية للمعارضة.
- إدعيت أنني أحكم بالإسلام وأصلي أمام الناس في العيد
وأقسم الجوائز على حفظة القرآن ( لا فهام القرآن طبعا )
- إتهمت المعارضة بالولاء للأجنبي وبالعمالة للكفار .
- أتهمهم بالإرهاب والتخريب والإسلاماويين وأنهم خوارج.
- إستعملت الجهوية و(البنعميست) فأنا سيدي لا ولن أثق في غير أبناء القرية والعرش ولا أثق في عامة الشعب.
- مارست كل الحيل والألاعيب لأبقى في الحكم حياتي كلها، شعارنا في ذلك (من الكرسي إلى اللحد) .
- قمت بتعديل الدستور وإصدار القوانين التي تخدمني وتناسبني على البقاء في الحكم حتى الموت، وبعد موتي يخلفني إبني العزيز أو من أريد أنا إن شاء الله.

القاضي : كيف تبقى في الحكم مدى الحياة، ألا يوجد من أفراد الشعب من هو خير منك وأقدر منك في تحمل المسؤلية ؟.
المتهم : في الحقيقة كلامك هذا كفر بواح في عقيدة شعبنا التي غرسناها فيه منذ قرون، والحقيقة الثانية أن الشعب هو الذي يريدني أن أبقى إلى الأبد، لأنني
وعبر وسائل الإعلام والدعاية جعلته يؤمن بما يلي :
- إما بقائي في الحكم أو الفوضى والتدخل الأجنبي.
- إما بقائي في الحكم أو الإرهاب والقاعدة.
- إما بقائي للأبد أو أن حزب فرنسا يستولي على الحكم.
ولا تنسى سيدي القاضي، فمن يكمل الإصلاحات التي بدأتها منذ سنين غيري ؟.
والتنمية والدفاع عن الوطن، من يحمي البلد من التهديد الخارجي والإسرائيلي إن ذهبت أنا وتركت الحكم لغيري؟.

القاضي : هل حاربت يوما إسرائيل والعدو الخارجي كما تدعي ؟.
المتهم : سيدي إن حرب إسرائيل والدفاع عن القدس والمقدسات هي وسيلة فقط لإسكات الشعب وتلهيته، نحن لا تهمنا إسرائيل ولا القدس ولا كل المقدسات، نحن لا يهمنا إلا الكرسي والحكم مهما كانت الظروف.
وأنا لا أنكر هذه التهم لكن ما ذنبي، لقد وجدت الشعب صامتا راضيا لا يعارضني ولم يقل لي يوما : لا .

القاضي: لماذا تدع الإسلام وأنت بعيد عنه كل البعد، هل الدين يأمر بالقتل والظلم والسرقة وأكل أموال الناس وإهانتهم وتكميم أفواههم ؟.
المتهم : سيدي لم يكن أمامي خيار آخر، ففكرة تخدير الشعب بالمقدس وإستعمال الدين لتحقيق أغراض الحكام هذه سنة الأولين منذ عهد أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه، هو ومن جاء بعده إلى يومنا هذا، فنحن لم نخترع شيئا منذ ذلك الزمان، ولهذا فنحن في مؤخرة القافلة البشرية دائما كما ترى، فإستعمال الدين والمقدسات بإمكانه أن يسخر لك السذج والعامة من المسلمين، وبإمكانك أن تزج بكل الخصوم في المعتقلات والسجون بحجة الخروج على الحاكم وإحداث الفتنة، كما قال الله تعالى ( والفتنة أكبر من القتل ).

القاضي : يظهر أنك مطلع على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ؟.
المتهم : نعم، ولقد كان قدوتنا وشيخنا معاوية من كتبة القرآن الكريم كما يقال، وحتى وإن كنا لا نحفظه ونقرأه فعندنا كبار العلماء ومفتي الديار، مهمتهم إصدار الفتاوى الجاهزة حسب الطلب وبالمقابل طبعا .
فالإسلام صخرناه لخدمتنا وجعلناه مبررا لكل أفعالنا المشينة في البقاء في السلطة وتطويع هذا الشعب وتركيعه.

القاضي : لقد شوهتم الإسلام وجعلتم كل البشرية تنفر من الدين،
وتتهمه بالتخلف والإرهاب والإستبداد، لماذا تبعدون الناس عن الدين الحق الذي جاء ليسقط كل الظلمة والطغاة والفراعنة ويبعدهم عن رقاب الناس ؟.
المتهم: سيدي القاضي والله إني أتأسف عن هذا المصير، صحيح أن الناس أصبحت تنظر إلى أفعالنا المشينة وتحسبها إسلام، فأنا لا ألوم من لا يعرف الإسلام إلا من خلالنا، فنحن أدعينا أن ما نطبقه هو الإسلام لنخدع شعوبنا فإذا بنا نخدع غير المسلمين حتى يفهموا هذا الدين العظيم، وهذا جريمة في حق الدين لكن ماذا نفعل مع شعوبنا إن قلنا لهم أننا على غير الإسلام؟ فخوفنا من شعوبنا أن تعرف الحقيقة تمسحنا بالدين من أجل شهواتنا وأنانيتنا، فنرجو من إخواننا غير المسلمين (اليهود والنصارى والبوذيين وغيرهم) أن يسامحونا على تغطيتنا لهذا الدين بالجهالات والفسق والشهوات، فالعيب فينا وليس في ديننا في الحقيقة.

القاضي : هل قمت بإصلاح العدالة وتطبيق الحق بين المواطنين، فالعدل أساس الحكم ؟.
المتهم : نعم سيدي القاضي، فالمعارض والمتهم عندنا لا يحاكم بل يقتل أو يسجن أو ينفى بدون محاكمة، وإن قدم للمحاكمة فمحاكمته شكلية فقط ، ونطبق أحكام العدالة على الفقراء وعامة الشعب، فمن جاع وسرق يسجن حتى (5) سنوات، أما الذين يسرقون المال العام والملايير فهم معذرون وقد لا يحاكمون، أما المسؤلين في الدولة فمهما فعلوا، القانون يحميهم وهو في خدمتهم، فهم من وضعوه، فكل القوانين تصب في جيوبهم ومن أجل بقائهم وسعادتهم، وحتى من عامة الشعب من يكون له معارف ويقدم رشاوى يفعل ما يشاء، المهم أن لا يكون من المعارضة حتى ولو كانت سلمية. فسياستنا إن سرق وقتل وفعل ما فعل من هو مقرب للحكم تركناه وإن كان من العامة أقمنا عليه الحد بلا شفقة ولا رحمة، والعزيز عندنا ذليل والذليل عزيز، هذا شعارنا حسب ما أخبر عنا القرآن الكريم وسنة النبي محمد (ص). ولعلمك سيدي القاضي هذا حكمنا منذ قرون وقرون وليس حديث اليوم، فإن شئت إقرأ تاريخنا المجيد.

القاضي : لماذا لا تسمح حتى للمعارضة السلمية بالعمل ؟.
المتهم : في الحقيقة المعارضة السلمية هي من أعدى أعدائي فأنا بالتضيق عليها أريدها أن تتحول إلى مجموعة مسلحة تمارس الإرهاب، حتى أقوم بسحقها ولتكون عبرة للأخرين، وحتى تعطيني الشرعية في إستمرار النظام بدعوى إعادة النظام ومحاربة الإرهاب وحتى لا تتحرك منظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة والعالم الحر والمتحضر ضدي. ولذلك سيدي القاضي تراني أمنع كل فكر حر ومتنور وأضيق عليه وأمنع كل كتاب أو إصدار جديد يمس بتقاليدنا وعادات سلفنا الصالح في الحكم والخبث، فهل ترى عندنا صحافة حرة ؟ فحتى القرآن لو إستطعنا أن نكون نحن من يرتله لفعلنا، فلا نسمح لغيرنا بالظهور ولا بالإبداع فكل ذلك خطر على مصالحنا، وحتى الحديث النبوي لا نسمح إلا بالذي يمدحنا و يثني على أفعالنا والحمد لله أن علمائنا وفقهائنا متفهمون لهذا، ومن يخشن رأسه فإما نشتريه بالمال والجاه وقضاء المصالح أو نردمه ونهدده بطرقنا الخاصة وما أدراك ما طرقنا الخاصة ؟. ونحن سيدي القاضي في العصر نهاني الكثير من المشاكل بفعل العولمة وعدم سيطرتنا على الإعلام الوافد عبر الفضاء من فضائيات وأنترنت، فأصبحنا مقيدين خائفين وذهبت لنا سلطتنا على هؤلاء النعاج، فحتى المذهب الديني الذي فرضناه بالقوة على هاته الشعوب أصبح في خطر بفعل العلم والبحث، فبدأنا ننكشف وتنكشف خبيانا ومؤامراتنا على هذا الدين. وحتى علمائنا أصبحوا في خطر وذهبت هيبتهم وقداستهم من طرف بعض الشباب الذي تأثر بالغرب وأصبح يبحث في الكتب ويقارن ويزن بموازين العدل والحق فأصبح يجادل حتى المشايخ الذين جعلنا عليهم قدسية مصطنعة منذ قرون وللاسف الشديد.

القاضي : لماذا أقحمت الجيش في الصراعات السياسية بينك وبين المعارضة ؟ فمهام الجيش الدستورية حماية الوطن من التدخل الأجنبي وأمن الشعب وليس حماية كراسيكم، وسفاهاتكم وشهواتكم في البقاء في الحكم أليس كذلك ؟..
المتهم : هذه عند الغرب الكافر، لكن نحن مسلمون كما تعلم سيدي، فكل الحكام عندنا إستعملوا الجيش في حماية كراسيهم لا حماية الأوطان، وقادة الجيوش عندنا أصحاب مصالح ونفوذ وأهل تجارة وأصحاب رؤوس أموال وهم مستفدون من الريع، هم وذويهم، وأنا أقوم دائما بإرشائهم (الإمتيازات) كي لا يفكروا في الإنقلاب علي وحتى لا يكونوا بجانب شعوبهم . ونحن لا نسعى لتطوير السلاح والصناعات الحربية أو محاربة أعداء الأمة كما ندعي في خطاباتنا السياسية (الديماغوجية)، الحمد لله نحن سلاحنا نوجهه إلى صدور أبنائنا ومواطنينا ولذلك فالغرب راض عنا ولله الحمد. فحتى ما كان يسمى بالفتوحات الإسلامية قديما كانت لتقوية ملكنا ونهب خيرات تلك الشعوب والأراضي التي دخلناها. فالاسلام كان شعارا فقط على راياتنا فنحن لم نطبقه في الحكم يوما، فكيف نريد أن يطبقه الناس علينا، فلو طبق الإسلام الحقيقي لما كنا في الحكم أصلا.

القاضي : لماذا لم تحترموا حقوق الإنسان والمواثيق الدولية التي وقعتم عليها في كثير من المناسبات ؟.
المتهم : لأننا نحن نحكم شعبا لا يفهم إلا لغة الجلد والسوط والخوف، شعب ألف الإستعبداد والإستبداد والفساد. فعقيدة السوط والسيف غرست فينا مع حليب أمهاتنا، وذلك بفضل علمائنا ومشايخنا العظام ومداحينا من الصحافيين والكتاب والمثقفين وأشباههم.

القاضي : لقد قمت بحرب إبادة جماعية ضد (الجماعة الفلانية والمنطقة العلانية لماذا كل هذه الجرائم ؟ .
المتهم : أنا بصفتي القائد الأعلى للقوات المسلحة وحامي أمن الدولة والتي هي حماية أمني الخاص كما هو معلوم، هي من واجباتي حسب الدستور، ومحاربة أعداء الثورة والبلد من عناصر القاعدة والخونة المرتزقة من واجباتي كذلك.
فاي جماعة لا تعتقد عقيدتي الدينية أو المذهبية أو غير مشاركة لي في الخط السياسي تعتبر عندنا جريمة نطبق عليها الحكم الشرعي في الحرابة، وذلك بأن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وينفوا من الأرض أو يموتوا شر موتة، حتى يكونوا عبرة لغيرهم من المخالفين والخارجين على القانون، وهذا ما فعله قبلنا سلفنا الصالح وولي نعمتنا وسيدنا يزيد ابن معاوية مع الحسين، فقطع رأسه وجعل منه الجيش كرة قدم ومثل به و أخذ رأسه إلى أمير المؤمنين يزيد في دمشق هو والكثير من آل بيته من النسوة والصبيان، وذلك حتى يبقى عبرة لمن يعتبر، لا لشيء إلا لأنه لم يبايع، وبهذا العمل بايع كل الناس والصحابة منهم الخليفة وأمير المؤمنين يزيد ابن معاوية. فنحن من أجل كراسينا لا نتوانا حتى مع حفيد رسول الله وابن بنته الزهراء. وهكذا نجعل من هيبة الدولة القائمة أمر مسلم به، فإما الطاعة والبيعة أو الموت. هذا ما توارثناه من أسلافنا وأجدادنا. فسياسة الحوار والنقاش والإقنان هذه من ثقافة الغرب الكافر، أما نحن فالعصى لمن عصى وعليك أن تصبر حتى ولو ضربناك ظلما بالسوط وأكلنا مالك وفعلنا في أهلك ما نشاء، وإلا خرجت من دائرة الإيمان واتباع سلفنا الصالح. فتصبح مبتدع وفاسق خارج عن الملة. هذا ما تواصينا به عبر العصور في حكم هذه الشعوب بالقهر والغلبة وفرض الأمر الواقع عليه.

القاضي : هل قمت بتقسيم الثروة الوطنية على كافة الشعب ؟.
المتهم : لو قمت بذلك لأصبح الشعب يشعر بالأمن والرخاء وبعد ذلك يقوم بالمطالبة بالديمقراطية والكرامة والإنتخابات الحرة والنزيهة وبالتالي يمكن إزاحتي عن الحكم . ألم تقرأ إحصائيات المنظمات غير الحكومية بشأن بلداننا سيدي القاضي ؟ فنحن نملك 90/100 من مداخيل البلاد ونقسم 10/100على باقي الشعب، وهذه سيالستنا التي توارثناها أبا عن جد. فنحن نملك البلاد تحت الأرض وفوق الأرض ولا حاكم إلا نحن. ونقسم بعض الفتات والإمتيازات لمن هم في خدمتنا من مشايخ وعلماء وصحافيين وكتاب وشعراء ومطربين.


القاضي : لماذا تدمر بلدا من أجل شهوة الكرسي ؟.
المتهم : سيدي القاضي نحن نتعتقد أنه لا قيمة للبلد ولا للشعب بعد سقوطنا، وأنت تعلم أن تحالف الإستبداد والإقطاع مع الدين وكل المقدسات ( العصى السحرية) بإستطاعته أن يثبت دعائم الحكم ويجعل الشعب الجيعان الفقيرالمحقور راض وعنده قابلية، ولذلك قمنا بإنشاء الحركة الإسلامية الوهابية والسلفية الجهادية والعلمية حسب مصالحنا، كما فعل سلفنا الصالح من الحكام في إنشاء الحركة الصوفية حتى نتمكن من السيطرة على الشعب وتخديره وتضليله، فنحن لا يهمنا التقدم وتقديم الخدمات للبشرية في الطب والصناعة والبناء وحقوق الانسان .

القاضي : لو أعطيت لك فرصة في الحكم مرة أخرى هل بإمكانك أن تطور بلدك ويتقدم شعبك كشعوب العالم الأخرى ؟.
المتهم : سيدي القاضي ، و الله لو أعطيتني مئات السنين ما تقدمت خطوة، فأنا مخلوق هكذا، أنا إنسان يعشق السلطة والمال والإستبداد، أنا أحب شعبي أن يكون تحت قدمي وفقط، فلا تحاول، مادام هذا الشعب عنده قابلية للهوان واللامبالاة بمصيره ومصير أبنائه.

القاضي : صحيح أن الشعب إذا أراد الحياة فلبد أن يستجيب القدر.
القاضي : لماذا في كل بلاد العرب تعيشون حالة طواريء ؟.
المتهم : حتى لا يتنفس الشعب نسيم الحرية ويشعر بالكرامة والأمان، وحتى تكون أفعالنا مبررة. فنحن منذ أربعة عشر قرنا ونحن نحكم بهذه الطريقة، فلا سبيل ألا إذا تغيرت ذهنيات هذا الشعب وشعر بحقوقه المشروعة في المواطنة الحقة.

القاضي : لماذا تقع إنتهاكات كثيرة لحقوق الإنسان العربي والمسلم في هذه الأوطان العامرة بالخيرات والنعم ؟.
المتهم : حقوق الإنسان هذه ليست من مبادئنا وقيمنا الروحية وهي صناعة غربية، ونحن كعرب نتنافس وزملائي في قهر الشعوب وإذلالها، فنحن السادة والشعوب عبيد لنا، والعبد لا يفقه إلا لغة السوط والجلد على الظهر، تطبيقا للحديث الذي روياه في الصحاح عندنا :
( عليكم بطاعة الحاكم حتى ولو ضرب ظهرك وأكل مالك ) فنحن لا نحب النقاش بل التلقين ولا نحب الجدال بل السمع والطاعة، هذه عاداتنا وتقاليد أجدادنا، وهذا ما أوصانا به علمائنا الأجلاء، أما تسمع سيدي القاضي بسجن (كوبر) في السودان و( الجفرة) في الأردن و(تزمامارت) في المغرب و(القلعة
وأبوزعبل وطرة ) في مصر و( تدمر) في سوريا و( أبو سليم) في ليبيا، ومعتقل (عين أمقل ورقان) بالجزائر، وكل العالم العربي له من أصناف جهنم ما يذهل العقل، ألا ترى سيدي كم عدد قوات الأمن والعساكر في عالمنا العربي، ألا ترى أن أكبر ميزانياتنا في التسليح خاصة السلاح الفردي القمعي وليست في البحث العلمي أو التطور التكنولوجي كما يفعل الكفار عليهم لعنة الله .

القاضي : لماذا لازلت تسيطر على وسائل الإعلام، فهي ملك للشعب ومن ضرائبه وقوت أبنائه وليست ملك لك، أليس كذلك ؟.
المتهم : لا سيدي فهي ملكي أنا وفي خدمتي، بل كل ما في هذه البلاد مملكتي وتحت رحمتي، متى كانت في خدمة الشعب في كل تاريخنا المزور. أم أنك لم تقرأ تاريخنا المجيد ؟.

القاضي : قلت تاريخنا المزور، من زور التاريخ، ألا تعلم ان التاريخ ملك للإنسانية جمعاء ؟.
المتهم : نحن الحكام العرب من زور التاريخ، وحتى المقدسات والنصوص الدينية تلاعبنا بها، ونحن من فرق الأمة الإسلامية إلى ملل ونحل، ونحن من أنشأ الصراعات المذهبية والطائفية، ونحن من شعل نار الفتنة بين المسلمين خاصة الشيعة والسنة، ونحن من أنشأ الإرهاب والفكر المتطرف، ونحن من أدخل الإستعمار الأجنبي إلى بلاد المسلمين، ونحن سبب كل المحن والألام في هذا العالم، أما شعوبنا فما هي إلا شعوب مغرر بها وما هي إلا شعوب غبية .

القاضي : أشرح كيف زورتم التاريخ ؟ ألا تعلم أن هذه جريمة في حق الأجيال ؟.
المتهم : سيدي أنظر إلى واقعنا اليوم، من تكميم لأفواه العلماء وأئمة المساجد والصحافيين، ولا أقول لك المعارضين من أصحاب المذاهب السياسية المخالفة للحكم وسدنته وزبانيته، فكم كان من المعارضين للحكم الملكي الشمولي المستبد الفاسد أنذاك، ممن لم لم نسمع عنهم وأبيدوا، أو حوصروا وأتهموا بالزندقة والأشعرية والرافضة والدجلة وغير ذلك من الأسماء، وشهر بهم أمام العامة، وكذب عليهم فسجنوا وقتلوا أو نفوا من الأرض فماتوا في الصحارى والأودية مثل أبو ذر الغفاري وغيره، ومالك ابن أنس وأبو حنيفة النعمان وأحمد ابن حنبل والشيخ النسائي والإمام الحسين ( شهيد كربلاء) وكل آل بيت رسول الله
ومن ناصرهم من الشيعة وغيرهم، وحتى علماء الطبيعة والطب والفلسفة لم يسلموا، فأتهموا بالزندقة والفسوق والكفر ومعاداة الدين، مثل إبن سيناء
والفرابي وإبن رشد، إن أصحاب الكلمة الحرة وقول الحق لا يمكنهم العيش بسلام في مجتمع العبيد والجرذان والرعيان ( قانون الغابة). فمعظم من كتب في التاريخ والسير إن كانوا من الموالين لأنظمة الحكم إنتشرت كتبهم وفرضت على الأمة، أما أولئك المغضوب عليهم فلا ذكر لهم ولا أثار لذكرهم ومنعت كتبهم من التداول بفعل المقص والترغيب والترهيب بل منها من أحرق ومنع. فإذا كان رجال الدين إشتراهم السلطان فما بالك بالكتاب والشعراء والأدباء، فهل يمكن في ليبيا القذافي أو عراق صدام أو سعودية خادم الحرمين أن تسمع صوت للمعارضة أو أن تقول كلمة حق.
ولذلك حرمنا البحث في التاريخ وتبيان الحقائق وقول كلمة الحق بفتاوى علمائنا الاجلاء بدعوى ( السكوت عما حدث).( الخوف من الفتنة) .لأن في تاريخنا فضائح وجرائم ارتكبت بسم الإسلام والمقدسات ويجب إقبارها ودفنها بكل الوسائل، وحتى لا يكتشف أمرنا وتضحك علينا الأجيال القادمة، فلم ندع من كتب التاريخ إلا ما يمدحنا ويمجدنا وهذا بفضل علمائنا الذين كانوا شركائنا في الجريمة بصمتهم علينا وأخذهم لرشاوينا. وأعطيك مثلا سيدي القاضي فكل ما جرى بين الصحابة و ما بعدهم في تلك المرحلة التاريخية من حياة الأمة لا نريد الإطلاع عليه، وحتى ثورتنا التحريرية ضد الإستعمار هل ترانا كتبنا تاريخها ؟ فخفيانا لا يعلمها إلا الله، فكم من حاكم جعلنا منه مجاهد كان من الحركى والخونة ومن من مجاهد حقيقي لما كان لسياستنا من المخالفين جعلنا منه بوسائلنا الخاصة، جعلنا منه لا شيء بل من الخونة والعملاء للعدو هذا في تاريخنا الحديث فما بالك في التاريخ القديم، حين لم تكن لا حرية إعلام ولا تحقيق ولا أنترنت ولا فضائيات، ولهذا فنحن نملك من الدهاء والخبث الكثير خاصة في سياسة المقص والتزوير وطمس الحقائق بل قلبها وتشويهها، وأخوف ما نخافه اليوم هو هذا الإنتشار لوسائل الإتصال والإلام من أنترنت وفضائيات لا نستطيع السيطرة عليها ومراقبتها، إستطعنا حجب الشمس عن الأرض لكن أشعتها اليوم أحرقتنا وتحرقنا كل يوم.

القاضي : لمذا تمارسون الوصاية على شعوبكم، هل تعتقدون أن هذا الشعب قاصر لا يعرف ما يصلح له كالمعتوه أو صبي غير مكتمل العقل والبلوغ ؟.
نعم سيدي هو كذلك، سبق وأن قلت لك هذه الشعوب لا تفقه إلا لغة واحدة، وهي لغة السوط والضرب، وتفهم إلا وسيلة التلقين لا النقاش، فنحن الحكام بأمر من الله على هاته الشعوب، فديننا دينها ومذهبنا مذهبها وفهمنا فهمها، ولذلك سيدي القاضي منعنا من دخول ترابنا الوطني كل كتاب أو إصدار علمي أو إنساني يخالف مذهبنا وسياستنا، ونحن متحكمون في ذلك، فلن تجد كتب الديانات الأخرى في وطننا ولا كتب المذاهب الإسلامية الأخرى المخالفة، ولن تجد الكتب الراسمالية عندما كنا إشتراكيين، ولن تجد اليوم الكتب الإشتراكية والشيوعية عندما أصبحنا رأسماليين، وبهذا جعلنا من هاته الشعوب كالدومى في أيدينا، نلعب في رؤوسهم وقلوبهم كما نشاء، فنحن لا نسمح لمواطنينا بالحرية والإختيار بين السياسات والديانات والمذاهب وغير ذلك، فنحن نخالف الكفار في هذا، فإن هم سمحوا بالحرية و عملوا بالمساواة والعدالة خالفنهاهم في ذلك، فإن سمحوا ببناء المساجد عندهم لمواطنيهم أو السياح فلن نبني نحن الكنائي ودور العبادة لديانات مخالفة في بلداننا، فنحن لا نؤمن بالتسامح والحوار بين الديانات والمذاهب بل نؤمن بالصدام والحروب والإقتتال بين بني الإنسان، وهذه سنة الأولين من حكامنا وسلفنا الصالح، كما يقول علمائنا الأشاوس، فحتى نحن لا نؤمن إلا بالسوط والإكراه لا نفهم إلا هذه اللغة لذلك استعمرنا قرونا وسنينا طويلا، ونحن كالنار إن لم تجد ما تأكل أكلت بعضها. لذلك لسنا أهلا لحكم العالم، والحمد لله أننا لا نملك أسلحة غير تقليدية نووية وغيرها وإلا دمرنا العالم في دقيقة من حالة غضب أو عاطفة حب.

القاضي : لكن هذا تشويه لصورة الإسلام الصافية النقية التي وسختموها بجرائمكم وأعمالكم المشينة، وهذا جرم آخر في حق الأجيال التي إختلطت عليها الأمور فحكمت على الإسلام بجرائمكم. في الوقت الذي كان عليها أن تحكم عليكم بالإسلام وتقودكم إلى المحاكم والمشنقة ؟.
المتهم : صحيح أننا دنسنا المقدسات بجرائمنا، ونحن لم نحكم يوما بالإسلام بل كنا نحكم هذه الشعوب بهوانا وشهواتنا ونزواتنا وأعطينا كل ذلك السبغة الدينية والإسلامية حتى نوهم غيرنا وأتباعنا خاصة ( القطيع) لكن نحن كنا متأكدين أنه ليس هذا هو الإسلام الذي جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم و طبقه الخلفاء الراشدون من بعده. إني أعترف أننا قمنا بإستغلال الدين شر إستغلال وصيرناه خادما لنا ولسنا نحن خداما له، فالحقيقة لم نكن نؤمن بيوم يأتي فيه الحساب وتقام محكمة عادلة بعد الموت، وإن كنا ننسى حتى أننا نموت أحيانا، الحقيقة سيدي أن شهوة الكرسي والجاه والمال تعمي وتصمي.

القاضي : كيف تلاعبتم بالمقدسات والنصوص الدينية، وهل وصلت بكم السفاهة والغي حتى التلاعب بالنصوص ؟.
المتهم : نعم سيدي، أنظر إلى ما تجده في كتبنا ( الصفراء) من تقديس للحكام وللعلماء والمشايخ أكثر من تقديسهم للمباديء والقيم التي أتت بها النصوص الدينية، وما تجده من التناقض بين النصوص ( عدا القرآن الكريم والحديث الصحيح ) لقول الله تعالى : ( إن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فكم من الأحاديث المكذوبة والإسرائليات وكل المرويات عن سلف الأمة، فكل ما يقدس الحاكم والعالم بلغناه للشعب عن طريق الإعلام وأئمة المساجد والدعاية، أما تناقضاتنا وإخفاقاتنا وعوراتنا فإن كتبت من طرف المعارضين لنا فهي غير معروفة ولا تنشر للعامة، ولولا الأنترنت والفضائيات وبعض الباحثين عن الحقيقة المشاغبين لما ظهر شيء منها، لقد كشفنا الغرب الكافر بهذه التكنولوجيا الحديثة والمتطورة وللأسف الشديد، غازانا من الفضاء وكشف عيوبنا لا سمحه الله، فهاهم بعض أبنائنا اليوم يسبوننا ويلعنوننا ويعصوننا بل وينقلبون عنا ليس بوسائلنا القديمة ( الإنقلاب العسكري الدموي) بل علميا وسلميا، وهاهم يسقطوا بعض رفقاء الدرب من أمثال صدام والقذافي ومبارك وبن علي وصالح وغيرهم، كل ذلك بفعل التكنولوجيا والعلم، وها نحن أصبحنا في خطر ونخشى من أمعائنا، وها هو يظهر الدكتور عدنان ابراهيم في النمسا يسفه أحلامنا ويسب آلهتنا ويعير أبائنا، وها هي تظهر علينا بعض القنوات الفضائية تظهر عيوبنا وعوراتنا منها قناة أهل البيت الشيعية وقناة الحياة المسيحية، تنقدنا نقدا علميا مما كتبه علمائنا وأسلافنا وما وقعوا فيه من التناقض وللأسف، وهاهم أبنائنا وشبابنا يعتنق هذا المذهب وتلك الديانة بعد ما تأكد مما في تلك الكتب الصفراء من تناقض، فنحن لم نكن نعلم أنه يأتي يوم تطلع فيه الشمس ويجلو النهار. لكن الحمد لله أن كتاب الله لم نستطع تحريفه حسب شهواتنا رغم تفسيرنا له حسب ما نريد من مشايخنا وعلمائنا الأجلاء.

القاضي : لبد من تصحيح التاريخ والتصالح مع الماضي، وتبيان الصدق من الكذب والخطء من الصواب، وأن نقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسئت، وأخذ العبر من التاريخ حتى لا تتكرر الأخطاء ويلتئم شمل الأمة الإسلامية من جديد.
القاضي : كيف فرقتم الأمة إلى ملل ونحل متطاحنة متحاربة وكيف زرعتم الفتنة
والحروب بين هذه الأحزاب والمذاهب القديمة والحديثة ؟.
المتهم : إن أي حكم ظالم ومستبد لكي يدوم لبد من ضرب فيئات المجتمع بعضها ببعض وتأليب هذا على ذاك، وزرع الفتن بينهم والشقاق بين أفراده، لأن في وحدتهم خطر على حكمنا وإستمرار ملكنا ( فرق تسود) فنحن إن لم نجد عدوا خارجيا نخلق عدوا داخليا يتلهى فيه الشعب المسكين، مثل شماعة الإرهاب، ونحن من طبعنا نحب الصراعات والحروب والدماء، نحب العيش في المستنقعات والظلام الدامس ونكره وسائل الإعلام وحقوق الإنسان والغرب الكافر، لأننا نريد أن نعيش في سلام ( بمفهومنا ). وكل هذا تعلمناه من القرآن الكريم عندما ذكر لنا في أكثر من آية وأكثر من سورة قصة سيدنا فرعون (عليه سلامنا) فاقتدينا به وتعلمنا منه كيف يتعامل السياسي المحنك مع شعبه، فلو قرأت قصة فرعون وعملت مقارنة علمية جادة ستجد أعمالنا وأفعالنا أكثر منه بقليل، فنحن أذكى وأدهى وأخبث منه، والخطر كل الخطر عندما نعتنق نحن مذهب ما، فالويل كل الويل لأصحاب المذاهب الأخرى ( حادثة خلق القرآن والإمام أحمد ابن حنبل). وإلا لماذا إعتقد الشيعة ( حزب معارض ) في التقية ومارسوها عبر العصور، ففي عهد هواري بومدين يمنع على كل أمازيغي التحدث بلغته في الشارع مثلا، لأننا نعتقد أننا فوق القانون والمقدسات دائما، بل نحن المقدسون والمجد لنا، فنحن لا ننطق عن الهوى وأفعالنا كلها مبررة بالدين وكل المقدسات، ولذلك كنا نسمي أنفسنا بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين رغم أننا كنا ملوكا وديكتاتوريين بكل معنى الكلمة، لكن ولله الحمد لم تكن أنذاك منظمات حقوق الإنسان ولا منظمة العدل الدولية (لاهاي).

القاضي : لقد أفلتم من محكمة (لاهاي) ولكن لن تفلتوا من محكمة العدل الإلاهي ( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه القلوب والأبصار)،( وهو خير الحاكمين)،(إن الله حرم الظلم على نفسه، وجعله بينكم محرما، فلا تظالموا وكونوا عباد الله إخوانا)،( يوم يعض الظالم على يديه ويقول الكافر ياليتني كنت ترابا )،( إن الظلم ظلمات يوم القيامة).
إن محكمة العدل الإلاهي لا يظلم عندها أحد، وهي التي تقتص للمظلوم من الظالم، وعندها ستحاكمون على جرائمكم ضد الإسلام الذي شوهتموه وأبعدتم الناس عنه، كما تحاسبون عما قتلتم وسرقتم وسلبتم وأهنتم لهذه الأمة وجعلتموها في مؤخرة الأمم والشعوب.

الدفاع : سيدي القاضي، إن المسؤولية مشتركة بين الحاكم والمحكوم، فأين إرادة الشعب، فلا يمكن لشعب حي محب للحرية والمساواة والعدالة أن يرضى بحكم كهذا ، فالشعوب لم تطالب بحقوقها بل لم تعرف حتى حقوقها الدستورية
والشرعية في محاسبة الحكام وتغييرهم إن هم طغوا وتجاوزا الحدود .
لذلك أقترح ما يلي :
1- محاكمة العلماء ورجال الدين الذين كانوا هم السبب في تنويم الشعوب وتخديرها وإعطاء القداسة والشرعية للحكام الظلمة.
2- محاكمة رجال الإعلام والصحافة الذين مارسوا التنويم والتشويه ( الشيتة )
ولم يكشفوا عيوب هذه الأنظمة المستبدة .
3- محاكمة المعارضة التي كانت إما تمارس الإرهاب والقتل
وبالتالي تعطي للأنظمة الإستبدادية الشرعية في قهر وإبادة المعارضة،
4- محاكمة المعارضة المدجنة (طيوان) التي تعطي الشرعية للنظام بمشاركتها معه وله وبالتالي تمارس النفاق من أجل الإسترزاق.
5- محاكمة الشعراء والأدباء والكتاب والفنانين الذين لم يمارسوا ألا (المدح) وتضليل الرأي العام الوطني والدولي .
6- محاكمة الشعب الذي كان يمارس سياسة (التقية)( النعامة المسكينة) وسياسة النفاق مع الحكام ورضي بالذل والقهر والجوع والجهل، فهو الشاهد على كل الجرائم وهو رحى المعركة، فهو لم يحرك ساكنا ( إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر ).

فلا يمكن أبدا أن يكون الحاكم وحده مسؤول عن كل هذه الجرائم لوحده، بل المسؤولية الكبرى تقع على الشعب بكل أصنافه، فشعب متشبع بالحرية والكرامة الأدمية لا يقبل هذا النمط من الحكم أو الحكام، فالشعب الحر لا يقبل الظلم أو الضيم لأنه شعب عنده مناعة فلا يقبل بالطغاة والإستبدادين أن يحكموه، زيادة على ذلك فهاؤلاء الحكام لم يأتونا من القمر بل الشعب من رباهم وغرس فيهم حب الإستبداد والظلم والحقرة منذ نعومة أظافرهم، فأنظر ماذا تخرج لنا عوائلنا
ومدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا ووسائل إعلامنا من نتاج نكد، لذا أرى عدم التسرع في إصدار الحكم على المتهم، نظرا للتراكمات والملابسات المحيطة بالجريمة، فلبد أن نبحث في أسباب الجريمة حتى لا تتكرر وأن نأخد العبرة للمستقبل وأن نربي الأجيال القادمة على حقوق الإنسان وكرامته وعلى حب الحوار والنقاش بدل التلقين والإكراه، وأن نكرهها في الجرائم ونحبب لها السلم والسلام والمحبة والتعاون والتكامل بدل التطاحن والإقتتال، وبهذا نكون وضعنا أسسا جديدة للحكم وبناء مستقبل زاهر للأجيال.
فما يفيد الأجيال القادمة ليس الحكم على المتهم المجرم بالسجن مدى الحياة أو القتل شنقا وإنما أن لا تتكرر مثل هاته المخلوقات الممسوخة والمشوهة في حياة البشرية مستقبلا، وذلك بقتل فيروساتها من الظهور ومسبباتها، فالأهم سيدي القاضي في نظري هو عملية تلقيح للأجيال ضد الفساد والإستبداد والإستعباد أكثر من معاقبة الجاني وفي انتظار المحكمة الإلاهية التي لا يظلم عندها أحدا.
القاضي : رفعت الجلسة للمداولة، حتى ينهض الشعب ويحكم نفسه بنفسه.
هكذا انتهت هذه المحاكمة (الحوار) بلا قرار.
فما كتبت بعد أن تخليت وتأملت في هذا الحوار الذي دار بين القاضي والحاكم العربي المسلم أمام المحكمة وبحضور المجتمع والدفاع، كنت أهدف من وراء ذلك إلى ما ذكره دفاع المتهم من حجج وبراهين دامغة في عدالة القضية وتشابكها في آن واحد.
وما أريده من القاريء الكريم لهذه المحاكمة أن يعمل عقله ويتأمل فيما نحن فيه من المصائب اليوم، كل ذلك في نظري بسبب الجمود الذي نحن فيهن والحل يتمثل في قوله تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم، حتى يغيروا ما بأنفسهم )
صدق الله العلي العظيم والسلام على من اتبع الهدى واهتدى.



#محمد_الشريف_قاسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل للجن أزمة سكن ؟
- القرآن يحارب الرقاة بائعي الأوهام والخرافات
- ارتباط الديكتاتورية بالمقدس
- من مظاهر تخلفنا
- تهادوا تحابوا


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد الشريف قاسي - محاكمة ديكتاتور مستبد