بقلم: محمد المياحي
الحوار المتمدن-العدد: 4586 - 2014 / 9 / 27 - 19:18
المحور:
الادب والفن
حياةٌ بلا حياء
لَفَحَ سوادَها بوَجْهٍ كَالِح ، اقتنصَ من أسوارِ المدينةِ لوحةً مهجورةً، أصفحَ عن خاطرهِ بعباراتٍ ساقَها نَحو جرحِهِ للوداع، يتكلمُ بصمتٍ إلا الدموع، خالطَتْ روحُه سراديبَ الموتى، كفّنَ جسدَهُ ببقايا رماد المدينةِ التي لا تنجبُ سوى رملٍ مخضبٍ بالدماء، اقشعرَّ وذابَ جلدَهُ، هامَ في وسطِ الصحراءِ يبحثُ عن غصنٍ يتعلقُ به ولكن من غيرِ جدوى، تراءَتْ في مخيلتِه صخرةٌ كبيرة، أسرعَ ليحتضنَها، تمنى لو أنّهُ يستطيعُ إخبارَها بوجعِه، أو يكونَ حجراً لا يشعر ولا يتألم؛ كي يتحملَ كذبةَ الحياة.
--------------------------------
بقلم : محمد المياحي .
يبدأ النص بتركيبة مثيرة للتأمل ( لَفَحَ سوادَها بوَجْهٍ كَالِح )؛ لان هذه العبارة بقولبتها السردية مُفعمة بـ( التأزم ) , واللافت في هذه البنية انضوائها على طاقة دلالية تنماز بالثراء والتنوع ألوظيفي المنسجم وفكرة النص , فالنمط الأول متعلق بالتركيبة اللغوية ودلالتها المعجمية فـ(لفح) لفظة مُلازمة لهجير النار المحرقة إلا آن الاستدعاء هنا ورد ضمن تنميط استعاري ( احترق اللون) المتمثل بقول السارد : ( لفح سوادها ), أمّا النمط الثاني فيتعلق بسيميائية اللون إذ استترتْ تحت هذا النسق دلالة سلبية تُكشف في السياق فيما بعد فيتضح هذا الكشف في خاتمة القص ( كي يتحمل كذبة الحياة ) , وهي بلا شك طرح لفكرة (الغائب المفقود) - كما سيتبين فيما بعد - , فيما يخص النمط الثالث (المعلن الوصفي ) وهذا ما نجده في المقتطع : ( بوجهٍ كالح ) , ومن اللافت أن هذا الوظيفة مع تلازمها بجزئية الفضاء المكاني ( المدينة ) , إلا أنها حيثية تعبيرية تفسيرية تُسهم في الملمح السويوكلوجي (النفسي) للشخصية البطلة , من هنا لابد من الإشارة إلى أن (المُبأر) – المدينة – شكلت تماهي لموصوف الشخصية وبهذا يتضح التشكل الجمالي ما بين المحسوسات ( الفضاء المكاني) ,و المعنويات ( حالة التأزم ) وعليه وان اتجه الوصف ( بوجهٍ كالح )نحو المكان إلا انه في الوقت ذاته إنحرف رامز ضمن إطار إيحائي للشخصية , من هنا حاول القاص أن يجعل من تبئير الموصوف المكاني أكثر تمثلا في ذهن القارئ , ومن ثم الولوج إلى بواطن البطل , ومن منطلق أن ( المكان هو الذي يؤسس ألحكي لأنه يجعل القصة المتخيلة ذات مظهر مماثل لمظهر مماثل لمظهر الحقيقية ) على حد تعبير – هنري متران – فقد استرسل القاص برسم صورة سوداوية المكان ذاته ( أسوار المدينة لوحة مهجورة , سراديب الموتى , رماد المدينة , لا تنجب سوى رمل مخضب بالدم ) , ومن جانب آخر من المُلاحظ على النص اتسامه بـ(الدلالة السكونية) في أغلب بنيته السردية والتي تُشكل تضاداً مع المعمار التركيبي (اللغوي) , فإذا ما تطلعنا إلى نظام الجمل في القصة نلاحظ بشكل جلي اعتماد القاص على الجمل الفعلية التي من سماتها ( الفاعلية و الحركة ) منها: ( أقتنص من أسوار المدينة ....الخ) , و ( أصفح عن خاطره بعبارات ...الخ ) , و ( يتكلم بصمت ....الخ) , ( خالطت روحه ...الخ), و (كفّن جسده ببقايا رماد المدينة ...الخ ) , و (اقشعرّ وذاب جلده ,,,الخ ), , (هام في وسط الصحراء ...الخ) ......الخ , بهذا المعنى وفي الوقت ذاته تتقاطع طبيعة هذه التراكيب الكاشفة عن مظاهر الحركة مع (البنية الدلالية التركيبة ) التي تنم عن ( السكون ) بوصف الشخصية مُنمطة بالتشكل (لأستلابي) المنسجم مع دلالة التراكيب , فلو تأملنا ( الاقتناص) فلا نجده اقتناصاً مادياً ( كأن يقتنص طيراً ..الخ) , بل اقتناص استعاري للألم المتعالق بمكان الشخصية , إذا هو اقتناص مجازي , ولا يختلف الأمر عند ( التكفين) تكفين معنوي مُعتمد على (بلاغة سرد ) , وكذا (الكلام ) عند الشخصية دون صوت , كلام ساكن مُعطل (صمت), هذه الرؤية منسجمة تماما مع خاتمة القص المتمثل بانتقال رائع في المجال السردي ؛ إذ الولوج إلى الأماكن الأكثر سكوناً ( الصحراء ) , ساعياً – أي القاص – إلى ( ثبات معنى العزلة والتفرد ) وجعلها فكرة ارتكاز النص , من هنا – على ما اعتقده – اعتمد صاحب النص ( المحايثة السردية) ألقتْ بظلها على المتن برمته (اقصد بالمحايثة ما افرزه ألحكي – أي الفكرة- على متكلم داخل السرد والحكي ذاته , وعليه يبدو الشخصية (المسرودة) قريبة جدا من الكاتب منتمية لذاته سوى أكان هذا الانتماء مباشر ( معاناة القاص) أو غير مباشر( الأنا كاملة القيمة ) – أي أبناء مجتمعه . تأسيساً على هذا أجد أن النص ينماز بالنضج الفني ؛ لأنه وفق في الموازنة بين ( السرد) و( الشعرية) فضلا عن الموضوعي المتمثلة بـ( الاغتراب الروحي ) الذي أمسى مشكلة العصر سيما عند مَنْ يملك الشفافية , نص رائع أتمنى للمبدع ( أثير ألغزي )...
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟