أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راجي سعد - استشهاد انطون سعاده: من نكبة فلسطين الى نكبة امة















المزيد.....

استشهاد انطون سعاده: من نكبة فلسطين الى نكبة امة


راجي سعد

الحوار المتمدن-العدد: 4511 - 2014 / 7 / 13 - 11:16
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


"رغماً من أن الحركة الصهيونية غير دائرة على محور طبيعي، تقدمت هذه الحركة تقدماً لا يستهان به. فإجراءاتها سائرة على خطة نظامية دقيقة، وإذا لم تقم في وجهها خطة نظامية أخرى معاكسة لها كان نصيبها النجاح. ولا يكون ذلك غريباً بقدر ما يكون تخاذل السوريين كذلك إذا تركوا الصهيونيين ينفذون مآربهم ويملكون فلسطين". بهذا الاستشراف المبكر في العام 1925، وضع ابن الواحدة والعشرون من العمر يده على الداء فابتدا أنطون سعاده مسيرته النضالية الحافلة في ايجاد الدواء فكرا ونهجا وممارسة. لوضع الخطة المعاكسة كان سؤاله الاول من نحن وعندما استنتج الجواب بعد بحثه العلمي في كيفية نشوء الامم، بدأ يسأل عن الاسباب التي جلبت علينا كل هذا الويل وهل نحن شعب او أمة جدير بالحياة. في 1932 اكتملت نسبيا اجوبته على هذه الاسئلة فاسس الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي اعلن فيه اننا شعب وامة واحدة لاننا مجتمع واحد متواصل الحياة وتربطه روابط اقتصادية وثقافية ونفسية واحدة ومصالح مشتركة من سيناء الى فلسطين والاردن صعودا الى لبنان ودمشق وحلب والاسكندرون وشرقا الى الموصل وديار بكر وجنوبا نحو بغداد والبصرة والاحواز. هذه البيئة المميزة التي اتتها الغزوات من كل حدب وصوب وجوفتها الصحراء بشكل هلال، لم تنهزم ولم تجف ارادة الحياة في شعبها رغم الويلات والمآسي التي مرت وتمر بها.

بعد اغتراب قسري عن الوطن في اميركا الجنوبية، عاد الزعيم الى الوطن في آذار 1947 ليجد نفسه في نزاع غير متوازن مع المشروع الصهيوني الذي يضع اللمسات الاخيرة لتاسيس وطن قومي لليهود في فلسطين. أعاد حزبه الى الطريق الصحيح فاستاصل بذور الكيانية منه واعتبر ان المسالة الفلسطينية هي مسالة لبنانية في الصميم وشامية وعراقية في الصميم. اعلن ان الحزبية الدينية هي لعنة الامة لانها تخدم اهداف العنصرية الصهيونية التي تنمو وتزدهز بعنصريات مماثلة لها ولو اختلفت الديانة. كانت نهضة امته هدفه الاول والاخير وراى ان الخطر الصهيوني هو خطر وجودي يتهددها ويجب مواجهته اولا بالاخاء القومي الذي يفصل كل ما هو سياسي عن الديني ويزيل الحواجز بين مختلف مكونات الامة من طوائف واعراق ليوحد الامة نفسيا وسياسيا.

لم يهادنه الاقطاع الديني والسياسي والطائفي واعتبره خطرا وجوديا عليه. كان على راس هؤلاء البطركية المارونية التي كانت قد اسست علاقات وطيدة مع الحركة الصهيونية سعيا لاقامة وطن مسيحي في لبنان، تُوجت باتفاق بين البطريرك عريضة ممثلا البطركية المارونية وحاييم وايزمان رئيس الوكالة اليهودية في 30 آذار 1946. نص الاتفاق على التعاون وعلى تاكيد البطركية دعمها لهجرة اليهود الى فلسطين واقامة دولة يهودية فيها وعلى تاكيد الوكالة على الطابع المسيحي للبنان. القوى والطوائف الاخرى رات ايضا في سعاده تهديدا لمصالحها وسلطتها فرجال الدين وخاصة المسلمين رفضوا دعوته للفصل بين الدين والدولة ورجال الاقطاع السياسي راوا فيه تهديدا مباشرا لزعاماتهم بعد ان استطاع حزبه ان يخرق كل المجتمعات المغلقة الموالية لهذا الاقطاعي او ذاك. كان على راس هؤلاء الزعماء رئيس وزراء لبنان رياض الصلح الذي "تخل عن الوحدة السورية من اجل منصب في بيروت" كما قال عنه ابن عمه سامي الصلح والذي، بعد تاسيس دولة اسرائيل في ايار 1948، قام بستة لقاءات سرية مع اسرائيل في باريس في أواخر 1948. وحده سعاده شخص الصهيونية كخطر على الامة كلها وعرف ان قوة اسرائيل هي فقط بسبب ضعف وتفتت الامة فلم يفاوض ولم يهادن ولم يتعامل ووصف الدواء السياسي والاجتماعي المعاكس لها. دواءً جلب عليه حربا داخلية ضروس من الدولة اللبنانية تصاعدت وادت الى مهاجمة كل مراكز حزبه وتدبير هجوم الكتائب على مطبعة الحزب في الجميزة مما دفعه الى اللجوء الى دمشق. قبل اجتماع "الرئيس السوري" بسعاده في 15 حزيران 1949 مساء، كان حسني الزعيم قد اجتمع صباحا مع وزير الخارجية الاسرائيلي موشيه شاريت التي حثه على دفع انطون سعاده لاعلان الثورة (مقابلة ضابط المخابرات سامي جمعة الذي حضر الاجتماع، المحرر، العدد 200، تموز 1999). امام وعد حسني الزعيم بدعمه وتزويده بالسلاح وكل ما يلزمه وحملة الدولة اللبنانية الشعواء على الحزب، اعلن سعاده الثورة في 4 تموز فما كان من حسني الزعيم الا ان غدر به وسلمه الى السلطات اللبنانية في 7 تموز. بعد محاكمة صورية بارك رئيس الجمهورية بشارة الخوري، المقرب جدا من البطركية المارونية ورياض الصلح رئيس الوزراء مرسوم الاعدام الذي نفذ في فجر 8 تموز 1949.

بعد اغتيال سعاده جرى تعاطف شعبي مع حزبه في الشام ولبنان واصبح من الاهم القوى الفاعلة في الجيش السوري الى ان دُبرت مؤامرة قتل عدنان المالكي فزُج بالقوميين في السجون وانتهى بذلك اي وجود فعال للحزب في الشام. خلال هذه الفترة وبعد قيام دولة اسرائيل استمرت الحركة الصهيونية في التخطيط البعيد المدى لايجاد صيغة تصبح فيها الدولة اليهودية جزءا لا يتجزا من نسيج المنطقة الاجتماعي يضمن لها الاستمرارية والشرعية. اول من كشف عن هذه الخطط كان الصحفي الهندي كرانجيا في كتابه بعنوان "خنجر اسرائيل" في 1957 الذي تضمن وثيقة سرية صهيونية عن خطة تقضي بتقسيم سوريا الى ثلاث دويلات درزية وعلوية سنية وتقسيم لبنان الى دولتين مارونية وشيعية وتقسيم العراق الى دولة كردية ودولة عربية والحاق المنطقة الجنوبية بشاه ايران. وثيقة اخرى نشرت في مجلة "كيفونيم" فى عام 1982 التى تصدرها المنظمة الصهيونية العالمية بعنوان استراتيجية اسرائيلية للثمانينات دعت ايضا الى تقسيم العراق وتقسيم لبنان الى دويلات طائفية وفصل جنوب السودان. بعد الغزو الاميركي للعراق وبعد ان نضجت المخططات، نشر الصحافي رالف بيترز المقرب جدا من وزارة الدفاع الاميركية في 2006 خريطة "حدود الدم" التي اظهرت المشروع الاميركي الصهيوني لتقسيم المنطقة الى دولة كردية، وشيعية، وسنية عراقية تشمل الجزيرة الفراتية، وسنية سورية تشمل دمشق وحلب وكونفدرالية اقلوية في لبنان "الاكبر" على الساحل تضم فيدراليات شبه مستقلة درزية ومسيحية وعلوية وغيرها.

هذه الخطط الصهيونية الطويلة المدى نفذت على مراحل. بعد صراع على السلطة وانقلابات عديدة لم تكن المخابرات الاميركية وغيرها بعيدة عن معظمها، وصل حزب البعث العلماني المبادئ الى الحكم في سوريا والعراق وعلى راسه في السبعينات قائد من الاقلية العلوية في سوريا وقائد من الاقلية السنية في العراق. هذا الواقع بالاضافة الى استعانة الحكم الجديد بحاشيته المقربة وقبيلته وطائفته لحماية النظام، سهل للقوى المعادية استغلال مشاعر الاكثرية "المغبونة" وتاجيجها لخلق صراع مذهبي في كل منهما لاستغلاله في الوقت المناسب. في 1975 اندلعت الحرب الاهلية في لبنان التي ما لبثت ان تحولت الى حرب طائفية تاججت بعد الغزو الاسرائيلي في 1982 وادت الى مذابح وفرز طائفي في معظم المناطق فاصبح لبنان بعد اتفاق الطائف "المرحلي" جاهز لنظام الفيدراليات عندما يحين الوقت المناسب. في 1979 انتصرت الثورة الاسلامية الايرانية وقضت على حكم الشاه الذي لم يلقى اي مساعدة تذكر من خلفائه في الغرب. رغم ان هذا الانتصار حول ايران الى دولة معادية لاسرائيل الا ان وجودها كدولة شيعية زرع الرعب في الممالك السنية الخليجية، فشجعوا ومولوا العراق على خوض حرب استنزاف خلقت صراع سني-شيعي اقليمي مرير وانهكت البلدين، وكان لكيسنجر ما اراد عندما دعى الى هزيمة البلدين. في أواخر الثمانينات انتصرت ثورة اسلامية اخرى سنية بقيادة بن لادن في افغانستان عندما طردت الروس من افغانستان بمساعدة اميركا والغرب، وبرزت حركة حماس في فلسطين بعد ان سهل لها الاسرائيليون التمويل ليس غراما بها بل لكي يخلقوا نزاع داخلى فلسطيني مع منظمة التحرير.

بعد الحرب الايرانية العراقية وأمام صعود التيارات الاسلامية الشيعية والسنية المعادية لبعضها البعض، اصبحت المنطقة جاهزة لمرحلة "الفوضى الموجهة" او مرحلة الدول الفاشلة قبل تقسيمها الى النظام الشرق-أوسطي الجديد. في انتخابات 2000 الاميركية وصل جورج بوش المسيحي الصهيوني الى سدة الرئاسة ووصل معه مجموعة "المشروع من اجل قرن اميركي جديد" امثال ديك تشيني ورونالد رمسفيلد وبول وولفوبتس ورتشارد بارل من الصهاينة الذين شجعوا وعملوا على غزو العراق. بعد تدمير "البرجين التوأمين" في نيويورك واتهام بن لادن بتنفيذ الهجوم، استطاعت هذه المجموعة ان تُسيّر الادارة الاميركية على غزو العراق لخلق الفوضى الموجهة فيه تمهيدا لتقسيمه الى ثلاث دول كردية وسنية وشيعة. تبع ذلك تفجير سوريا داخليا تحت عناوين الديمقراطية والتعددية التي خدرت الراي العام واقتادت بعضه للسير في الخطة الاميركية الصهيونية لتقسيم سوريا.

امام هذه الواقع النكبوي لم يبقى من يدافع عن وحدة سوريا والعراق ويمنع الصهيونية من الوصول الى المراحل النهائية من خططها الا مؤسسة الجيش في كل منهما رغم تعرضها لحملات شعواء لتطييفها واعتبارها تمثل احد الطوائف. الجيش السوري استطاع ان يحافظ على وحدته ولم يسمح بفصل الساحل عن دمشق او حلب وحصل على ثقة ودعم الشعب بانتخابه الرئيس الاسد بنسبة كبيرة. الامر اختلف في العراق فالنظام السياسي "الديمقراطي التوافقي" الذي اسسته اميركا والذي اعطي حكم ذاتي وامتيازات للاكراد وجعل الاقلية السنية تشعر بالقهر والغبن، مهد لتقسيم العراق نفسيا وسياسيا وانعكس ذلك على مؤسسة الجيش الفتية. رغم ضعف الجيش فهو يبقى الامل الوحيد للحفاظ على وحدة العراق الهشة.

دفاع الجيشين عن وحدة البلدين كل على حدى لا يكفي ايضا، فامام تداخل وترابط المجتمع على ضفاف الفرات ودجلة في سوريا والعراق ووجود داعش والبشمركة الكردية في كلا البلدين، لا خيار امام الجيشين السوري والعراقي الا ان ينسقا ويوحدا جهودهما بجدية لمواجهة مشاريع الانفصال والتقسيم. بموازاة ذلك، ولكي يكتب لاي عمل عسكري النجاح، يجب ان ترفقه عملية السياسية تُأسس لتحالف واسع يضم اطراف كردية وسنية وشيعية وغيرها تامن بوحدة سوريا والعراق لمواجهة التجييش الطائفي والعرقي والتاكيد على قومية المعركة.

عندما حذر سعادة في 1925 من الخطر الصهيوني لم نكترث الى ما يقوله، وعندما اعلن ان الحزبية الدينية هي لعنة الامة لعناه واعتبرناه ملحد وعدو للدين، وعندما اعتبر ان المسالة الفلسطينية هي مسالة تعني كل شامي ولبناني وعراقي في الصميم اعتبرناه يبالغ في تشخيص الخطر الصهيوني. اليوم وبعد 65 سنة على غيابه وبعد ان اعتبرت الصهيونية ان الحزبية الدينية هي نعمة النعم وبالغت في استعمالها الى اقصى الحدود لسلب فلسطين وتحويلنا الى قطعان بشرية هائجة تتقاتل على سماء آخرية وهمية فتخسر الارص والسماء معا، لن يوقف نكبة هذه الامة السورية-العراقية الا الحد الادنى من الذي دعى اليه سعاده من أخاء وتضامن قومي.





#راجي_سعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عشتارتي وأليسارتي وزنوبيتي
- ديمقراطيات المشرق: حصاد عنب أم حصرم
- سدود وأنابيب كردستان ... فواصل أم تواصل
- الهرولة الى تركيا ... بدون ماء


المزيد.....




- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راجي سعد - استشهاد انطون سعاده: من نكبة فلسطين الى نكبة امة