أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - يوسف ( ع ) ، آية في الثكنة وليل الأهوار.....!














المزيد.....

يوسف ( ع ) ، آية في الثكنة وليل الأهوار.....!


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 4504 - 2014 / 7 / 6 - 21:17
المحور: الادب والفن
    


يوسف ( ع ) ، آية في الثكنة وليل الأهوار.....!

نعيم عبد مهلهل

(( قُدَ من دبرٍ..أعمارنا قُدت من شغفِ العيشِ
وما زالت أُناث الزقاق يعشقنَ صوتُ الديك.
لأجل هذا أفكرُ في القديس يوسف وأتخيل دورَ عروضَ الأزياء
فاكتشفتُ إنَ موضة الأمس كانت روح وموضة .
اليوم مجرد ثوبٍ ونحافة .))

من قصيدة النساء وعاطفة النبي يوسف

لم تتخلف أيُ ثكنةٍ من ثكناتِ الجيش في كل صباح أن تذيع سورة يوسف من مكبرات الصوت، قبل أصطفاف الجنود في ساحة العرض ، وأظن وأنا الذي أتدرب كجندي مستجد في ثكنة الناصرية ، أن يوسف الذي تتحدث عن جمال وجهه كتب السماء والاساطير ، قد سرق مني طقس سماع صوت فيروز في مثل هذا الوقت ، الذي تعودت عليه منذ أن أشارَ لي واحد من زملائي ، عندما اكتشف معي موهبة بدائية في كتابة الشعر وقال : إن أردت تطوير موهبتك أسمع فيروز كل صباح من إذاعة بغداد .
في طفولتي عندما كنت أعيش وأهلي في واحدة من قرى الأهوار ، سمعت بقصةِ يوسف من فم أبي ، وكنت قد اكملت الثانية عشر وكانت واحدة من حكايات الشعور باللذة مع الطقس الايماني الذي يسكن المخيال ، وكنت أناصر النبي الجميل في محنته داخل البئر يومَ مكر فيه أخوته .
وهاهي الحرب تمكر بنا وتأخذنا الى جبهات القتال ، فلم يَعُدْ بمقدورنا أن ننصت بخشوع الاستعداد وتفتيش القيافة العسكرية لسورة يوسف ، وعدنا جميعا الى طقسنا المحبب سماع اغنيات فيروز . التي قدر نفارق سماعها بسبب القصف لنعود الى ذعرنا وهلعنا وانتظار القدر ، ولكن مع أمنية سماع سورة يوسف ثانية لتحفظنا من جمر شظايا المدافع ورصاص القناص.
كان يوسف مفردة الأثارة في عالمنا الطفولي ، وكان في قريتنا صبيا جميلا أسمه ( دشر) ويوم سمع قصة يوسف وخياله بتأثير جمال وجه النبي في جمع النساء المشتهيات ، كتب اعلانا على حيطان بيوت الطين والقصب وأنه أخذ موافقة ابيه بتغير أسمه الى يوسف ، لاسيما أن الكثير من ابناء القرية لايملكون هويات احوال المدنية ، وذاته دشر دخل المدرسة دون هوية ، وكان ابوه يماطل مدير المدرسة بأنه سيأخذ ولده الى المدينة ، ويعمل له واحدة بالرغم انه هو لايملك هذه الهوية .
فرح دشر بأسمه الجديد ، وكان مغرورا بزرقة نادرة في عينيه لم تألفها عيون المعدان ، وهمس لي أبي ذات يوم : أن احد اجداد دشر كان من الانكليز الذي اتوا الى هنا محتلين قبل سنوات الطويلة . لهذا كان المعلم يطلق عليه مزاحا أسم : دشر شكسبير صويلح .وليس دشر صويلح مهروش.
مثل نيرسيس صدقَ دشر أنه قريب من جمال يوسف وسحره ، وصار يسرق مشط أمه الخشبي ويذهب الى حافة الأهوار ، يتأمل وجهه ويمرر المشط على شعره الكث الاسود ، ثم يقف منتشيا في تأمله لافق الهور البعيد وكأن عيناه تقول : هناك فتيات ينتظر جمالك يا يوسف.
تعودنا على اسم يوسف ونسينا دشر ، الذي صار حسنه مصدر غمزة ونظرة للكثير من فتيات القرية . وبسبب عدم اقدام أبيه على عمل هوية أحوال مدنية ليوسف ، فقد تم طرده من المدرسة ، ولم يسمح له باداء امتحان البكلوريا ، فيما تحولنا نحن الى المرحلة المتوسطة ، وذهب بعضنا ليكملها في مركز قضاء الجبايش.
أما يوسف ، فذهب الى القدر الذي ينتظر الشباب عندما يكبرون وهو رعي قطعان الجواميس. وربما الآن يوسف ،قد أحرقت الشمس وجهه في ظهاري الحر القاتل ولسع البعوض والسباحة الطويلة خلف قطعان الجاموس لاجبارها للعودة الى حضائرها.
تمضي بنا الحرب ولم أعد اتذكر دشر ــ يوسف ، فقد طوته السنين لاسيما أن علاقتي فيه متوترة بسبب جماله وموهبتي اللتان لم ينسجمان معا ،وكنت أغار من جماله وهو يغار من موهبتي . وعندما انتهت الحرب وحملتني القطارات الى غربة الابد الطويل اكتشفت أنَ يوسف بتفاصيل عينيه الزرقاويتين ليس بالضرورة أن يكون مفضلا عند النساء الغربيات ، وطالما كنت اشاهد الزنوج بوجوههم المدغومة وشفايفهم الغليضة ومناخرهم الهائلة وهو يتأبطون أذرع فتيات شقر كما ملائكة في جنة الله التي كنا نتخيلها في اساطير احلامنا.
أختفى يوسف من مقاييس الجمال في ثقافتي ، لكنه بقيَّ ممتلأ بذكريات قريتنا ودشر وسورته في صباحات الثكنة عندما اقف في الطابور الطويل مرتديا بدلة اكبر من مقاسي ، لأبدو فيها مضحكا ، وانتظر دوري في تسلم الشوربة كأرزاق لصباح اليوم قبل التدريب العنيف ، وكانت سورة يوسف وملامحه تساعدني في تحمل الانتظار وسذاجة ما يتداولهُ الجنود وتبيان ذعرهم وخوفهم من نظرات عريف الفصيل وعقابه القاسي.
ثلاثة أشهر في التدريب وليس في صباحنا سوى وجه يوسف ، ولم يسمح لنا بجلب جهاز الراديو عندما كنا نُجبر لننام مبكرين لنستيقظ من الذئب المفترى عليه والقميص الذي قُد من دُبرٍ ونظرات الشهوانية من امرأة العزيز.
عشت المهجر الطويل ، ولم اسمع طوال ثلاثين عاما صوتا يرتل القصة القرآنية ، وكنت كلما اشتاق لأيام القرية والثكنة والفتى الجميل دشر ، أذهب الى موقع اليوتوب واستمع لساعة الى السورة لأستعيد منها المفقود من حياتنا ، ولأتذكر ذلك الاحساس السريالي الذي يسكن الصبيان المعدان في احلامهم الكبيرة حين تسكنهم موهبة ما .
هي هبة الآلهة اليهم ليكونوا شعراءً او حكائيين وبعضهم يستغل موهبته الى ابعد من ذلك ، فيصير قارئ في المنبر الحسيني لتقرر قريتنا الاستغناء عن القارئ الذي كان يأتي من النجف في كل شهر محرم الذي كان اجرته 30 دجاجة ، وجاموسة واحدة و10 وزنات من الرز الشتال .
وفي احدى المرات سحرهُ جمال دشر فطلبه زوجا لأبنته ، لكن دشر كانَ لم يزلْ يعيش طيف تغزل بنات القرى بجماله وربما مثل الذي تحدث عنه بابلو نيرودا في مذكراته ، يصطحب بعض الهائجات من الفتيات ليختبئن معه في شهوتهن بين غابات القصب الكثيف..!

فوربرتال / تموز 2014



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شيء من التصوف المندائي....!
- النبي موسى ( ع ) ومعدان أهوار سيناء.!
- أحلام ليل الفخاتي ....!
- الاميرة السومرية الرسامة ( بتول آبي الفكيكي )
- كالكسي ( 5 ) وآي فون( 5 ) وصريفة* .......!
- أساطير الجفجير.....!
- السنونو هذا الطائر الشيوعي .....!
- طيري ياطياره طيري ...!
- المِعدان يعشقونَ أيطاليا وصوفيا لورين...........!
- ( الموت بالخازوق فقراً ومنفى )
- داعش لاتشبه مراكش ..ولا تشبه العش ..
- فاجينتي مالا.. اللون الأحمر والعنبر ..!
- الناصرية.. شهيدٌ من دير متي والزقورة وبطن الحوت..!
- خوذة الله وخوذة العباس.وخوذة الجندي المنكسر ..!
- الناصرية تبكي من أجل نينوى ..!
- ملاكٌ على شكل قصيدةٍ ونهدْ.......!
- النشيد التأريخي لمعدان باريس
- الله وروح الشاعر والرسام والموسيقي والصائغ..!
- أحتمالات الغيب في شهوة الكأس
- وجه المونليزا قراءة جديدة في رؤى الجمال والعولمة


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - يوسف ( ع ) ، آية في الثكنة وليل الأهوار.....!