احمد الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 4560 - 2014 / 8 / 31 - 12:51
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعرّف علماء الاجتماع الدين بانه مجموعة افكار نشأت مع بزوغ التسائل الواعي للعقل البشري والذي يعطي للمتسائل اجابات عن العلاقة بين المخلوقات والغاية من الوجود في هذه المنظومة الحياتية
او انه حركة فكرية زمنية تخرج من رَحِم الثقافة البيئية تحاول ان تؤسس مسار اخلاقي معين تترتب عليه طبيعة المجتمع
الفكر الاسلامي المنبثق من المفكر (محمد) حاول بطبيعته المرتكزة على بيئة الوعي العربي ذو الخاصية الصحراوية منذ نشوئه كدين , ان يخلق اتزاناً بين ما فكر به او (اٌنزل اليه) وبين ما عاشه في الحجاز من طبيعة اجتماعية متفواتة في التطابق
فجاء الاسلام بفكرة التحرر بصور عدة , مثل صورة التحرر من عبادة الاحجار والخشب والالتصاق بفكرة الاله الواحد , والتحرر من الاسترقاق والعبودية بشراء العبيد واعتاقهم لينالوا حريتهم وحقوقهم الكاملة داخل المجتمع ومعاملتهم كافراد طبيعيين , والمساواة بين الناس واعطاء كل ذي حقٍ حقه في الحياة
فنشأ الفرد المسلم على هذه الخطوط العريضة التي وجدها في بيئة ما بعد النشوء الاجتماعي للاسلام معتبراً اياها الحقيقة الأم التي سيرضع من ثديها حتى يموت ولا تجاري هذه الحقيقة ايَّة ُ قوانين وضعية اخرى
لابأس بكل هذا , فعبادة الاله الواحد والمساواة واعتاق العبيد صور لها جوانب من الذات الانسانية "باختلاف المصاديق على المسميات"
لكن .... بعد معرفة الخطوط العريضة التي لاجديد فيها الاّ كونها استثنائية في وقتها , نغوص قليلاً في اعماق مابين اسطر الواقع الاسلامي في محاولة لكشف الاضداد المتَّسقة داخل المنهج والمعبّرة عن القالب العام لكينونة الاسلام..
الموروث الكلي (ادبي , تاريخي , ديني , فلسفي) يفضي الى شكل المجتمع الذي اراده محمد ان يكون , الموجود داخل الكتاب المقدس للاسلام (القران) , لا للشكل الذي اتى بعده متوشحاً بتعديلات تمت صياغتها خارج اطار النص الديني وخارج عن اطار الخطوط العريضة المذكورة آنفاً , فالاسلام بطبيعته القانونية الخارجة من الكتاب المقدس غير قابل لان يُعدل فكرياً اويمتزج باي ايديولوجية حديثة حتى لو كانت لها الفضل في تغيير التركيب الانطولوجي له , والشاهد هنا اية من القران , حيث تقول الاية 7 في سورة الحشر (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) هذه القاعدة ذات دلالة واضحة على ان محمد فرض طاعته على العالم فرضاً مطلقاً لا شرط فيه ولا استثناء وتعتبر طاعة ذات مرجعية اي (طاعة الرسول طاعة لله) ودأب العلماء على الاستدلال بهذه القاعدة في جميع أبواب العلم والدين
فالمصنفون في العقائد يجعلونها أصلاً في باب التسليم والانقياد للنصوص الشرعية، وإن خفي معناها، أو عسر فهمها على المكلف
ومن هذا المنطلق الواجب تواجده عند المسلمين "منطلق التسليم لأوامر الله الاتية من الرسول" يظهر الواقع الاجتماعي الحديث للاسلام المعتدل , والاعتدال هنا منافي لما جاء في القران من تسليم لكل اوامر الرسول , والمعتدلون يرفضون الحالات والطباع التي يخوض فيها جماعات من المسلمين داخل المجتمعات بعبارة مشهورة جداً (هذا لايمثل الاسلام)
بصراحة تستوقفني هذا العبارة استيقافاً ما له من مجيب , حيث ان المسلمين الذين لايمثلون الاسلام هم نفسهم من تمسكوا بآية (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ) فكيف للبقية ان ينكروا عليهم ما اخذوا؟؟
بتدقيق اكبر , هذه هي الاية التي اشتق اسم الاسلام "التسليم" منها لكل الاوامر الصادرة من المصدر (القران)
الاسلام الوسطي ينكر على هذه النسخة من الاسلام (الفوضوي المتطرف) افعاله بسبب ادلتهم التاريخية التي تقول بان كل شيء قابل للتحريف , وان الاسلام المتطرف يعتمد كثيراً على احاديث الآحآد في طبيعته الفكرية وبذلك يعكس الصورة السيئة عن الاسلام الحقيقي الذي لايمت لهم بصلة..
بالابتعاد عن كل المصادر التاريخية للموروث الديني والابقاء على مصدر واحد وهو القران نجد ان لا حجة للمعتدلين على المتطرفين , وبأن المسار المنطقي الصحيح يسير مع الجماعة التي لاتمثل الاسلام (حسب وصف المعتدلين)
وباخذ ابسط الايات التي تمثل الاسلام قرآنياً وهي ايات جلد الزاني والزانية وقطع يد السارق وآيات تشريع الجهاد ونشر الدين بالقوة وسلب حق المرأة ومصادرة الحريات الفكرية وتفسيرها بدون الرجوع لاي مصدر من مصادر التفسير نجد ان كل الايات قابلة لان تاخذ التاويل الواضح والصريح لها بدون الحاجة لوجود تفسير , لذا فان الوصف يتغير منطقياً لتصبح الجماعات التي لاتمثل الاسلام هم اصحاب الاحقية بتمثيله لانهم لم يجتهدوا على حساب النص ولم يحاولوا (علمنة او لبرلة المجتمع الاسلامي ليتوافق مع العالم)
وبهذا يكونون هم الاصح في ثنائية الاسلام (الاعتدال والتطرف)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟