أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد الله مزرعاني - حركة «النهضة» التونسية... الإنصاف والعبرة















المزيد.....

حركة «النهضة» التونسية... الإنصاف والعبرة


سعد الله مزرعاني

الحوار المتمدن-العدد: 4640 - 2014 / 11 / 22 - 10:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لا يمكن الإشادة بالتجربة التونسية دون التنويه، بهذا القدر أو ذاك، بموقف «حركة النهضة»، وخصوصاً بموقف زعيمها الشيخ راشد الغنوشي. شقت تونس طريقاً خاصاً بها مقارنة بالدول والتجارب التي اندرجت في سياق الربيع العربي (سواء وضعنا هذه الكلمة بين مزدوجين لعدم تبني التسمية، أو افرجنا عن اللفظ متحرراً من كل طوق تاييداً للربيع الموعود، الذي لم يكن أو لم يستمر، على كل حال، ربيعاً في اغلبية التجارب باستثناء تونس وجزئيا المغرب وبدرجة أقل مصر).
فرادة التجربة التونسية ليست في الريادة فحسب (الاحتجاج المؤثر والانعطافي للشاب الشهيد بوعزيزي ورد الفعل الشعبي المدهش الذي أعقبه) بل هي أيضاً، في مجمل المسار الذي سلكته الثورة التونسية: في المثابرة، وفي اعتماد نهج السلمية والحوار، وفي الاستعصاء على المصادرة الداخلية والخارجية، وفي إعادة بناء المواقع والمؤسسات، وفي الحفاظ على دور الجيش بعيداً من الصراع والتفتيت، وفي تقدمية ما أُقر في الدستور لجهة مدنية الدولة والحفاظ على المكاسب التي كانت قد تحققت للمرأة التونسية في التشريع والممارسة...

تصبح المقارنة بين التجربة التونسية وسواها ذات طبيعة نوعية مختلفة تماماً، عندما نتابع ما حصل ويحصل في البلدان الآخرى، التي عاشت أحداثا مماثلة، من تفكك وقتل ودمار وحروب وتدخلات خارجية... وصولاً إلى بروز ظواهر كابوسية كـ»الدولة الإسلامية» وإخواتها وما حققته من اكتساحات وما فاجأت به العالم من ممارسات همجية غير مسبوقة...
إن التنويه بدور «حركة النهضة» لا يعني أبداً التقليل من مساهمات وأدوار الآخرين. لقد اسهمت الحركة السياسية في تونس بكل تشكيلاتها، والحركة المدنية والنقابية الشعبية بكل مؤسساتها (الاتحاد العام للشغل، النقابات والاتحادات المهنية، لجان الدفاع عن حقوق الإنسان...) بدور واضح ومهم في بلورة النتائج التي انتهت إليها ثورة 14(جانفيه) والتي انطلقت من المعاناة التي فُرضت على شريحة واسعة من الشباب التونسي ممن أقفلت أمام فئات واسعة منه فرص العمل أو فرص السفر أوفرص الحرية والحياة أو هذه جميعها في الوقت عينه.
ولهذا التنويه هنا وظيفة تتعدى هاجس الإنصاف (أو عقدة الاعتراف بإيجابيات الخصم أو المنافس) إلى محاولة دعم وتبني الأخذ بمنهجية موضوعية، بل صحيحة وسليمة وإيجابية، في العلاقات بين الأطراف ذات البرامج السياسية والمناهج الفكرية المتباينة. يصبح ذلك أكثر إلحاحاً، بل حتى اكثر مصيرية، عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع تراث قديم جديد من النفي والنفي المضاد، ومن الإلغاء والحصرية والفئويات والعصبيات... مما حال في الماضي، ولا يزال يحول حتى الآن، دون قيام علاقات سوية، ليس فقط بين المتباعدين في شعاراتهم ومواقفهم واهدافهم، بل اساساً وخصوصاً، بين المتقاربين في الشعارات والتسميات إلى حدود التطابق الكامل أو شبه الكامل. وماذا أيضاً لو تذكرنا بأن اسوأ العلاقات قد نشأت، بشكل دائم، بين قوى وأحزاب كانت في بداياتها واحدة، وفي أسمائها واحدة، وفي برامجها واحدة...إلا ما فرقته، إلى حد الانقطاع والقطيعة (وأحياناً القتل والإلغاء ودائماً التآمر والتربص)، الفئويات والأنانيات ...
فرادة التجربة التونسية ليست في الريادة فحسب بل في مجمل المسار الذي سلكته الثورة
وفي هذا السياق الشنيع، ألم تقدم الأحزاب الوحدوية، مثلاً، أبشع تجارب الشقاق والتباعد والتكاره؟! ألم تقم سلطتان لحزب واحد في دولتين شقيقتين؟ فماذا كانت النتيجة سوى الصراع الضاري بين تلك السلطتين، وبكل وسائل الأذى الممكنة، ما الحق أفدح الأضرار بالبلدين وبالسلطتين، وأساساً بالشعارات المرفوعة وبالقضية العامة التي لم تكن، غالباً، الا ستاراً لشهوة السلطة التي لم تغذها أو تتفوق عليها سوى شهوة الدم والاحتكار والتفرد والإلغاء!
لطالما استخدم منطق تقديس الذات وأبلسة الآخرين، من بين امور اخرى، التعامل مع الجديد بذهنية القديم ومع الحاضر بأدوات الماضي، أي بمنطق الرفض المسبق وعلى طريقة «أنا أعمى ما بشوف...». أدى ويؤدي ذلك إلى إلباس العلاقات والمستجدات والمتغيرات والحياة عموماً ثوباً لا يحول ولا يزول: لا في نظرتنا إلى أنفسنا، ولا في نظرتنا إلى الآخرين، برغم ما يفرضه الواقع، المتغير أبداً، علينا من عملية تنقيح وتصحيح ومراجعة دائمة، أو من موضوعية ودقة في متابعة جديد الآخرين: في تجاربهم ومقارباتهم وممارساتهم.
ليس ذلك فحسب، بل إن البعض يبلغ، في حدود نظرته إلى الأشياء، حدود التناقض الكامل: من جهة نأخذ على الآخرين عدم استفادتهم من التجارب، وإن هم فعلوا، نأخذ عليهم، من جهة ثانية، أن ذلك لم يكن بخيار منهم بل باضطرار وانصياع. هنا، وفق هذا المنطق الاجتزائي والانتقائي والتعسفي، تغيب سلامة المحاكمة وتتعذر سلامة الحكم، بل إن البعض يذهب، في عدم اتزان مواقفه، إلى حدود مطالبة الخصوم والمنافسين بأن ينفذوا برنامجه بالنيابة عنه، وذلك وفق منطق صبياني لا يقيم وزنا للصراع الاجتماعي والفكري والسياسي، ولا للأولويات الوطنية والقومية المصيرية في مراحل الأزمات أو التحولات الكبرى.
إنه لأمر جديد وجيد أن نستفيد، ويستفيد الآخرون، من التجارب السابقة، سواء تلك العائدة لنا أو الأخرى العائدة لسوانا. هذا ما فعلته «النهضة» نسبياً في تونس. وهذا ما أكده زعيمها في لقاءات شفهية أو صحافية قبل الانتخابات التشريعية الأخيرة وبعدها، وحتى قبل ذلك بعدة سنوات (بعد الثورة).
قال الشيخ راشد الغنوشي لجريدة «الحياة» في 25 الشهر الماضي: «النخبة التونسية نجحت في إدارة الحوار بين إسلاميين وعلمانيين. دخلنا في حوار وطني مع 22 حزباً من اقصى اليمين إلى أقصى اليسار. هؤلاء جميعاً شاركوا في إنجاح التجربة... في تونس هناك مجتمع مدني تدخل طرفاً ثالثاً عندما كان التجاذب على أشده»...
وفي مقابلة مع «الجزيرة» الاسبوع الماضي، أصر الغنوشي، برغم محاولات محاوره الإعلامي أحمد منصور، على الإشادة بالانتخابات التشريعية التي جرت الشهر الماضي، أصر أيضا على أنها كانت انتصاراً لكل التوانسة و«عرسا للديمقراطية» برغم حلول «النهضة» في المرتبة الثانية. أكد زعيم «النهضة»، تكرارا، أن ما اعتمدته الحركة من سياسات وما أبدته من مرونة وما أقامته من علاقات، لم يكن عبارة عن خطأ يجدر التراجع عنه في أول سانحة، بل هو نهج ينبغي المثابرة عليه مهما كانت الخسائر والصعوبات!
يمكن إعطاء شواهد كثيرة على تنازلات ذات مغزى قدمتها «النهضة». قد يُقال أُكرهت على ذلك. هذا يُسجل لحسابها طالما أنها استجابت، وتجنبت العناد أو العنف أو التفرد، كما لاحظ الغنوشي نفسه في نقده «للنخب المصرية»، التي ابتعدت عن ذهنية الحوار لمصلحة الجنوح نحو التصلب والتطرف وتقديم الخاص الفئوي على المشترك الوطني.
إنها ذهنية جديدة وسليمة تلك التي وجهت حوار «النخب» في تونس. وهي، في غابة الهمجية والتسلط والديكتاتورية والإلغاء والقتل والدمار القائمة، قبس من نور ينبغي أن يظل متّقداً ليبقى مرشدا ومحفزا إلى سلامة التجارب والمراجعات والاستنتاجات.



#سعد_الله_مزرعاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام المحاصصة أصل الفضائح
- المذهبية لتعبئة الأكثرية
- تسعون الحزب الشيوعي: يحتاج إلى نبض الشباب!
- بسبب الاستعمار والعجز؟!
- مرحلة «المنطقة العازلة»
- حلف جديد لأهداف قديمة
- الارتباك الشامل والمواجهة المطلوبة
- التكفير الإرهابي ايديولوجية التخلف؟
- التطرف وبعض أسبابه ومخاطره
- غزة توبخ ضمائرنا
- صمود غزة ووحدة المواجهة
- مراجعة جذرية ونهضة جديدة!
- الصحوة لا «الصحوات»!
- صدِّق أو لا تصدِّق!
- خطوط الفصل وخطّة الوصل!
- استراتيجية نهوض جديدة
- الحزب الشيوعي اللبناني عشية ال90 ابعد من القصور والخطأ
- مبادرة سياسيّة سوريّة؟ هذا أوانها
- السيادة أم الفئوية والتفريط؟
- تفاقم الطائفية وتعاظم أضرارها


المزيد.....




- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...
- الاحتلال يقتحم المغير شرق رام الله ويعتقل شابا شمال سلفيت
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد الله مزرعاني - حركة «النهضة» التونسية... الإنصاف والعبرة