محمد حسين النجم
استاذ جامعي / باحث اكاديمي
(Mohammed H. Alnajim)
الحوار المتمدن-العدد: 4506 - 2014 / 7 / 8 - 10:23
المحور:
الادب والفن
العشق .......والتاريخ
قراءة في كتاب (كامي وسارتر ) لرولاند ارونسون *
محمد حسين النجم
لم يكن الشاعر العربي بعيدا عن الصواب حين ردد ( وعين الرضا عن كل عيب كليلة ) مثلما كان محقا بالقول ( وكذاك عين السخط تبدي المساويا ) , .الا ان الامر ربما يرقى الى مستوى الخيانة حين يتعلق باستحقاقات التاريخ. .. .
جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار , ثتائي لا يمكن الفصل بينهما , و ذكر احدهما يستدعي الاخر حتما ,اذ ارتبطا منذ نهاية عشرينات القرن الماضي برابطة فكرية وروحية وجسدية لم تنته الا بوفاة سارتر عام 1980 مما يجعل من شهادتهما صورة من قلب الحدث وتعد فرصة غنية للتاريخ لان ياخذ حظه من القراءة الرصينة والصادقة حينما يشرع احدهما او كليهما بالادلاء بشهادته امامه .الا ان الملاحظ على ماكتبته بوفوار , ومااكثر ماكتبت , انه يعاني من التضارب بين ذاك الذي دبجته اثناء حياة قرينها سارتر وذاك الذي بعد وفاته فيما يتعلق بعدد من الامور, وهو امر يدعو للاسف, والذي ربما يدفع الى التوقف عن الركون الى شهادتها الا في حال وجود قرينة لشاهداخر يدعم ماتقول , وهو ما يحرمنا من شاهد عيان كان الامل معقودا عليه في تسجيل حياة واحد من كبار رجال الفكر في القرن العشرين .
لقد اعتاد باحثوا التاريخ ان يتذرعوا بالمنحنى الشخصي للشاهد لتقرير مدى موثوقيته , فهل يصمد المنحنى الشخصي لسيمون دو بوفوار لذلك ؟
لعل اهم صلة كانت تربط سارتر بمفكري عصره هي صلته ب ( البير كامي ) , والذي صار يشكل مع الاثنين ثلاثيا لا ينفصم بعد ان انقطعت سبل عودة كامي الى الجزائر بعد احتلال الالمان لها عام 1942 اثناء زيارته لباريس مما اتاح له فرصة الانشغال بحركة المقاومة الفرنسية. .
ان كامي , السياسي العملي المتمرس قبل وصوله الى باريس حين كان عضوا في الحزب الشيوعي الجزائري , وصاحب الشخصية المستقلة التي دفعته استقلاليته الى ترك هذا الحزب والسفر الى باريس ,وجدها فرصة طيبة ليندفع بقوة في خوض غمار حركة المقاومة الفرنسية وليلتقي هناك بجان بول سارتر , ذلك الفيلسوف النظري في السياسة ,الذي طبقت شهرته المنتديات الفرنسية وبات يكتسب شهرته العالمية قبل كامي بفترة , ساعيا بجد لان يخرجه من صومعته الفكرية ليشاركه النضال العملي بجو محفوف بالمخاطر والرصاص. .
استطاع كامي ابان حركة التمرد التي اجتاحت المجتمع الفرنسي قبل التحرير , واثناء ترؤسه لتحرير صحيفة ( كومبا ) السرية من ان يسحب زميله النظري الى عمق الواقع حين كلفه بكتابة جملة من المقالات لصالح الصحيفة تستكشف حقيقة مايجري وقد ظهرت مقالتي ( الطواف بانحاء باريس في اثناء الانتفاضة ) و ( جوال في انحاء باريس الثائرة ) ممهورة بتوقيع سارتر , والتي ظل الراي السائد عنها بانها افضل رؤية عيانية تروي احداث تلك الايام .ان مايلفت النظر ان بوفوار حين تحدثت عن هذه التجربة تقول : ( كتبنا تقارير عما كان يجري من احداث واعتدنا تقديمها الى كامي وفي نفوسنا قدر من الاحساس الممتع بالخطر في الطرقات التي تخترقها الطلقات بين الحين والاخر ) ,وهذا يعني ان المقالتين عمل مشترك بين الاثنين لا لاحدهما فقط , فلماذا لم يظهر اسم بوفوار الى جانب سارتر ؟ وماهي حقيقة من كتب تلك المقالات ؟ .
لعله ليس من الهين عدم التوقف امام هذه الاسئلة وهي تتعلق بممارسة ثورية ميدانية لاحد اشهر المفكرين انئذ والتي تجعل ذلك الارستقراطي النظري وهو ينزل الى الحارات والازقة ليسجل مايجري من مظاهر متحديا الرصاص الذي يمكن ان ينطلق في اية لحظة في الوقت الذي لم يعرف عن سارتر مثل هذه الممارسة الا بعد التحرير , واذا ماعرفنا, كذلك ,مدى الرعب الذي كان يشعر به سارتر وبوفوار حينما زارا كامي في المنشأة التي خصصتها المقاومة لصحيفة (كومبا) وصحيفتين سريتين اخرتين ,حين كانا يخشيان , كماتذكر بوفوار , اقتحام القوات النازية المنشأة فلعلها كانت تغطي على رعب سارتر بالتذرع بضمير الجمع هذا ..
هل هي مجاملة من بوفوار ونكران ذات ان تترك اسم عشيقها وحده يظهر في (كومبا) ام خوف على ذاتها ؟.
الغريب في الامر ان بوفوار وبعد وفاة سارتر اعترفت الى كاتب سيرتها بانها هي وليس سارتر من كتب تلك المقالات!!!!
لا شك انها خيانة للتاريخ ان يكتب خلاف واقعه مهما كانت الاسباب,وهو مايجعل المؤرخ يتوقف طويلا امام التصديق بما تورده من حقائق واحداث , فمن يجرأ على الخيانة مرة لابد ان يكون محل شك وسوء ظن .
ولعل الصلة بين سارتر وكامي تبدو اشد الحقائق ابهاما في شهادة بوفواروالتي تستدعي طرح عدد من الاسئلة المرتبطة بالتوجه النفسي عند سارتر ومدى مسايرة بوفوار لهذا التوجه وهي تدلي بشهادتها ,اذ يبدو من خلال سيرته ان سارتر كان يشعر بالغيرة من كامي حتى عبر عن ذلك يوما عندما خاطب كامي وهو ثمل :انا اذكى منك , هه , اذكى منك ؟ .
فهل كانت بوفوار تشاطر سارتر غيرته من كامي .؟
ام كانت تغار من كامي في صلته بسارتر حين عبرت عن ذلك بقولها بانها كانت تشعر بقلق وضيق من ( افتتان ) سارتر بكامي .
ان بوفوار تصور صلتها وكامي بسارتر بصورة لا تخلو من دلالة حين تقول : كنا اشبه بكلبين يتناوبان قطعة عظم , قطعة العظم هي سارتر , وكلانا يريدها .؟
فماطبيعة هذه الارادة التي يريدانها ؟
لاشك ان لسارتر وكامي باعهما الطويل في تجاربهم النسائية , وعلى الرغم من الشهرة الواسعة لسارتر التي تجعله محظيا للنساء الا ان شهرة كامي بدأت كذلك بالصعود في اروقة باريس الثقافية التي وصلتها قبل وصوله الىها , الا ان الفارق بين الاثنين مقدار الوسامة التي كان يمتلكها كامي واسلوبه البارع الذي يجتذب النساء وهو مايفتقده سارتر , فهل كانت تعتقد بوفوار بامكانية هبوط حظوتها عند سارتر بعد ظهور كامي ؟ واذا كانت قد ارتبطت بسارتر بعلاقة جنسية دائمة , من دون زواج , فهل كانت لديها شكوك بسلوك مثلي عند سارتر تجاه كامي الذي عبرت عنه بالافتتان ؟
لعل بعض هذا يفسر لنا ذلك الميل العدواني عند بوفوار تجاه كامي , الا اننا لا نمتلك قرينة يمكن ان تدعم مثل هذه الشكوك مثلما ان بوفوار لم توضحها بهذا الاتجاه . .
ربما نجد الاساس في ذلك بحقيقة ان بوفوار حاولت تقديم نفسها كعاشقة لكامي , الا ان الاخير صدها وهو ماجعلها تصفه بانه فظ , فج , ضيق الصدر معها ,كما لابد ان نتذكر تعليق كامي عنها في حديثه ل ( ارثر كويستلر ) : تخيل ماذا عساها تقول بعد ذلك وهي على الوسادة . يالهول مثل هذه الامرأة المثقفة الثرثارة , انها شئ غير محتمل. .
ربما هذا ماجعل من بوفوار في سعي دائب للتقليل من شأن كامي وعلاقتها وسارتر به ووصفها بانها علاقة عابرة مع ريفي مهمل , في حين في مذكراتها عام 1963 نلاحظ تكرارها لذكره كثيرا وعنايتها بافكاره وتطوره السياسي والشخصي والذي لا يدل على علاقة عرضية كما حاولت تصويرها .
المؤكد ان موقف بوفوار العاشقة كان يلقي بظلاله على ماتورده من حقائق
ولعل الذي زاد الامر سوءا هو انها على الرغم من ارتباطها الدائم بسارتر الا ان الاخير كان لا يخفي ميله الدائم ,كذلك, الى الاخريات بل وغيرته من كامي في علاقته بهن وتشببهن به
ويصرح لها بذلك , كما هو الحال مع واندا مثلا, والمعروف ان سارتر ابان تلك الفترة المزدحمة بالاحداث كان قد شكل مجموعة اسماها ( العائلة ) تضم عددا من تلاميذه واتباعه من الشباب والشابات , وقد كان لا يخفي غيرته من علاقة كامي باحدى العضوات وهي (واندا كوزاكيوفكس ) التي كما يبدو كانت مستجيبة لطاقة الغواية عند الاخير حتى انه صرح لبوفوار بقوله :ماالذي كانت تفكر فيه واندا ويحفزها الى ملاحقة كامي ؟ ماالذي تريده منه ؟ الم اكن انا افضل لها منه ؟ واكثر كياسة وتهذيبا ؟ حري بها ان تلزم الحذر .ولاشك ان مثل هذا التصريح يمكن ان يمس هاجس الكبرياء عند بوفوار, فمن الصعب على عاشقة نذرت حياتها لمعشوقها ان لاتكون مستعدة ان لا ترضيه بمايليق به امام منصة التاريخ حتى وان كان في مجافاة مع الواقع .
ان بوفوار مصدر ثر لحياة سارتر ,لا جدال في ذلك ,بل والاكثر قربا من اي مؤرخ آخر ,وان تجاوز شهادتها يحرمنا الكثير ,فالى اي حد يمكننا ان نضع معيارا نميز به مايعود للحقيقة في حياته من ذاك الذي يرزح تحت ظل الهوى ؟ واذا اخذنا واقع الصلة بين كامي وسارتر مثالا فالى اي حد يمكننا ان نستبين الخيط الابيض من الخيط الاسود من الحق عند عاشقة وهي تجد عشيقها ومن كانت تتمنى ان تكون عشيقته وهما غارقان في مطاردة حميمة للنساء ,بل كانت علاقة كامي باحداهن سببا في القطيعة بينهما كما صرح سارتر لاحقا .
____________________________________________________________________
ترجمة :شوقي جلال , (عالم المعرفة /334) المجلس الوطني للثقافة والفنون والاداب / الكويت2006 *
#محمد_حسين_النجم (هاشتاغ)
Mohammed_H._Alnajim#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟