أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان جاسم - فكرة الموت في ديوان - حين أستيقظت ميتا- لعلي رياض















المزيد.....

فكرة الموت في ديوان - حين أستيقظت ميتا- لعلي رياض


قحطان جاسم

الحوار المتمدن-العدد: 4637 - 2014 / 11 / 18 - 00:36
المحور: الادب والفن
    


العنوان المفارقة
يجذب عنوان الديوان " حين أستيقظت ميتا" الصادر في عام 2014 للشاعر الشاب علي رياض، الانتباه لانه يشتغل على موضوعتين متناقضتين الصحو والموت. وفي هذه المفارقة تكمن ثيماته الشعرية عن الموت. فهو صحو مبصر يحمل معه موته ، الا انه وعي مفزع مترقب لحالة خراب جمعي ، إذ ينتقل الموت من حالته الفردية الى الحالة الجماعية، الى درجة تحوله الى جزء محتوم من واقع لا يمكن الهروب منه. ما الذي يجعل شاعرا شابا يوظف قصائد ديوانه لفكرة الموت، بينما كان عليه ان يكتب عن الحب والسعادة والامل والمستقبل، وهي الموضوعات التي ترافق الشباب عادة، بل انها الامور التي غالبا ما يعايشها الفرد عادة في ما يسميه الفليسوف الدانماركي ب" المرحلة الجمالية"،أي التمتع الحسي في الحياة والوجود، و الانغماس كليا فيما هو حسي وعاطفي والانشغال بما هو ذاتي خاص. لكن هل بمقدور الشاعر ان يفعل غير ذلك في وضع كوضع العراق، حيث الموت الرخيص يمشي في كل زوايا البيوت والشوارع؟

فكرة الموت
عادة ما يسعى الشاعر الشاب عندما يصدر ديوانه الاول الى ان يضم قصائدا تغطي موضوعات متنوعة. ذلك يعود الى صعوبة ضبط مسارات الخطاب الشعري المشتغل على فكرة واحدة عبر قصائد متعددة؛ أولا بفعل محدودية التجربة الشعرية والمعرفية والحياتية للشاعر، وثانيا الرغبة في عرض طاقته الفنية لمحاكاة اوسع جمهور قاريء لقصائده.
لكن علي رياض تجاوز في قصائده هذا التصور المسبق وسعى لخوض تجربة شعرية مختلفة عبر تناول الموت الذاتي و الجمعي الذي طبع حياته الراهنة باكملها. فإلى أي حد تمكن الشاعر علي من التعبير عن حجم هذا الموت وتفاصيله شعريا، بحيث لا تتحول قصائده الى محض مناحات او شعارات رفض كضد لهذا الموت ؟

"مشهد الموت: من الذاتي الى الجمعي "
يفتتح الشاعر علي ديوانه بعنوان " قصائد ميتة" :
كان محزنا
أن أترك بيتي
وأغادر السماء" ص9
في محاولة كي يرسم مشهدا للموت اكثر اتساعا من الشعور الذاتي الذي تتلبسه القصيدة والخوف المنبعث منها وحالة الفزع. فهو موت عام وليس خاصا به. ورغم انه موته الشخصي، لكنه موت غير طبيعي، لم يرغبه او يتوقع قدومه، انه موت مزروع ومعد بدقة واحتراس. كما لو أنه يريد تحذيرنا مما هو آت وحثنا على التوغل لادراك معنى هذه المغادرة اللارادية الى السماء. وهذا المشهد المأتمي الصادم ، الذي قاده لكي يحذف "المرحلة الجمالية " من عالمه، ويعيش حالة الترقب الدائمة : المغادرة الى السماء! ينقل لنا فكرة الموت من افقها الذاتي ، او ما يسميها سارتر " قفزة في الظلام" الى المستوى الجمعي، بحيث تتحول الى مارثون حاشد ومرعب من القتل والدم والخراب تساهم فيه ايديولوجيا انتحارية معدّة مسبقا، الى درجة ان هذا الاعداد يطال تفاصيل صغيرة في حياة الفرد، كما يبدو ذلك واضحا في قصيدتيه : "ايديولوجيا انتحاري" ص11-12 و "حياة جافة" ص13-15 حيث تقدمان توصيفا نفسيا وشخصيا لحامل الموت . فهو انسان يشبهنا ويمارس حياته تماما كما نمارسها، الا ان ما يوجه حياته ويرسم اهدافها يتبع بوصلة اخرى تقوم على مجموعة من العقائد التي لا يمكن له سوى تطبيقها على ارض الواقع، حتى وان كان نتيجتها تدميرذاته و الاخر. وبهذه الطريقة تتحول فكرة الموت عند حاملها الى نتيجة منطقية واقعية وفعل انساني عبر وعي أيديولوجي مقنن بدقة. هذا الكشف لفكرة الموت لا تقتصر على وصف مقتضياته واسبابه الموضوعية، بل يتعداه الى ذات الشاعر ويلتصق باحساسيه الذاتية ، فيتحقق بذلك مزج العام بالخاص، الذاتي بالموضوعي، ويصبح هذا الموت هو موت الذات والمجموع في آن واحد :
"حين استيقظتُ صباحا
كنت قد متُ
وازرق وجهي
وتصلبت أطرافي بردا" ص16
انها حالة فزع تتلبس الشاعر في موت غير مكتمل ، حيث يعود اليه في نفس القصيدة ليقول "
كان الأمر جميلا
أن أذهب الى الجامعة دون خوف
لن يقطعني حزام ناسف
ولن يفجر رأسي مسدس كاتم للصوت " ص16
هنا نسمع صيحة احتجاج مكبوته، امنية ان لا يموت عبثا. ويراوده حلم مواصلة الحياة. وتتجدد هذه التصورات الذاتية في قصيدة "حماقة لا بد منها" ص18، الى درجة انه يطالب بالتمتع وممارسة الحياة كالعادة ، رغم حتمية مجيء الموت.ويمازج هذا الاحتجاج بتهكم كما في قصيدة "خوف" ص24-25،وقصيدة "سلام مزيف" ص26 ، ويواصل ذلك في قصيدة "صفقة"ص30 مشددا على المفارقة السوداء، حيث الموت لا يميز بين الغني والفقير بل يشمل الجميع "
كان يملك الكثير من المال
لكن دمه الرخيص
جعل الموتُ قادرا على شرائه "ص 30
الا ان هذا التحاور الذاتي مع الموت يتمدد ليصبح اكثر ضراوة ولا يقتصر على الانسان وحده، بل يتحول الى مشهد كليّ مفزع ومرعب بحيث يشمل الارض والاشجار والحشائش والمباني وغيرها ، أيّ لا يكتفي بتدمير الانسان وحده، بل يتعداه الى كلّ ما يجعل حياة الأنسان ممكنة، ومقابل هذا التدمير الذي يتطابق تماما مع لاعقلانية الطبيعة، فان ما يتبقى هي رموز الموت الابدية ايضا :
" كثيرة هي القبور
القبور كثيرة
لدينا ما يكفي من الأرض لدفن المزيد" ص19
وهو على ما يبدو موت ليس اختياريا بل عاما وغير منقطع:
" فهم يتكاثرون كل لحظة
يقطعون الطريق بصمت ونظام
الطريق السريع الذي لا ينتهي
الطريق الذي لم يختاروا ان يسيروا فيه " قصيدة إنسحاب ص21
وفي مشهد الموت هذا تشاهد أطفال، نساء ، طلاب جامعات، أمهات، ويكون هدفه الوحيد تعطيل الحياة وهدمها.
الموت العبثي
هذا الموت بشكله الذي تقدمه القصائد هو موت عبثي، لا يمكن تأويله او تفسيره ، لانه لا يملك مبررات ما لتحقيقه . لهذا ينتقل الشاعر الى قصائد أخرى يطلق عليها "قصائد صماء- نصوص عن القلق والعبث" ص 33-35
وفي هذه القصائد تتحول فكرة الموت الى حالة من الفزع الدائم والى إحساس بالعبث، كما في "قصيدة عبثية" ص36. فحين لا يكون الموت حاضرا فانه يكتنف الحياة اليومية ويتسرب الى علاقات الناس ويتحول الى بارانويا مرتسمة على الوجوه والشفاه والعيون و يطبع السلوك اليومي للناس، بحيث تصبح كل حركة علامة ما تؤذن او تؤدي الى الموت ، كما في قصيدة " بارانويا" ص 39-41 . ويتكرر هذا الفزع في قصيدة " متى عشقت الظلام" متجسدا في عزلة تلفها الظلمة والخوف والصراخ:
" هنا على سريري
أضاجع الليل والخوف مرارا
وكنت أمسح الصراخ بقصائد قصيرة" ص77
حتى أن هذا الموت يعدي القصائد التي لم تتعامل مع فكرة الموت مباشرة بحيث تصاب باجوائه وشواظه كقصيدة " ثورة كائنات مجهرية " ص54-55، " خيوط زمنية " ص57-58 و" زوال الأبدية" ص60 وغيرها..الا انه موت عدمي مجرد من الشعائر او الطقوس الانسانية.

لغة القصائد
جاءت لغة القصائد سلسلة مرنة، بحيث تمكن من صياغة الواقع بتفاصيله الحادة الفضيعة وجعلها قريبة الى المتلقي ، دون ان يعني ذلك الوقوع في صياغة فوتوغرافية للواقع . لقد تمكن الشاعر من الحفاظ على ما يمكنني ان اسميه " لغة الواقعية الحسية " التي ابقت نوع من التوازن بين ما هو متخيل وما هو واقع خشن وفضيع ، بحيث لم تغرق اجواء القصائد بمفردات الدم والجثث واوصال الجسد المقطّعة والخراب كمسعى لنقل حجم الموت وطبيعته. الا انه يمكن ملاحظة وقوع بعض الاخطاء الطفيفة لغوية وإملائية، ربما تعود الى النسخة الاكترونية التي أملكها.

خاتمة
من هنا يمكن القول، ان علي رياض في ديوانه الأول "حين إستيقظت ميتا" تمكن الى حد ما الأرتهان الى فكرة واحدة، وهي نقل فكرة الموت شعريا ورسم معالمه وفضائعه، دون الحاجة الى ان نسبح في بحر من الدماء او نتسخ في دخان القنابل، الا انه لم يحافظ تماما على السير للنهاية بقصائد الديوان، بحيث تكون فكرة الموت هي الجوهر او الاساس الذي يقوم عليه ديوانه. فقد شذت بعض القصائد عن المسار العام الذي ارتكن الى فكرة الموت، و اضعف ذلك من توازن الديوان. وكان من الممكن تجنب تلك القصائد وعدم تضمينها في الديوان، ومن بينها " المياه الآسنة" ص47، " تجدد" ص51، " سكان النص" ص62،" طريق فارغة" ص 65-66، " عزلة" ص67، " يوم عادي جدا" ص 84، ، إضافة الى قصيدة " عن الفتى الذي يحلم بمقبرة لليهود" ص68-69
ورغم ذلك فان علي رياض شاعر واعد ولديه طاقات شعرية كامنة يمكنها ان تضيف الكثير الى عالم الشعر مستقبلا .
00 000

الديوان:
علي رياض ، حين إستيقطت ميتا ، بغداد: منشورات بلدنا، 2014



#قحطان_جاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المفكر الدانماركي سورن كيرككورد ، الاسلام الجماهيري و طقوس ع ...
- آخر المرثيات
- المدينة- الثكنة
- كلّ يحمل آثامه
- مدوّنة الألم
- -القراصنةُ ما غادرونا !-
- المفكر الوجودي الدانماركي سورن كيرككَورد وصراعه ضد الدين الأ ...
- الماركسية ليست إيمانا، بل فكر قابل للمناقشة والتعديل .!
- -الحالمُ في نشوةِ أوهامه- قصيدة الى صديقٍ في عيد ميلاده الثا ...
- ثلاث قصائد
- مقتدى الصدر: لعبة الحيّة ودَرَج ..والاعلام المسكين .!!
- مشرحة بغداد - رواية عن تراجيديا الرعب والموت اليومي في العرا ...
- وهم الطائفة والقومية والدين وبناء الديمقراطية في العراق؟


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - قحطان جاسم - فكرة الموت في ديوان - حين أستيقظت ميتا- لعلي رياض