أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي فاخر الموسوي - إسرائيل وداعش .. وحدة المضمون وتعدد الأدوار ... والخديعة الكبرى















المزيد.....


إسرائيل وداعش .. وحدة المضمون وتعدد الأدوار ... والخديعة الكبرى


قصي فاخر الموسوي

الحوار المتمدن-العدد: 4532 - 2014 / 8 / 4 - 01:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لندن – قصي فاخر الموسوي
2 أغسطس 2014
يُلفتُ التشابه الكبير بين الاسلوب الإسرائيلي المعلن في شن الهجمات الإجراميّةِ القاسية على أهل غزة شيبا وأطفالا ونساءا خلال شهر يوليو المنصرم وإلى الساعة.. وعلى الفلسطينيين واللبنانيين خلال فترات الاشتباك التي وقعت لفي السنين الماضية كله من جهة.. وما تقوم به (داعش) في العراق وسوريا وفي أماكن متفرقة من جهةٍ أخرى، يُلفتُ الإنتباه لدى إيِّ مراقبٍ مثيراًعددا لا يحصى من التساؤلات.
فهل يمكن أن نعزو ذلك الى طبيعة الأديان التي ينتسب اليها الجانبان؟ إم إلى طبيعة التشدّد والتطرف التي تسم الحركة الصهيونية من جهة والحركات الإسلامية المتطرفة من جهة ثانية لغرابية الأهداف التي يرمون إليها؟ أم أنَّ الأمرَ مختلف تماما وهو لا يعدو كونه وحدةًفي جهة التخطيط والتأثير في قرارات الجانبين؟
إنَّ أصعب ما يمكن مواجهته في عملية التوصل إلى تحليل مقنع في هذه القضية هو تحديد بداية الأمر الذي نزمع دراسته وبحثه.. فهل سنرجع الى عام 2001 والهجمة الإرهابية التي استهدفت برجي التجارة العالمية في نيويورك؟ أم إلى أحداث افغانستان التي سبقت ذلك الحادث بكثير؟ أم الى الحرب العالمية الأولى؟ أم الى الحروب الصليبية أم الفتوحات الاسلامية؟.
لا شك أن التاريخ مترابط كخرزات المسبحة التي تنتظم مع بعضها البعض في مدارٍ موّحد لتكوين تلك المنظومة المعيّنة.. ولكن لا مناص من الإكتفاء بالرجوع إلى انشقاق خبير المعلوماتية (إدوراد سنودن) وسيل المعلومات التي كشف عنها ونثرها هكذا على الناس ففقدت قيمتها للكثيرين كما فقدت المعلومات التي القاها ( جوليان آسانج مؤسس موقع ويكيلكس) ليتحول الإثنان إلى رهينتين ضمن عقال عملهما يعيش أحدهما في السفارة الاكوادورية في بريطانيا منذ سنتين والثاني في موسكوضمن حالة لجوء مؤقت.
فقد الإثنان حريتهما إلا أنَّهما تمكنا من إلقاء قنبلة حقيقية إقترنت مع دويٍّ كبير يحتاج الخبراء والاخصائيون والمفكرون حينا من الدهر لاستيعابها وإدراك آثارها ونتائجها وربط شتات تلك الآثار وتبيين ما ستؤدي إليه.
وكان بين المعلومات التي سربها (سنودن)ملفٌ خاصٌ بالمنطقة الإسلامية يتضمن خطةً أُعِدت لإصابة المنطقة العربية باسرها بمقتل يفقدها القدرة على النهوض أو التأثير على المصالح الستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية وربيبتها إسرائيل بإعتبارها خط الدفاع المتقدم عن تلك المصالح.
تتلخص الخطة التي تفتقت عنها ذهنية شيطانية جمعت الدهاء الانجليزي والمكر الاسرائيلي الصهيوني والغرور والقسوة والإستهتار الامريكي للسعي في إثارة الارهابيين التكفييرين الذين خروجوا عن سيطرتهم ودفعهم بواسطة نداء الواجب للتجمع في مكان واحد، ثمَّ تحريضهم على قتل أنفسهم بمختلف الطرق.
وللوقوف على تفاصيل الخطة والخطوط العريضةِ لها يمكن مراجعة الرابط التالي (http://www.liveleak.com/view?i=321_1405221343) وروابط اخرى عديدة نشرت تفاصيل ما كشفه سنودن حول هذه القضية تحت مسمى (عش الدبابير).
إنَّ الحركة السريعة والمدروسة والانتقال السريع من مرحلة إلى أخرى من قبل داعش وبشكل لافت، يوحي بوجود مخطط مطلوب تنفيذه بسرعة ودون إتقان، فالاستعجال مقصود ليضفي على القضية بعدا آخر وهو خلق حالة من الفصام والتضارب النفسي الذي يترك الإنسان نهبا للتفكير المضطرد في أنَّ الأمر مما لا يمكن مواجهته أو إستيعابه.
قد يقول قائل الآن بان قضية عدم إسلامية الأفراد المنضوين تحت لواء تنظيم داعش الظلامي، أمرٌ مفروٌغ منه، فما الذي يريد كاتب المقال إثباته؟
الحقيقة أنَّ الأمر غير ذلك تماما فلو أنَّنا بحثنا في ركام التراث التاريخي والروائي والفقهي المنسوب الى الإسلام لوجدنا ما يمكن به إسناد كل عمل - على إنفراد - قامت به داعش إلى الاسلام بطريقة أو بأخرى. فالتهمة بأنَّهم غير إسلاميين أو غير مسلمين تكاد لا تلبسهم.
كذلك فقد ظهر إنَّ مقولة (الاسلام دين رحمة وسلام) ستتهاوى عند أول إختبار، سيما وأنَّ من ينبرون للتصدي للافتاء يفتخرون على القنوات الفضائية وأمام الكاميرات بالقتل والذبح والسلخ واستعباد الناس وسبي النساء وإمتلاك الناس ومصادرة حرياتهم .. وكلُّ ذلك بإسم الله تعالى .. وكلُّ ذلك له سند من فقه أو حادثة تاريخية او مقولة منسوبة للرسول محمد أو صحابته أو التابعين أو من يُطلق عليهم علماء الأمة.
عليه فإنَّ المطلوب هو فهم القضية في إطارٍ آخرٍ مختلفٍ تماما .. ومن أجل ذلك لنا أن نسأل السؤال التالي: هل يتوقع قادة داعش – مع افتراض أنَّهم صادقون في مدعاهم وأنَّهم يعتقدون بأنَّهم مسلمون – أنَّ خلافتهم قادرة على البقاء أو كما يقولون (باقية وتتمدد)؟ هل يمكن لمن يريد ان يحكم الناس بالسيف والبندقية والإنغلاق والتشدد أن يقيم حكما؟ أيَّا كان نوع هذا الحكم؟ وكيف سيتمكن من ذلك والناس مشارب وأذواق؟ كما أنَّ الله تعالى اعطى للناس حرية الاختيار بين الكفر أو الإيمان؟
المرجح أنَّ أحدا ممن يقودون العمل الآن في هذا التنظيم لن يجيب بالإيجاب.. هم كلهم يدركون بأنَّ الأمر لا يعدو كونه سحابة صيف ستمر .. والدليل أنَّهم لا يكشفون عن وجهوهم ! فهل من يظنُّ أنَّ الله قد مّنَّ عليه بإقامة حكم إلله وأنَّه مخول من قِبَلِ إلله لإقامة الخلافة الإسلامية وهو مقبل على الموت لا يأبه أوقع على الموت أم وقع الموت عليه يلجأ إلى إخفاء وجهه؟. يبدو الأمر مضحكا.
لا يخفى على اللبيب أنَّ عملية التلثُّم التي يُصرَّ عليها الداعشيون تحققُ للتنظيم أهدافا كثيرة منها:
• الحفاظ على كوادره من الأعداء وتسهيل تحركهم خلف خطوط أولئك الأعداء.
• المحافظة على الشخصيات السياسية المساندة للتنظيم والمنسقة لاعمالها معه وذلك للابقاء عليهم في العملية السياسية كعناصر جمع معلومات عن نقاط ضعف الحكومات التي يقاتلها التنظيم. فاللقاءات عادة ما تتمُّ بين اشخاص عاديين مع بعض السياسيين في بعض المناطق الساخنة أو الباردة.
• تحقيق مبدأ المراقبة الفعالة على كل عناصره لأنَّ الأتباع سيكونون في قلق دائم من أن يكون أحد منزوعي اللثام ممن يقفون حوله، واحدٌ من عناصر التنظيم الذين سيسلخون جلده بعد ساعات إذا هو اإرتكب ما يخالف هوى التنظيم أو أعلن عن أنتمائه من أجل المال أو نتيجة الإكراه أو ما شابه.. بذا يكون التنظيم قد ربط أعضاءه برباط قوي و أحكم قبضته عليهم.
إلا أنَّ هناك أهدافا أخرى قد تكون مقصودةً أيضا وهي التي يجوز أنْ تخطر على بالنا لمعرفتنا الإجمالية بأساليب المخابرات في العمل في مثل تلك الظروف وإستنادا الى الدخان الذي سرَّبه العميل السابق أدوارد سنودن - كما أشرنا آنفا - ومنها ما يلي:
• تسهيل الإستفادة من عدد من الخبراء الأجانب والشخصيات العسكرية والإستخبارية التي يتعاون التنظيم معها وتقوم بتقديم خدماتها الميدانية له في الظروف الحرجة، فهؤلاء لا يمكن كشفهم لا للآخرين ولا لأفراد التنظيم حتى، والمقصودون هم اولئك الضباط وحملة الرتب العسكرية أو المدنيَّة المختلفة من القطريين والاتراك والسعوديين والاسرائيليين. وهنا لا بدَّ لنا أنْ نُذكِّر بالمجموعة التركية التي قيل أنَّهم من الدبلوماسيين وأن التنظيم اعتقلهم في القنصلية التركية في الموصل ثم أطلقّ سراحهم لاحقا ولا ندري كيف حصل ذلك.
• تسهيل الإستفادة من نفس الأشخاص في تصوير الأعداد الكبيرة لأعضاء التنظيم والمنضوين تحت رايته المكفهرة فافراد التنظيم في حركة مكوكية بين مختلف المناطق التي يوحون بسيطرتهم عليها وهم حاضرون كأفراد الكومبارس للتصوير ورفع الرايات وإنشاد الأناشيد.
• تسهيل إذابة المجاميع التابعة للتنظيم في حالات الخطر والتراجع والإندحار فبمجرد ان تنكشف اللثامات يتحول افراد التنظيم إلى رجال عاديين يندمجون في المجتمعات المحليَّة بسهولة ويسر.

الآن يحقُّ للقارئ الكريم أن يسأل عن الدوافع التي تدفع طرفين متناقضين الى التعاون الفعال بهذه الطريقة؟ أيّ ما الذي يربط داعش بقطر وبتركيا وبامريكا وإسرائيل والسعودية وداعش لا عهد لها ولا أمان؟ كيف التقت المصالح الى هذه الدرجة؟.
أظنَّ أن التأمل البسيط في احوال المنطقة وظروفها والتعمق في أبعاد القضية وملابساتها سيوصلنا الى الجواب بسهولة. فلو عدنا إلى العقود القريبة المنصرمة سنجد ان تأسيس القاعدة في افغانستان لم يكن أكثر من مكيدة امريكية لطرد السوفيت من افغانستان.
ثم تطور الأمر بعد نجاح التجربة وتحولتبقيّةُ السيف التي كان جلُّ أعضائها من دول الخليج، إلى عبء على دولهِوهي تمثل مرتع المصالح الأمريكية فصِيرَ إلى تقطيع اوصال تلك القاعدة الى قواعد - حمع قاعدة - ومحاولة تفتيها وتحويلها إلى مجرد حطام.
إلا أنَّ الخروج من الحمام ليس كدخوله كما يقولون فقد تحول البعض من اولئك المتمرسين على القتال إلى بؤر فعالة في نشر الفكر التكفيري الذي أُريد له أن يواجه القوات السوفيتيه ليس إلا.
وفي هذه المرحلة صار لزاما على أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية التعاون مع المخابرات المحلية في دول الخليج وسائر دول الشرق الأوسط بل وحتى دول الطوق - سوريا ولبنان والأُردن - لملاحقة تلك الخلايا والحرص على منعها من دخول الغرب والقيام باعمال متهورة هناك.
ولكن َّالسيف كان سباقا تلك المرة أيضا وحدثت كارثة عام 2001 التي غيّرت وجه العالم وتمَّ تدمير برجي التجارة العالمية، تلك الحادثة التي اشيع في بعض التحليلات أنَّها من أفاعيل الصهاينة الذين كان احدهم يمتلك البرجين والذي كان قد أمَّنَ عليهما قبل مدة وجيزة في عمر التأمين.
عموما لا نريد الخوض في ذلك كثيرا، إلا ان اللعبة اصبحت اكثر تعقيدا وصار لزاما إخراج القاعدة من تحتِ قيادة الرجل الذي ازعج الامريكان إما لغبائه أو لجسارته المفرطة الا وهو أسامة بن لادن وهكذا كان.
كان لمقتل اسامة بن لادن أثر الزلزال على القاعدة بعد ان صعد الظواهري الى قيادة التنظيم فساهم بشخصيته المفتقدة للكارزما الكافية التي كان بن لادن يتمتع بها بين انصاره ولإفتقاره للحنكة التي كانت تميز الأول ما ساهم تفتيت التنظيم وإطلاق يد الأمريكان والإسرائيليين لأخذ زمام المبادرة والابقاء على الظواهري مجرد خيال مآته.
هنا تمَّ الدفع بشخصيتين هامتين لقيادة القاعدة في بلاد الرافدين، أبو مصعب الزرقاوي السكير المدان في اكثر من منسبة والاردني الدموي الذي لا يتورع عن شيئ والمستعد للتحالف مع الشيطان من أجل تحقيق مآربه، ومن بعده النجم الصاعد الذي جرى تفصيله على المقاسات المطلوبة ألا وهو ابو بكر البغدادي .
اللعبة المخابراتية لا ترحم والموافق على اللعبة عليه ان يلعبها بكل مخاطرها فالادوار حقيقية وكل شيئ يجب ان يبدو حقيقيا للغاية.
قُتل ابو مصعب الزرقاوي واطلق سراح البغدادي الذي رصدت الحكومة الامريكية عشرة ملايين دولار لمن يساعد في القبض عليه، أُطلِقَ سراحهُليكون البديل المعقول .. والخليفة المرتقب.
تألق البغدادي وارتقى بسرعة مهولة ورصد له بعد اطلاق سراحه من السجون الامريكية عشرون مليون دولار لبناء تنظيم (عش الدبابير) وكان له ما اُريد. (لمعرفة المزيد حول إعتقال وابو بكر البغدادي في عام 2004 وإطلاق سراحه في عام 2009 من سجن بوكا الذي أغلق في ذلك العام راجع أرشيف صحيفه الـ"واشنطن تايمز" الامريكيه).
كانت المخابرات السورية قد ساهمت ولمآرب خاصة في تطوير كفاءة الإرهاب ودعمه لإشغاله بالعراق وللمساهمة في تمزيقه وإبقائه ضعيفا لا يمكنه المناسفة على المواقع والادوار الهامة وللوقوف مع بعض من صوروا لبشار الاسد أنَّ الأمر سيعود على المخابرات السورية وعلى الحكومة السورية بالفائدة.
كانت سوريا منطلقا لكل التفجيرات التي تحصد أرواح المئات والالاف من ابناء الشعب العراقي المغلوبين على امرهم، حتى أنَّ اللافتات التي تنعى الضحايا كانت تشير في اغلب مدن العراق الى ساعة وقوع الانفجار بالتوقيت السوري بدلا من العراقي في إشارة إلى ان الجميع كان يعلم دور سوريا القذر آنذاك.
إلا أنَّ اللاعبين الاساسيين لم يرقهم تدخل السوريين وسعيهم للامساك بمفاتيح اللعبة سيما وهم يدعمون حزب الله من جهة وتدعمهم إيران من الجهة الثانية.. تلك الجمهورية الإسلامية التي تمثل الخطر الصاعد في المنطقة على إسرائيل لما حملته من عداءٍ معلن يمثل جوهر وجودها وديمومتها ولما تمكنت من تحقيقه على الصعيد التسليحي.
صدر القرار لاحقا وبعد نوبه ثورات الربيع العربي التي ما ان تفجرت حتى تفتقت قرائح المراقبين الطامعين المعتكفين في أروقة المخابرات عن أساليب مختلفة لإطفاء جذوتها وامتصاص آثارها واعادة الأمور إلى أسوأ مما كانت عليه قبل ذلك.
تمَّ قمع الثورات السلمية منها بالقوة كما حدث في البحرين واليمن - لأنّها الوحيدة القادرة على البقاء والتطور - أو بزراعة حركات متطرفة غير راغبة في العيش بسلام حتى مع نفسها كما حدث في ليبيا وتونس أو بتفجير الوضع في بعضها الآخر لإدخالها في النفق المظلم كما في سورا والعراق.

كل هذا معروف ومدرك لدى الجميع ولكنّ ما الحاجة إلى داعش؟
نعم داعش، ذلك التنظيم الذي تمَّ إستيلاده ورعايته من رحم المأساة في المنطقة كان ضروريا لجلد الأمة وللايلاغ في جروحها حتى تصاب بمقتل ولا يمكن لها أن تصحو من غيبوبتها التي ستُدفع إليها دفعا.
إنَّ المقارنة بين ما يجري اليوم في غزة وكيف يبالغ الاسرائيليون بضرب المدنيين وهم يعلمون أنَّ نسبة خسائر حماس نتيجة ضرباتهم لا تتجاوز 10% وبين ما تقوم به داعش من إطلاق للنار على السيارات المدنية في الطرق العامة او جلد الناس على امور تافهة او منع النساء من مغادرة البيوت وإرغامهن على ما تسميه جهاد النكاح والايغال في دماء الابرياء وتهديم البيوت وذبح المعتقدين بغير عقيدة الذبح والتنكيل .. وغيره كثير .. ينبي عن حالة واحدة وعن مطلب واحد يريده القائمون على صنع القرار في الفريقين، ألا وهو: كسر نفسية المجتمع وإصابته بمقتل.
تماما كما يحصل حينما يلجأ أحدهم إلى ضرب خصمه ضربا مبرحا دون التفكير في إنهاء حياته وتركه لكي يعيش باقي حياته كسيحا او طريح الفراش.
في ذات السياق يأتي التأكيد على تلميع صور بعض المجرمين وإظهارهم بمظهر سينمائي ملفت وتاتي عمليات صياغة الاناشيد التي تحول الكلام المقزز الممقوت إلى نشيد يُتغنى به ليساهم في خلق حالة من التناقض والفصام الداخلي في النفس الاسلامية فكما أنَّ اعضاء الدبلوماسية الاسرائيلية يجوبون البلدان بحثا عن أية مقالة أو كلمة تقال هنا أو هناك عن الهولوكوست او ما شابه لرفع قضية قانونية يتهمون فيها هذا او ذلك بمعاداة السامية، يأتي البغدادي او الخاتوني بحلّة مدروسة بعناية وبفيديو يتمُّ إخراجه وصياغة مقاطعه بطريقة احترافية ليصلي بالناس كما صلى بهم الامويون والعباسيون، ودون ان ينسون وضع ساعة اليد السويسرية في يسراه لخلق حالة الفصام التي اشرنا إليها.
أضف إلى ذلك كُله فإنَّ حالة التوافق في الخطاب الإعلامي بين مؤسساتإاعلامية عريقة في تكريس حالة الإنحياز والتزامها الوقوف مع داعش ومن يقفون معها رغم إدعاءاتهم بأنَّهم يقفون ضد الإرهاب ومنع محطات وقنوات فضائية من التعبير عن رؤيتها من قبيل المنار او العالم وأمثالها ليس له إلا معنى واحد وهو وجود مخطط مدروس ومتفق عليه.
من المؤشرات على ذلك أن بعض المؤسسات الاعلامية العريقة لا تقبل بنطق الاسم داعش وانما تتحاشاه وتؤكد على الاسم الذي تدعيه داعش من انها تمثل (الدولة الاسلامية)أو (تنظيم الدولة الإسلامية) في مقابل قبولها بلإسم (حماس) كمختصر لحركة المقاومة الاسلامية.
مضافا إلى أنّها تنحدر في مهنيتها إلى مستوى مخجل فتعتبر وفاة جندي سوري او عراقي واحد خبرا يستحق النشر في نشرات اخبارها الرئيسية بينما لا ترتقي عمليات منسقة ومدروسة للقضاء على اعداد كبيرة من تنظيم داعش إلى أن تكون خبرا أصلا.
إنَّها تعتبر ما يجري في إسرائيل (عنفا) ينبغي ان يتوقف وتعتبر صواريخ حماس إرهابا وجريمة حرب حتى وإن لم يؤد إلى مقتل احد – كما صرح بذلك مندوب اسرائيل في الأمم المتحدة – بينما تعتبر الصواريخ التي تقتل في كل دقيقة طفلا وسيلة للدفاع عن النفس.
إنَّ التشابه في الخطاب الإعلامي يؤكد وبما لا يقبل الشك بأنَّ الجرم واحد والمجرم واحد والمخطط ينتمي الى نفس المدرسة وهو ما يؤكد التقارير التي تسربت وتشير الى ثلاثة امور مهمة:
1. أنَّ البغدادي صنيعة اسرائيلية ومجند جرى تجنيده وتدريبه في معسكرات الموساد وإنّه كان مطلوبا لامريكا ثم تحول الى متهم برئ نتيجة عدم كفاية الادلة، ثمّض إلى حليف تفتح له مستودعات الاسلحة الامريكية وتغلق من أجل عينيه عن العراق رغم اعتراف الامم المتحدة بأنَّه يواجه حربا إرهابية قد تؤدي إلى تمزيق نسيجه بما يهدد المنطقة باسرها بتدهور كبير.
2. أنَّ التمويل خليجي وبتوجيه اسرائيلي وأمريكي.
3. أنَّ ما يجري لا علاقة له بالدين او الطائفة او الخلاف الفقهي بين السنّة والشيعة وإنَّما هو غطاء لقضية أعمق.
إن المتوقع من الاسلوب الداعشي - الاسرائيلي - وهو واحد كما هو ظاهر للعيان - ولمجرد التذكير فإن عصابات الهاغانا الاسرائيلية استعملت نفس الاسلوب عندما قررت إقامة دولة اسرائيل قبل ما يقرب من قرن من الزمان–والرامي إلى المبالغة بجرح الأمة المتطلعة الى الأمن والسلام والديمقراطية يرمي إلى تحقيق الأهداف التالية:
• كسر الآف الحواجز التي كانت تحول بين التوجهات المختلفة في داخل المجتمعات الإسلامية ودق أسافين متعددة بين مختلف المجموعات على أسس متفاوتة وعلى أساس العرق والدين والطائفة والمنطقة والثروة التي تملكها المنطقة وتفتيت المفتت إلى أقصى ما يمكن من التفتيت، للقضاء على أيِّ أمل بتكرار تجربة الربيع العربي سواء في المستقبل المنظور أو في المستقبل البعيد لان الجسد النازف من كثرة الجروح لن يتمكن أصلا من الوقوف على قدميه.
• خلق حالة لدى المسلمين بالشك في كل ما يمكن أن يكون له حقيقة عبر خلطه بكميات هائلة من التطرف والكذب والخداع والإستنتاجات غير المنطقية لقتل أيّة روح لدى أيّةِ مجموعة تدعي أنَّ الأسلام - أو مجموعة منه أو طائفة منه - يمكن ان تمثل جانبا انسانيا أو حتى حيوانيا يمثل الحد َّ الأدنى من المقبولية لدى أي عاقل. فالقتل مبرر والنهب مبرر والاعتداء مبرر والاغتصاب مبرر ومصادرة الحريات مبررة وكل ذلك باسم الاسلام الذي لم يبق له أب.
• دفع مجموعة الحكام العرب والمسلمين المنهارين والذين تسلطوا على مقدرات شعوب المنطقة نحو المزيد من الإيمان بضعفهم وبعبوديتهم لإسرائيل باعتبارها القائد الأوحد والضرورة لحمايتهم من غضبة شعوبهم المقهورة وبقدرة الاخيرة على التلاعب بهم في أيِّ وقت تشاء لأنَّها تمتلك خيوط اللعبة كاملة وما تعيين وإقالة مسؤولي المخابرات في السعودية إلا مثال على التخبط الذي تعيشه المملكة. وما التصريحات التي خرج بها العاهل السعودي مؤخرا والتي يفترض أنَّها لشجب الجرائم الاسرائيلية إلا دليل بيّن على ما نقول . فقد بدأ الملك السعودي بالاشارة المقتضبة الى جرائم اسرائيل ثم انتقل للحديث عن الارهاب وان المسؤولية تقع على الجمع في محاربة الارهاب والارهابيين الذين شوهوا صورة الاسلام وهو طبعا يقصد حماس لا غير لأنَّ الآخرين إنّما هم أدوات طيعة بأيدي مخابراته.
• إخافة الجميع من لعنة (الدولار العاري) الذي تلوح به الولايات المتحدة الامريكية امام كل من تسول له نفسه التفكير - مجرد التفكير ولو بصوت غير مسموع - في إمتلاك ما يملك أو وضع اليد حتى على ما يملك - لاحظ مثلا ان السعودية تمتلك 6 تريليون دولار مودعة في البنوك الامريكية لا يمكنها أن تحرك منها أكثر من 1% - وتأتي عملية دفع داعش للاستيلاء على بعض آبار النفط والسعي للحصول على مصافي للتكرير في هذا الإطار لإظهار أنَّ الولايات المتحدة وإسرائيل لديها الإمكانية الكافية للسيطرة على النفط بطريقة غير مباشرة وتسويقه إلى أسواقها عبر اساليب مختلفة بينها التمرد الكردي في العراق او الصادرات الداعشية الى تركيا بعُشر قيمة النفط في الاسواق العالمية.
• تمهيد السبيل أمام اسرائيل لتحقيق أحلامها المناطقية في الإستحواذ على أكبر قدرٍ ممكن من الأراضي القريبة من إيران - تحت ذريعة التراث الديني المقدس- لنصب معداتها من جهة وللعودة الى تلك الأحلام التاريخية والاستحواذ المبرمج على التراث الموجود هناك. وفي التقارير التي نشرها (وين ماديسون)حول مخططاتاسرائيل لنقل اليهود الاسرائيلين الأكراد الى محافظة نينوى بعد قيام بعض الوسطاء الإسرائيليين بعمليات شراء للاراضي والعقارات بدأت عام 2003 ، ساعدهم فيها الأكراد ردا للجميل، صور مخزية للغاية عمّا يجري خلف الكواليس. وهنا لا بدَّ لنا من الإشارة الى ما قامت به داعش من تفجيرٍ للمراقد في الموصل ليس حبا منها في التوحيد وإنَّما رغبة في مساعدة الخبراء الإسرائيليين المتواجدين بكثافة في أربيل والسليمانية وفي الموصل نفسها على الإستحواذ على التاريخ كما يستحوذون على الحاضر فصادروا مئات المخطوطات في البين من عمليات احراقٍ رمزية قام بها تنظيم داعش تحت مسمى إحراق كتب الضلال.
• قتل أيّة فكرة للمطالبة بالحقوق من الدول الغربية نتيجة تصدي هؤلاء القتلة المجرمين من أمثال داعش للحديث عن حقوق الناس وعن المظلومية التي طالت في جثومها على صدر الامة من قبل دول الاستعمار والامبرالية وحكوماتها منذ مطلع القرن الماضي إلى اليوم.
• محاولة إفراغ الشرق الأوسط من المسيحيين الاصليين سواء عبر المحاولات الدؤوبة في سوريا أو المحاولات الاخيرة في الموصل لتحقيق هدفين الأول حمايتهم نزولا عن الرغبات الغربية والفاتيكان وطردهم نزولا عند الرغبات الاسرائيلية فاسرائيل لا ترى فيهم الإ عنصرا مزعجا آخر حاله حال المسلمين بينما يرى الغربيون انهم مسيحيون بالنتيجة تنبغي رعايتهم وما العرض الفرنسي لإيوائهم إلا محاولة لاستكمال فقرات المخطط التدميري الكبير. وهو ما التفت إليه بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس في البيان الذي أصدرته مؤخرا رافضة العرض الفرنسي بل وأيّ محاولة لافراغ الشرق من مواطنيه الأصليين.

هل ستنجح المخططات في إجهاض وعي الأمة في هذه المنطقة من العالم؟ يبدو أنَّ الأيام حبلى بالمفاجئات والله اعلم.



#قصي_فاخر_الموسوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطائرات المدنية في خطوط الاشتباك .. ماهي خطوة داعش المقبلة؟


المزيد.....




- Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
- خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت ...
- رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد ...
- مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
- عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة ...
- وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب ...
- مخاطر تقلبات الضغط الجوي
- -حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف ...
- محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته ...
- -شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا ...


المزيد.....

- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - قصي فاخر الموسوي - إسرائيل وداعش .. وحدة المضمون وتعدد الأدوار ... والخديعة الكبرى