قبل 150 سنة، في سبتمبر 1864: ميلاد الأممية الأولى

جيل بوتي

الحوار المتمدن-العدد: 4588 - 2014 / 9 / 29 - 09:34
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    

يوم 28 سبتمبر 1864، تأسست بلندن جمعية العمال الأممية من قبل مناضلين عماليين انجليز و ألمان و إيطاليين و ايرلنديين و فرنسيين. وضعت جمعيتهم هدفا لها ” تعاون الطبقة العاملة و تقدمها و تحررها التام”. لم تتوخ أن تكون أداة دفاع عن الشرط العمالي بل كان هدفها تغيير المجتمع.

كان كارل ماركس يصف الأممية الأولى كما يلي:”لم تكن بنت عصبة منغلقة ولا بنت نظرية. لقد كانت نتاجا عفويا للحركة البروليتارية، مترتبا هو ذاته عن ميول المجتمع الحديث الطبيعية التي لاتقهر”.

“الرأسمالية تخلق حفاري قبرها”، كارل ماركس

كان ماركس، قبل سبعة عشر سنة من ذلك، قد صاغ في البيان الشيوعي الأهداف السياسية للطبقة العاملة لتحقيق انعتاقها. كان البيان قد ُكتب لجمعية أممية، رابطة الشيوعيين، وأكد فيه ماركس ضرورة أن تنظم الطبقة العاملة نفسها و تطيح بسيطرة البرجوازية و تظفر بالسلطة السياسية وتقوم بتجميع وسائل الإنتاج لتلغي الاستغلال القائم على العمل المأجور. لكن القمع حطم ازدهار الحركة الثورية لعام 1848 بأوربا.

فتحت سنوات 1860 إمكانات جديدة للحركة العمالية.أدت الثورة الصناعية، والتحول السريع للمدن الكبرى، إلى خلق تركزات عمالية كبيرة. ولم يتأخر انبعاث النضالات مع تفجر الإضرابات، وتطور جمعيات التعاضد، والنقابات، وأجنة منظمات سياسية. وسيلتقي الكثير من مناضليها في جمعية العمال الأممية.
سبق أن أتيح لمناضلين عمال الالتقاء في المعرض العالمي في لندن في عام 1862، واتفقوا على العمل سويا لإسعاف ضحايا الأزمة الاقتصادية. وفي السنة التي بعد عبروا، في تجمع احتجاج مشترك بلندن، عن تضامنهم مع المنتفضين البولنديين الذين سحقتهم قوات القيصر.

في أثناء مؤتمر تأسيس الأممية الأولى في 1864، عبر المندوبون الفرنسيون على ضرورة اتحاد العمال على النحو التالي:” شكل الرأسماليون، بقوة الأشياء و حاجات الأزمنة، اتحادات مالية وصناعية قوية. يجب علينا نحن عمال كل البلدان أن نتحد و نضع بوجه نظام الأشياء القائم حاجزا غير قابل للتجاوز، هذا النظام الذي يهدد بتقسيم البشرية الى كتلة أناس مجوعين وحانقين من جهة، وأوليغارشية ملوك مال ورهبان شبعانين من جهة أخرى.”

كان المناضلون الحاضرون بالمؤتمر يمثلون قوى حقيقية داخل البروليتاريا، التي كانت معاركها قد انبعثت. انخرط ماركس المدعو للحضور بقوة. كان الجمعية الجديدة تتيح إمكان إدخال الأفكار الاشتراكية إلى البروليتاريا المناضلة ببلدان أوربا الكبرى.وأصبح ماركس منشطها السياسي الرئيس، ومحرر أنظمتها، و كاتب مواقفها الرئيسية و المنظم الذي لا يكل بمساعدة فريدريك انجلز.

تحضير النضالات القادمة

كان المناضلون المنظمون إلى الأممية يحملون معهم أفكارا بالغة التنوع. كان ثمة أنصار برودون، وهم مؤيدون لمنظمات التعاضد، ومناهضون في الغالب للاضرابات و حتى لتشريعات العمل، ونقابيون انجليز متحدرون أحيانا من الحركة الشارتية، ميالون أكثر للدفاع عن العمال المؤهلين، و لاحقا مناضلون بلانكيون. لكن كانت تجمعهم إرادة العمل من اجل تحرر البروليتاريا.

بنظر ماركس، لم يكن بد من أن يؤدي تعزز الكفاحية العمالية الى توطيد المنظمات البروليتارية. وسيعي المناضلون،عبر نضالاتهم، ضرورة برنامج سياسي يرمي الى تحرر البروليتاريا. وجب النضال في هذا الاتجاه في تلك المنظمة المشتركة التي قد تمثل خطوة كبيرة إلى أمام.

لم تقم النصوص المؤسسة للأممية سوى بتحديد توجه عام:” تحرر الطبقة العاملة سيكون من صنع الطبقة العاملة ذاتها”. كانت جمعية العمال الأممية تساند النضالات التي يخوضها العمال بجميع البلدان حسب ما بوسعها من وسائل. وكانت تسعى الى الاستناد على تلك التجارب كي يستخلص منها عدد متزيد دوما من المناضلين درسا سياسيا. وكي تعد البروليتاريا نفسها لادارة المجتمع، يجب عليها ان تتخذ مواقف بصدد مشاكل البشرية الكبرى: من أجل إلغاء العبودية بالولايات المتحدة الأمريكية، من اجل توحيد جمهورية كبيرة في المانيا، من اجل حرية الايرلنديين و البولنديين.

وكما كتب انجلز لاحقا، كانت الأممية الأولى ” المنظمة الفعلية والمناضلة لطبقة البروليتاريين، المرتبطين فيما بينهم بنضالهم المشترك ضد الرأسماليين، و الملاكين العقاريين وسلطتهم المنظمة، الدولة”. وعبر مراحل تبنت الأممية الأولى البرنامج الاشتراكي. و في مؤتمر بروكسيل في 1868، تم تبني مبدأ الملكية الجماعية للأرض والمناجم و سكك الحديد.

كان المناضلون المنخرطون في الأممية الأولى بصفة فردية قلائل. كان فروع الأممية تتضخم بوجه خاص بعد الاضرابات، وبعد تنظيم الأمية حملات مساندة و منح ما تجمع من دعم مالي. كانت المجموعات النقابية تنضم في الغالب بشكل جماعي إلى الأممية، بشعور انها تمثل قسما من قوة متجاوزة للحدود. في 1869 كانت الأممية تضم 000 57 عضو في بلجيكا و زهاء 000 95 في انجلترا.

زمن الامتحانات

عارضت الأممية الحروب الناتجة عن تنافس البرجوازيات الأوربية، لاسيما الحرب الفرنسية البروسية في 1870. وقد ندد مناضلو الأممية الفرنسيون توا بعدوان نابليون الثالث على ألمانيا السائرة الى تحقيق وحدتها. ولما أفضت الهزيمة الفرنسية الى سقوط الإمبراطورية، استغلت بروسيا ذلك للاستيلاء على الالزاس و لاموزيل، فنددت الأممية بفعل اللصوصية هذا. ورفض “الأمميون” في ألمانيا، أوغست بيبل و فلهيلم ليبكنخت، التصويت على ميزانية الحرب في البرلمان فتم سجنهم.

على هذا النحو وقفت الأممية بثبات ضد النزعة الوطنية بكلا الجانبين. وباتت تجسد، باسم البروليتاريا وباسم النزعة الأممية، منظورا آخر للبشرية قاطبة.
أدت الحرب الفرنسية البروسية في 1871 إلى ميلاد كومونة باريس. وغداة السحق الدامي لتجربة الدولة العمالية الأولى هذه، قامت الأممية الأولى، التي حارب عدد من مناضليها خلف المتاريس، باستخلاص استنتاجات للمستقبل: وجب تدمير أجهزة الدولة لاستبدالها بسلطة البروليتاريا السياسية.

أدى سحق كومونة باريس، بما هو هزيمة لبروليتاريا أوربا، إلى القضاء على الأممية الأولى. كان الفرع الفرنسي قد أبيد، ومن بقي منه مشتتا في المنافي، وكانت أوربا برمتها رازحة تحت القوانين القمعية. ابتعد الفرع الانجليزي عن الأممية التي بات يعتبرها ثورية أكثر من اللزوم. وكان هذا الضعف العام الذي أصاب الأممية قد فسح في المجال لمناورات باكونين، اللاسلطوي الروسي الذي سعى إلى السيطرة على القيادة بكل السبل، جامعا حوله كل رافضي فكرة منظمة سياسية للبروليتاريا. عندئذ تحطمت الأممية. وجرى نقل مقر المجلس العام الى نيويورك، وفي 1876 صودق على حلها.

تجربة مُـؤسـسة

رغم طابعها الوجيز، مثلت الأممية الأولى خطوة هامة في تاريخ الحركة المالية. وفي مجرى حياتها، اقتنع عشرات الاف المناضلين أن ليس للعمال وطن و ان عليهم النضال سويا ضد الرأسمال بالتزود بمنظمات سياسية. لم يكن البرنامج الاشتراكي حبرا على ورق أو مقتصرا على دوائر محدودة، بل كان يتغلغل في وعي جيل كامل من المناضلين العماليين المشاركين في نضالات طبقتهم.
جيل بوتي Gilles BOTI

جريدة النضال العمالي، عدد 2408، 26 سبتمبر 2014

تعريب: موقع الطلبة الثوريين- أنصار تيار المناضل-ة

#جيل_بوتي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات