مأمون الأخرس
الحوار المتمدن-العدد: 4506 - 2014 / 7 / 8 - 08:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
كان الأنسان صياداً يعتاش على الحيوانات و ما تيسر له من الفواكه و الخضار...عرف منذ البداية أنه في حال خروجه للصيد وحيداً فأن حياته تكون معرضة للخطر و أن التحرك بشكل جماعات يقلص هذه الأحتمالية..فالذئاب و الأسود و جميع الحيوانات المفترسة لن تهاجم جماعة من البشر , بل تبحث عن فريسة سهلة وحيدة و ضعيفة...مثل أي فكرة توارثتها الأجيال أصبح مع الزمن معروفاً لدى الأطفال و الكبار أن الجماعة تضمن لك الأمان و البعد عن الأخطار..و استذكر هنا قصة أينشتاين (كيف تتم صناعة الغباء) حيث وضع مجموعة من العلماء 5 قرود في قفص واحد.. وفي وسط القفص يوجد سلم.. وفي أعلى السلم هناك بعض الموز في كل مرة يصعد أحد القرود لأخذ الموز.. يرش العلماء باقي القرود بالماء البارد بعد فترة بسيطة أصبح كل قرد يصعد لأخذ الموز يقوم الباقين بمنعه وضربه حتى لا يُرشون بالماء البارد بعد مدة من الوقت لم يجرؤ أي قرد على صعود السلم لأخذ الموز على الرغم من كل الإغراءات.. خوفا من الضرب بعدها قرر العلماء أن يقوموا بتبديل أحد القرود الخمسة ويضعوا مكانه قرد جديد
فكان أول شيء قام به القرد الجديد أنه صعد السلم ليأخذ الموز.. ولكن فورا الأربعة الباقين ضربوه واجبروه على النزول بعد عدة مرات من الضرب فهم القرد الجديد بأن عليه أن لا يصعد السلم مع أنه لا يدري ما السبب قام العلماء أيضًا بتبديل أحد القرود القدامى بقرد جديد.. وحل به ما حل بالقرد البديل الأول.. حتى أن القرد البديل الأول شارك زملائه بالضرب وهو لا يدري لماذا يضرب وهكذا حتى تم تبديل جميع القرود الخمسة الأوائل بقرود جديدة.. حتى صار في القفص خمسة قرود لم يرش عليهم ماء بارد أبدا.. ومع ذلك يضربون أي قرد تسول له نفسه صعود السلم بدون أن يعرفوا ما السبب لو فرضنا وسألنا القرود لماذا يضربون القرد الذي يصعد السلم؟.. أكيد سيكون الجواب: لا ندري ولكن وجدنا آباءنا وأجدادنا هكذا عمليًا هذا ما نطبقه نحن في أعمالنا وحياتنا اليومية.. نبقى في الروتين خوفاً من التغيير أسرى لغباء متراكم يزداد إضطرادًا مع مرور الأيام...
مع مرور الأيام أصبح الأبتعاد عن القطيع من المحظورات و تجذرت هذه الفكرة في عقول البشر حتى اصبحت من المسلمات..في أوروبا مثلأ في القرن الخامس للميلاد كانت الفتاة ذات الشعر الأحمر تعتبر ساحرة و بنتاً للشيطان و تجلب اللعنة و الخراب للمدينة حتى انهم كانو يغرقونهن في النهر فأذا غرقت ترحمو على روحها و ان طفت فوق الماء فأنه يتم أعدامها و حرق جثتها...
رفضت المجتمعات البشرية من يختلف عنهم حتى أن مريض البرص كان ينبذ و أحياناً يرجم أو يقتل لأختلافه...و تجلت هذه الظاهرة في منطقتنا التي هي مهد جميع الأديان , حيث أمتدت منطقة المحظورات لتشمل التفكير...فقد كفر المسلمون الفلاسفة و الكيميائيين و الفلكيين و قتلو معظمهم و أحرقوا كتبهم لأنها خرجت عن النص المعهود... و أحرق جيوردانو برونو في ساحات روما لأن فكره كان مختلفاً و هوجم غاليليو و رفض لتبنيه فكراً مغايراً عن ما سمحت له الكنيسة باعتناقه...
لم يسلم المثليون على مر العصور من الأضطهاد و القتل لأختلاف ميولهم عن ما هو سائد في محيطهم...لم يسلم السود من اضطهاد الأغلبية البيضاء لهم في جميع انحاء العالم و اعتبارهم من العبيد بموافقة صارخة من الأديان الأبراهيمية الثلاثة التي فرضت نفسها على تجمعات البشر و صبغت مسلّماتها بصبغة الاهية و قدسية تجعل تاركها يعتبر شاذاً و ان الأبتعاد عنها خطر على الفرد و المجتمع على حد سواء..
و ها نحن الآن في القرن الواحد و العشرين...لا نختلف كثيراً عن من قتلو ذوات الشعر الأحمر او حرقوا جيوردانو برونو او جرّمو غاليليو و حرقوا كتب الفلاسفة و العلماء...فنحن وضعنا قوالب و نماذج للبشر و حشرنا أنفسنا فيها و تظاهرنا بأنها تناسبنا , حتى لو كانت ضيقة او واسعة او غير مريحة, حتى اصبحت تسمع عن رجل مثلي الجنس و لكنه متزوج من أمرأة و عنده أطفال...نسمع عن أمرأة محجبة في الخارج و لكنها تتجرد من ملابسها أمام من تحب في الخفاء...أو أمام مسجد ملحد...أو فتاة متزوجة لكنها تحب و تعشق أبن صديقتها و تنتظر خروج زوجها ليتنسى لها الأختلاء به..نجد من يصوم و يصلي فقط لأن من حوله يفعلون ذلك..
فرضت النصوص المقدسة فكرة المشي مع الجماعة و تبلورت و تغلغلت في عقول اجدادنا حتى أصبحنا نسمع أن (الموت مع الجماعة رحمة) و (حط راسك بين الروس) و (أذا أتحد أفراد القطيع مات الأسد جائعاً) و أغبى ما سمعت كان (ليست قوة الشخصية في الفردية بل في نبذ الفردية)...
في منطقتنا الملعونة بالذات يوجد من الأسباب ما هو كافٍ لتفريق الأب عن ابنه و المرء عن أخيه و الأم عن طفلها و الحبيب عن حبيبته...عندنا أديان و طوائف و فئات و أصول و ألوان و أعراق...لا أحد ينكر أنه رغم تدينها و تحفظها و تخلفها,رغم أنف الجميع, ستجد فيها الحر و الحرة , الملحد و الملحدة , المثلي و المثلية , الأسود و الأبيض و الأشقر...و ذات الشعر الأحمر...يصرخون في وجه الجميع...في وجه قداسة النصوص الألهية البشرية الصنع...
نحن هنا...نحن موجودون ...
حان الوقت لنتخلص من قوالبنا البالية و أفكار من ماتوا و شبعوا موتاً...حان الوقت لنفارق القطيع
#مأمون_الأخرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟