أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد مشكور - القرية المفضوحة














المزيد.....

القرية المفضوحة


محمد مشكور

الحوار المتمدن-العدد: 4660 - 2014 / 12 / 12 - 20:47
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مرت سنوات كثيرة على عبارة مارشال مكلوهان "قرية كونية"، والتي قالها في أحد كتبه، كان العالم حينها قد بدأ بالانفجار، وكانت وسائل الاتصال والإعلام تتكاثر وتتزايد، والمعلومات تتناقل وتتداول، وقد بدا أن عبارته قد دشنت لعصر جديد، العولمة، حيث الجميع منفتح على الجميع، اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.
لكن، وبعد مرور كل هذه السنين، لم تصل العبارة، إلى ما كانت ترمي إليه، إذ يبدو الامر اليوم، مختلفاً كلياً: لم تفلح الثورة المعلوماتية في نشر الألفة والمحبة بين الشعوب، ولم تنجح التجارة العابرة للحدود في تقريبها، ولم تنفع السياسة في حل أزماتها وصراعاتها والمشاكل المحيطة بها، بل زادت طينها بلة!، ولنتفحص أحد الجوانب:
كيف نتواصل اليوم، كأفراد وشعوب؟
إن الثورة المعلوماتية لا تعني بالضرورة إضفاء جودة على تواصلنا وشكل حواراتنا، بل قد تعني العكس، وهو ما يمكن أن نشعر به على أرض الواقع. لقد فجر "انفجار المعلومات" تواصلنا، فأصبحنا أكثر عزلة عن ذي قبل، وأكثر انطوائية وتقوقع!، ذلك أن المعلومات لا تساعد على التواصل، بقدر ما تخبر، إن وظيفتها الإخبارية تطغى على الجانب التواصلي.
أن نعرف المعلومة لا يعني أن نتواصل!، فالتواصل شيء، والأخبار والمعلومات شيء آخر تماماً، "وبكلمة، فإن الإعلام معني بالرسالة، أما التواصل فمعني بالعلاقة" كما يقول "دومينيك وولتون".
كيف إذاً نتواصل؟: في الوقت الحالي، نحن نتواصل عبر الهاتف، والفيسبوك، والتويتر، والفايبر، والتانكو، أكثر مما نتواصل بشكل مباشر وملموس، لكن ومع كل هذا التواصل الفائق، نتواصل مع ما نراه مناسباً لنا من أشخاص_ معلومات، أكثر مما نتواصل مع من _وما_ يختلف عنا!، بذا، فإن الانتقائية التي أتاحتها لنا ثورة المعلومات والاتصالات، زادت من تطرفنا، واعتدادنا بأنفسنا كمجموعات بشرية.
إن المعلومات الكثيرة، مع وسائل الاتصال العابرة للحدود والثقافات واللغات، لم تنجح في اجتراح نموذج تواصلي جديد، بقدر ما عززت نموذجاً تواصلياً موجوداً مسبقاً: "التطرف".
عن كل ذلك يقول وولتون: "إن الحذر من الغيرية، والاحتماء خلف نزعة الانتماء إلى جماعة (دينية أو طائفية أو عرقية أو اتنية أو ثقافية...إلخ) يتماشى مع تعميم أنظمة الإعلام والمعلومات. لأن التواصل مع الذين يشابهونكم في أقاصي الدنيا لا يساعد بالطبع على التعايش مع الغرباء، والمهاجرين، أو بكل بساطة مع الآخر الموجود في الطابق الأرضي من المبنى".
إن وولتون أوضح الكثير بخصوص التواصل والإعلام والقرية الكونية المزعومة، في كتابه "الإعلام ليس تواصلاً"، ، نراه يقول: "والقرية الكونية حقيقة تقنية غير أنها ليست اجتماعية ولا ثقافية ولا سياسية".
هكذا، نجد أنفسنا نتواصل مع من يشبهنا، نعجب بما يكتبه في الفيسبوك مثلاً، ونسجل له الإعجاب، ونراسله، في الوقت الذي نحظر فيه، من قائمة أصدقائنا، كل من يختلف عنا، أو مع من يجادلنا، نجتث حضوره الافتراضي، نقصيه، نلغيه، نمحوه، ننفيه، نرمي بجثته في "العدم" الافتراضي، حيث لا صوت له ولا أثر.
في الواقع الملموس، يمكن للاختلاف أن يؤسس لصداقة طويلة الأمد _إذا ما تدبرنا أمره_، ويمكن للجدال أن يطلق حواراً جيداً، تثار فيه التساؤلات، وتقرّب فيه وجهات النظر، أو على أقل تقدير، لا يمكنّا الواقع الملموس من إلغاء الآخر وحجب وحظر حقه في التواجد.
إنها "عزلة الفيديو" أو "الشاشة" كما أشار إليها بعض الكتاب، حيث مواقع التواصل الاجتماعي، تنهش وقتنا وتضر تواصلنا، تعزلنا عن الطبيعة والعالم، لتحبسنا في زنزانة الشاشة.
من هذا كله، يمكن لنا نحت مصطلح "القرية المفضوحة" على ما كان يعرف ب"القرية الكونية"، القرية المفضوحة حيث المعلومات تنتشر فتفضحنا على بعضنا، ولا تساهم في لأم تواصلنا المشروخ!، تكشف وتنقل أخبارنا وأحداثنا، ولا تستكشف مواطن الخلل في أسس تطرفنا وانزوائنا، بل تزيدها وتغذيها وتعززها، هي فضحت لا مبالاة الإنسان تجاه نظيره، والمختلف عنه، واهتمامه بمن يشبهه ويتوافق معه.
الخلاصة:
لقد أصبحنا أكثر قرباً، نعم، لكن لم نصبح أكثر تقارباً، بل أكثر تطرفاً، وعنفاً، وعدواناً، أو قل أكثر إقصاءً وتهميشا وإبعاداً، لقد صار قربنا في القرية _المفضوحة بالمعلومات_ قريباً من الشاشة، العزلة، الانطواء، الانزواء، التطرف، والاكتئاب، وبعيداً عن الواقع، العالم، الطبيعة، والانشراح، بعيداً عن التواصل بمعناه الواقعي، حيث الآخر المختلف؛ عماده وبنيته، فضلاً عن الآخر الذي يشبهنا.
لقد فضحتنا القرية، وكان علينا أن نتدارك فضيحتنا، فنعمد على إنشاء لغة تواصلية جديدة، تفسح المجال للمختلف وتعترف به، تحترم وجوده وتقر بحقوقه، لقد كان علينا استخدام المعلومات لصالح اجتماعنا، حيث نتأمل ذواتنا وصورنا عبرها، نغير ونتغير، نؤثر ونتأثر، نتواصل، وألا ندع العوالم الافتراضية تمسخنا وتشوهنا، فتعزلنا عن التجارب والمواقف التي قد نتشاركها مع شخص ما، أو حدث ما، الأمر الذي لا يمكن لأي موقع تواصل اجتماعي أن يوفره.
كان علينا استخدام الحد الآخر من السيف، لقطع التطرف، بدلاً من الحد الذي استخدمناه لقطع تقاربنا وتحاببنا" وتآلفنا وتفاهمنا.
لكن الفرصة ما زالت سانحة، مادام السيف هو نفسه!.
المصادر: دومينيك وولتون، الإعلام ليس تواصلاً، دار الفارابي، الطبعة الأولى 2012، ص13_30_64.



#محمد_مشكور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إعلام أحمق وأبله


المزيد.....




- في دبي.. مصور يوثق القمر في -رقصة- ساحرة مع برج خليفة
- شاهد لحظة اصطدام تقلب سيارة عند تقاطع طرق مزدحم.. واندفاع سا ...
- السنغال: ماكي سال يستقبل باسيرو ديوماي فاي الفائز بالانتخابا ...
- -لأنها بلد علي بن أبي طالب-.. مقتدى الصدر يثير تفاعلا بإطلاق ...
- 4 أشخاص يلقون حتفهم على سواحل إسبانيا بسبب سوء الأحوال الجوي ...
- حزب الله يطلق صواريخ ثقيلة على شمال إسرائيل بعد اليوم الأكثر ...
- منصور : -مجلس الأمن ليس مقهى أبو العبد- (فيديو)
- الطيران الاستراتيجي الروسي يثير حفيظة قوات -الناتو- في بولند ...
- صحيفة -كوريا هيرالد- تعتذر عن نشرها رسما كاريكاتوريا عن هجوم ...
- برلمان القرم يذكّر ماكرون بمصير جنود نابليون خلال حرب القرم ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد مشكور - القرية المفضوحة