محمد ابو قريبة
الحوار المتمدن-العدد: 4569 - 2014 / 9 / 9 - 10:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الصمود الأسطوري في غزة هاشم.............محمد أبو قريبة
إن الحرب و العدوان الإسرائيلي الهمجي والوحشي والبربري على غزة الذي استمر أكثر من واحد و خمسين يوماً، وذهبت ضحيته أكثر من ألف ومائة وأربعون شهيد و عائلات كاملة وأعداد غفيرة من الأطفال والنساء. هذا العدوان أراده الصهاينة أقرب إلى حكم إعدام جماعي ومجازر جماعية همجية موجهه إلى مدينة بسكانها وعمرانها، لكن تنفيذ الحكم لم يكتمل. وخرجت غزة من تحت أنقاض بيوتها المدمرة لتعاود رسم معالم حياتها المعتادة من جديد ، وتمارس استعداداتها الحربية وتمارس نهج المقاومة الشمولية ، متعالية على المجازر والدمار، كما لو كانت هذه الحرب والعدوان الهمجي هو تمارين اضطرارية من أجل الحرب الكبرى التي يحن على العدو الصهيوني إعلانها بعد. ولكن تعامل معها أبناء غزة كما لو كانت واقعة فعلاً لا محالة، وصب نيرانه وفتح لهيب جهنم على غزة طيلة الواحد والخمسين يوماً، ضداً على مظاهر الحياة الباقية أو العابرة في هذه غزة هاشم المدينة الاستثنائية الباسلة.
لقد استحقت غزة هاشم بامتياز النصر من صمودها الأسطوري، وأصاب الفشل العدوان الإسرائيلي الذي مارس سياسية الحكم بالإعدام الجماعي ، من خلال الهجوم الوحشي على أحياء المدينة وسكانها وأطفالها ومدارسها وجوامعها وكل مظاهر الحياة بكل أشكالها . فالمراقبون لهذه الحرب والعدوان الصهيوني من عرب وصهاينة يحارون حول من هو المنتصر حقاً ومن هو المنهزم حقا . وكل من الصهاينة والعرب الفلسطينيون ينازعون حول من هو المسؤول عن الكارثة إيجاباً أو سلباً. حتى يمكن للمراقب السياسي والعسكري إطلاق هذا الوصف : إسرائيل لم تنتصر، وغزة لم تنهزم ,اسرائيل لم تحقق انتصاراً رغم هول النيران وقوة التدمير الصهيوني الذي دمر البيئتين البشرية والعمرانية لغزة الباسلة، وإذا كانت صواريخ غزة هاشم لم تسقط أسطورة الأمن الإسرائيلي بل زعزعت بعض أسس الأمن القومي الصهيوني، لكن الدم ة الفلسطيني تواصل القضية الفلسطينية عبر الأجيال ولم يجعلها نسياً منسياً، بل إنها حقيقة من حقائق الأرض والتاريخ.
في بلاد يصبح النصر في صراعاتها المصيرية شبيهاً بالهزيمة، وإن باسم مغاير وبطعم مختلف. فذلك دليل صارخ أن أحوال الواقع العمومي هي من القوة والسيطرة بحيث تطغى مواصفاتها الكلية على متغيرات الأحداث اليومية
غير أن صورة الوضع لما بعد المجزرة قد تبدو أوضح إذا ما أوسعنا النظر إلى تداعيات الحرب في محيطها العربي. لقد عجزت إسرائيل عن قطف ثمار تعميم الفوضى الدموية والصراعات العرقية والمذهبية في ميادين العروبة ، كأنها كانت تضرب غزة هاشم لتدمر مشروع الدولة الفلسطينية الموحدة وطن واحد لأبنائه هنا وهناك وفي الشتات . ومع ذلك سوف تظل إسرائيل غدة سرطانية في بقعة عربية ثائرة ، فإسرائيل خذلتها في هذه الحرب معلوماتها المسبقة في توجيه الضربة القاضية الأولي التي تطلعت إليها من اجل إرباك المقاومة .
لن تتهاوى غزة مدينة البرتقال والشاطئ الحزين المغلق على الصيادين، بل أصبحت عاصمة حقيقية للمقاومة العربية. أن العرب كادوا بإن يزولوا كأمة موحدة في إطارها القطري ليتحولوا مجدداً إلى قبائل تائهة في صحارى المال والسمسرة والإرهاب الدموي . حدث هذا منذ أن افتقدت النهضة المعاصرة حلفها الطبيعي والتلقائي مع المقاومة. منذ أن تعارضت المقاومة مع النهضة والتطوير انحطت الأمة وانحطت النهضة والمقاومة.
لقد حقق شعب المقاومة رهاناً كان أشبه بالمستحيل وهو الصمود الأسطوري أمام اله القتل والدمار الصهيوني . سوف يبقى الصمود الأسطوري الغزاوي يتيماً ضائعاً صوته في صخب الدبلوماسيات العربية الهزيلية , والعقول الإسرائيلية خاصة، تتدارس بصمت وعبوس تداعيات ما حدث، ومؤثراته في صميم المشروع الاستيطاني الاستعماري الاستبدادي المفروض على الشعب العربي الفلسطيني والعالم العربي والإسلامي. فإذا لم تنتصر إسرائيل للمرة الأولى أمام مقاومة لبنانية الباسلة في تموز 2006، ثم فلسطينيا عام 2009 وعام2012 و عام 2014 ، فهذا يعني إعادة النظر في المشروع الاستيطاني والاستعماري الصهيوني بكل بساطة بأنة مشروع قابل للهزيمة التامة امام جيوش العربية الموحدة في ساحات الحرب مع إسرائيل.
أن الشعوب العربية استعادت لحمتها الطبيعية مع نهج المقاومة، وأن مرحلة الإرهاب الصهيوني قد انقضت أوانها.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟