أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل طه شاهين - ما بعد السقوط : مرحلة الشعور الدائم بالتهديد















المزيد.....

ما بعد السقوط : مرحلة الشعور الدائم بالتهديد


اسماعيل طه شاهين

الحوار المتمدن-العدد: 4544 - 2014 / 8 / 15 - 11:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد انهيار وسقوط نظام الطاغية (صدام حسين)، في البداية، إستبشر جميع العراقيون خيرًا، وكانوا يدا واحدة في التأييد لسقوط عهود الطغيان والشوفينية، بإستثناء شراذم قليلة من بقايا النظام التي كانت مستفيدة من بقاءه، ولكنها لم تكن بالقدر الذي يمكن أن يؤثر على مسار الأمور وبالشكل الذي يخدم رؤاها ومصالحها، ويؤجج نيران الفتن بين أبناء الوطن الواحد من مسلمين (سنة وشيعة) و كرد (مسلمين ويزيديين) و مسيحيين (بشتى مذاهبهم) وبقية مكونات الشعب العراقي..
لم يخطر ببال الكثيرين من أمثالي من المواطنين البسطاء، أن تؤول الأمور الى الخراب أكثر من ذي قبل.. لم يمض وقت طويل، وأمسكت بزمام الأمور حكومة مشاركة وطنية، وجدت أمامها وطنا يئن تحت وطأة حصار خانق من كل الجوانب؛ وطنا لا يصمد أمام العواصف الشوفينية والمذهبية التي كانت معششة بشكل أو بآخر في ذهنيات أكثر من آلت اليهم الأمور و تملكوا رقاب الناس. بفعل التنوع القومي والمذهبي الموجود في الساحة العراقية، وبفعل الإرث الذي تركه النظام السابق، كانت الساحة ملغمة، وأي نزوع شوفيني قومي أو مذهبي كفيل بإشعال ما تبقى من الوطن وإغراقه في مآس وكوارث لا يسلم منها القاصي والداني.. ومع ذلك وجدنا في ظل تلك الحكومة الفتية من يلوح بلسان الحال والمقال، بعد أن أخذ كل فريق حصته من غنيمة الحكم وشغل حيزا لا يستهان به، وانشغلت قادة الكتل السياسية بالمناصب وتصفية الحسابات السياسية كلامياً وميدانياً.. منهم من نادى بطرق ملتوية وعن طريق وسائل إعلام حزبية مدجنة بالأخذ بثارات مضت عليها أكثر من ألف سنة، ومنهم من نفخ في نيران طمرتها رماد الشوفينية القومية، وصوّر صراعه السياسي أو الحزبي الضيق في إطار صراع بين هذا المكون أو ذاك، محاولا بكل ما في وسعه، وبلغة السعار السياسي تضخيم الجدران بين كل مكونات الوطن، رغبة في تهيئة الأرضية المناسبة لتمرير طروحاته السياسية الضيقة وتوسيع قاعدته الحزبية على حساب غيره. كل هذا ساهم بشكل أو بآخر في تفخيخ الوضع و تأجيج الصراع. في البدء كانت الحروب كلامية، ثم تلتها أخرى ميدانية هنا وهناك وكثرت الضحايا. كان للوسط السني الحظ الأوفر من تلك الضحايا، على إعتباره الحاضنة السابقة لنظام صدام الشوفيني واللاحقة لكل تمرد أو معارضة لسياسات حكومة المحاصصة والطائفية القومية أو المذهبية، وبدأت حقبة تصفية الحسابات بحق سنة العراق ولم تسلم حتى أحياء بغداد السنية من معاقبة الطائفيين القاسية والمدمرة ووصل الأمر الى الحد الذي يمكن أن يباد فيه المرء ويقتل على الهوية المذهبية وينهب ماله ويهتك عرضه بسبب إسمه وبمباركة أطراف حكومية بعينها.
انتعشت لغة الإقصاء والتهميش وظهرت ميليشيات وعصابات مهمتها القتل والذبح والإغتصاب. تهيأت أجواء مناسبة لردود أفعال معاكسة تستنجد بكل ما ينقذ المظلومين من الظلم الذي وقع عليهم بغض النظر عن هوية من يستنجد به. أصبح مشهد الانفجارات بالسيارات المفخخة وبالعبوات الناسفة وحرق المقار السياسية للأحزاب المعارضة مألوفا في عراق ما بعد السقوط، وحصيلة القتلى تخطت حدود الإحصاء وسط مزايدات سياسية رخيصة للقوى السياسية الحاكمة، وإتخاذ خطوات بطيئة، الغاية القصوى منها، الحصول على مزيد من الدعم المالي لمكافحة إرهابٍ، كانت لتلك القوى نفسها – وفق تصوري – اليد الطولى فيها. تدفقت أموال النفط بسخاء منقطع النظير الى جيوب الحاكمين، وازداد الفساد الإداري بحجم يفوق التصور من شمال العراق الى جنوبه، والسياسيون الحاكمون، وسط كل هذه الفوضى، مهمتهم الوحيدة لا تخرج عن دائرة التبرير وتعليق ما يحدث بمرحلة الانتقال.
ازدادت هوة فقدان الثقة بين القادة السياسيين والشعب يوما بعد يوم، وانهارت المعنويات وضعفت روح المواطنة والانتماء لدى جمهور واسع من المواطنين.. بعد انفجار الوضع في سوريا، انتقلت عدوى جماعات متطرفة بعينها ومن ضمنها تنظيم داعش الى الوسط السني، وفجأة ودون مقدمات موازية، وبعد تقهقر غير متوقع لجيش رئيس الوزراء نوري المالكي، سيطر التنظيم المذكور على إحدى كبريات المدن العراقية (مدينة الموصل)، وغنم معسكرات بكامل عتادها وأعلن فيها دولته الإرهابية.. لماذا حدث كل ذلك؟ أصبح كل طرف سياسي يتهم غريمه بتهيئة الأرضية ومد يد المساعدة واستعرت الحرب الاعلامية واتسعت من جديد دائرة المزايدات السياسية، من دون أن يوجه طرف بعينه قدرا ولو ضئيلا من مسؤولية ما حدث الى نفسه كطرف مشارك في الحكومة.. أستُغِلَ الحدث سياسيا، وكانت الشماتة من نصيب من إتجهت إليه أصابع الاتهام وأصبح هدفا سهلا لسهام الغمز واللمز، والعدو واقف على أبواب الحصون المهددة داخليا وخارجيا. كان إعلام كل طرف يستقوي ظهره بتأييد جماهيري مزعوم، وبقوة عسكرية هي أشبه ما تكون بميليشيات غير منظمة، ويردد نهارا جهارا بأنه قادر على الصمود في وجه التحدي الجديد وصد كل هجوم يتعرض له، هكذا نظريا ومن دون أن يحسب حسابه للاختبار الصعب على أرض الواقع وفي ميدان المعركة.
فجأة تعرضت خطوط مواجهة الشمال الكردي مع تنظيم داعش لهجوم شرس من عدة محاور وتمكن التنظيم المذكور في غضون أيام قليلة من توسيع رقعة تواجده والسيطرة على بلدات وقصبات كانت بحوزة الكرد في شمال وشرق وغرب الموصل وتعرض أهالي تلك المناطق من الاخوة المسيحيين واليزيديين للتهجير والنزوح الجماعي بالآلاف وكان ما تعرضت له مدينة شنكال وأطرافها كارثة انسانية بكل معنى الكلمة. فر الآلاف من الأهالي خوفا من لهيب الحرب الذي لا يميز بين صغير وكبير مسن وعجوزة، وتوجهوا الى الجبل بعد أنسحاب البيشمركة واصبحوا محاصرين هناك ينتظرون مصيرهم المجهول وسط أجواء الخوف والتهديد والجوع والقتل على الهوية الدينية. قتل منهم من قتل على أيدي عصابات القتل والإجرام، ومات منهم من مات دون أن يوارى، وكانت كارثة شبيهة بتلك التي حدثت في حلبجة. إستنجدوا ضمير العالم لانقاذهم من هذه المأساة، ولكن لم يصحو هذا الضمير الا على أبواب مدينة أربيل (عاصمة أقليم كردستان)، عندما تمكنت مدرعات داعش من الإقتراب منها مسافة 30 كم أو أقل.. لماذا؟ لأن مصالحه الحيوية وشركاته النفطية وقنصلياته وقعت تحت التهديد، وهنا و لكي يضرب عدة عصافير بحجر واحد، هب لنجدة حكومة الأقليم عن طريق قصف مواقع التنظيم بالطائرات الحربية وأبدى استعداده لإنقاذ المحاصرين في الجبل بعد أن وقع الفأس في الرأس، هذا ليحقق بكل ذلك أهدافا عديدة مخططة بدقة – وفق تصوري – وهي:
1- إقناع أقليم كردستان عمليا بالتخلي عن مشروع إعلان الدولة حاليا، لكونه لا يملك قوة عسكرية كافية يحمي بها نفسه من التهديد الخارجي.
2- إقناع الاطراف السياسية العراقية بضرورة الاسراع في تشكيل حكومة لا تعتمد آلية الإقصاء والتهميش وترضى بالتقسيم والتجزئة لاحقا.
3- التمهيد للتدخل عمليا وانشاء قواعد عسكرية في بؤرة متوترة وكتم كل الأصوات الأقليمية المناوئة.
4- جعل ضرباته محدودة للإبقاء على مصدر التهديد واللعب بورقته لاحقا في الوقت والزمان المناسبين.

يا ترى من المسؤول عن كل ما آلت اليه الأمور وبهذه الصورة المشينة؟ من المسؤول عن كل هذا القتل والتشريد والتهجير والنزوح الجماعي والكوارث التي حلت بالوطن؟ أيعقل أن تلقى تبعة كل هذا على عاتق مسؤول حزبي أو مسؤول أمني هنا وهناك، ويبرأ ساحة القادة السياسيين في وسط كل هذه الفوضى الإدارية العارمة وفي ظل رقابة تكاد تكون شبه معدومة، تلك التي جعلت القيادات السياسية في عزلة شبه تامة عن جمهور الشعب؟
هذه أسئلة يتحاشى الآخذون بزمام الأمور إثارتها فضلا عن الإجابة عليها.. بدلا من وضع النقاط بشكل صحيح على الحروف وإسناد الأفعال الى فاعليها الحقيقيين، تُزَيّف المشاعر والحقائق من قبل الإعلام الحزبي الذي تحيط به السلطة نفسها، وتبتعد بذلك عن حقيقة ما يدور على أرض الواقع. إنحصرت مهمة الإعلام المذكور سابقا ولاحقا، على تصوير وتمجيد كل ما تقوم به السلطة مهما قل شأنه بكونه إنجازاً مهما ينصب في مصلحة الشعب، ووصف كل إنتقاد موجه إلى أداءها بمؤامرة تستحق المعاقبة. في ظل الإشادة بخطاب التزلف وتدعيم مشاعر حب السلطة الحاكمة على حساب كراهية كل صوت معارض. لا نرى في خطاب هذا الإعلام سلبية واحدة للحكومة، في الوقت الذي لا يعزى فيه نقطة إيجابية واحدة للأصوات المعارضة. كل هذا رسخ وعمق في ذهن كل مراقب محايد على كون مرحلة ما بعد السقوط، مرحلة إنعدام الأمن والأمان، مرحلة الشعور الدائم بالتهديد.. نعم هذا أقرب وصف يليق بها، ولا حول ولا قوة الا بالله.



#اسماعيل_طه_شاهين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفريسة ، بين مَخالِب ذئاب المصالح وثعالب السياسة


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - اسماعيل طه شاهين - ما بعد السقوط : مرحلة الشعور الدائم بالتهديد