أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نور شامي - أخوات الدمع














المزيد.....

أخوات الدمع


نور شامي

الحوار المتمدن-العدد: 4538 - 2014 / 8 / 9 - 12:18
المحور: الادب والفن
    




احتضنيه بقوة المفتقَد، الثمي جراحه وعانقيه للمرة الأخيرة قبل أن تخبريه أن أباه قد غادر إلى البعيد، وأنه في السماء ينظر إليه وإلى الوطن الحبيب. كلّميه، لا تكفكفي الدمع بل دعيّه ينهمر على ضمير الخذلان علّه يستفيق؛ دعيه يبكي فقده وقهره لا أكثر. ودعوا الكلام للعروبة، فقد ملّلنا الكلام كما أدمانا الفَقْد، مللنا كلمات الشجب في لحظات الموت العقيم. كفكفي دموعك واثبتي، لا... لا ترثي الحبيب، اكتفي ب "استشهد"، لا تسترسلي، فتفتحي جرح حنان الأبوة الراحل، نعم لا تسترسلي، أفلا يكفيه اليتم ألماً، و خوفاً من المستقبل القريب.
أما أنتِ يا أمّ اليتامى وسيدة النساء أبكي هنيهة الفقد ولحظات العشق الكثيرة و تمهلي، فلكِ أخوة في الدمع كثر: نساء ذاقوا ألوان الموت والذل على يد أخوة الشقاء؛ أخوة كنا نطوف معهم في ربوع البلاد؛ سرقوا رغيفنا وعَقّوا والدينا ، ومن ثم كأخوة يوسف رمونا في غياهب الآبار. صرخنا يا سيدتي، لكنهم عانقونا بأسلحتهم، وأهدونا رصاصة الموت. وفي لحظات الحياة الأخيرة ناشدناهم بالأخوة، بعدنا ، عمار الاوطان فمزقوا الهوية وكتموا أنفاسنا الأخيرة، فصرخنا صرخة المغدور المُلتاع ، فارتد إلينا، فقط، صدى صوتنا بهدير الشجب والاستنكار.
هلّا تخبريني، كيف يكون المصاب في لحظة غدر من أخ؟ كيف يستحيل الدم باروداً وناراً يتلظى بحممها وطن بأكمله، فلا شفيع لطفولة ولا رحمة لشيخ كبير؛ وفوق القهر ترقد العذارى وقد صككن وجوههن بملابسهن الممزقة ظننا منهن ان أبناء الخطيئة رحلوا بأعز ما يملكن ،وفي قلوبهن امنية وحيدة : موتا ينال منهن ليخلصهن من عذابات الروح والجسد .نعم يا سيدتي اضحينا مثلكم لا نخشى الموت، فالموت في ديارنا أضحى هدية غربان الموت السقيم في كل يوم،لا لا تسأليني عن حمائم السلام التي عشقت سماء موطني منذ الأزل، فقد استشهدت مع عطر الياسمين المسجى على عاصمة الياسمين، ولم يعد هناك من صمت مخيمٍ سوى ذاك الصمت المنبثق عن أرواح غادرت بمنتهى الغدر والفجور، مخلفة رائحة البارود والدم والكثير من الغبار الساقط على إنسانية غافية ساقطة.
آن لنا أن ندرك بمرارة ان من عهدناهم أخوة لم يكونوا سوى "مستذئبين" بأجساد بشر أحالهم أول شعاع للحق والأمل والحرية إلى وحوش تهوى القتل وتستلذ بالتعذيب والذبح. لينقلب وطن الحب والسلام إلى بوتقة للموت تنصهر فيها الأجساد والأرواح والدماء، فلا أمل لمفقود إلا أن يكون في عالم آخر، ولا صبر لأمه الا بان تلقاه.

عرفنا يا أختاه كيف يكون للموت مكرمات،عندما يقبل الأحبة شهيدهم قبلة الوداع الأخيرة ، و أن يحملوه للمرة الأخيرة الى مسكنه الجديد، وفي كل مرة يشعل قلوبهم لهيب الذكريات والفقدان، يذهبوا لكي يلقوا عليه التحية. تلك المكرمة لم يحظى بها الجميع يا سيدتي، ففي وطن الموت ليس هناك وقت لحفظ المكرمات، بل أوقات لعدّ الجثث وتثبيت الأرقام، نعم، لقد بتنا أرقاماً تحصى لا بشراً تباد.
في وطن الموت ليس من مكان للأحياء، إلا من تلقى في قلبه شجاعة وإيماناً لكي يواجه زبانية الشيطان؛ أما من يهوى الحياة فعليه أن يقطع الجحيم، ويجلس"إن نجا " على قارعة الأمم يستجدي وطناً، ويكأن للوطن بديل ! الوطن هو أمٌّ تجري في العروق منذ النبضة الأولى، أن تتخلى عنه يعني أن تنزف حبك ومشاعرك خارجاً، كي تعيش! .

أي حياة تلك يا سيدتي ! إما أن نختار موتنا في مواطن عشقنا، أو ندوس قلوبنا في أماكن أخرى. يبدو لي انها كأس خذلانكم نتجرعه مرة أخرى، لنذوق ما زرعناه في أيام الأسى الكثيرة التي عشتموها؛ و يبدو أنه كتب علينا أن نكون كالسامري نتيّه في الأرض، ملقين بأرواحنا وقلوبنا خلفنا داخل الجحيم المصطلي، تائقين الى يوم نجتمع فيه في أرضنا، يوم تنجلي الغمة، ويكون الموت طريقنا للحياة والنعيم. وإلى ذلك الوقت سنبقى أخوة الدمع، يجمعنا البكاء على فقد الأحبة والأوطان، ومستقبل بعيد غامض لا نحمل له في قلوبنا سوى أمل كبير كان أو صغيرا، لعله يكون مشرقاً كإشراقة إيماننا بأن "وما بعد الصبر إلا الفرج ".



#نور_شامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -لأول مرة-.. مصر تقرر تعليم أعضاء النيابة اللغة الروسية
- مغردون: كمين النابلسي فيلم هوليودي من إنتاج القسام
- طلاب من المغرب يزورون مقر RT العربية في موسكو (صور)
- لولو في العيد.. تردد قناة وناسة الجديد 2024 وتابع أفضل الأفل ...
- فيلم -قلباً وقالباً 2- يحطّم الأرقام القياسية في شباك التذاك ...
- أول تعليق من مصر على مشاركة ممثل مصري في مسلسل إسرائيلي
- مستقبل السعودية..فنانة تتخيل بصور الذكاء الاصطناعي شكل الممل ...
- عمرو دياب في ضيافة ميقاتي.. ما كواليس اللقاء؟
- في عيد الأضحى.. شريف منير -يذبح بطيخة- ليذكر بألوان علم فلسط ...
- ممثل مصري يشارك في مسلسل مع إسرائيليين.. وتعليق من نقيب المم ...


المزيد.....

- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نور شامي - أخوات الدمع