عبدالواحد أبجطيط
الحوار المتمدن-العدد: 4658 - 2014 / 12 / 10 - 21:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الجماعات الإسلامية، والتيارات التي تتخذ الإسلام مرجعية أساسية في الحكم والسياسة، وعن مدى تمثيلها للإسلام وللوحي الإلهي. وبات السؤال مطروحاً بإلحاح في الساحة الإعلامية بطريقة فريدة من نوعها لم يَسبق لها مثيل في التاريخ البشري. وهو سؤال - على كل حال- مشروع؛ ففي خضم هذا العرمرم من الجماعات والفرق والتيارات المحسوبة عن الإسلام، والتي تتناحر فيما بينها، يظل المواطن العربي المسلم على وجه الخصوص حائراً؛ فأي تيار يُمثل الإسلام الصحيح، ويُترجم الوحي الإلهي إلى واقع عملي؛ على غرار ما عرفه عصر الخلافة الراشدة؟ ولماذا لا يكون الاختلاف بين هذه الجماعات اختلاف تكامل لا اختلاف تضاد ما دام أن كل واحدة تُعنى بجانب معين، وتجعله في سُلم الأولويات حتى ولو أدى الأمر إلى نبذ قضايا الأمة وهمومها وراء ظهر اللاحقين من الأتباع والانشغال بجزئيات تعتبر من فروع الدين..؟ على الأقل لماذا لا توجد هناك مساحات للحوار والائتلاف على غرار ما كان عليه الأمر بين أصحاب المذاهب الفقهية الكبرى؟...
ولا بد أن أنبه في البداية إلى أن كثيراً ممن يتناولون اليوم هذا الموضوع في المقالات والحوارات التلفزية لا يفعلون ذلك بحسن نية وأغلبهم ممن ترَبى على موائد الغرب، ويحمل معه حمولة معرفية تجني على الإسلام والمسلمين، ولو فكر هؤلاء قليلاً في الأمر لبدا لهم سيئات ما يحملون من أفكار، هي أفكار قديمة لكن يتم إعادة صياغتها في كل مرة لتنسجم مع الواقع المعيش. لهذا ترى كثيراً منهم اليوم يفتشون عن بعض التصرفات الشاذة لأشخاص محسوبين على الإسلام ويستعيرونها كتُهم يتم بها رشق من يُنعتون بـ "الإسلاميين" في وطننا العربي لتضليل الرأي العام، والقول بأن التيارات الإسلامية كلها سواء من لم يمارس عنفه فقد نوى. ثم يستنبطوا من ذلك كله بأن "الإسلاميين" لا يصلحون للحكم ومشروعهم هذا فاشل وشريعتهم لا تصلح لكل زمان ومكان كما ينادي بذلك أنصار المشروع الإسلامي. وهذا الذي جعل الدكتور يوسف القرضاوي - وهو الذي تربى في حضن الإخوان- يؤلف كتابه "الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه" ويدحض حُجج العلمانيين التي نادوا بها في مناظرة تحت هذا العنوان، وكان محامي العلمانية يومئذ الدكتور فؤاد زكريا.
وهذا الأمر يذكرني بما قاله الأوائل من خصوم الإسلام: (لوْلاَ نُزّلَ هذا القرآنُ على رجلٍ من القريتين عَظيم) وفي موضع آخر حكى القرآن قولهم (لوْلا نُزل هذا القرآنُ جُملة واحِدة) فالآية الأولى: يعيبون فيها نزول القرآن على شخص يتيم فقير لا مال يكسبه ولا جاه يملكه. والثانية: يعيبون فيها نزوله مُنَجماً ومفَرقاً، مع أنهم لم يؤمنوا بعد ولم يُصدقوا بالوحي ويقولون (مَا أنزلَ اللهُ علَى بشرٍ مِن شيءٍ) وقد صدر منهم هذا الكلام بعد أن عجزوا عن محاربة القرآن ومعارضته والبحث عن مواطن النقص والخلل فيه.
وخصوم الإسلام اليوم على اختلافهم يتساءلون من يُمثل الإسلام؟ وهم لم يعترفوا يوماً بالإسلام ولا بأحكامه التي تتعارض مع مصالحهم.
إن الجماعات الإسلامية على كثرتها لا يمكن أن تمثل الإسلام وتجعل من نفسها صورة طبق الأصل رغم مجهودات أفرادها، لا في المجال الأخلاقي ولا في المجال السياسي إذَا هي وصلت إلى الحكم. والإسلاميون أنفسهم يصرحون بأنهم لا يمثلون الإسلام بل غاية ما في الأمر أنهم يقدمون مشروعاً يعتمد على الإسلام وينطلق منه كمرجعية، وهم بشر يصيبون ويخطؤن لا عصمة لهم ولا قداسة. أما الذين شعارهم "كن معي أو كن ضدي" الذين وجدوا هواهم في حديث "الفرقة الناجية" فهم لا يبيحون لأنفسهم المشاركة في الا نتخابات ابتداء.
وقد استخدمت بعض هذه التيارات ولا سيما المتشددة منها كمعول هدم في الأمة، وتم رصد تصرفات أفرادها واستعارة مصطلحاتها وإسقاطها على الجماعات الأخرى الموجودة في السياسة وتعميم الحكم عليها لغرض سياسي. بل يتم تشويه الإسلام نفسه والقول بأن الإسلام يأمر بالعنق ويحرض على سفك الدماء بدليل هذه النصوص التي تأمر بالجهاد والقتل... وهي نصوص قرآنية نعم لكنه تم اقتطافها من سياقات خاصة على طريقة "وليل للمصلين" وطريقة "لا تقربوا الصلاة". وأنا أقول دائماً بأن الذي لم يقرأ كتب علم الأصول ولا سيما التي ألفت على طريقة الفقهاء ولم يسمع عن أصول المذاهب لا يمكن له أن يفهم ما يجري اليوم؛ لذلك كان علماء الأصول يقولون بأن النص/الدليل لا يُعطى لغير المتخصص. وأنت ترى اليوم من يسرد آيات قرآنية وأحاديث نبوية لكنه لم يسمع يوماً بعلم يُسمى علم الأصول ولا بعلم الناسخ والمنسوخ ولا بعلم المصطلح.. لا يعرف التعارض اللفظي بين النصوص ولا العام والخاص ولا المطلق والمقيد... إنها حماقة ويالها من حماقة.
إن المتأمل اليوم في ما يجري في المشرق العربي وكيف يُقرأ، يلاحظ أن ذلك يُسيء كثيراً إلى ديننا الحنيف ويُسيء إلى أزيد من مليار ونصف المليار من البشر رغم أن كثيراً منهم في غفلة لاهون، والذي سيجني ثماره المرة على وجه الخصوص هم المسلمون في أرض المهجر؛ حيث سيجد المتعصبون الفوبيون متكأ لزعومهم، وسيجدونها وسيلة فعالة للطعن في الإسلام بدلاً من اللجوء إلى الرسومات المسيئة لمقدسات الإسلام التي جُربت فلم تجد شيئاً. وقد قلت في نفسي وأنا أتتبع أخبار مشرقنا العربي: شيطان أخرس هذا الذي اخترع لعبة "الدواعش" وروج لها في الفترة الحالية بالضبط (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد).
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟