موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 4529 - 2014 / 7 / 31 - 02:00
المحور:
العولمة وتطورات العالم المعاصر
المقدمة :
في هذا العمل أسعى لتناول {العولمة} ليس تأييدا أو معارضة لها , و إنما تناولها من منطلق الشك فيها كحقيقة واقعة و في ماهيتها , و إن نحن بصريح القول نحتاج لإعادة نفض الغبار الفكري عن عقولنا و كتبنا , لنبدأ نقدا إمتنعنا عنه إما لجبن أو كسل يصيب الأنفس ... و إما عن تسليم (معتقدات) ترى أنها فوق النقد بل و لاغية له بمنطق اللا نقد .
و في ذلك يبدأ هذا العمل بتناول و من ثم و أخيرا بتناول نقاط نرى أنها تصيب العولمة المزعومة في مقتلها .. و هي إن تشكل شبكة مترابطة إلا أن المحاولة لتبسيطها عبر تجزيئها لسهولة فهم ما يدعو الواقع إليه ... نفهمه كما هو لا كما نحن نريد أو كما نحن معتقدون , و النقاط بالتتالي :
1) ظهور مركز إشتراكي .
2) إعلان رامبوييه .
3) مسخ الإقتصاد .
4) الإمبريالية و العولمة .
5) الشركات المتعددة الجنسيات .
{{ البدء مع الإيديولوجيا }} :
يمكن أن نعرف أو على الأقل نقترب من مفهوم الإيديولوجيا إنطلاقا من إستعمالاتها , فهناك خمس إستعمالات رئيسية للإيديولوجيا (1) :
1) إستعمال القرن 18 : حيث تعني الإيديولوجيا الأفكار المسبقة الموروثة عن عصور الجهل و الإستعباد و الإستغفال , فيتقابل في هذا الإستعمال (التقليد الجاهل مع العقل الكاشف عن الحقيقة البديهية .. و هو عقل لا يختلف في الفرد و في الإنسانية جمعاء ) , فهو إذا ينظر إلى الإيديولوجيا إنطلاقا من العقل الفردي .
2) إستعمال الفلاسفة الألمان _هيجل و الرومانسيين بوجه خاص_ : حيث تعني الإيديولوجيا منظومة فكرية تعبر عن الروح التي تحفز حقبة تاريخية إلى هدف مرسوم في خطة التاريخ العام , فهو إذا ينظر إلى الإيديولوجيا إنطلاقا من التاريخ كخطة واعية بذاتها .
3) الإستعمال الماركسي : حيث تعني الإيديولوجيا إنعكاس بنية النظام الإجتماعي , فهو إذا ينظر إلى الإيديولوجيا إنطلاقا من البنية التحتية للمجتمع الإنساني الذي يتميز بإنتاج وسائل إستمراريته .
4) إستعمال نيتشه : حيث تعني الإيديولوجيا مجموعة الأوهام و التعليلات و الحيل التي يعاكس بها الإنسان (الضحية) قانون الحياة , فهو إذا ينظر إلى الإيديولوجيا إنطلاقا من الحياة كظاهرة عامة تفصل عالم الجماد عن عالم الأحياء .
5) إستعمال فرويد : حيث تعني الإيديولوجيا مجموع الفكرات الناتجة عن التعاقل الذي يبرر السلوك المعاكس لقانون اللذة و الضروري لبناء الحضارة , فهو إذا ينظر إلى الإيديولوجيا إنطلاقا من اللذة و هي ميزة الحيوان و بالتالي ميزة الإنسان الأول .
و سنجد أن تلك الإستعمالات تتداخل فيما بينهما بطريقة أو بأخرى , و في رأيينا أن الإستعمال الماركسي هو الأقرب ليشملهم جميعا و يعطي فهما أو تعريفا أقرب إلى الصحة من غيره , بحيث تكون الإيديولوجيا <تعاقل> كما يعني الإستعمال الفرويدي .. و تكون <أفكار مسبقة> كما يعني إستعمال القرن 18 .. و تكون <أوهام و تعليلات و حيل> كما في الإستعمال النيتشوي .. و تكون <روح> كما الإستعمال الهيجلي .. و كل ذلك ضمن <بنية النظام الإجتماعي> في فترة زمانية و مكانية أي ظرفية موضوعية محددة كما هو الإستعمال الماركسي , و لعل الشمول التي يتميز به الإستعمال الماركسي هو من منطلقه <المجتمع الإنساني> {بأصله المادي بالطريقة الديالكتيكية} في حين أن منطلقات الإستعمالات الأخرى هي ضمنية فيه <العقل الفردي> و <التاريخ> و <الحياة> و <الحيوان> .
و لكن هنا قد نقع في سوء الفهم للإستعمال الماركسي للإيديولوجيا , بحيث نعتبر الماركسية بحد ذاتها إيديولوجيا .. و هي ليست كذلك و لا يمكنها أن تكون ذلك , و لعل ذلك نتاج الخلط المقصود و الغير مقصود بين (الشيوعية) من جهة و (الماركسية) من جهة , و كذلك الجماهير التي تختار حزبا ماركسيا لتمثلها طلائعيا .. و في هذا الصدد جدير بالإستذكار قول لماركس و إنجلز (2) : <إن الإيديولوجيا عملية ذهنية يقوم بها المفكر و هو واع ٍ .. إلا أن وعيه زائف لأنه يجهل القوى الحقيقية التي تحركه .. و لو عرفها لما كان فكره إيديولوجيا> , و الجماهير بطبيعة الحال _أو البروليتاريا إن أردنا التخصيص أكثر_ ليست كلها ماركسية و ليست كلها على وعي بالماركسية و إن كانت توافق و تسعى لإحلال الشيوعية .. و هي بذلك إنما مؤدلجة , و في ذلك تأكيدنا على ضرورة أن لا يكون الحزب الطلائعي مؤدلج و إلا كان الحزب من الخارجين من و على الماركسية .. و ينطبق ذات الوصف على الأفراد الماركسيين .
{{ العلم الزائف من العلم الحقيقي }} :
و في ذلك << يُعرّف العلم الزائف على أنه (( مجموعةٌ من الأفكار و الممارسات التي تدعي أنها علمية في حين أنها لم تبنى وفق منهجية علمية حقيقية )) , كما يُعرّف على أنه (( إدعاء أو معتقد أو ممارسة مضللة تم تقديمها على أنها علمية غير أنها تفتقر للأدلة المؤيدة و لا يمكن إختبارها بشكل موثوق ، و تفتقر للإعتراف و المكانة العلمية )) ، كما تتميز العلوم الزائفة بأنها (( غالبا ما تدعي إدعاءات غامضة و مبالغ بها و غير قابلة للإثبات ، و تعتمد على محاولات الإقناع بدل أن تعتمد على النقد الصارم و التفنيد , كما أنها لا تنفتح على النقد من قبل الخبراء , إضافةً إلى إنعدام العمليات المنهجية اللازمة لتطوير نظريات عقلانية )) .
في الواقع تكمن مشكلة توضيح الحدود الفاصلة بين العلم الزائف و العلم الحقيقي في صعوبة وضع تعريف شاملٍ مميزٍ لكل منهما بسبب إتساع مجالاتهما و غموض الفوارق بينها , و لا يمكننا إنكار أن مصطلح ((العلم الزائف)) حجة قد يستخدمها الكثيرون لوصف ما لا يعجبهم .
لكن بالإمكان وضع معيار عملي لحل مشكلة الحدود الفاصلة ألا و هي (( إنعكاس الفائدة الواقعية للفكرة على العلماء )) : هل تثير هذه الفكرة الجديدة أي إهتمامات يمكن للعلماء تبنيها في مجال عملهم ؟ .. هل تقود لبدء أبحاثٍ جديدة ؟ .. أو إكتشافات جديدة ؟ .. هل تؤثر على فرضيات أو نماذج أو آراء موجودة ؟ .. إذا كانت الإجابة بـ{لا} فالإحتمال الأقوى هو أنها مجرد {علم زائف} , كما بالإمكان فصل العلم الحقيقي عن العلم الزائف عبر تعريف العلم الحقيقي .. و بشكل أفضل عبر تعريف ما يفعله العلماء :
(( العلم حقيقةً هو مجموعةٌ من الأساليب و الطّرق الهادفة لإختبار الفرضيات و بناء النظريات , فإذا تبنى المجتمع العلمي فكرة جديدة و لاقت هذه الفكرة إنتشاراً _أي تم قبولها من المختصين و فشلت كل المحاولات العلمية لنقدها و دحضها_ و تم إستخدامها في بحوث ذات نتاج مفيد و أدت إلى بدء بحوث و تحقيقات جديدة ... فالإحتمال الأقوى هو أنها علم حقيقي )) >> (3) .
لعلنا هنا نقترب من وضع العلم الزائف و الإيديولوجيا في دائرة واحدة مما سبق بشكل أو بآخر , لكن مع تحفظنا بالطبع على <تبني المجتمع العلمي> فالتاريخ يشهد على نظريات علمية و علماء عظام تم تهميشهم و نفيهم من المجتمع العلمي لمجرد أنهم يمثلون <المجتمع العلمي> أو ما يزعم ذلك .. و كوبرنيكوس ليس مثال _و إن كان عصر اليوم يختلف عن عصر الأمس_ , لهذا فإننا نذهب إلى أن الإحتكام الحق يكمن في الإسلوب النقدي التقدمي الذي يتاح تطبيقه على النظرية أو الفرضية في مرتبة أعلى و أسمى من إجماع المجتمع العلمي _و إن كان مجتمع اليوم العلمي مختلف كثيرا عن مجتمع الأمس_ و هو المُحدد فيما نذهب إليه من رأي .
<< و من المهم التمييز بين العلم الحقيقي و العلم المزيف , و تكمن أهمية تحديد تلك الحدود في ثلاثة جوانب :
الجانب الأول / فلسفي : فالفصل بين العلم الحقيقي و غيره خطوة أساسية لإنارة دربنا نحو المعرفة ، و هي قضية جوهرية في نظرية المعرفة و طبيعة الحقيقة و الإكتشاف .
الجانب الثاني / مدني : فمجتمعاتنا تنفق الملايين من أموال دافعي الضرائب على مؤسسات البحث العلمي ، و الحكومات بحاجة إلى أجوبة واضحة حول أسئلة من قبيل : هل يجب على معاهد الصحة تمويل أبحاث الطب البديل (مثلا) ؟ .. هل على وزارات الدفاع أن تنفق الملايين على دراسة التخاطر (مثلا) ؟ .
الجانب الثالث / أخلاقي : فخلافا للإعتقاد السائد لا يقتصر العلم الزائف على بعض الخرافات البريئة غير المؤذية ... بل هو جهل مؤذٍ يشكل تهديد جدي لسلامة الناس و قد يكون قاتلا في بعض الأحيان (!) , و على سبيل المثال فإن الملايين من الناس حول العالم قد فقدوا أرواحهم بسبب رفضهم لتلقي العلاج الطبي و إعتمادهم على علاجات شعبية غير نافعة , أو رفض حكوماتهم في بعض الأحيان لتقبل الأساسيات الطبية عن الوقاية من بعض الأمراض كالإيدز ، أو تصديقهم لإشاعات مثل أن اللقاحات تسبب التوحد (!) >> (4) .
و أقتبس فيما يتعلق في عذر الإعتقاد بإحدى العلوم الزائفة أو جزء منها << و قد يجادل أحدهم هنا : ما الضرر في أن نؤمن بوجود الطاقة (تشي) ؟ .. أو نشرب دم السلاحف ؟ .. أو نعتنق أي معتقدات أخرى لا تنفع و لا تضر ؟ ... و الجواب هو في أن تلك الممارسات عدا عن كونها {مضيعةً للوقت و الجهد و المال} .. فهي قد تقود إلى {نتائج قاتلةً حين يتم إهمال تشخيص و علاج المرض الحقيقي و إهدار وقت المريض الثمين بدلا عن ذلك في ما لا ينفع بينما جسده فريسةٌ لإزدياد المرض} .
الفكرة الأهم تكمن في أن الخلط بين العلم الحقيقي و الزائف {خطر على عقولنا نفسها} ... علينا أن نحترم عقولنا و ندربها على أن تستند دائما و فقط إلى (الوقائع المنهجية) و (المنطق السليم) و تعتمد (مبدأ الشك) و (النقد الدائم) لمحاربة الخرافة و الزيف >> (5) .
مما لا شك فيه خطورة العلم الزائف .. و الذي يكاد ينطبق و مفهوم الإيديولوجيا , فمن تأثيرها على الجوانب : الفلسفية {العقلية} و المدنية {المادية} و الأخلاقية {القيمية} ... تكاد تكون شمولية بل هي كذلك , و هذا هو بصراحة ما حفزنا على القيام بهذا العمل , و الذي نرجوا من خلاله تصحيح أو على الأقل أن يكون باكورة تصحيح {نقدية} .. و كما يوحي عنوان العمل فالمقصود فيه هو {العولمة} .
و سنتناول مجموعة من النقاط التي نستند عليها في زعمنا الذي هو ذاته عنوان العمل (عولمتهم .. مسخ للعولمة) , و هي التالية :
1) ظهور مركز إشتراكي :
و الذي كان يمثله الإتحاد السوفييتي , و نعلم بأن العالم فيما بعد الحرب العالمية الثانية إنقسم جديا إلى مركزين أو معسكرين .. أحدهما إشتراكي بقيادة الإتحاد السوفييتي و الآخر رأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية , و نعلم أن شرط العولمة هو إكتساح الرأسمالية للعالم أجمع و من ثم إنحلال الأخيرة .. و تلك هي العولمة , لكن و في غمرة صراع الرأسماليات التنافسية ظهرت الإشتراكية _أول إشتراكية في كل التاريخ الإنساني_ و بذلك وقفت أمام إكتساح الرأسمالية للعالم و الذي كما سلف الذكر إنقسم على إثره العالم إلى مركزين (إشتراكي) و (رأسمالي) .
و نعلم أن الثورة الروسية التي أطاحت بالقيصرية كانت بغاية بناء روسيا صناعية رأسمالية أي أنها كانت بهدف تسليم البرجوازية لتقوم بدورها التاريخي التقدمي حينه , لكن لأسباب موضوعية _بحثنا ليس معني بها ها هنا_ تم تجاوز هذا الطور بإسقاط حكومة كيرانسكي و تم إعلان الإشتراكية , و من الجدير بالإهتمام أن نقطة (ظهور مركز إشتراكي) يضعنا أمام سؤالين يستحقا أن نتناولهما : هل ظهور مركز إشتراكي في تاريخ الإنسانية يؤدي إلى وأد (العولمة) من أن تكون ؟ و هل إلغاء الإشتراكية (بطريقة ما) يجعل من (العولمة) قابلة لأن تكون ؟ .
نعم .. إن ظهور مركز إشتراكي في تاريخ البشرية يؤدي إلى وأد العولمة , ربما أدل دليل على قولنا في ذلك هو حق تقرير المصير خاصة في المسألة القومية .. و لكي لا يكون قولنا مجرد حديث نظرية فيوغسلافيا جوزيف تيتو في إستقلالها عن الإتحاد السوفييتي أوضح مثال , كما أنه فيما بعد تفكك الإتحاد السوفييتي لم تطرأ تحولات على الصعيد القومي أو الهوية فكل دولة بشعبها أصبحت بعد التفكك كما كانت فيما يتعلق بذلك الصعيد _بل و نشهد اليوم دعوات من ذات تلك الدول تنادي بالعودة إلى الإتحاد السوفييتي (!) أو إلى ما يشبهه بزعامة روسيا اليوم_ .
كما أن تطبيق الإشتراكية يختلف من دولة لأخرى بإختلاف الظروف الموضوعية _نقصد الإشتراكية العلمية_ , فالإشتراكية ليست نظام بمعنى النظام الثابت , بل هي طريق تجاه الشيوعية (محو الطبقات) و في ذلك مستحيل أن تتسم بالثبات و حديثنا هنا عن الإشتراكية بوصفها مرتبطة كدولة تابعة أو طرف للمركز الإشتراكي أي الإتحاد السوفييتي , _المفترض ذلك .. لكن نشهد إشتراكيات و دعوات إشتراكية مزيفة هنا و هناك تتسم بالثبات و الطبقية , و لعل أبأس الإشتراكيات إطلاقا هي الإشتراكيات العربية التي تعني في المقام الأول (أن يتشارك الرئيس و عصابته السلطة و الثروة)_ , و نستنتج من ذلك حتمية إختلاف الظروف الموضوعية لكل دولة مما يحتم إختلاف بين إشتراكية في دولة و أخرى .. علما أن كل دولة تسعى إلى الشيوعية و الشيوعية تعني إضمحلال الدولة , و في هذا الشكل (إضمحلال الدولة) نعلم أن الظروف الموضوعية التي كانت تؤدي لإختلاف بين إشتراكية و أخرى قد زالت لأن الإشتراكية أدت مهمتها .
فالعولمة من كل ذلك ليس لها مكان , يبقى لنا السؤال الثاني :هل إلغاء الإشتراكية بطريقة ما يجعل من العولمة قابلة لأن تكون ؟ .
نعم .. إلغاء الإشتراكية (بطريقة ما) يجعل من العولمة قابلة لأن تكون , لكن مع (نعم) هذه مجازفة جدية , فحتما لن يكون نهوض الرأسمالية داخلي على أنقاض الإشتراكية .. لكنه خارجي قهري شديد _و هنا تكمن المجازفة بقول (نعم) في جدية نجاح القهرية الرأسمالية الخارجية_ .
و بذلك ننتقل إلى النقطة التالية :
2) إعلان رامبوييه :
شكل إعلان رامبوييه الضربة القاضية لقلب الرأسمالية , حيث منع عن هذا القلب دماؤه (النقد) نهائيا , و سنتناول مقتبس من طرح ما يمكن أن نسميه حقيقة (مراسم دفن الرأسمالية) و الذي هو ذاته عنوان الطرح (6) : <<
المرسم الأول : إجتماعات معهد سميث سونيان 18 ديسمبر 1971 .
كانت ذريعة نيكسون في إزهاق روح الدولار المشيرة إلى المعدن البراق هي تفادي المضاربة بالعملات , و ضغط على باقي الرؤساء الكبار من أجل ربط حياة عملاتهم بعملة غدت ميتة لا تحرك ساكنا حيال أغلى المعادن في المعمورة عن طريق فرض إتاوة إضافية مؤقتة حددت في 10 بالمائة على ما يقرب نصف واردات أمريكا , إنكشف إدعاء نيكسون المزيف و أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية في إجتماعات العشر الكبار بمعهد سميث سونيان أو ما يعرف بإتفاقيات واشنطن أو إجتماعات المكتبة في ديسمبر 1971 خفض عملتها لأول مرة منذ 1934 من 35 دولار لأونصة الذهب الواحدة إلى 38 دولارا بمعدل 8 بالمائة نسبة إلى العملات الأجنبية , و من بعد إلى 42 دولارا , و لكي يُلمع ذريعته النكراء في محو كل أثر للذهب النقد في الشريان الحيوي للإنتاج (نقد-سلعة-نقد) إعتبر الرئيس نيكسون إتفاقيات المعهد من أهم الإتفاقيات النقدية في تاريخ العالم , لكن الوقائع على الأرض كشفت أكاذيبه و سرعان ما تدهورت حالة الميزان التجاري الأمريكي بشكل مهول خلال سنة 1972 .
و في هذه الفترة قال كاتب الخزينة الأمريكية المعين في فبراير 1971 و أحد المستشارين الأخصائيين المقربين إلى الرئيس نيكسون السيد جون كونلي قولته الشهيرة :
« The dollar is our currency and your problem », « Le dollar est notre devise et votre problème » , _الدولار عملتنا و هي مشكلتكم_
و هي مقولة لها من الدلالات العميقة ما يكفي لنفهم و نتحسس وضع الدولار كعملة عالمية في المعاملات الكونية و موته كنقد عالمي كان يشير بدقة إلى حد ما إلى كل القيم الإستعمالية .. يعني إجتثات كل إشاراته _البارزة للعميان_ إلى الثروة الحقيقية .
المرسم الثاني : إتفاقيات بال أبريل 1972 و الثعبان الأوروبي النقدي .
نظرا لقوة الولايات المتحدة الأمريكية و أهمية الدولار في المبادلات العالمية و خصوصا مع المجموعة الأوروبية الإقتصادية .. فقد تعهد أعضاء المجموعة متضامنين بإبداء مقاومة إتجاه قرارات المكتبة في إتفاقيات بال الموقعة يوم الرابع و العشرين من شهر أبريل 1972 حيث تم قبول مخطط فانر بيير الوزير الأول لدولة اللوكسومبورغ الذي يقضي بإنشاء إتحاد أوروبي و نقدي .. و عليه تم خلق الثعبان النقدي الأوروبي , أراد الأوروبييون بمخطط فارنر أن ينفخوا الروح في جسد الرأسمالية الهالك لكنهم في الحقيقة كانوا يشيعون جثمانه في القارة العجوز مهد الرأسمالية لأنهم جعلوا ثعبانهم يتقلب في ((النفق الأمريكي)) و ربطوا عملاتهم بالدولار الذي فقد بريقه .
يتوجب على المجموعة إثر ذلك المخطط أن تسمح بتموجات أسعار صرف عملاتها داخل ((النفق الأمريكي)) .. و هامش تقلباتها في حدود 4.5 بالمائة بالنسبة للدولار و أن تحترم نسب معينة لأسعار الصرف , عندها ينطح سعر صرف عملة بالنسبة إلى عملة أخرى _مثلا نسبة الفرنك الفرنسي إلى المارك الألماني سقف النفق فيقولون أنه ظهر الثعبان .. و عندما يمر السعر الآخر أي نسبة المارك الألماني إلى الفرنك الفرنسي بأرضية النفق يتكلمون عن بطن الثعبان_ .
في فبراير 1973 عندما خفضت أمريكا الدولار من 38/1 إلى 42/1 بمعدل يفوق العشرة بالمائة .. لم يحتمل الثعبان هذا التخفيض فخرج من النفق , لكنه رغم ذلك ظلت عملات الإتحاد مرتبطة بالدولار الزائف .
المرسم الثالث : إعلان رامبوييه نوفمبر 1975 .
بعد أن إعتاد الكبار على موت الرأسمالية و القبول بأمر الواقع والعمل بتعويم الدولار الذي أصبحت كل جدائله المشدودة إلى البضاعة النقد مبتورة تماما , إجتمعت حكومات الدول الخمس الكبرى و إيطاليا بضواحي باريس في رامبوييه لتقود العالم إلى المجهول , و قرروا نهب العالم بشكل غير مسبوق في البند 11 من إعلانهم .
الرفاق الذين لا يرون في البند 11 من إعلان رامبوييه مرسما آخر من مراسم دفن الرأسمالية و ينكرون أهمية البند المذكور في تعويم العملات نسبة إلى الدولار و حرص الحكومات على العمل بمنع التقلبات الفجائية في أسعار الصرف .. هم محقون في حالة واحدة و هي إمكانية قيام الرأسمالية بدون نقد و هي حالة يستحيل وجودها في نظام ينطلق في دورة لا متناهية من النقد المعاير لوقت العمل المتجسد في البضائع إلى النقد أيضا .
دول الإعلان شطبت كل أثر لعلاقة عملاتها بالقيم و على إثر هذا القرار الخطير إستطاعت البرجوازية الوضيعة أن تهزم البروليتاريا و تسحر العالم ليقبل بنقود فقدت مغزاها المستتر و هو إشاراتها الدقيقة إلى البضائع , و الأخطر من ذلك هو قبول الماركسيين بالخدعة دون أن يتعلموا شيئا مما شرحه ماركس في رأس المال الذي وضح أن تسمية النقود لا تمت بأي صلة إلى طبيعتها , طبيعة الدولار ليست في إسمه أو حتى في إشتقاقه التالر .. و لكنها في تعبيره عن قيم البضائع , الدولار الإيقونة العالمية للبضائع هي حية و حقيقية بعد تغطيتها بالذهب .. لكنها ميتة لا تدب فيها الحياة بعزلها كليا عن البضاعة النقد .. النقد و هو السلطة السيادية لكل دولة و هو رمز الثراء في المجتمع الرأسمالي .
لم يبق للبرجوازية الوضيعة بعد هذا الإعلان إلا أن تدق آخر مسمار في نعش الرأسمالية فكانت إتفاقيات جمايكا كنغستون .
المرسم الرابع و الأخير : إتفاقيات جمايكا كنغستون يناير 1976 .
و قد نعتت البرجوازية الوضيعة جثمان الرأسمالية .. و لم يبق لها سوى أن تعيد هيكلة صندوق النقد الدولي حارس إرثها الذي ورثته بغير حق من الهالك , أكدت اللجنة المؤقتة التي كان يترأسها الوزير البلجيكي ويلي ديكلرك مراجعة الفصل الرابع من إتفاقية صندوق النقد الدولي الخاص بنظام الصرف و جعله رسميا يضع حدا نهائيا لبنود معاهدة بريتون وودز .. و التخلي نهائيا عن طبيعة النقود , و هكذا سيق ذهب العالم لبيعه في المزاد العلني وفق جدول زمني حددته الإتفاقية >> .
فإن كانت الإشتراكية قد ألغيت مما فتح المجال أمام الرأسمالية لإكتساح العالم و تبيان مدى صحة مجازفتنا في القول (نعم .. إذا ألغيت الإشتراكية <بطريقة ما> من الممكن أن تكون العولمة) .. فإن موت الرأسمالية يجعل قولنا المجازف محض حديث نظري لا و لن يكون له أساس واقعي تجريبي , لكن أوليس الحديث عن العولمة بدأ رسميا يكتسح الساحة مع إعلان رامبوييه أي في ذات الفترة (السبعينيات) ؟ و تمثلت ذروة الحديث عن العولمة مع إنهيار الإتحاد السوفييتي ؟ .. الأمر مرتبط قهرا بالإقتصاد , فما هو شكل هذا الإقتصاد و سماته الذي تُسمى به العولمة ؟ و هذه تمثل نقطتنا التالية .
3) مسخ الإقتصاد :
الإقتصاد موضوع كبير و عميق و صعب , و تناولي له سيقتصر على بديهيات حسية نعيها , و التي منها الطبقية التي ميزت الرأسمالية بثنائيتها المتضادة (البرجوازية و البروليتاريا) و على حد قول إنجلز : (( لئن تطلب نمط الإنتاج الرأسمالي توزيعا آخر للمنتجات كأنك تطلب من قطبي بطارية كهربائية ألا يفسخا الماء و ألا يرسلا الأوكسجين إلى القطب الموجب و الهيدروجين إلى القطب السالب مادام القطبين موصلان بالبطارية )) (7) و كذلك الأمر فيما يتعلق بالطبقية , و اليوم نشهد تهميشا واضحا للبروليتاريا في مقابل إكتساح مثير للطبقة الوسطى و على مستوى عالمي , و الخطير في الأمر أن الإنتاج السلعي مرتبط بالبروليتاريا في حين أن الإنتاج الخدماتي مرتبط بالطبقة الوسطى , و في حين أن دورة الإنتاج السلعي (نقد – سلعة – نقد) فإن دورة الإنتاج الخدماتي (نقد – خدمة – صفر) , و الأمر ليس متوقف عند هذا الحد .. بل يتجاوز ذلك إلى تحديد قيمة كل من السلعة و الخدمة , ففي حين أن السلعة محددة القيمة سلفا (ثابتة نسبيا) إلا أن الخدمة تحدد قيمتها تعسفا (متغيرة) , و الأمر كما أشرنا في النقطة السابقة يطال النقد نفسه (!) و حصيلة ذلك مسخ للإقتصاد , إن هذا الشكل المشوه للإقتصاد : (النقد مزيف) و (المنتجين الحقيقيين مهمشين و مغيبين <البروليتاريا>) و (المنتجين للخدمات <الطبقة الوسطى> حاضرين بقوة و مسيطرين) .. يؤدي دوره في التأثير على البنية الفوقية تأثيرا خطيرا , فكيف لا يكون ؟ فالبنية التحتية مشوهة .
و هذا المسخ أصاب العالم أجمع .. فسواء أسميته نظام دولة الرفاه أو الإستهلاكية أو الخدماتية فهو حتما لا و لن يكون رأسمالية مهما وصفتها فالإنتاج السلعي ليس هو المسيطر أصلا , فذروة الإنتاج السلعي في نمط الإنتاج الرأسمالي .. و ذلك قد إنتهى , و هذا يجعلنا ننبه إلى ضرورة الحذر من الخلط الغير مقصود و المقصود بين (الرأسمالية) و (الإنتاج السلعي) و الذي يؤدي للتضليل .
فهل هذا المسخ الإقتصادي هو الذي أصبح عالميا ؟ نعم .. بلا ريب , لكن هل هذه عولمة ؟! .. لا .
فإن كانت العولمة تعبر عن وحدة واحدة عالمية , فما نشهده اليوم هو العكس تماما .. إذ أن الإنشقاقات و الصراعات تزداد يوما بعد آخر , و لم لا ؟ فإن تأثير البنية التحتية المشوهة لها نصيب الأسد في التأثير في البنية الفوقية .. فإن كانت الخدمات أو لنقل الإسلوب البرجوازي الفردي هو السائد , فسنشهد إنقسامات و صراعات لأتفه الأسباب .. فالصراع يصبح مع الإنتاج الخدماتي (نقد – خدمة – صفر) صراعا صفريا بإمتياز , إنشقاقات لأجل الهوية عرقية أو مذهبية أو قومية أو فكرية أو حتى جنسية (كالمثلية) .
و لعلنا هنا نصدق حين نقول أن العولمة التي نشهدها عولمة مسخة كما هو الإقتصاد مسخ , و لعل أحدهم يجادل بأن هذا القول إلغاء لقوانين الديالكيتيك .. و هو بذلك إن يقول يقله من موقع إيديولوجي بإمتياز , و ذلك لأنه إنطلق من تلك القوانين محاولا جعل الواقع يطابقها .. في حين أن من المفترض أن ننطلق من الواقع كما هو و نرى هل يتوافق مع القوانين أم لا , و من بعد ذلك تتخذ الإجراءات السليمة .. و هذا هو المنهج العلمي بخلاف العلم الزائف و الإيديولوجيا .
رأي شخصي : و كون الواقع (الإنساني – الإقتصادي) لا يتطابق مع قوانين الديالكيتك .. يجعلنا على عكس ماركس الذي عاش واقعه و تفاءل خيرا , إذ نصاب بالشؤم و توقع حلول الشرور .
4) الإمبريالية و العولمة :
و في ذلك أقتبس : << هناك الكثير ممن يمزج الإمبريالية بالعولمة , بإعتبار أن هذين المفهومين متناسقين , و هذا الظن يعني أن هؤلاء لا يفهمون ما هي الإمبريالية و لا العولمة , و فوق هذا , يعتبرون العولمة كحركة تحديثية للإمبريالية و تطورا للرأسمالية , من دون النظر إلى البنية الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية و تحولاتها بعد ثورات التحرر الوطني و بعد سقوط المنظومة الإشتراكية .
الإمبريالية أساسا هي التوسع من أجل السوق , من أجل الهيمنة على قوة العمل , الرأسمالية لا يمكنها أن تبقى في جزيرة واحدة أو في الشكل الجنيني , بل هي دائما تبحث عن التوسع , و بهذا الإمبريالية هي توسع رأس المال عالميا .
هناك من يجرد الإمبريالية من الرأسمالية و يحتفظ بالإمبريالية كقالب أو كناية عن التوسع العسكري و الهيمنة السياسية , فتجده يطلق على أي نظام له نزعات توسيعة بنظام إمبريالي من دون أن يحلل القاعدة الإقتصادية لتلك الدولة .
الإمبريالية تعني هيمنة رأسمالية عالمية من قبل عدة دول و على رأسهم دولة قوية و قاعدية و محورية , تلك القاعدة تريد التوسع فهي تباشر بالتوسع إلى قارات و مراكز اخرى , فبالضرورة الإمبريالية تعني رأسمالية عالمية و بهذا لابد من أن تكون إحتكارية .
العولمة في الجانب الآخر ... تلغي الخاصية الهيمنية و التوسعية العسكرية في الإمبريالية بل هي شكل جديد لعلاقات دولية جديدة .
بالرغم من أن الولايات المتحدة تبدو حاليا منفردة و مهيمنة عالميا ... إلا أنها تجد لها منافسين مثل الصين , الولايات المتحدة لم تعد كالسابق , ثورات التحرر الوطني كسرت هذا القيد الامريكي العالمي , فالولايات المتحدة بعد خروجها من فييتنام فقدت خاصيتها التوسعية , و دخلت في أزمات إقتصادية عميقة .
فالعلاقات الدولية الحالية قائمة على اللا قومية , ليس هناك أي قاعدة مهيمنة واحدة , و الإقتصاد أصبح إقتصادا عالميا أيّ رأسمال بلا قاعدة محلية أو وطنية أو قومية >> (8) .
نعم هناك خلط في الساحة بين هذين المفهومين و غيرهما , و الذي يُخرج بها صاحب الخلط من على الطريق العلمية إلى الدائرة المغلقة السوقية (المُدعية و المؤدلجة) , <العولمة الأمريكية> من ذاك الخلط .. فكيف للعولمة أن تكون صاحبة جنسية أو قومية ؟ أوليست بذلك تصبح إمبريالية لا عولمة _على فرض وجود الرأسمالية_ ؟ فإن لم تكن هناك إمبريالية أمريكية و لا عولمة أمريكية .. فماذا يكون ؟ .. يكون ما يجب أن يهتم به أصحاب الإختصاص و المهتمين بالبحث العلمي عن منهجية علمية أولا و عن همة و نشاط ثانيا , الأمر ليس سهلا كما يبدو و لهذا يتقاعص البعض _خاصة المثقفين_ فيلجأ للإجابات الجاهزة المغلفة و يجعل الواقع يتطابق معها (!) و هذا ما يدعم بكل أسف المؤدلجين هنا و هناك .
نعم هي أمريكية .. و إن لم تكن إمبريالية أو عولمة , لكنها دولار أمريكا (النقد المزيف) و مدفعية أمريكا (الثقة) و الموافقين على هذا الوضع العالمي بل المشتركين فيه (اللصوص) _و المعنيين هنا خاصة (الصين) و (الدول النفطية)_ , و هنا أنتقل للنقطة التالية و الأخيرة .
5) الشركات المتعددة الجنسيات :
الشركات المتعددة الجنسيات أو المتعددة القوميات أو بالأحرى العديمة الجنسية .. من مظاهر هذا النظام العالمي الجديد , و هذه النقطة يمكن إعتبارها جزء من النقطة السابقة .. إذ أن هذه الظاهرة بقدر ما تعبر عن (عولمة) عند البعض فهي تعبر عند البعض الآخر عن (الإمبريالية) _إن لم يكونوا هم إنفسهم_ , و إن أخذناها ضمن إطار نمط الإنتاج الرأسمالي فهي خارجة عليه _و إن كانت تعبر عن إنتاج سلعي (بعضها)_ , لأنها <الشركات المتعددة الجنسيات> لا تملك مركزا .. هي أساسا تهرب من المركز أو بالأحرى هربت منه .
و على الرغم من أنها ظاهرة واقعية إلا أن الزعم الذي يقف خلفها بكونها مرتبطة بالرأسمالية الإمبريالية أو العولمة تحتاج لإعادة نظر .. خارج إطار الجمود العقائدي المزعوم .
و غالبا ما ترتبط الشركات المتعددة الجنسيات بالإمبريالية , و العجيب أن الإمبريالية بالذات يجب أن تكون ذات جنسية و إلا لن تكون إمبريالية (!) .. و من المستحيل أن تكون الإمبريالية متعددة الجنسيات أو عديمة الجنسية , إذ الإمبريالية مرحلة تصف بها الرأسمالية ((البنية الخلوية : بنية النواة أو المركز و الأطراف)) .
لكن السؤال الجدي هنا : هل تعبر الشركات المتعددة الجنسيات عن {العولمة} أم تعبر عن {سقوط الرأسمالية} ؟ .
كنا في أول نقطة تناولنا {ظهور المركز الإشتراكي} و كيف أن الظهور يؤدي إلى وأد {العولمة} .. و قد جازفنا بالقول (نعم .. إذا ألغيت الإشتراكية <بطريقة ما> من الممكن أن تكون العولمة) , مما يدفعنا إلى القول بأن ظاهرة {العولمة} كانت لتترافق مع {سقوط الرأسمالية} بعد إكتساح الأخيرة للعالم لولا ظهور مركز إشتراكي , فالشركات المتعددة الجنسيات في رأينا تعبر عن {سقوط الرأسمالية} لا عن {العولمة} .
في الختام :
إن المشكلة تبقى مشكلة حتى و لو لم تكن معروفة مصرح بكونها مشكلة .. بينما الحل لا يكون حلا حتى و إن أعلن عن كونه الحل ما دام منفصل عن المشكلة التي يراد حلها .. و تكون _أي المشكلة_ واقعا حقيقيا , و في ذلك إذ يقول الكاتب الإنجليزي جي كيه شسترتون : ليس الأمر هو عدم رؤيتهم للحل بل عدم رؤيتهم للمشكلة .
لكم هي تلك الدراسات و التطبيقات التي تتناول العولمة و هي معروفة للغربي و الشرقي و ما بينهما , و نعلم الكم الهائل المصروف فيه ذلك من جهد و وقت و مال و أحيانا دماء , فعلى الرغم من الكمية الهائلة التي إحتوتها مكتباتنا و إحتوتها المنتديات الإلكترونية .. و على الرغم من التناول الشبه متصل بقضية العولمة في الجرائد و الملتقيات .. و على الرغم من المؤلفات المُألفة لذات القضية من مراكز الأبحاث العلمية و حتى الغير علمية ... نرى تزايد للمشاكل و للإنشقاقات دون حل رغم إحتواء تلك الدراسات و الإطروحات لحلول , فهل الحلول لا تطبق ؟ أم هل هي _أي الحلول_ ليس لمشكلة واقعة و إنما لمشكلة غير واقعة أو لمشكلة دونكيشوت الإيديولوجي ؟ .
من المؤسف حقا أن يتم نعت أصحاب الطريقة العلمية بالجمود العقائدي .. بينما ينعت الخارجون عليها بالتحرر من الإيديولوجيات (!) , ليس لي إلا أن أقول أن النقد هو مفتاحنا الأول .. لنعرف الأشياء كما هي و الوقائع و الظواهر كما هي .. لا كما نحن نريدها و أو نريد تصنيفها .
و إن كان هذا العمل مجرد عمل بسيط و تبسيطي في كمه و كيفيته , فهو لأنه في إطار العمل به لم يقصد أن يكون حوارا مع المثقفين بل ليكون حوارا مع أشخاص بسطاء يرون الواقع كما هو .. على عكس المثقفين ممن يرى الواقع من خلفيات إيديولوجية و من ترسبات المناهج التعليمية التي تكون لديه فوق النقد _أغلبهم_ , ليكن هذا العمل للمثقفين وخزة إبرة ليروا الواقع من عين البسطاء كما هو .. كما هو .
(1) مفهوم الإيديولوجيا , عبدالله العروي , المركز الثقافي العربي , الطبعة الخامسة 1993 , الصفحات (103 - 104) .
(2) مفهوم الإيديولوجيا , عبدالله العروي , المركز الثقافي العربي , الطبعة الخامسة 1993 , الصفحة (34) .
(3) ما هو العلم الزائف ؟ , موقع : الباحثون السوريون .
(4) ما هي أضرار العلم الزائف ؟ , موقع الباحثون السوريون .
(5) نفس المصدر .
(6) (1) مراسم دفن الرأسمالية , سعيد زارار , الحوار المتمدن / العدد 4299 .
(7) الإشتراكية : الطوباوية و العلم , فريدريك إنجلز , دار الفارابي , الطبعة الأولى 2013 , الصفحات (138 – 139) .
(8) أين الإمبريالية ؟ ما هي العولمة ؟ , هشام عقيل صالح , الحوار المتمدن / العدد 3962 .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟