أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - علياء عبود الحسني - الزواج القسري















المزيد.....


الزواج القسري


علياء عبود الحسني

الحوار المتمدن-العدد: 4527 - 2014 / 7 / 29 - 19:21
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


حين قررت ان اعمل دراسة عن حالات الطلاق الناتج عن الزواج القسري في عدد من محاكم بغداد وحيث قمت بزيارات ميدانية لعدد من محاكم بغداد فوجدت ثمة حكايات وقصص أغرب من الخيال.. عن الإرغام وإكراه الأبناء صغار السن وكبار السن على حد سواء على الزواج، فهناك وفي محكمة الاحوال الشخصية في الكرادة طفلة عمرها ثلاثة عشر عاما تشكو أهلها الذين اجبروها على الزواج من عامل يكبرها باثني عشر عاماً وحرموها من الدراسة بالرغم من فقر العريس الذي يفوق فقر أسرة الفتاة وهي الان ترفع دعوى تفريق قضائي . وفي محكمة الاحوال الشخصية في بغداد الجديده أخرى ذات ستة عشر ربيعا وتعمل خادمة أبلغت مخدومتها بنية والدة الطفلة تزويجها دون إرادتها وقد تزوجت بالفعل بناءا على رغبة والدة الطفلة وهي الان تريد الانفصال. وفي محكمة الاحوال الشخصية في الكرخ طفلة أخرى ولكنها من أسرة ميسورة والدها متوف وكانت والدتها ترغب في تطبيق التقاليد المتعارف عليها بزواج الفتيات في سن مبكرة أقل من السن القانونية وقد تزوجت الا انها لاتستطيع الاستمرار وتريد الانفصال . وفي محكمة الاحوال الشخصية في البياع مدرس يرفع دعوة طلاق ضد زوجته التلميذة في سن الرابعة عشرة جرى التحايل لتكبير سنها. و يفشل خال في منع زواج ابنة أخته القاصره التي ارغمها والدها على الزواج من احد اصدقائه وهي الان ترغب في الانفصال . إنه الزواج القسري للفتيات والقاصرات.. جرائم متتالية وانتحار دائم يرتكب بسببه ناهيكم عن جرائم الشرف والتي من خلالها يتم الاجبارعلى الزواج للنخلص من عقوبات قانونية ولمنع وقوع الثار العشائري واخرى التقيتها في محكمة الاحوال الشخصية في بغداد الجديده تعرفت على شاب في احد مواقع التواصل الاجتماعي ونشات علاقة عاطفية بينها وبين ذلك الشاب الى ان عثور والدها على اتصالات ورسائل في موبايل الفتاة مما دعا والدها على ارغامها على الزواج من ابن عمها الذي لاتطيق رؤيته على حد قولها ولكنها ارغمت وتزوجته وهي الان تتطلق منه .. هذا وغيره من خلال زيارتي لبعض محاكم بغداد عن حالات الطلاق الناتج من الزواج القسري الا اني قد اوقفتني بعض الامور فاحترت وجعلتني افكر باختيار تعريف مناسب لهذه الظاهرة السلبية والمخيفة والتي بدات تكبر شيئا فشيئ وتتسع وتخلق فجوة كبيرة وهي
ظاهرة الزواج القسري وهي ظاهرة غير جديدة ومن المفترض أن تكون قد اختفت أو انتهت أو انقرضت أو على أقل تقدير قلت أو ندرت ولكننا نراها تمضي في سبيلها بل أنها تزداد في بعض المناطق خصوصا الشعبية .. ففي الوقت الذي نطالب فيه بأن تقرر المرأة مصيرها، وأن حياتها لابد أن تكون ملكها وهذا هو الأمر أو الوضع الطبيعي الذي كفله لها الدين والقانون والدستور نرى أنها تعاني تسلط الرجال (الآباء والإخوة وأحيانا الأمهات والأقارب) الذين يفرضون عليها زواجا معينا لمجرد أنهم رأوا ذلك أو قرروه. وليس مهما أخذ رأي أو موافقة الفتاة مثلما يحثّ الدين على ذلك ويقر الدستور ذلك. وإن كانت أغلب الموافقات في هذه الحالات صورية وغير حقيقية وكاذبة ومن محض اختلاق الأهل.
والزواج القسري زواج مدبر غير قانوني وغير ديني لأنه لم يستمع إلى صوت الله وصوت الدين في مثل هذه الأمور لأنه إجبار فتاة لا حول لها ولا قوة علي الزواج ممن لا تريد ولا ترغب ولا تحب ولم يترك لها حقها الإنساني في أن تعيش بعيدا عن العادات المتوارثة التي لا تمت للدين بصلة أبدا قدر اتصالها بالتزمت والتخلف. وبعد اطلاعي على تلك الحالات توجهت الى مكاتب البحث الاجتماعي بتاريخ 25-11-2012وحيث تبادلت اطراف الحديث مع احد الباحثات وهي "فريال محمد أن على الفتيات أن يعرفن حقوقهن المدنية حتى لا يتزوجن مكرهات وحتى لا تمارس عليهن ضغوط كثيرة من قبل الأسرة فالزواج القسري تنتج عنه مشكلات كثيرة أبرزها اختفاء الفتيات قبل الزواج وأحيانا بعد الزواج والهروب من بيت الأهل أو من بيت العريس أو الزوج في الأيام الأولى من الزواج أو حتى بعد ذلك مضيفة وإذا ما رفضت الفتيات يتعرضن للضرب والحرق وربما أحيانا للقتل والتنكيل بهن ومنعهن من مواصلة الدراسة أو العمل أو الخروج من البيت إذا كانت الفتاة لا تعمل وتهديدها طوال الوقت كل ذلك باسم التقاليد المتبعة التي لا ينبغي الخروج عليها ومن هنا تتعرض الفتاة إلي سلب حريتها الشخصية وأبسط حقوقها في أن تتزوج ممن تختار أو من ترغب أو من تحب كما تتعرض إلى ضغط نفسي أو عنف أسري وهذا من شأنه يؤدي إلى إقدام الفتيات على الانتحار أو التخلص منهن قتلا باسم الشرف أو الخروج علي رأس الأسرة أو القبيله ونتائج مثل هذا الزواج خطيرة جداً وتتعدى حدود إلحاق الأذى بفرد معين بل قد تتجاوزه إلى حدود أوسع وأشمل وأن المرأة في مثل هذا الوضع ستكره زوجها وقد تسعى إلى التخلّص منه بالقتل أو تحاول الهرب من ظلمه وبطشه ومتى تحمّلت ذلك بمضض ولم تتصرّف بطيش أو حماقة فإن حالة الانحصار والضغط الذي ستتعرض لها لن تجعلها قادرة على قيامها بواجبها كأم ومربية فهي تعاني القلق والخوف وعدم الثقة ومن أشياء أخرى نفسية تحول دون قيامها بمهمتها على وجه صحيحة وهنا تكون الطامة الكبرى لأن الأجيال اللاحقة هي التي ستقود المجتمع وتسهم في عملية تطويره وبنائه . وتقول الباحثة الاجتماعية أنعام صاحب سلمان من محكمة الكرخ معظم دعاوى الطلاق تكون بين شابات وشباب صغار في العمر أرغموا على الزواج من قبل الأهل، قبل أن ينضجوا لتحمل اعباء الحياة الزوجية.
وتضيف مستدركة لكن ليس هذا هو السبب الوحيد لتكاثر حالات الطلاق فهناك أسباب أخرى منها ما هو ناجم عن عامل اقتصادي يكمن في عدم مقدرة الزوج على الإنفاق وتلبية طلبات زوجته.
وعند توجهي لمايسمى بقلم محاكم الاحوال الشخصية بتاريخ27 -11-2012 لاحصاء عدد حالات الطلاق الناتج من الزواج القسري فان موظفي قلم محكمة الاحوال الشخصية في الكرادة اكدوا لي ان عدد حالات الطلاق قد ازدادات بنسبة 18 مرة عن العام الماضي وطلبوا منحهم وقتا لاحصاء عدد هذه الحالات .. اما موظفي قلم محكمة الاحوال الشخصية في محكمة بغداد الجديده فقد اكدوا لي نفس الكلام وهو تزايد تلك الحالات سنة بعد اخرى مقابل انخفاض عدد حالات الطلاق الناتج من العنف الطائفي والمناطقية الطائفية بعد تدني مايعرف بالطائفية ولو بشكل نسبي .
وقد تباينت الاعداد من محكمة الى اخرى تبعا لطبيعة المنطقة اجتماعيا واقتصاديا واحصيت بعض الاعداد الا انها اعداد تقريبية وليست بشكل نهائي حتى اعداد هذا التقرير .ولدى ذهابي الى المكتب الاعلامي لمجلس القضاء الاعلى بتاريخ 29-11-2012ولقائي عدد من موظفي المكتب لمطابقة الاعداد وبارقام فعليه ودعاوى صدرت احكامها وحسمت فقد اكدت لي الاعلامية في المكتب الاعلامي لمجلس القضاء الاعلى (ايناس العبيدي) فقط اطلعتني على عدد من الاحصائيات فإن حالات الطلاق تتزايد بشكل مطرد منذ عام 2004 في ذات الوقت الذي تفوق فيه عدد حالات الزواج بكثير الأرقام الرسمية للطلاق بينما كان العكس يحدث بين أعوام 1995 إلى 2003.ففي عام 2004 كانت هناك 28.690 حالة طلاق وفي عام 2005 أصبح عدد الحالات 33.348 حالة و 35.627 في عام 2006 و 41.56 في عام 2007 و 44.116 عام 2008 و 61.466 عام 2009 وشهد عام 2010 انخفاضا طفيفا ليصل إلى 53.80 حالة لكنه تصاعد مجددا عام 2011 ليصبح 59.515 حالة طلاق.لكل ماتقدم ومن خلال نشاطي لشهر نوفمبر لبحث تلك الحالة وهي الطلاق الناتج من الزواج القسري والتي كما ترون فانها تتفاقم يوم بعد يوم واخذت تنال من مجتمعنا شيئا فشيئا .ولدى زيارتنا الى محاكم الكرخ فقد كانت هناك حالات لاتختلف كثيرا عن الرصافة ولكن راي الباحثات الاجتماعيا كان قد اضاف لنا اسباب اخرى وهي ان القضايا الجنسية إحدى مسببات الطلاق.. إذ غالباً ما تشتكي الزوجة من إهمال زوجها لها وعدم معاشرتها وقد تكون دواعي ذلك نفسية ناتجة عن الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن العراقي في ظل التوترات الحالية .. ولكل ما تقدم فقد استطعنا زيارة محكمة قصر العدالة في الكرخ وهي من اكبر محاكم بغداد وكذلك محكمة الاحوال الشخصية في الاعظمية ومحكمة الاحوال الشخصية في الكاظمية ومحكمة الاحوال الشخصية في الشعب وقد استطعنا ان نحصي عدد الدعاوي في هذه المحاكم وعلى النحو الاتي .
احصائية الدعاوى المحاله من مكاتب البحث الاجتماعي في الرصافه
اسم المحكمه طلاق قبل الدخول طلاق بعد الدخول تفريق قبل الدخول تفريق بعد الدخول مخالعة قبل الدخول مخالعة بعد الدخول
محكمة الاعظمية 0 230 54 1167 139 733
محكمة قصر العدالة 0 4 1 31 2 5
محكمة المدائن 1 143 12 225 25 74
محكمة الكرادة 0 137 34 549 22 264
محكمة الزهور 1 39 4 283 4 34
محكمة الشعب 1 265 98 460 85 252
محكمة الرصافه 0 39 15 185 39 74
محكمة م/الصدر 15 81 121 730 55 87
محكمة بغداد الجديده 53 149 107 992 45 157
المجموع الكلي 71 1078 446 4622 416 1680

-احصائية الدعاوى المحالة من مكاتب البحث الاجتماعي للكرخ
اسم المحكمه طلاق قبل الدخول طلاق بعد الدخول تفريق قبل الدخول تفريق بعد الدخول مخالعه قبل الدخول مخالعة بعد الدخول
محكمة الكرخ 15 230 47 1128 82 589
محكمة البياع 235 570 225 991 233 553
محكمة الكاظمية 12 119 37 134 25 81
محكمة الطارمية 0 6 7 246 3 29
محكمة ذات السلاسل 16 84 98 335 39 74
محكمة المحمودية 2 29 11 384 5 59
محكمة ابي غريب 28 19 63 15 60 176
المجموع الكلي 308 1057 488 3233 447 1561
إن الرابطة الزوجية هي من أقدس الروابط البشريّة (أو هكذا يجب أن تكون) ومتى لم تعتدل بكفتيها فإن الخلل الذي سيطالها ويطال بالتالي البيت والأسرة والمجتمع والوطن ستكون له نتائج وخيمة وتنص على روح هذا الحق جميع قوانين الأحوال الشخصية السائدة في البلاد العربية و الإسلامية ونصت عليها كذلك بنود معاهدة جنيف رقم 27 القائلة" للأشخاص المحمييّن في جميع الأحوال حق الإحترام لأشخاصهم وشرفهم وحقوقهم العائلية وعقائدهم الدينية وتقاليدهم" وبأسف شديد نقول إن الزواج الإجباري لايزال يسود في مناطق كثيرة من بلدان العالمين العربي والإسلامي ومن الواضح كذلك أن النساء في هذه البلدان يتعرّضن للعنف وإلى الزواج بالإكراه إلى جانب أعمال وممارسات أخرى فظيعة ترتكب بحق المرأة كالختان الذي يؤدي إلى تشويه عضو المرأة التناسلي من أجل كبح جماح رغبتهن الجنسية لإخضاعها للسيطرة على حد زعم أصحاب هذه الممارسات غير الأخلاقية أو الإنسانية!
ومن أكثر ما يؤدي إلى هذا الزواج القسري الزواج المبكر وعدم وعي المرأة "لعدم السماح لها بالذهاب إلى المدرسة للتعلم والتنوّر بمباديء النور البشري لكي تبقى حبيسة ظلمة تريدها لها فئة متحكمة لا ترحم ولا ترعوي" وعلى الأغلب يكون الزواج في السن ما بين الثامنة والثانية عشرة أي قبل وصول الفتاة إلى سن البلوغ والرشد فيأتي هذا الزواج الإجباري الذي يكون إلزامياً لها مرغماً إياها على القبول تحت تهديدات بالقتل أو الضرب أو التعذيب أو اتهامها بالكفر والخروج عن طاعة رجال الدين الذين يساهمون مساهمة مباشرة في وقوع مثل تلك المآسي أو لدواعي المحافظة على شرف العائلة وللجانب الديني تأثير رهيب وعظيم على المجتمعات العربية والإسلامية ويعود ذلك إلى الجهل من قبل العامة وإلى استغلال هذا الجهل من قبل رجال الدين. وتضطر الفتاة تحت ضغوط هائلة إلى القبول لأنها تفتقر إلى الوعي الذي لا تستطيع من خلاله أن تتخذ القرار المصيري وكذلك لأسباب تبعيتها الإقتصادية للأسرة (الأب والأخ والزوج) فلا تعمل لتتمكن من مواجهة التحديات التي تثقل ظهرها وتلجم إرادتها وتتعامل معها كدابّة لا حول لها ولا قوة.
ويلعب رجال الدين المسلمون دوراً خطيراً في تفعيل دور هذا الزواج فهم يمارسون ضغوطاً على الفتيات للقبول لدواعي الوراثة أو الزواج من زوج أختها المتوفية أو تدفع إلى طرف آخر كدية لحل خلافات من أنواع معينة وتكون هنا شخصاً لا قيمة له البتة بل ينظر إليها على أنها سلعة كغيرها من السلع. ومثل هذا الزواج لا يراعي الفوارق ولا مستوى الوعي أو المستوى الثقافي (هذا إذا وجد) وقد عبّرت الكثير من المنظمات الحقوقية والمؤسسات الدولية التي تعمل ضمن هذا التوجه عن قلقها من حصول مثل هذه الزواجات والتي تحرم المرأة من أبسط حقوقها علماً أن موضوع الزواج قضية مصيرية وهي ليست لمرحلة أو هي لا تعتبر آنية بل لحياة مشتركة يتم تحملها من الطرفين على السرّاء والضرّاء وهنا يكمن جمال هذه الحياة المشتركة!
إن عدم وعي الفتاة يعرضها لهذا الابتزاز الرهيب ويتركها طعماً سهلا لهؤلاء الوحوش الذين لا يهمهم سوى افتراسها كأنثى إذ ينظرون إليها نظرة غريزية لا غير وهذا الجانب يلعب هو الآخر دوراً حاسماً في تحقيق وقوع مثل هذا التظلّم على الفتاة فهي لا تعي واقعها وظروف حياتها بفعل خبرتها المحدودة لعدم الاحتكاك وقلة الخبرة الحياتية وهي بهذا الشكل ستكون عاجزة تماماً عن القيام بدورها كامرأة ومن ثم كأم فيما بعد في متغيّرات الحياة والواقع الذي تعيش فيه على الهامش دون أية عملية تهدف إلى التفاعل فالجهل والجهالة عنوان رئيسان لحلول هذه الكارثة والمساهمة في استفحال خطرها وقد قيل "لا إكراه في الدين" فكيف يجوز الإكراه في الزواج؟ والزواج الذي يتمّ بالإكراه سوف لن يستقيم مهما طال به الزمن.
إن المرأة مع هذا الواقع المفروض عليها دون رغبة منها ولا موافقة أو رضى ستحسّ في الزواج قيداً أبدياً لا خلاص منه وستشعر بالغبن الذي سيلازمها مدى العمر وينجم عم ذلك حالة متفاقمة من التعقيدات وكثيراً ما تقع الفتاة فريسة خطيفة وهذا أيضاً نوع من أنواع الزواج يكون سببه عدم المقدرة على دفع ما يطلب من مهر أو لممانعة أحد الأطراف لهذا الزواج والفتاة التي تهرب مع رجل في المجتمعات العربية والإسلامية تصبح خاضعة لهذا الرجل على الدوام في كل ما يريده منها لأنها فقدت بهروبها معه (وهو يكون بالقسر والإكراه على الأغلب) الكثير من جوانب شخصيتها وعرّضت نفسها إلى نقمة الأهل وغضبهم وإلى نظرة المجتمع الساخطة عليها على أنها فتاة ساقطة لا أخلاق لديها!!!
أما نتائج مثل هذا الزواج القسري فهي خطيرة جداً وتتعدى حدود إلحاق الأذى بفرد معين بل قد تتجاوزه إلى حدود أوسع وأشمل وقد أكد الباحثون الاجتماعيون والمهتمون بهذه القضية على أن المرأة في مثل هذا الوضع ستكره زوجها وقد تسعى إلى التخلّص منه بالقتل أو تحاول الهرب من ظلمه وبطشه ومتى تحمّلت ذلك بمضض ولم تتصرّف بطيش أو حماقة فإن حالة الإنحصار والضغط الذي ستتعرض له لن يجعلها قادرة على قيامها بواجبها كأم ومربية فهي تعاني من القلق والخوف وعدم الثقة ومن أشياء أخرى نفسية تحول دون قيامها بمهمتها عل أي وجه صحيحة وهنا تكون الطامة الكبرى لأن هذه الأجيال اللاحقة هي التي ستقود المجتمع وتساهم في عملية تطويره!
إن المدافعين عن هذا الزواج يخشون من اضمحلال سلطتهم وزوال نفوذهم في حال أعطيت المرأة ما يحق لها من حقوق بل هم يرون أن المساس بهذه القدسية لا يجوز ومتى أريد الحل الأمثل لهذه المشكلة وجب منح المرأة حقها الكامل في المساواة والعدالة والديمقراطية تحت سقف البيت الواحد. وأكثر ما تتفشى هذه الحالات من الزواج في محيط الأسرة قبل سن البلوغ وفي المجتمعات التي لا تقرّ بالحقوق القانونية والإجتماعية للمرأة وهذا العنف القسري الشائك والمتشابك يخلل بنية المجتمعات ويرهق أجيالها اللاحقة بسيل من الويلات والمآسي.
عندما لا تكون المرأة مستقرة عاطفياً ونفسياً واجتماعياً فإن ذلك سينعكس على استقرار الأسرة بشكل واضح ومباشر وهذا سيحد بالتالي من طاقة المرأة الإبداعية ومن إمكانية مساهمتها الفاعلة في الوسط الذي تعيش فيه، وتعاني الكثير من الفتيات في مثل هذه الزواجات الإجبارية من فوارق في السن ومن عدم الإنسجام وهو لا يؤدي إلى تبادل المشاعر الدافئة والحميمة بين الزوجين وهو ما يجب أن يكون، لأن الزواج رحمة ومحبة وتعاون وليس إكراهاً وغصباً وقهراً!
كما أن الحرمان العاطفي الذي ينجم عن ذلك من جراء رتابة الحياة العائلية وعدم شعور الطرفين بالرضى والأمان تدفع إلى ملل وهروب من البيت أو إلى الخيانة الزوجية أو إقامة علاقات جنسية غير مشروعة مع أطراف أخرى تشعر لديها بالأمن والحنان والرحمة التي افتقدتها في البيت الذي سجنت فيه أو انتقاماً من زوجها أو للتنفيس عن عواطف مكبوتة لم تلق تقديراً أو تجاوباً ممّن كان لزوماً عليه تحقيق هذا الإشباع لها أوغيره!
توجد برامج توعية تشرف عليها مؤسسات ودول تدعو إلى الانتباه إلى مخاطر ما يجري في هذه المجتمعات المنغلقة والمريضة بكل المقاييس ومن المثير للضحك أن الإسلام في الأحوال العادية لا يوافق على مثل هذا الزواج أي زواج المرأة برجل لا تريده أو ترغب فيه ولكنه يغض الطرف عن حصوله بهذه الكثرة والعلانية! ويعتبر كتاب الدكتورة نوال السعداوي "المرأة والصراع النفسي" هذه المرأة المناضلة من أجل حياة أفضل للمرأة من أهم المراجع.
إن المرأة تصبح عرضة للغبن والحيف والظلم وتنظيم حقوقها وكأننا نعود بها إلى العصور الجاهلية الأولى وهي أمور مزرية وعلى سبيل المثال التغييرات الأخيرة التي أجراها بعض رجال الدين ممن يمارسون العمل السياسي على تمرير قرارات كالقرار رقم 137 ليحل رجال الدين وزعماء العشائر محل المحاكم والقضاة فبما يخص الحقوق الشرعية للمرأة عملا بمبدأ الشريعة الإسلامية ما هو إلا خطوة إلى الوراء ورجعية بكلّ معنى الكلمة وهي تعيدنا إلى المجتمعات الأولى التي لم تكن فيها المرأة كائناً بشرياً بل دابة للركوب عليها فقط!
وإليكم مضمون المادة 34 من قانون الأحوال الشخصية
الزواج الفاسد
المادة 34
يكون الزواج فاسداً:
1. إذا كان الطرفان أو أحدهما غير حائز على شروط الأهلية حين العقد .
2. إذا كان عقد الزواج بلا شهود .
3. إذا عقد الزواج بالإكراه .
4. إذا كان شهود العقد غير حائزين للأوصاف المطلوبة شرعاً .
5. إذا عقد الزواج على أحد المرأتين الممنوع الجمع بينهما بسبب حرمة النسب أو الرضاع .
6. زواج المتعة ، أو الزواج المؤقت .
والشاعر علي حسين الفيفي نظر الى هذه المشكلة وأجاد في تصوير حالة آلت اليها بنت أكرهت على الزواج من شخص لا ترغب في الزواج منه لتوفر أحد الأسباب التي تقدم ذكرها فيه لكن الشاعر الفيفي لم يبين ذلك الإكراه الذي تطرق له في قصيدته المشار اليها بقدر ما ذكر أنها حالة اجتماعية يعاني منها بعض أسر مجتمعنا والضحية هي تلك الفتاة المكرهة, من تلك القصيدة قوله:
أيها السائل عنها إنها ** أصبحتْ مثل المريض الصائم
وجهها المشرق يبدو غائما ** وبعينيها ظنون الواهم
طالما نامت على أحلامها ** وأمانيها بقلب هائم
ترقص الأحلام في مهجتها ** حين تأوي للفراش الناعم
وقوله:
فاذا ما أشرق الصبح رأتْ ** حلم الأمس كوهم الواهم
ورأت أحلامها مذعورة ** ورأتها بين موج غاشم
وأقام الأهل أفراحا لها ** وهي في حزن وبؤس دائم
وإذا الزوج يرى أحلامه ** وهي في ثوب حداد قاتم
فإلى متى نظلّ ندرك أوجاعنا وعللنا ولا نسعى أو نخلق لدينا الرغبة والنية في تحسين صورة مجتمعاتنا أمام مرآة العالم الناقدة معالجينها كما يجب؟ ولا نحاول تجاوز هذه المصائب والتغلّب عليها لنرقى بمجتمعاتنا إلى مركز يكون لائقاً بها بين الشعوب المتحضّر



#علياء_عبود_الحسني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التدابير الدولية لمكافحة الارهاب العراق أنموذجاً


المزيد.....




- نادي الأسير الفلسطيني: عمليات الإفراج محدودة مقابل استمرار ح ...
- 8 شهداء بقصف فلسطينيين غرب غزة، واعتقال معلمة بمخيم الجلزون ...
- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - علياء عبود الحسني - الزواج القسري