محمد طه حسين -
الحوار المتمدن-العدد: 4499 - 2014 / 7 / 1 - 22:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الشعور القومي هو تفاعل كيميائي بين الفرد المنتمي الى القوم و الارض التي ظهرت عليها، تفاعل سايكولوجي بين نفسية الفرد و الارض كمكان خرجت منها، تفاعل فيزيائي بين فيزياء جسد الفرد و فيزياء الارض من حيث التكوين المادي لكلا الموجودين (الارض و الجسد). لا يقفز بنا هذا التحليل فوق اممية تفكيرنا الانساني بقدر ما هو النظر الى الاحاسيس و المشاعر القومية كحالة قائمة بذاتها و لا يمكن الاستخفاف بقوتها الفطرية.
الرابطة الروحية الموجودة بين الفرد و ارضه تخلق له الانتماء الطبيعي الفطري كما يؤكده غوستاف لوبون في كتابيه (سايكولوجية الجماهير) و ( الاسس النفسية لتطور الامم)، حيث يشير فيهما الى السمات الجمعية المستدامة بين الافراد المنتمين الى الاصل الواحد.
كيميائية العلاقة بين الفرد و ارضه يشير اليها غاستون باشلار حيث يفسر باشلار سلوكيات الفرد و احلامه و حتى احلام يقظته بمكونات الكون الاساسية الا و هي النار و الهواء و الماء و التراب، هذا التجذر في البنيان الانساني يعطينا التنبؤ بان الانسان لا يستطيع ان يخرج من التأثير التفاعلي للارض التي انبته و اظهره للوجود، فالبشر يبنون بيوتهم فطريا كما يبني العصفور عشه، يقول باشلار في جماليات المكان و تؤكده غادة الامام في دراستها حول جماليات الصورة الباشلارية بهذا الشكل: البيت اكثر من مجرد مشهد طبيعي، انه حالة روحية. اذن وفق هذا المنظور الباشلاري فالتمسك بالبيت و الحفاظ عليه اقوى من ان يصمد امامه المنظومات الايديولوجية الفوق الطبيعية. و يذهب باشلار ابعد من ذلك بشأن المكان حيث يقول : ينبغي علينا دائما ان نؤسس المكان. نحن نسكن منذ آلاف السنين المكان الذي نسميه كردستان ، محاولاتنا لتأسيسه و تقوية بنيانه كانت ضعيفة الى الدرجة التي لم تكن بوسعنا المحافظة ليس فقط عليه بل علينا كأمة و قوم خلقنا في هذه الارض. و هذا يدخل ضمن العلاقة السايكولوجية بالمكان و الارض على وجه الدقة فالعلاقة السايكولوجية بين الفرد و مجتمعه او قوميته متجذرة في الخيال الجمعي و اللاشعور الكلي و التي يشير اليها و يأخذها بنظر الاعتبار كارل غوستاف يونغ حيث ينظر يونك للفرد كأنه موجود اسطوري لا يمكنه التخلي عن المخيال و الشعور الجمعي للامة. فالنفس تبقى في الاول و الاخير ناتجة العلاقة الجدلية و الدايناميكية بينه و المحيط بكل ما توجد فيه من معطيات.
اما فيزيائية العلاقة تظهر في الفعل و ردود الافعال اليومية المستمرة و الصراعات التي تنتج بفعل الذوات و المواضيع التي تنتج في النهاية الثقافة و الحضارة في بعديهما الرمزي و المادي.
قليلا ما تتماسك المشاعر القومية و المجتمعية و تتحد ضمن سلوكات جمعية ظاهرة، فالحالة هذه فقط نراها في الثورات و الانتفاضات الجماهيرية على وزن السلوك الجمعي في ملاعب كرة القدم عند تشجيع المشجعين لفرقهم.
النقاط الحرجة التي اجمعت الكورد طوال التاريخ قليلة، الاقوى من بين تلك النقاط هي يوم 5/3/1991 يوم قيامنا ضد مؤسسات البعث الفاشي، حيث الكل انتفض و الكل انفعل و الكل قال كلمته و هي النهاية للطغيان. لم نحتفظ نحن الاكراد باهمية و قدسية تلك اللحظة الفورانية الثورية المتحولة ، حيث لم نكن عند علو هذا الشعور الجمعي المقدس . قفز السياسيين فوق هذه المشاعر و لم يقدموا افعالا و اعمالا و منجزاتا بمستوى هذه المشاعر الطبيعية غير المصطنعة. اخطأوا كثيرا في توجيه العجلة السياسية و الادارية، لم يدركوا فداحة الاستخفاف بهذه المشاعر حيث صارعوا البعض لا على تقديم الافضل بل لاجل الاستمرار في الارث الماقبل الحداثي الا و هو الغاء الاخر الحزبي و الفكري. مع كل هذا و بوجود واقع دولي و اقليمي خطير و متشابك، بقينا نقف على ارجلنا، و لا نزال نتحرك و بداخلنا قوى بناءة للبناء.
ظهرت الآن و بفعل العلاقات الجديدة و الاحداث الاقليمية و العالمية و نهضت الشعور الجمعي القومي من جديد، السلوك الجمعي الحالي الموجود و اللذي ينادينا بالعمل الموزون لاجل الخروج من دائرة البقاء البايولوجي و الولوج الى حيز الوجود الفاعل القومي يجب ان يحترم و لا يستخف بها ايا من كان.
فهم هذا الشعور القومي الناهض يوحدنا اوتوماتيكيا و لهذا يجب علينا ان نتماسك و نبقى متماسكين الى ان تهدأ العاصفة التي جاءت بالكثير من المتغيرات الجديدة الى الساحة. ارى الوحدة في الصف السياسي الى حد كبير و ان كانت الوحدة ظهرت الى العيان بفعل الطاقة الخارقة للشعور الجمعي القومي التي لا تستطيع اية جهة بيننا ان يتجاهلها.
فالنحترم شعور الكل، و نحتفظ بمنجزاتها الى ان نبقى ضمن الكل الكردستاني. فالنقاط الحرجة قد لا تظهر من جديد.
• كاتب و اكاديمي كردي/ اربيل
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟