محمود أبوجعفر
الحوار المتمدن-العدد: 4498 - 2014 / 6 / 30 - 08:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
- إن الحقيقة التي لا ريب فيها أن العلاقات الدبلوماسية ، بين مصر وإيران ، قد أصابها العطب والفتور والجفاء ، منذ أكثر من ثلاثة عقود زمنية ماضية تقريباً ، وقد اتسعت هوة الفجوة بينهما ، لحد القطيعة والمعاداة ، منذ تولي الرئيس المصري المخلوع " مبارك " مقاليد الحكم ، في أوائل ثمانينيات القرن الماضي ، والذي يندى له جبين الأمة جميعها ، أن السبب الحقيقي في قطع رحم تلك العلاقة الشقيقة الحميمة ، بين القاهرة وطهران ، يرجع مرده لأسباب ، ودوافع ، لا تمت لتباين المذاهب الدينية ، أو الشرائع السماوية ، أو – حتى – فرية دعاوى سعي طهران للهيمنة على الدول العربية والإسلامية بصلة ، مثلما كان يردد ، ويروج له النظام السياسي المصري البائد ، من خلال ترسانته الإعلامية الجبارة آنذاك ، وإنما لأسباب ، ودوافع – عقيمة – متقوقعة ، تجافي مثل تلك الادعاءات ، والافتراءات الكاذبة المضللة ، جملة وتفصيلاً ، وإن كنتم في ريب من قولي ، فما عليكم ، إلا أن تسألوا أنفسكم سؤالاً واحداً ، مفاده :- إذا كان النظام السياسي المنحل السابق ، قد رحب ، واحتضن ، وسمح لأرباب الديانة البهائية المخترعة ، لأن يرتعوا ، ويلعبوا ، ويمرحوا – في وضح النهار – بحديقة الميرلاند – العامة – الشهيرة ، الكائنة بحي مصر الجديدة بالقاهرة ، دعماً للحريات الشخصية والثقافية والدينية والفكرية ، حسب زعمه وافتراءه الكاذب ، فقد كان عليه – من باب أولى – أن يسمح بنشر المذهب الشيعي الإسلامي في وطننا ، من منطلق أن أرباب المذهبين ، السني والشيعي ، يدينون بدين سماوي واحد ، وهو الإسلام ، ناهيك عن أنهم – بحكم الواقع – يقفون جنباً إلى جنب ، أثناء تأديتهم فريضة الحج ، الركن الإسلامي الأساسي الخامس للإسلام ، بغض النظر عن تباين المذهبين ، وبغض النظر عن الجزم بقرب وصواب أحد المذهبين لرسالة الإسلام الصحيح ، لا سيما ، أن الأزهر الشريف ، الذي يعد – في تقديري – المؤسسة الإسلامية السنية الرسمية المعتدلة ، قد اعترف ، واعتمد ، وأقر المذهب الشيعي ، كمذهب إسلامي معتمد ، والذي يثير الريبة والشك والتساؤل ، هو أن النظام " العميل " السابق ، قد احتضن مواطني الدولة العبرية ، ولبى لهم كل نزواتهم ، بالمخالفة – أحياناً – للقوانين ، والأحكام القضائية الملزمة ، بل وتركهم يتنقلون ، ويفعلون ما يشاءون ، بحرية – مستفزة – دون أدنى حد من الرقابة الأمنية ، في حين أنه كان – دائماً – ما يأبى ، ويرفض أي محاولات للتحالف والتعاون البناء ، بيننا وبين الجانب الإيراني ، استجابة – فقط - لتعليمات وتوصيات وضغوط الإدارة الأمريكية .
- وعلى حد يقيني ، فإن المزاعم ، والادعاءات المتباينة ، التي كان يبثها ويطلقها رموز النظام السياسي السابق ، بشأن سعي إيران للهيمنة ، ونشر المذهب الشيعي ، وغير ذلك ، من افتراءات كاذبة مضللة ، بعيدة كل البعد عن الصواب والحقيقة ، ولو أن طهران تسعى – بالفعل – لنشر ، وفرض المذهب الشيعي " عنوة " بين الأوساط الإسلامية السنية ، لما وجدنا الكثير من الأقليات الدينية – الجمة – المتباينة ، يعيشون – جنباً إلى جنب – بجوار الأكثرية الشيعية بإيران ، ومن بينها " البهائيين ، والمندائيين ، والزرداشتيين ، واليارسانيين " ، هذا بالإضافة لأرباب المذهب الإسلامي السني ، الذين يمثلون 10% من سكان إيران ، ناهيك عن اليهود والمسيحيين ، ولو أن إيران تسعى – حقيقة – لبسط نفوذ العرق الفارسي فحسب ، لما وجدنا الكثير من الأقليات العرقية المختلفة ، كالأكراد ، والتركمان ، والبلوش ، والأرمن ، والعرب ، وغيرهم ، من قاطني شمال ، وجنوب غرب إيران ، يعيشون بحرية وسلام ، إلى جوار الأغلبية الشيعية على أرض إيران ، ولو أنها تسعى لفرض وترويج لغة قومية معينة ، كالفارسية على وجه الدقة ، لما شاع أكثر من " 110 " لغة متباينة ، متداولة ، ومن بينها اللغة الفارسية في إيران .
- والحقيقة أن السبب الحقيقي – لبتر – العلاقة الشقيقة بين القاهرة وطهران ، يرجع لأسباب ودوافع سياسية - فردية – هشة زهيدة فحسب ، ومن أبرز تلك الأسباب العقيمة ، هو أن الرئيس المصري الراحل ، أنور السادات ، قد طلب من الملك الإيراني السابق " شاه " إيران ، تزويده بمواد بترولية ، أثناء حرب أكتوبر 1973م ، فما كان جواب " شاه " إيران حينئذ ، إلا أنه قد أمر السفن الإيرانية بالعدول عن مسارها ، وهي في عرض البحر ، لتتجه صوب مصر ، بدلاً من إرسالها لبعض الدول الغربية ، ولأن " السادات " كان مصرياً أصيلاً ، فقد حفظ للملك الإيراني هذا الود والجميل الإنساني ، مما دفعه لاستقباله ، وموافقته على طلب لجوءه السياسي لمصر ، إبان الثورة الإسلامية الإيرانية ، بعد أن رفضت معظم دول العالم استقباله ، ودخوله ، كلاجئ سياسي ، وبطبيعة الحال ، فقد أدى ذلك لبغض ، وكراهية ، وجفاء النظام السياسي الإيراني – آنذاك – حيال شخص السادات ، ونظامه السياسي فحسب، لا سيما ، بعد رفضه تسليمهم " الشاه " ، ومن ثم ، عدم تمكنهم من محاكمته ثورياً ، ونتيجة لذلك ، فقد احتفل النظام السياسي الرسمي الإيراني باغتيال السادات ، وأشادوا بدور قاتله " الإسلامبولي " ، مما زاد من حدة التوتر والاحتقان بين القاهرة وطهران ، ومن هنا – نستخلص – أن الخلاف ، والصراع العدائي ، بيننا وبين طهران ، مبني – فقط - على قرارات أنظمة سياسية فردية ، على غرار خلافنا الراهن بين الكويت الشقيق ، لتستغل الولايات المتحدة الأمريكية تلك الذرائع السياسية، فتفرغها من مضمونها الحقيقي ، من أجل تفتيت ، وإنهاك أمتنا الإسلامية الأبية .
- وبلا ريب ، فإن طهران لن تعزف ، ولن تتخلى – يوماً – عن ثوابتها الأساسية ، أو قوميتها الوطنية ، أو لغتها الرسمية ، أو حضارتها الفارسية ، وفي المقابل ، فإن القاهرة – أيضاً – لم ، ولن تفرط – قط – في ثوابتها ، أو قوميتها ، أو لغتها ، أو حضارتها العريقة ، لكن هذا لا يعني – بأي حال من الأحوال – استحالة التحالف والتعاون البناء بيننا وبين طهران ، لا سيما أن بيننا وبينهم رابطاً – متينا ً – أقوى من العرق ، أو الجنس ، أو اللغة ، أو الحضارة ، وهو رابط العقيدة والدين المشترك ، وفي نفس الوقت ، فإن علينا ، كمجتمع متحضر ، أن نرسي ، وندعم قيم الحريات الشخصية ، والدينية ، والفكرية ، والثقافية ، لندع المجتمع المسلم – يفاضل – بحرية آدمية ، بين المذهبين الإسلاميين المتباينين ، ليختار ، وينتهج – في النهاية – المذهب الإسلامي الأقرب لمنطقه ورشده وصوابه، دون إملاءات أو ضغوط من أشخاص ، أو منظمات ، أو – حتى – أنظمة سياسية مستبدة ، ولنستظل – جميعاً – تحت مظلة الدين الإسلامي الحنيف ، لذا ، فإنني أدعوا أولي الألباب ، من أبناء وطننا ، بأن يعملوا على – طي – صفحة الماضي القاتمة ، وأن يفتحوا صفحة بيضاء ناصعة ، وأن – يغتنموا – المبادرة الإيرانية الإيجابية الطيبة ، حتى نحقق التعاون ، والتحالف المنشود بيننا وبين الجانب الإيراني ، فنستطيع – حينئذ – الوقوف صامدين ، كالجبل الوتد ، على قلب رجل واحد ، في وجه الأنظمة السياسية الاستعمارية الطامعة ، وعلى حد يقيني فإن العلاقات الطيبة بين مصر وإيران لن تتحقق إلا بظهور الإمام المهدي المنتظر عجل الله بظهوره .
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟