أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رشيد جناتي إدريسي - الإنسان المُبَرمَج : الجزء الأول














المزيد.....

الإنسان المُبَرمَج : الجزء الأول


رشيد جناتي إدريسي

الحوار المتمدن-العدد: 4650 - 2014 / 12 / 2 - 08:33
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا شك أن الإنجازات التي وصل إليها الإنسان في مجال البحث العلمي الإكتشافي ، تعد نقلة نوعية في تاريخ هذا الكائن ، بعدما ظل قرون عديدة يعيش في كنف الطبيعة كمأوى و مورد لحاجياته البيوليوجية المحضة ، إلى أن جاءت لحظة يقظته وو عيه بأن حضن الطبيعة سجن لقدراته و مؤهلاته اللامحدودة ، فحمل سلاح المعرفة و العلم كتأشيرتين للمرور إلى عالم الإبداع و الخلق المنفرد بهما ، و فعلا أنطلق في البحث عن ذاته الثقافية المبدعة المخترعة ، طامحا في الإرتقاء و النمو بحياته كفاصل عن الكائن الغريزي ، فحقق ما كان مستحيلا و انتصر على عجزه و عوزه مادام فكره أ مدد من أعضائه كما قال الفرنسي " بليز باسكال " Blaise Pascal ، و لعل أهم إنجاز ناله الإنسان هو اختراع التقنية الصناعية و الرقمية " La technologie industrielle et numérique " ، التي لاشك أنها عادت عليه بالنفع ، قبل أ ن يدرك بأنها أخطر عدو يهدد كينونته و يفقد رمزيته ، الأمر الذي جعله يفكر في كيفية التخلص من عبئها و العودة إلى مأواه الأصلي الذي فارقه رغما عنه ، ومنذ دخول الإنسان إلى عالم التقنية أصبح يتخبط في مجموعة من المشاكل النفسية و الأخلاقية و البيئية :
1- البعد النفســـــي : و يظهر من خلال الشعور النفسي المضطرب من جراء التناقضات الذهنية و السلوكية حيث التقنية سلبت ثقته بنفسه و دهورت ذاكرته و كرست فيه الإنطواء و العزلة و الأنانية ، و التلذذ بالإفتراضي ، ناهيك عن الزمن النفسي الذي يعيشه الفرد في ظل عصر شعاره سرعة الإنتاج و الإستهلاك معا ، اللذين فرضهما الإستعمال المفرط للتقنية ، و هذه أعطاب مركبة ، تستدعي التدخل العاجل من طرف المختصين السيكولوجيين .
2- البعد الأ خـــــلاقـــي : بعدما كان الإنسان حريص على خصائصه الماهوية الروحية الثابتة جاءت موجة التقنية لتجرده من كل ماهو معنوي روحي و تلبسه ثقافة أخلاقية مزيفة دمرت الخصوصي و الكوني امتدت إلى التطاول على تركيبته البيولوجية ( التخصيب الألي و الإستنساخ ) و أشرت على تشييئ الكائن البشري و إعداده للثورة على ذاته ووجوده .
3- البعد البيـــــــئي : و يأخد الريادة من الأضرار التي لحقته لأن التنبؤات الإيكولوجية تنذر بحدوث أزمة بيئية - خلل النظام البيئي - الذي سيدفع الإنسان ثمنها غاليا ما إن تمادى في استثارة الطبيعة ( بلغة هايدجر ) و التعسف عليها تقنيا ، و هو أيضا ما استأثر اهتمام الباحث النمساوي " إيفان إليتش " Ivan ILLich في كتابه De la convivialité قائلا , إن الازمة الكوكبية المعاصرة تجد جذ ورها في إخفاق المشروع الحديث ، أي تتجدر في مشروع إحلال الألة محل الإنسان ، فقد استحال هذا المشروع الضخم إلى عملية قاسية لاستبعاد المنتج و تسميم المستهلك " ص( 26-28 ) ، هكذا إذن يصح الحكم على الهيمنة العمياء للتكنولوجيا على موارد الطبيعة و حلتها العذراء .

ومن تداعيات التقنية أيضا و تتثمينا لما سبق ، نجد الإنسان لم يعد قادر على التمييز بين ماهو وهمي و ما هو واقعي و هذا التداخل انعكس على نمط تفكيره ، ومن تمة على نمط حياته فأصبح أسير رغباته المتناقضة المتأرجحة بين عالم الحتمية و عالم الحرية ،حيث ركب سفينة الحلم كأيسر طريق لتحقيق طموحاته يتلذذ به أكثر مما يستمتع بالواقع الملموس ، و من هنا سقط في هاوية الضياع و العدمية لأن طبيعته لا تسمح له بتجاوز ماهو أقوى من قدراته ، فعاد محاصرا بمجموعة من الإكراهات جعلته يتيه في التنميط و التكرار و الإستهلاك ، إستهلاك ماهو معرفي و غدائي و تكنولوجي أيضا . فاليوم لا أحد يكلف نفسه العناء التفكير في شيئ قبل إستهلاكه أو محاولة صنع إستقلالية في الرأي و القرار، و كأن هناك قوى ضاغطة برمجته ووجهته إلى وجهة غير معلومة.
هكذا أصبحنا نتكلم عن " إنســـــان مبرمــــــــج " ليست له إلا إرادة سلبية تفرض عليه الخضوع و الإستسلام عوض الإنتفاضة و التحدي و كل هذا ناتج عن بنية فكرية تحكم فيها أسلوب الربح و المردودية المادية أكثر من أسلوب الترقي الفكري أو الأخلاقي . و يكفينا أن نلامس ذلك من خلال الأنظمة التي أعلنت عن خطتها الليبرالية البراجماتية المتجسدة في الإنفراد بالقرارات السياسية و الإقتصادية التي جعلت العالم فضاء مصغر لإجراء التجارب ذات البعد الإحتكاري كالحروب و التدخل في قرار الشعوب بدعوى تنزيل مقتضيات البرنامج الحقوقي الكوني و الدفاع عن قضايا الإنسان كالفقر و الهشاشة في حين أن الخلفيات توحي بتمديد الصراع و فرض منطق التبعية و تحقيق الربح و هو التقاطع الحاصل بين مفمهوم التقنية و مفهوم العولمة بالتحديد الفكري لهما .
نعم نحن مع أنسنة الإنسان و جعله قيمة فكرية و اقتصادية لكن ليس على حساب إستقلاليته و حريته ، قد تكون حتمية التاريخ المشؤوم المتمثل في بروز النظام الأحادي الذي عمل على تذويب الفوارق و دمج الخصوصي بالكوني ضاربا عرض الحائط الإختلاف كأساس للإستمرارية .
رحم الله المفكر المغربي العظيم "محمد عابد الجابري " حينما تحدث في إحدى مقالاته بسلسلة مواقف العدد 54 ، " خطاب الوحدانية في عصرنا " حينما أشار إلى عملية " الإحتواء " التي ينهجها النظام العالمي الواحد منبها إلى خطورته الكونية وهو مانجد له حضور قبل ذلك للمفكر الإجتماعي الأمريكي رائد مدرسة فرانكفورت " هوربرت ماركيوز في كتابه " الإنسان ذو البعد الواحد " One Dimentional Man الذي أصدر سنة 1964 بحيث وجه فيه نقداً مشتركاً للمجتمعات الرأسمالية والشيوعية بحيث أن المجتمعات الصناعية الحديثة خلقت احتياجات وهمية للإنسان ومن خلال أجهزة الاعلام والإعلانات تم توجيه جميع الأفراد للفكر اللاستهلاكي.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- سوريا.. تعبير السعودية عن -ارتياحها- وتعليق وئام وهاب يثير ت ...
- سوريا.. فيديو استهداف القوات السورية في السويداء ينشره الجيش ...
- جفاف تاريخي يضرب لبنان.. بحيرة القرعون في أدنى مستوياتها وته ...
- جندي إسرائيلي بحالة خطرة في رابع محاولة انتحار خلال 10 أيام ...
- أوقاف سوريا.. ثروة عقارية تحت أنقاض الفساد
- لماذا تزايدت هجمات الطائرات المسيّرة على كردستان العراق؟
- مصر.. علاء مبارك يعلق على ما قاله محمد متولي الشعراوي لوالده ...
- -الملكة العذراء-: أسرار الحب والسلطة في حياة إليزابيث الأولى ...
- البنتاغون يعلن عودة 2000 جندي من قوات الحرس الوطني المنتشرين ...
- يديعوت أحرونوت: نتنياهو أعطى مرونة أكبر لفريق التفاوض


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - رشيد جناتي إدريسي - الإنسان المُبَرمَج : الجزء الأول