اماني الزعيبي
الحوار المتمدن-العدد: 4656 - 2014 / 12 / 8 - 21:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
......................................................................................................................................................كانط والتنوير.................................................................................
قد يكون للفكر جنون هيرسموسي في لحظاته الكبرى ولكن ليس هجوما صاعقا على بوبات المسيحية في القرن الخامس عشر وإنما هجمة تعلن إصرارها على طرح اسئلتها في كل مرّة .وقد يكون له القدرة على رسم مساراته بطريقة تمكنه من فهم ماهو بصدد تناوله .لذلك يمكن القول ان الفكر خلاّق وله انبجاساته واندفاعاته .فقد شهد تمزقا قد تجسدّ في أقصى ممكناته بين الدين والعقل أساسا ,فقد عدّ الفكر في العصور الوسطى في تطابق مع الدين بمعنى فكر استسلامي غير قادر على ان يعي بذاته.ولعل هذا الأمر هو الذي جعل الاكتشافات العلمية في ما بعد تعتبر تهرطقا وكفرا فقد تمزق الفكر وتشتت أن ذاك اذ غدى مغيبا للعقل في اشتغالا ته الحرة حدّ عقيدة القديس اوغسطينوس المسيطرة على المسيحية منذ قرون عديدة وبعد ذلك الفكر التومائي لكن رغم مجهوداتهما ظل الفكر منتصرا رفقتهما للدين .وذلك ليس غريبا على قديسين ...ومن هنا يمكن الاقرار ان على الفكر ان لا يكون سكولائيا ولا أصوليا كي يتسنى لنا فهم ما سنخوض "غمار التجربة" معه.ذلك ان الموضوع الذي سيطرح يتعلق بالقطيعة التي ستخلص الفكر من محنطات الماضي واثقاله لكي ينطلق حرا في رحاب اشمل.....اذ حينما يتعلق الأمر بالتفكير الحر نكون ازاء القرن الثامن عشر وهو اول عصر في التاريخ يشعر بذاته وكيانيته ووحدته كما يشعر بأنه مكلف بتأدية رسالة مهمة للبشرية وذلك على حد عبارة الباحث البلجيكي البروفيسور رولان مورتييه .والحق ان الحاجة الى طرح جدي تبدو ملحة لذلك وجب التطرق في هذا البحث في سؤال يتعلق بالتنوير من المنظور الكانطي من خلال محاورة نصه او مقاله الاجابة على سؤال ما التنوير ؟
ولا يستقيم ذلك دون طرح اشكالي :فما التنوير ؟ولم التنوير؟وما عصر التنوير؟هل أن التنوير هو العقل كانطيا أم انه يشمله مع ابعاد ومقومات اخرى؟هل ان التنوير هو الخروج من حالة القصور والتبعية و الوصاية أم هو الحرية المطلقة ؟هل يفترض التنوير الحرية اساسا بماهي ضرب من التفكير الحرّ ام هناك ضوابط وحدود في معناها وكيفية استخداماتها؟وهل يعتبر كانط عصره عصرا نيّرا ام انه في طريقه الى الاستنارة ؟واذا ما سلمنا بهذا القول هل عد التنوير فيم بعد تهمة ؟ أن نفكر بالنسبة لدولوز هو ان نعلم جيدا ما المفهوم وانه لاوجود اطلاقا لمفهوم بسيط فكلّ له مكوّناته ويكون محددا بها فهو رقم وتعددية هذا ما اشار اليه في كتاب ما الفلسفة؟ وتحديدا في ما المفهوم؟وفي خظم هذا التعاطي مع النص الكانطي المتعلق بالاجابة على سؤال ما التنوير ؟وفي تناظر مع هذا القول التنوير هو المفهوم الاساسي للمقالة.يمكن الانطلاق بالتقسيم المنهجي لهذا العمل اذ سنتطرق في اول الامر الى الحدّ الكانطي للتنوير ثم المرور الى كيفية حصول هذا التنوير أو كيف يغدو الانسان نيّرا والعنصر الثالث سيتم التطرق الى علاقة التنوير بالحرية .. لاريب ان يصرّح كانط في أول مقالته في القول أن التنوير "خروج المرْ ء من حالة القصور التي هو مسؤول عنها "ذلك ان هوكهايمر وأدورنو يقرّان في جدل التنوير أنه"في معناه الاوسع فكر في التقدم"فكانط يعلن منذ الوهلة الأولى أن حالة القصور ترجع بالأساس الى الانسان في حدّ ذاته .فالقصور هو حالة من العجز عن استخدام الفكر ,عند الإنسان القاصرالذي هو مسؤول عن قصوره لأن العلة في ذلك ليست في غياب الفكر ,وانما في فقدان الشجاعة على ممارسته كبراكسيس.اذا ليس غريبا ان يتناول فيلسوف مثل كانط هذه الاشكالية فقد ارتبطت بحقبة معينة تتعلق بالقطع مع ما مضى بمعنى تأسيس فكر مغاير يمجدّ العقل ذلك أنه يمكن الحديث بمقتضى ذلك عن التجربة التنويرية في فرنسا مع فولتير وديدرو و الموسوعيون وكوندياك هافيثيوس ولاميتري وهولباخ وروسو والتنوير في امريكا صموئيل جونسون ,جون ثان ادواردز اضافة الى معاصري كانط في ألمانيا.ان التحاور مع مفهوم التنوير يقتضي الصرامة والدقة مع المصطلح الالماني اوفكلارونغ "ومن معانيها الاضاءة او تنامي الأنوار وكذلك البيان والإيضاح ولا يخفي علينا مدى حضور العقل في المصطلحين الاخيرين "فالتنوير هو حركة وديناميّة تمكن الانسان من التخلص من حال القصور الى حالة الرشد حسب كانط وبما أن "الفيلسوف صديق المفهوم ,انه بالقوة مفهوم..... "والجرأة على استخدام الفكر ...وعلى هذا الأساس يمكن القول أن التنوير اهتزاز كل اركان المعرفة التقليدية ولعل ذلك ما جعل دالمبير احد فلاسفة التنوير وهو ايضا صديق ديدرو وفولتير يقر ان هناك منعطف تاريخي قد حصر في وسط كل قرن من القرون الماضية..ففي منتصف القرن الخامس عشر ابتدأت الحركة الادبية الفكرية المدعوة بعصر النهضة .وتشكلت تلك الحركة الانسانية التي حاولت المصالحة بين التراث المسيحي من جهة والتراث اليوناني او الروماني الوثني والفلسفي من جهة اخرى .وفي منتصف القرن السادس عشر اندلعت حركة الاصطلاح الديني الشهير بقيادة مارتن لوثر في ألمانيا وفي منتصف القرن السابع عشر ظهرت الفلسفة الديكارتية التي تعتبر بداية الحداثة..ومن هذا المنطلق نلحظ أن هناك تغيرهائل وهناك انقلابات تحصل في كل مرة ولعل مصطلح التنوير قلب الموازين ذلك انه يمكن الحديث مع كانط عن شعار التنوير وهذا الذي أطلق "صرخة الحرب الأولى" في قوله في بداية المقالة "تجرأ على استخدام فهمك الخاص" " sapere aude.aie le courage de te servir de ton propre entement.voila la devise des lumiére " وبقول أخر على الانسان ان يعلن عصيانه ويتجرأ في كل مرّة على التفكير والفهم ...بعد هذه التوضيحات المتعلقة بالتنوير يمكن المرور مباشرة الى كيفيّة الخروج من حالة القصور أو التبعية .بمعنى كيفية الحصول على انسان نيّر كانطيا.يبدو ان التنوير حالة من الوعي والخروج من حالات اللاوعي اللامدركة لذلك نرى ان الجواب عن قولنا لم التنوير؟ يمكن الاقتصار على القول كانطيا "انظروا اني اكشف لكم عن الانسان الاخير ما الحب؟وما الابداع ؟وما الرغبة ؟ما النجوم ؟كذا يسأل الانسان الاخير وهو هدف التنوير ولعلّ ذلك ما جعل الفيلسوف يتساءل في مواضع عدّة بأسئلته الشهيرة :ماذا يمكنني أن أعرف ؟وماذا يجب علي أن أفعل ؟وماذا يحق لي أن أمل والسِؤال الجامع لكل هذا "ما هو الانسان ؟"بالامكان القول اذن أن مطمح كانط هو التنوير بمعنى محاولة الخلاص والانعتاق مع أنه ينبه في مقالته عن صعوبة الخلاص وذلك بقوله :
"Il est donc donc difficile a chaque homme pris individuellement de s’arracher a la l’état de tutelle devenu pour ainsi ---dir---e une nature."
بمعنى أنه من العسير الخروج من حالة التبعية التي أصبحت تقريبا بمثابة طبيعة له.ومن هنا نحيل مباشرة الى أن العقل هو الحل الوحيد الاستئصال هذا الورم ولعلّ هذه الصعوبة بمعنى استعماله وتفعيله في مسائل الدين وكذلك دونما حاجة الى الوصاية والاستغناء عن تبعينها لهذا الأخر الذي يعطل قدرة العقل على الفعل .هذا الاحتفاء الصارخ بالعقل هو ما يميّز عصر التنوير أساسا ,لذلك لا يمكن تجاوز هذا المفهوم بل وجب فهم أن مقوماته بالنسبة لكانط متأصلة في هذا الخروج من حالة الخمول والكسل.فالعقل الكسول والجبان هو الذي يفسر وجود عدد كبير من الناس في حالة الفصور ولعلّ هذا ما شرع لكانط في مقالته التفريق بين الاستعمال الخاص و الاستعمال العمومي من خلال قوله أن الجميع يصرخون بالقول :لا تفكّروا بل قوموا بالتمارين "موظف المالية,الضابط..."هي ذي أوجه تنويرية تناولها كانط في مقالته .فأن يفكّر الانسان يعني أن يبحث في داخل عقله الخاص عن الحقيقة .فالعقل التنويري هو طاقة فعّالة وهو كذلك حركة والتفلّسف الذي اعتبره نيتشه في "ما وراء الخير والشر "وتحديدا في "تباشير فلسفة للمستقبل "يعاند التلخيص إلى مضمون ميسّر يسهل تناقله"بمعنى تفلسف مطرقي يطرق ما يركن إليه العصر من أفكار و اعتقادات وأصنام وثنية :فقد اعتبره كانط قبله فعل عقلي يظهر أساسا في النقد الذي يقوّم الوعي الترنسندنتالي وهو كذلك أرقى وارحب فعل عقلي تنويري لأنه يوقف هذا العقل أمام محكمة العقل بمعنى ذاته ويخضع للنقد .فهذا العقل الماثل أمام ذاته مقوم على تفحصه قدراته .وقد شغل هذا السؤال هوركهايمر وادورنو في كتاب "جدل التنوير" ففي كتابيهما كان العقل حركة وهو كذلك متجدد من خلال النقد وبالتالي يغدو التفلسف طبقا لذلك في تجدد دائم اذ أنه يستمد مشروعيته من الوعي بوجود أزمة وتشخيصها ..بالامكان القول هنا في هذا موضع من فهم مقالة كانط ما التنوير؟ أن التنوير مثلما ذكرنا انفا ومثلما صرح كانط في بداية المقالة هو خروج من الوصاية وهواندفاع وتوق الى التحرر وفي هذا المقام يمكن المرور مباشرة الى تمفصل هام في المقالة :التنويرـالحرية .فمفهوم الحرية اتخذ موقعا رئيس في المقالة وفي مِؤلفات كانط الأخلاقية عموما..ذلك ان العلاقة بين التنوير والحرية واضحة اذا هي علاقة انشباك وتواصل وفعل .فالحرية اشتقاقا هي عبارة عن انعدام القسر الخارجي والانسان الحرّ هو من لم يكن عبدا أو اسيرا ومفهوم الحرية تتوقف كثيرا على الحدّ المقابل الذي تثيره في أذهننا هذه الكلمة .اذ قد نضع في مقابل كلمة الحرية كلمات عديدة مثل كلمة"الضرورة أو الحتمية أو كلمة القضاء والقدر أو كلمة الطبيعة " قد تثير الحرية اشكالات عدّة في الفكر الفلسفي ولكن كانطيا نرى أنها القيمة الاساسية التي بنى عليها فكر التنوير بمعنى حرية الاستعمال العمومي لعقلنا ويتجلى ذلك في قوله: « mais pour ces lumiéres il n’est rien requis d’autre que la liberté :et la inoffensive parmi tout ce qu’on nomme liberté ,a savoir celle de faire un usage public de sa raison sous tous les rapports. »
وبصيغة أخرى هذا التنوير لا يتطلب شيئا أخر غير الحرية بمعنى حرية الاستعمال العمومي للعقل في كل الميادين.ذلك أن الحرية ليست مطلقة فكانط في تمفصل مقالته"أي تقييد للحرية يعوق التنوير؟"ذلك أنه يدعو في حقيقة الأمر على الاستعمال العمومي الحرّ الذي يؤدي الى التنوير الناس .أما في ما يتعلق بالاستعمال الخصوصي فغالبا ما يجب تقييده بصرامة الا أن ّذلك لا يعوق تقدم الانوار وذلك وأن المقصود بالاستعمال العمومي هو "مايختص به شخص ما بوصفه رجل فكر"والاستعمال يراعي مصلحة الجماعة يضرب في ذلك أمثلة الموظف والقسيس...وعليه يمكن القول أن للحرية علاقة وثيقة بالاستقلال الذاتي . اجمالا يمكن القول ان عصركانط في طريقه الي الاستنارة بالنسبة له وان هذه المقالة هي تمفصل هام في الفكر التنويري ذلك انها كانت ولازالت محطّ جدل كبير فهي لا تخلو من التلميحات القابلة للتأويلات ومجال أوسع للفهم ذلك إننا نلحظ كما لو أنة يدعو في كل مرة الي "حق المقاومة"فقد حاول جاهدا جعل العقل في تأهب دائم لكل ما يهدده ولكن يظل الفكر في ضياعه المتهور في غياب النقد ذلك ان فكرة الذاتية الكانطية تعرضت لهجوم صاعق في ما يتعلق بمسألة الحداثة وخير مثال على هذه الهجمات هيغل ...ان مكاسب هذه المقالة عدة ولعل أهمها الحرية التي تتنزل اساسا في كل ماهو اخلاقي ولكن وجب المرور الى القول ان مالم يتطرق اليه كانط في هذه المقالة هو ان الواقع يحمل في ثناياه مفارقات عدة ذلك أن العقل استخدم كوسيلة للهيمنة التكنولوجة.ومن هنا يمكن القول ان التنوير يحمل في ثناياه تناقضاته ومفارقاتة حبلى بمخاطر تهدد الانسان في كل لحظة فقد استعمرت الشعوب واندلعت الحروب بسب التنوير وبحجة الدخول الى شعب ما ليستنير لكن العاقبة كانت الكليانية والاستبداد المجحف. إذن حينما يتعلق الأمر بفهم ومحاورة اثر فلسفي وجب الإصغاء إلى المفاهيم .فلا يمكن الفصل بين الفيلسوف ومفاهيمه لان العلاقة وطيدة رغم شراسة المفهوم ومكره ومن هذا المنطلق يشعر الفكر دائما انه في حضرة هذا العائد دائما على نحو مغاير فالتنوير قد تناوله العديد من الفلاسفة والمفكرين وكلّ بطريقته وزاوية نظره وخير برهان على ذلك تعدد الكتابات في هذا المجال الزاخر بأنماط تفكير تأتينا في فرق واضح بحجة كسر التوثين .
#اماني_الزعيبي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟