أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - محمود نفاخ - ما بعد الرحيل















المزيد.....

ما بعد الرحيل


محمود نفاخ

الحوار المتمدن-العدد: 4535 - 2014 / 8 / 6 - 15:17
المحور: الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
    


لا خبر يقين بعد , كلها مغلقة , يطلقون الرصاص على المارة دون إكتراث , أي سبب هذا الذي يدفعك إلى السفر ...؟؟



بدأت الحوامات دورتها الصباحية في سماء حلب , عدة أحياء هي تلك التي إستهدفت بالرشاشات , لكن بستان القصر نال حصة نوعية من البراميل المتفجرة , والتي تسببت يومها بمقتل بائع البسكويت وعشرات آخرون , على خلفية إغلاق معبر كراج الحجز من قبل الجيش الحر ...


رغم كل التحذيرات , قررت تفقد أوضاع المعابر الغير رسمية على الشريط الحدودي مع تركيا من إدلب , لا أستطيع تقّبل فكرة البقاء بمكاني , أكاد أخاف من عتمة ليالي سوريا .
ساعات حتى أيقنت أن وجود "حلة" عبور في المياه تعني وجود مدرعة تركية مقابلة لها ترصدها , إخترت أكثر المعابر إزدحاما حينها , عل هذا الإزدحام يحرك شيئا ما أجهله في عاطفة الأتراك ... ,لم أكن أتأمل الكثير منهم .. فالإنسانية تكاد لا تعني شيئا , أو حتى شيئا رخيصا لنا نحن السوريين .


على وقع الغبار المنتشر وعلى ألحان البكاء والصريخ , بدأ بعضهم بالخروج , وبعضهم بقي تحت الأنقاض يواجه موتا حارا قاسيا ظالما يلخص معاناة دولة بأكملها .. في مدينة كان يطلق عليها الشهباء .


الساعة 11:12 صباحا .. الجو حار جدا , كانت ظلال الإشجار بالقرب من نهر العاصي مكانا لا بأس به لتفادي الحر , كبار السن والأطفال يشغلون حيزا كبيرا في هذا التجمع .


"لوين بدنا نروح هلق" , قالتها بلهجة حلبية تدعو إلى القلق والخوف , وهي واحدة من نساء كثر في نفس الحي , يتفاوتن بشجاعتهن .. بعضهن يجهش بالبكاء ,أخريات بدأتن بتجميع ما تيسر من أغراضهن ...عبر أكياس خيش كبيرة , ومنهن من قرر الرحيل دون التفكير بالعودة , أما عن آخرين ... لم يفكروا مطلقا , أو لم يكن لديهم الوقت ليقوموا بذلك , هم الآن في أماكن , باللحظات الأولى , يصعب تحديدها .. تحت أكوام الحجر .


حوالي الألف شخص يتجمعون من حولي , يتدافعون إلى الوراء محاولين الإختباء , بين حين وحين , خوفا من قدوم " المدرعة " التركية التي لا تطلق نارا عشوائية كالتي تطلقها المروحيات عبر الرشاشات الثقيلة في حلب , بل إنها مزودة بكاميرا تجعل إصابتها محققة بكل تأكيد .


فرغ الحي , لا أحد يعرف مصير هؤلاء , بل إنه من المؤكد , يتمنون لو أنهم قتلوا مع جيرانهم علاوة على الرحيل والنزوح من الحي , المكان الذي فيه كبروا وتزوجوا وربوا أولادهم ودفنو أحبابهم .


مرت بسلام , يتلفظون بعبارات كتلك , ثم سرعان ما يعودون إلى حرف نهر ملئته الدماء قبل أيام , ينتظرون إشارة من القائم على المقطع " أبو محمد ", كي يحملو أمتعتهم والتي تتمثل بكافة الأغراض والأثاث الذي أستطاعوا الخروج به , وهم أحياء من منازل تكاد تكون سويت بالأرض.
بالقرب من المعبر نفسه الذي أقف , يمكن لك أن تلاحظ الحريق الهائل الذي جرى قبل عدة أيام , صهاريج متفحمة , براميل متفسخة , وأشجار جوز معمرة لم يتبقى منها سوى جذعها , فضلا عن 19 قتيل , يدلون على حدوث معركة تشبه مثيلاتها في معظم المناطق السورية , لكن السبب هنا يختلف .

عجوز مسن , من بعيد .. يبدو عليه أنه غاضب , كلما أقترب أكثر ... كلما إزداد الشرر في عينيه إحمرارا .., وقف أمامي , حدق إلى عيني مباشرة وقال : " مارح يخلوكون تعبروا من هون لك أبني , قومورا روحو عغير مقطع "...
تبين بعد جدال طويل مع القائم على المقطع أن هذا العجوز هو صاحب البستان الذي نجلس , وإنه لن يسمح لنا بالعبور حتى إذا سمح لنا الجيش التركي بذلك , لإن إطلاق النار بإتجاه بستانه قد يتسبب بتعطيل مضخة المياه التي يسقي بها أرضه من النهر .

العشرات ليلاً منهمكين , في معركة الـ 19 قتيل , كانوا كلهم يعملون في تهريب المحروقات , ما حصل هو إختلاف سوري سوري , ولكي يمنع منافسه المهرب من التهريب قبله , قام بقصف إحدى المدرعات التابعة للجيش التركي ما سبب قتال عنيف إنتهى بإغلاق الحدود وبمنع أي شخص كان من العبور والتهريب . .

عبست الوجوه , الحر .. الجيش التركي .. أخطاء فردية ... الرصاص .. العودة إلى الجحيم .. حلم العبور .. وأخيرا العجوز , علت الهتافات , إننا منهكون , فلتسمح لنا هذا اليوم فقط , إنظر إلى أطفالنا و أمتعتنا , هل تتخيل نقلها إلى معبر آخر كم سيكلفنا , هذا إذا سمح الجيش التركي لنا بالعبور .

أحاول أن أتخيل ما يدور برأس هؤلاء المهاجرين .. محاولة عبثية من أجل أن أمرر الوقت بسرعة , بمستقبل أفضل لأطفالهم , بالعودة قريبا , بوعورة طريق ما بعد النهر , إلى أين نحن ذاهبون وإلى متى ؟

4:39 مساءا , لا جديد , مجرد إشاعات تتحدث عن إمكانية فتح الحدود في الساعة السابعة , حيث أن العسكر يذهبون إلى المخفر الحدودي لتناول العشاء , أي ساعة من الوقت , سيقطع بها المئات و أغراضهم إلى الطرف الآخر , لا يمكن تصور هذا , أتخيل الفوضى التي ستحدث , لا أريد ...

6:16 مساءا , أحارب عقلي , يأبى إلا أن يحدثني عن الجوع , ويحذرني من أن أموت جائعاً برصاصة طائشة , من خلفك ... يقول لي , هنالك طرق أسهل للموت , لا جوع فيها ولا بكاء ... إنتفضت هذه الإفكار بسرعة بعد سماع أبو محمد القائم على المقطع وهو يقول تراجعوا .. بسرعة ... لورا .,, لورا...

لم يطلقوا النار , بل إكتفوا بالوقوف على الطرف الآخر وهم يشاهدون عذابنا .. ثم ماهي إلا دقائق وذهبوا ..

خطط أبو محمد على ترحيل النساء والأطفال أولا ومن ثم الرجال والأغراض , إلا أنها بقيت خطة فشلت في معظم بنودها ..
7:00 مساءاً , لا جنود على الطرف الآخر , تم فتح القفل الذي يربط الطوافه بحرف النهر , تدافع العشرات , بعضهم سقط أرضا ً من كثرة الإزدحام وعتمة المغرب , بدأت عملية دحرجة الأغراض , بعضهم حاول دفع كلفة العبور ليسمح له القائم بالعبور أولاً , وبعد فشل العملية حاول أن يرفع السعر ..!!
بدأت السيارات المتعاونة مع " أبو محمد بالتجمع على الضفة الأخرى للنهر , والتي تنحصر وظيفتها بنقل العابرين إلى أول طريق مزّفت ( بر الآمان ) تمر منه سيارات السفر .
15 شخص يعبرون بكل رحلة , تستغرق كل واحدة 2 دقيقتين , لم أحظى بالفرصة بعد , فالعائلات أولى بالعبور .مع أول عائلة ,و عند إقترابها من بر الأمان سقطت إحدى الفتيات في المياه وهي تحاول إلتقاط أغراضها , إختل التوازن بسرعة حتى سقطت رفيقتها من الطرف المقابل للطوافة , بصوات واحد علا الصريخ , وإزدادت الآلام.

بعد عدة رحلات , تم الكشف عن طوافة أخرى مختبئة بين الأشجار , للأفراد الذين جاوؤا بمفردهم , ما يعني أنا , دولاب هوائي عليه قطعة خشب , وأحدهم يدفع الراكب سباحةً لإيصاله , لا خيار آخر ... وافقت , دفعت , صعدت , صعدت أنفاسي معي وأشتد وقعها , بصعوبة تمشي الثواني , أفكر بأنني لا أصدق أنني أعبر الآن , أخاف السقوط في المياه , أبكي السفر , أحن للوطن , أشتكي التخاذل , أدفن الإنسانية أئن لهدير عجلات المدرعة تقترب , صوتها يعلو ., لا يسعني النظر أو التحرك لمعرفة الوقت .. إنتهت الساعة ؟ أنا آخر من عبر ؟ .. وصلتُ , نزلتُ مسرعا , كنت آخر ركاب هذ الشاحنة الصغيرة التي تقل حوالي الــ 45 إنسان إلى مصير مجهول .. وصلت الآلة المخيفة بالتزامن مع إنطلاق سيارتنا كالمجنونة , تجاوزناها بأمتار حينما بدأت بفتح النار على كل من هو ينتظر النجاة .
بأصوات الله أكبر ختمتُ هذا المشهد وإبتعدت , أعلو وأنخفض على متن السيارة من وعورة ذاك الطريق , مع وصولنا ... وجدنا بضع نسوة وأطفال يفترشون الرصيف , قالوا أنهم ينتظرون أزواجهن , حيث أنهن قطعوا بدونهم , أو أنهم عادوا لنسيان بعض الأكياس بحسب قولهم ... إنتظروا كثيرا , لم تأتي سيارة بعدنا تقل أي راكب ... طال إنتظارهن كما طالت الحرب .. وترملوا الزوج والوطن !



#محمود_نفاخ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نتنياهو لعائلات رهائن: وحده الضغط العسكري سيُعيدهم.. وسندخل ...
- مصر.. الحكومة تعتمد أضخم مشروع موازنة للسنة المالية المقبلة. ...
- تأكيد جزائري.. قرار مجلس الأمن بوقف إسرائيل للنار بغزة ملزم ...
- شاهد: ميقاتي يخلط بين نظيرته الإيطالية ومساعدة لها.. نزلت من ...
- روسيا تعثر على أدلة تورّط -قوميين أوكرانيين- في هجوم موسكو و ...
- روسيا: منفذو هجوم موسكو كانت لهم -صلات مع القوميين الأوكراني ...
- ترحيب روسي بعرض مستشار ألمانيا الأسبق لحل تفاوضي في أوكرانيا ...
- نيبينزيا ينتقد عسكرة شبه الجزيرة الكورية بمشاركة مباشرة من و ...
- لليوم السادس .. الناس يتوافدون إلى كروكوس للصلاة على أرواح ض ...
- الجيش الاسرائيلي يتخذ من شابين فلسطينيين -دروعا بشرية- قرب إ ...


المزيد.....

- من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية / مرزوق الحلالي
- الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها ... / علي الجلولي
- السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق ... / رشيد غويلب
- المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور ... / كاظم حبيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟ / هوازن خداج
- حتما ستشرق الشمس / عيد الماجد
- تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017 / الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
- كارل ماركس: حول الهجرة / ديفد إل. ويلسون
- في مسعى لمعالجة أزمة الهجرة عبر المتوسط / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة - محمود نفاخ - ما بعد الرحيل