أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحلام رحال - لعنةُ جواز سفر















المزيد.....

لعنةُ جواز سفر


أحلام رحال

الحوار المتمدن-العدد: 4497 - 2014 / 6 / 29 - 16:43
المحور: الادب والفن
    


أظهر جواز سفره أمام موظف جامد الملامح في المعبر الإسرائيلي، مدندنًا في سرّه: " لم يعرفوني في الظلال التي تمتص لوني..." ابتسم قليلا أمام الجملة، وتمنى لو أضاف عليها شيئا من عنده. هو يعلم أن الموظف عرفه وميزه لدى رؤيته لجواز السفر، عن باقي المواطنين "الصالحين" في الدولة، فحتى لو قررت "ديمقراطيتهم" إزالة اسم القومية من جوازات السفر وبطاقات الهوية، منعا لما أسموه بالتفرقة العنصرية، إلا أنه على ما يبدو توجد رموز معينة تشير إلى قومية المسافر، إن كان عربيا أو يهوديا. أم تراه عرفه من اسم العائلة المسجل في الجواز؟ فأسماء العائلات العربية وحتى الأسماء الشخصية يسهل جدا تمييزها عن الأسماء العبرية. أو قد يكون عرفه بسبب ملامحه الشرقية الفلسطينية ولهجته البعيدة عن لهجة مسافر يهودي؟ لا يهم هذا الآن، المهم أنه عرفه والسلام. والدليل أن ملامح وجهه تغيرت بشكل كامل حين رآه. سأله الموظف، بنزق مَن يعمل تحت قيظ شمس الصيف:

- هل تحمل سلاحا؟
- كلا.
- هل أعطاك أحدهم هدية لتوصلها إلى شخص في الجهة الأخرى؟
- لا.
- هل حزمتَ أمتعتك لوحدك أم حزمها أحد لك؟
- أنا حزمتها.
- هل هنالك شيء عليك أن تصرّح به؟
- كلا.

ضحك الرجل في سره على أسئلة تُطرح دوما بشكل روتيني عادي، وتصور نفسه يجيب عليها بنعم. نعم لديّ سلاح، نعم أعطوني هدية لشخص آخر! يااااه ماذا كان سيحدث لو قال أمرا كهذا؟
لا يفهم سبب طرح أسئلة غبية. يعني حتى لو كان الجواب عليها نعم، ما كان المسافر ليقول هذا. لحظة، لكنّ البعض يقولها عن طيب خاطر. مثل ذاك الشاب الفلسطيني من سكان القدس الشرقية، الذي لم يكن يُتقن اللغة العبرية جيدا، سأله الموظف الإسرائيلي إذا ما كان يحمل سلاحا، فأجابه الشاب بسذاجة: نعم. لم يعلم عندها لمَ جحظت عينا الموظف الذي أعاد عليه السؤال من جديد وكأنه غير مصدق، فتابع الشاب المقدسي مجيبا: نعم نعم.. في القدس في وادي الجوز. عندها تدخل رجل عربي كان يقف وراءه، همس للشاب أنه لا يسأله أين يسكن، وترجم له سؤال الموظف، لينقذه من ورطة لن يُحسد عليها.

تابع سيره لإكمال سلسلة طويلة من الإجراءات. هو يعلم أن رحلته من الناصرة إلى المدينة العربية الأخرى، سفرا بالسيارة، لا تستغرق وقتا طويلا. ولكنها لأسباب جنونية في الحدود، تستغرق ضعف الوقت على الأقل حتى يصل مقصده. الإنتظار.. الإنتظار، وقيظ الشمس، وعيون الموظفين القاسية، إنه الجحيم ذاته، ولكن ماذا يفعل؟ يحاول أن يهوّن على نفسه قليلا فيقول لذاته إن انتظاره هنا كونه فلسطيني من أراضي الـ 48، يخضع للحكم الإسرائيلي، يبقى أقصر بكثير من انتظار مسافر فلسطيني يخضع للحكم الفلسطيني. فهناك في معبرهم الآخر، لا شيء يُسمى وقت ولا ساعة ولا انتظار.. كل شيء يذوب مثل ساعات سلفادور دالي في لوحاته العظيمة. لا يعلم المسافر متى سيخرج من المعبر ومتى تنتهي كل الإجراءات الغريبة. هناك لا يخرج المسافر من المكان إلا بقوة الدفع.

على أي حال، عليه المكوث كغيره ريثما تنتهي كل الإجراءات. إذ ليس لديه الكثير من الخَيارات للسفر إلى الدول العربية والتواصل مع وطنه العربي. فكّر أثناء وقوفه في طابور ختم جواز السفر في الجهة الإسرائيلية، بعدد الدول العربية التي لا يستطيع زيارتها. ضحك في سره ثم عدّل صيغة السؤال: كم عدد الدول العربية التي يستطيع زيارتها أصلا؟ فتح أصابع كف يده اليمنى ليحصيها، فلم يتجاوز عددها أصابع اليد. تذكر ذاك الشاب الفلسطيني من أراضي الـ 48، الصحفي الذي تداول الإعلام أخباره قبل شهور، حين قام بخطوة جريئة من نوعها بزيارته لبيروت. بيرووووت مرة واحدة يا رجل؟ فور عودته قامت القوات الإسرائيلية باعتقاله ثم تحويله إلى الحبس المنزلي، بتهمة التواصل مع "كيان غريب". إيييييه أيها الكيان الغريب كم نشتاق لزيارتك لنشعر أننا جزء من الوطن العربي ولسنا أصحاب هوية مبتورة.

نبهه من غفلته صوت موظف الجوازات الجاف، يدعوه ليتقدم نحوه.
دفع ضريبة السفر وختم جوازه ثم خرج من الجهة الإسرائيلية للمعبر متجها نحو الجهة الأخرى، المكان الذي ينتمي إليه جزء من هويته العربية. هو لم يطالع المسوح والإحصائيات الأخيرة، ولكنه يعلم أن العديد من الدول العربية حضنت الفلسطينيين الذين هُجروا من بلادهم. وتذكر جملة كتبها أحدهم على "الفيسبوك" ساخرا: إن سوريا بدون السوريين مثل الأردن بدون الفلسطينيين. فكيف لا يجد الألفة لدى الموظفين العرب في الجهة الأخرى من المعبر؟

كان هذا السؤال يتلقى الصفعات تدريجيا كلما تقدم للجهة الأخرى من المعبر ولاقى وجوها عربية أكثر قسوة ونظرات أكثر تشكيكا مما لدى الموظفين الإسرائيليين. لا يفهم هذا التناقض، يحاول دوما أن يجد تفسيرا أو تبريرا معقولا لنفسه، فتقول عاطفته: يُطلب من موظفي المعابر والمطارات أن يكونوا قاسي الملامح!
يرد العقل: لماذا لا تجد مثل هذه الملامح لدى موظفي دول غربية؟
تقول العاطفة: ربما الجو حار جدا هنا، ولهذا يكون مزاج الموظفين على هذا النحو.
يرد العقل ساخرا: وماذا مع فصل الشتاء؟ هل هنالك احتباس حراري مثلا يبقي مزاجهم هكذا؟
تقول العاطفة: إذن ربما هنالك ضغوطات مادية على الناس، هي التي تؤثر على مزاجهم العام فيكونون أكثر قسوة.
يرد العقل غاضبا: وماذا عن عامة الشعب يا شاطر، لماذا لا تجد هذه المعاملة الجافة عندهم؟ إنهم على عكس الموظفين هنا، يعاملونك معاملة لطيفة كونك عربيا مثلك مثلهم. أنت تحاول أن تختلق أعذارا واهية، وتبتعد عن فرضية مُقترحة: الموظفون هنا لا يطيقون المسافرين الفلسطينيين من أراضي الـ 48 لأسباب كثيرة، من ضمنها وأهمها على ما يبدو جواز سفرهم الإسرائيلي. تبرير قد يكون قاسيا، وقد تقابله أيضا الكثير من التناقضات المدحضة، ولكنها فرضية قابلة للتصديق.

أوقف الرجل ثرثرة عقله، وتقدم ليدفع ضريبة السفر ويختم جواز سفره لدى الموظف، محاولا أن يفلت من أسئلة تحقيقية تسقط عليه كالمطر: إلى أين أنت ذاهب؟ أين ستنزل؟ ما سبب زيارتك؟ ماذا ستفعل في زيارتك؟ وإذا ما أخطأ وأعطى تفاصيل عينية محددة، مثلا أنه سينزل في بيت أحد الأقارب، هطلت أسئلة أكثر عمقا، أو حمقا، مثل: ما إسم هذا الشخص؟ وأين يقيم بالضبط، وربما ما مدى القرابة بينكما؟!
غالبا، لا تؤذي الأسئلة بقدر ما تشعرك بأنك لست أهلا للثقة وأنك موضع شك كبير.

ختم جواز سفره أخيرا، هذا الجواز اللعين الذي لم يوجِد له المعادلة يوما، في الظاهر يشير إلى انتمائه لدولة يرفضها، وفي الباطن يحوي انتماء إلى بلاد تلفظه على الدوام. أخذ جواز سفره بعد ثلاث ساعات من الإجراءات، متخيلا مدة الإجراءات التي قد تكون، وعيون الناظرين الشكاكة التي ستحدق فيه، وقوات الأمن التي ستنتظره كجبهة قتال، لو أصرّ يوما وسافر بدوره إلى ما أسموه بـ "الكيان الغريب"!

قهقه ساخرا، وتقدّم نحو المرحلة الأخيرة من جولته في المعبر: غرف التفتيش. سأله الموظف العربي: هل لديك ما تصرح به وما يتوجب علينا تفتيشه؟
أراد أن يجيب: نعم، أحمل جذورا لا تعترف بها الحدود. لكنه اختار الصمت، فتح حقيبة سفره للتفتيش، وأكمل يدندن القصيدة المغناة: " لا تتركي كفي بلا شمس، لأن الشجر يعرفني، تعرفني كل أغاني المطر...". وأضاف من عنده "ما عدا بعض البشر".
أغلق حقيبة سفره، واستعد للإنطلاق نحو مدينة عربية، قبل أن تذوب كجبنة أجنبية الطعم.







#أحلام_رحال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحلام رحال - لعنةُ جواز سفر