بوشن فريد
الحوار المتمدن-العدد: 4620 - 2014 / 10 / 31 - 00:28
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
صحفي و ناشط سياسي:
بوشن فريد
بمناسبة حلول الذكرى الستون لاندلاع الثورة النوفمبرية
نحن جيل الاستقلال... ماذا ورثنا؟
لا أحد منا لا يتذكر أول نوفمبر 1954 , مهما كان غاضباً من التاريخ الذي قرأه أو سمعه من بقايا الثورة المجيدة, أو كان خائباً من تداعيات الاستقلال , فقد اتفق الجميع باختلاف مشاربهم و توجهاتهم و صفاتهم على حّب الجزائر و التشهير برمزية فاتح نوفمبر و حصيلة الكفاح الذي قاده رجال من طينة الكبار و الأسطورة , فالجميع مهما اختلفوا في التوجه السياسي للجزائر إبان الاستقلال , و في كيفية بناء أحلام مليون و نصف مليون شهيد الذين استشهدوا من أجل استمتاع الأجيال القادمة بالحرية و حلاوة العيش الجميل , فهم لا يختلفون في ضرورة صون الأمة الجزائرية و الحفاظ على أبجدية الوطنية وفق معايير معينة.
و الآن, بعد مرور ستون سنة من الاستقلال, ماذا تحوّل في الجزائر؟, هل وفق النظام الجزائري في تحقيق بعض من تطلعات الشهداء؟ هل وصلنا إلى درجة الاستحقاق النوفمبري ؟ و ماذا ورثنا نحن جيل الاستقلال من هذا الاستقلال؟.
أكيد سنحتفل نحن الشباب ككّل المحبين من الجزائريين و الوطنيين الأحرار , بهذه الذكرى الخالدة , و سنُخرج راياتنا الوطنية المزخرفة بالألوان المختلفة, و نصطحب معنا نسائنا من أجل إضافة لهذا الحدث الوطني التاريخي صبغة الوقار و القداسة و حتى الرجولة , ربما إكراماً و عرفاناً للذين سقطوا في ميدان الشرف و الحق من أجلنا , نحن الجزائريون فقط.
و بعدها نختتم هذه الذكرى بالنشيد الوطني, الذي كان سبب جمعنا و اتفاقنا و غايتنا , و ثمّ نعود للديار في صمت رهيب , لا يضاهي سكرات الموت في شيء , و لكن الأسئلة , تلك الأسئلة التي كنا نطرحها و نطرحها و أكيد سنواصل في طرحها , تبقى عالقة بلا أجوبة لأجل لاحق , و سيظل الوضع الكارثي البائس الذي ورثناه من ساستنا و حكامنا و معارضتنا و نخبتنا قائماً لا يتغير و لن تغيره ابتسامات البترول مهما طاردت احتياجاتنا الاجتماعية , لأن الوضع الذي كنا نحلم به في زمن الطفولة , كأن نتخذ من دماء أسلافنا حبراً نكتب به بكّل حرية و حالة نفسية مطمئنة هادئة دون التعرض لتحرش الأغلال و صلابة البوليس , و نعيش في وطن يأوي الجميع ,عرباً كانوا أو أمازيغاً, مادامت الإنسانية تكفي للجميع و أرض الجزائر المباركة رحبة محفوفة بالكرم و المحبة و التعايش , و نصرخ على المنافقين باسم الوطنية و الشرعية التاريخية , علا وعسى نوقظهم من إملاءات الزُمر و ذوي المصالح الكبيرة من آل الغرب و المتربصين بنعيم جنوبنا , و لكن قبل أن نصرخ تعرضنا للإقصاء و الاحتقار باسم الخبرة و التجربة و الوطنية و العروشية و الجهوية , كنا فعلاً , نحلّم بوطن اسمه الجزائر لا أقل و لا أكثر , و لكن أصحاب المعالي و صعاليك القرار الفوقي اختاروا لنا وطناً لا يليق بمستوى طموحاتنا و حماستنا الفطرية و شجاعتنا الفكرية و السياسية , وطناً تخترقه كّل الأسماء و الأشياء من فساد مالي و عقم اقتصادي و ركاكة في الممارسة السياسية و تمجيد للنعرات القبيلة و الجهوية و اللغوية و الطائفية المقيتة , و لا مكان للأكفاء و الشرفاء , كنا نطمح لوطن له نظام جمهوري ديمقراطي يمتد عمره بامتداد معاني الحرية الشعبية و مفاهيم الديمقراطية و التداول السلمي على السلطة , و لا تُعبد فيه الذات و لا تُمجد باسمها الجزائر , و لكن ماذا قدموا لنا هؤلاء المتشبثون بمقاليد العرش , غير التمني الموت غرقاً في محيطات الغرب أو حرقاً أمام الوزارات و تناول المحرمات و المخدرات السامة انتقاماً من الحرية الغالية التي تركها شباب نوفمبر لنا كأمانة و ذكرى.
لقد بلّغ السيل الزُبى , مثل عربي مشهور تتناوله ألسنة شبابنا و أنا منهم , و أما البعض الأخر الذي لم يحتمل الوضع الحالي , قرروا بتخوين قادة الثورة و الثورة ككّل, و أمام الملأ و علانيةً يجهرون بذلك و يلومون فرنسا الاستعمارية كثيراً عن رحيلها المبكّر و عدم دحرها للمتسببين بإحراجها و إخراجها, فهم قبلوا بالجريمة الفرنسية على الحرية التي تحتكرها سلطة جاحدة و جاهلة و مستبدة في حق طموحاتهم الوردية و المشروعة.
و لكن, الأخطر عندما نسمع من شبابنا هذه المقولة: " لماذا خرجت يا فرنسا؟ ".
و أمام هذا الورث الذي نرفضه , نحن جيل اليوم و الغد , ماذا نُخبر مصطفى بن بولعيد و عبان رمضان و العربي بن مهيدي و كريم بلقاسم و آخرون إذا سألونا في الحياة الأبدية عن نسبة نضوج جزائرهم التي حرّروها بالنفس و النفيس و من يحكمها اليوم و باسم ماذا؟.
#بوشن_فريد (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟