أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد فرج - حوار مع فرويد (2-3)، الحضارة والدين















المزيد.....

حوار مع فرويد (2-3)، الحضارة والدين


محمد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 4590 - 2014 / 10 / 1 - 08:59
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



نعم لقد سطا الدين على وعي هذه الأمة، ولم يسطو بنسخته المتشددة فقط، وإنما بنسخه "المعتدلة" حتى!



احتار العلمانيون، يئس الملحدون، إلى الحد الذي بحث معه جميعهم عن تثوير الدين من الداخل كي يتناسب مع الحضارة! ولكن، إن كانت هناك نسخ من الدين تسمح للحضارة بالمرور من أمام طواطمها ببطء، فإن غيابه بالكامل يجعلها تنتفض! لنحاور الدين في أفكاره عن الحرب والموت، وعن الوهم، وعن اعتراض الحضارة، وعن العدوى الوجدانية لجماهيره!

الدين والفعالية البشرية

نبحث في أسباب ظهور الدين، لنجد رزمة من الأسباب الجاهزة، ومنها رعبنا من الظواهر التي عجزنا عن تفسيرها، فجعلنا منها إلهاً، النار والشمس والرياح العاتية والفيضانات والبراكين، جميعها حيرتنا إلى الحد الذي ظننا فيه أنها قوة جبارة، أو من فعل قوة خفية. إذن الرعب من الظاهرة كان قد أنتج الدين، كما أنتج الأساطير القديمة، بروميثيوس سرق النار، وفُرض على البشر حفظ النار عندما عجزوا عن إشعالها، وسمى الإغريق واليونان والسومريون والبابليون آلهتهم طبقاً لهذه الظواهر التي عجزوا عن تفسيرها، وأبقى أبناؤهم على التفسير القديم طوطماً حتى بعد انكشاف التفسير العلمي الجديد، الذي عانى في حقبة سابقة من نقص المعلومة والتحليل والأداة.



فرويد يرى في الشعور بالتبعية إحدى الأسباب المنتجة للدين، إنه الشعور بالحاجة للأب القاسي الحاني في آن واحد، الأب القوي القادر على الدفاع عنا بقدرته وقوته وبالضرورة قسوته -قسوته التي أنتجت الشعور بالذنب والخطيئة، فالقوانين والإلزام عندما تتكرر وتتكرر تصبح مثالاً أخلاقياً- وفي نفس الوقت يشكل هذا الدفاع حنواً ما، يعبر عن شكل الحماية.



كما ناقش فرويد فكرة أن يكون الدين شعوراً أوقيانوسياً (محيطياً)، ويكون هذا الشعور محض معطى ذاتي!! إنه الشعور العميق الواسع بالأبدية؟ نكراننا للفناء دفعنا للتفكير بوجود عالم آخر، ينفي صفة الفناء عن الموت! وبذلك يكون المؤجل والوعد بالحياة الأخرى، هو سند الحياة المعاشة في الواقع، وهو مصدر أساسي للطاقة الدينية، فوضعت الكنائس والمساجد يدها عليه، ووجهته في المسالك التي تريد. وهذا الشعور الأوقيانوسي، كما يحملنا على تأدية مهماتنا بفرح أحياناً، فهو يحملنا على الكسل أحياناً أكثر، وكما يقيد فرحنا، فهو يعالج حزننا بالوهم، يقول فيلهلم باش في “هيلينا الروعة”: “من كان لديه هموم فمن الأكيد أن لديه كحول”، ومن كان لديه هموم، قد يبحث عن “كحول” الدين. بدأ ذلك منذ زمن بعيد، أوزيرس، كان إله البعث والحساب عند قدماء المصريين.



إن الحضارة مبنية أساساً على الفعالية البشرية، وغياب الفعالية البشرية، إنما يعني غياب الحضارة. قديماً، كان الدين أو الأسطورة رمز جامع لهذه الفعالية البشرية الجماعية عندما عجزت عن تفسير الظواهر، الأسطورة أو الدين في ذاك الوقت، شكلت رمزاً جماعياً متفقاً عليه لمجموعة معينة، في كثير من محطات التاريخ، لعبت دوراً تقدمياً في حقبتها. ولكن اليوم؟ وبعد أن تكشف تفسير كل الظواهر، هل ما زلنا نحتاج الرمز كي نتوحد؟ هل ما زال الشعور بالتبعية يحركنا؟ الإله الطيب يحملنا على الكسل، والإله القاسي يحملنا إلى الخوف، فكيف لنا أن نطلق فعاليتنا البشرية، أصل الحضارة؟ لحضارة تتقدم،لم يعد أمامنا سوى أن نترك السماء للملائكة والعصافير!

التبعية والأبدية (الأوقيانوسية) والرعب من الظاهرة باتت عناصر فائتة في التاريخ، عناصر معيقة للحضارة، والتمسك بها يعني أننا نواجه العالم الحاضر بصيغ الماضي (التي حققت تقدماً في عصرها)، ولكنها ستسبب تأخراً وعودة إلى الوراء وتخلفاً، في حال الإصرار على تبنيها اليوم!

الدين: الطوطم والعادات

ما هي متطلبات التصديق والإيمان؟ التصديق لأن أسلافنا الأوائل كانوا يؤمنون بمجموعة من الأفكار والمبادئ التي تم التوصل إليها في ظل شح من المدخلات وعجز في الأدوات، ونحن اليوم نملك أدلة وبراهين يعود تاريخها إلى تلك الأزمنة البدائية بالتحديد، وقد تناقلتها الأجيال حتى وصلت إلينا. ومن المحظور طرح مسألة صحتها، وهذه فعلة متهورة كان يعاقب عليها بالقصاص، ولا يزال المجتمع إلى اليوم ينظر بعين الاستهجان إلى من يتجرأ على تكرارها، وهو في نفس الوقت يستهجن استخدام أساليب القصاص التي ينص عليها النص الذي يؤمن به!

وهذا هو مبدأ الطوطم والعادات المرافقة له، فمع التصديق الأعمى الذي يتنقل تاريخياً من جيل إلى آخر، تصبح الشعوب التي تعبد النمر أو الفأر أو التنين أو أي رمز غيبي آخر، مقيدة، ولا تتجرأ على الانتفاض على هذا الطوطم، فتحتفظ به، ولكنها قد تسقط من ممارستها اليومية، بعض العادات التي لم تعد قابلة للحياة، وتجاوزها التاريخ، فتسقط العادات ويبقى الطوطم حياً، في الصورة، وفي الرمز فقط. الأغلبية الساحقة من المسلمين اليوم، تعارض فكرة قطع يد السارق، أو رجم الزاني، وتتخذ منها موقفاً غير حاسماً، أو مفصوماً، وهي لا تتجرأ أن تعكس هذا الموقف على الموقف من النص الديني نفسه، أو الكتاب. وكذلك قد تبقى العديد من العادات مستمرة، حتى بعد سقوط طواطمها، فالعديد من المجموعات الطوطمية الأسترالية، وأخرى أوروبية، كانت تحرم زواج الرجل والمرأة التابعين للطوطم ذاته، وقد بقيت هذه العادة مستمرة، ولو في شكل آخر، لدى المسيحيين الكاثوليك، الذين إلى اللحظة يحرمون زواج الرجل من ابنة عمه أو ابنة خاله.



تماشي الطوطم والعادات، سقوط هذا وبقاء ذاك أو العكس، سيرورة تاريخية طويلة، تداخلت فيها الأديان والأساطير نفسها، فالتاريخ لم يأتي بمسيح واحد، لقد سبقت أوكريزيا مريم العذراء في قصتها، وتاليوس سبق المسيح، ونُسخ قصة المسيح تضاهي نظيراتها من قصص يوسف كذلك.

الدين: الجمهور النفسي

إن هذا الموروث الثقافي، الذي زاوج بين المدنس والمقدس، وراكم الشعور بالخطيئة والذنب إلى الحد الذي تمظهر فيه بصورة ضمير أخلاقي، كان كفيلاً أن ينتج جمهوراً منوّماً، جمهوراً يستند إلى أكثر الأدلة وهناً وأضعف البراهين الفائتة. ولكن هناك ما يعين هذه الصيغة ويجعلها قابلة للحياة، وهو كون الفرد في مجموعة، في جمهور! فوجود الفرد في مجموعة دينية، يجعله عبداً لنشاطاته اللاواعية، ويوجهه المنوِّم كما يشاء (واليوم تتعاضد مجموعة من المنومات ضد نشاط الفرد الواعي، تبدأ من الدين ولا تنتهي بوسائل التكنولوجيا وأدوات الرأسمالية العالمية)، إرادة الفرد في الجمهور الديني، وإن وجدت، فلا تتمكن من تسيير فعله، وفي هذه المحطة تتلاشى الشخصية الواعية، ويلتغي التمييز، وتتوجه كل المشاعر والأفكار في الوجهة التي يحددها المنوم.

ينبني الجمهور النفسي للدين، ويتحدد بصفات الانفعال وسرعة الحركة، والميل لتنفيذ الأفكار حال اقتراحها، وسرعة التأثر والتصديق، وحالة العوز للحس النقدي، واستبعاد الاستبعاد للحدوث.



عندما تشاهد حالة الانفعال للتنظيمات التكفيرية وهي تقاتل، تشعر بأن المجموعة ملتحمة حول طوطم نقلت إليهم أخباره، ولا يتجرؤون على تكذيب أي من تلك الأخبار ووجودهم جميعاً في حيز جمهور، خلق جمهوراً نفسياً محدداً، قوة جماعية تمتلك “حقاً” ما، وله صفات محددة، قد يختلف عنها أحياناً قائد المجموعة.

الدين: الحرب والموت

تقسيم الفرد إلى جسد وروح، كانت هي الخطوة الأولى في ولادة الشعور الأوقيانوسي.

من ذلك، إجابة روح أخيل على أوديسيوس:

أوديسيوس: “في الماضي أثناء الحياة على الأرض، كنا نبجلك لا أقل من إله، نحن الإخيليين، والآن في ممكلة الموتى فإننا نبجلك كملك، فهنا أنت تحكم، فلماذا يتعين أن يحزنك الموت إخيل؟”.

روح أخيل: “لا تتكلم عن الموت برفق، أرجوك، الأفضل أن أظل على الأرض كعبد للآخر، حتى ولو لرجل لا نصيب له، حظه من حق الحياة قليل، من أن تحكم ملكاً أوحداً على مملكة أشباح بلا أجساد”.

لقد حطت الأديان من قدر الحياة التي ينهيها الموت، وجعلت منها تمهيداً لحياة أخرى هانئة ودائمة، تحولات الروح، تقمص، يوم قيامة، …إلخ. وخلق الشعور بالأبدية جرأة أكبر على القتل والإبادة، لقد رفع ذلك مستوى الاستعدادية لمغامرات القتل والموت والحروب.

هناك مثل يقول : “إذا رغبت في السلام استعد للحرب”. ولكن على ما يبدو أن السلام غير ممكن التحقق دون الإدراك العميق لمعنى الموت.

الدين: الكبت

من خلال الخطيئة والشعور بالذنب، وخلط المقدس بالمدنس، تمكنت الأديان، من دعوة البشر إلى كبت الرغبة، ولكن من داخل السلطة الكابتة قد ينبجس المكبوت مجدداً، اللوحة أدناه للرسام فيليسيان روبس، يتحدث فيها عن حالة الراهب والقديس الذي يدعي انطفاء رغباته في الدنيا، والزهد فيها. وهذا حال لا يختلف كثيراً عن خيالات مقاتلي التنظيمات الإسلامية في الغلمان والحوريات. ومن أسوأ الأشكال أن ينبجس المكبوت مجدداً من داخل السلطة الكابتة في شقها الغيبي، فيشكل ذلك تقاطعاً مع الشعور بالأوقيانوسية، ليشكل دافعاً جباراً للموت السريع باعتباره جسر للانتقال السريع للحياة الهانئة. رقصت سالومي رقصة الأقنعة السبعة، فاستثارت هيروديت، فوضع لها رأس يوحنا المعمدان على الطبق!





الدين اليوم: في مواجهة الحضارة

التبعية والأبدية والعجز عن تفسير الظواهر عناصر فائتة، سيطرة الطوطم أو سيطرة عاداته أو كليهما، يعني العجز عن مواجهة ظروف الواقع بعيونه، وإنما بعيون الماضي. واستمرار سيطرة الطوطم وعاداته يخلق جمهورا نفسياً، يعتقد نفسه قوة حق جماعية، ويدخل في حالة هستيريا هدامة وليست بناءة، جمهور في تعريفه للموت، لا يتردد في مغامرات القتل، والانتقال السريع للحياة الهانئة، ولا سيما في ظل الكبت الذي أنتجه قانون الدين بداية، والضمير الأخلاقي الناشئ عنه ثانياً.

ألم يئن الأوان لنقول: على الأقل، أن تنقلوا طواطمكم، من الفضاء العام إلى الفضاء الخاص، الدين لكم، والله لكم، ولنا جميعاً هذه الأرض!



#محمد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع فرويد (1-3)، عن الحضارة والسعادة
- “جهاد النكاح” الجنس في الاشتراكية والرأسمالية والدين
- عن داعش، في سياق الاحتلال المدني والحاجز الديني
- الطبقة العاملة الآسيوية، إذ تنتحر ولا تثور
- كيجينيسكي، الرياضيات والفلسفة وتفجير الجامعات
- معنى أن تكون يسارياً
- عن الإمبريالية (1-4)
- المانفستو الرأسمالي والمانفستو الشيوعي (2-2)
- المانفستو الشيوعي والمانفستو الرأسمالي (1-2)
- في التهديد الأمريكي لسوريا
- في هدم النموذج الإخواني
- الحرية والتكنولوجيا
- أوهام الحرية في ظل الرأسمالية
- -جهاد النكاح”| الجنس في الاشتراكية والرأسمالية والدين
- “جهاد النكاح”| الجنس في الاشتراكية والرأسمالية والدين
- الرأسمالية والاتفاقيات الزائفة | كيوتو نموذجاً
- الحرية في عصر الاغتراب والاستلاب
- مشروع الهيمنة بأدوات التمويل و”المجتمع المدني”
- الرأسمالية، إقتصاد المافيا والدعارة والموت (2-2)
- كيف يهاجمنا الرأسماليون؟ لودفيغ ميزس نموذجاً


المزيد.....




- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمد فرج - حوار مع فرويد (2-3)، الحضارة والدين