أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - معن الطائي - مغالطة الحتمية التأريخية في الفكر الماركسي















المزيد.....

مغالطة الحتمية التأريخية في الفكر الماركسي


معن الطائي

الحوار المتمدن-العدد: 4483 - 2014 / 6 / 15 - 10:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



شكلت أفكار الفيلسوف الألماني الكبير كارل ماركس لحظة تحول بارزة في تاريخ الفكر والفلسفة الغربية لما تمتع به فكره من متانة وتماسك علميين، وعمق في التحليل، وفهم لأبعاد التحولات الكبيرة التي طرأت على جميع المجالات الحياتية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وجرأة في إحداث قطيعة نهائية مع الفلسفة المثالية القديمة. فقد نجح في تجاوز الهيغيلين الشباب الألمان، وأفكار الفيلسوف لودفيغ فيورباخ الذي كان له أثرراً كبيراً عليهم، مع أربعينيات القرن التاسع عشر. وأعاد إنتاج الفسلفة الهيغيلية ضمن سياقات مادية جدلية قدمت تفسيرات متماسكة لحركية التأريخ والمجتمع والثقافة، وجعل الوعي متجذراً في الممارسة الاجتماعية، ورسم، للمرة الأولى، الملامح الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية للنظام الرأسمالي الناهض. وستصبح أفكار ماركس المرجع النظري والفكري للعديد من التيارات والاتجاهات التي ستظهر ضمن مايعرف بالنظرية النقدية والدراسات الثقافية والأدبية بعد الحرب العالمية الثانية. ورغم ظهور أسماء بارزة في علم الاقتصاد السياسي مثل آدم سميث، وفي النظرية الاجتماعية مثل ماكس فيبر وأميل دوركهايم، إلا أن ماركس يبقى الأكثر تأثيراً، والأكثر تمثيلاً للحظة التحول التأريخي نحو النظام الجديد، والذي يعرف بالرأسمالية.
كشف ماركس عن البنية الداخلية للنظام الرأسمالي، القائمة على تراكم الربح وتنمية رأس المال واستغلال جميع الموارد الطبيعية والبشرية في سبيل ذلك. فهو يشرح في الصفحة الأولى من كتاب (رأس المال) أن "الرأسمالية نظام إنتاج سلع أو بضائع. وفي هذا النظام الرأسمالي لا يكتفي المنتجون بالإنتاج لتلبية حاجاتهم، أو حاجات الأفراد الذين هم على اتصال شخصي معهم وحسب، تنطوي الرأسمالية على سوق تبادل قومية، بل دولية في الغالب"(1). وفي النظام الرأسمالي لا يعود الإنتاج مرتبطاً بالضرورة بتلبية الحاجات، وإنما بتحقيق الربح وتراكم الثروة، و لا تعود الثروة مطلوبة بوصفها وسيلة لتحقيق الرفاهية والمتعة والتسلية كما كانت في المجتمعات الارستقراطية، وإنما هدفاً بحد ذاتها.
لم يبالغ ماركس في إدانته هذا النظام الجديد وشجبه، ولكنه أعتبره مرحلة حتمية من مراحل التطور التأريخي والاجتماعي، وانتقد المجتمع الألماني لتأخره عن مواكبة عجلة التقدم الرأسمالي. وهي مرحلة ستعمل على خلق وتراكم جملة من الظروف الموضوعية التي ستضعها في سلسلة متوالية من الأزمات الداخلية الخانقة وصولاً إلى لحظة انهيارها وزوالها التام. ولكن يجب التأكيد على أن ماركس لم يتحدث في كتاباته عن أزمة كارثية محددة ستقضي على النظام الرأسمالي تماماً، فهذا النظام إنما يسير داخلياً ويحقق توازنه من خلال الأزمات على وجه الخصوص. "لذا فإن الأزمات لا تمثل "انهياراً" للنظام الرأسمالي، بل هي تشكل، على النقيض من ذلك آلية ضبط وتنظيم تمكن النظام من النجاة من غائلة التقلبات الدورية التي تعيشها الرأسمالية. فأثر الأزمة هو استرجاع التوازن وجعل المزيد من النمو ممكناً"(2).
ويشير عالم الاجتماع البريطاني الشهير أنطوني غيدنز إلى أن ماركس لم يعنى كثيراً بتحديد ملامح وطبيعة النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي سيحل محل النظام الرأسمالي، وأن معظم الكتابات التي تتحدث عن مواصفات واضحة ومحددة للنظام البديل ليست إلا قراءات وتأويلات استندت على القليل الذي تم نشره وترجمته من أعمال كارل ماركس في حياته والفترة المباشرة بعد وفاته. يقول غيدنز في كتابه (الرأسمالية والنظرية الاجتماعية)، "لا تتضمن الكتلة الإجمالية لكتابات ماركس أكثر من مجرد إشارات مجزوءة أو عابرة إلى طبيعة المجتمع الذي سيحل محل الرأسمالية. وتمييزاً لموقفه عن موقف أولئك الداعين إلى الاشتراكية "الطوباوية" يرفض ماركس تقديم أي مخطط شامل لمجتمع المستقبل. سيتم بناء النظام الاجتماعي الجديد، بوصفه التعالي الجدلي (الديالكتيكي) على النظام الرأسمالي وتجاوزه، وفقاً لمبادئ لا يمكن إلا أن يلمحها على نحو غامض وضبابي أولئك الذين يعيشون في الشكل الحالي للمجتمع"(3).
وقد يرجع ذلك إلى تصور ماركس للعلاقة بين الوعي والواقع، حيث الماهية تسبق الوعي وتحدد شروط إنتاجه ومساراته بشكل مبدئي. فمن الممكن أن يتأمل الوعي الواقع الموضوعي ويعمل على كشف مجموعة التناقضات التي تحكمه، ويتعرف على تناقضاته، ويرسم ملامح شروط الوجود الإنساني والاجتماعي في لحظة تأريحية معينة. ولكنه لن يتمكن من وضع تحديد دقيق وحاسم لطبيعة مرحلة قادمة تقع في المستقبل. قد ينتج الوعي مايمكن أن ندعوه بالاستشراف للمستقبل، والذي يقوم على دراسة مجموعة التناقضات والعوامل الموضوعية التي تحكم الواقع في اللحظة الراهنة، ولكن يبقى هذا الاستشراف مجرد ترسيمة عامة وصورة ضبابية غير واضحة المعالم.
تحدث ماركس في كتاباته المبكرة عن طبيعة العلاقات الاجتماعية التي تتشكل في ظل النظام الرأسمالي، ووصف ما اسماه بحالة الاغتراب التي ستهيمن على نمط الحياة الاجتماعية والثقافية على المستوى الجمعي والفردي على حد سواء. أخذ ماركس مفهوم الاغتراب عن فيورباخ، ولكنه حرره من سياقاته الدينية والميتافيزيقية ووضعه في سياق مادي جدلي، ورده إلى سلسلة من الظروف التأريخية المرتبطة بعلاقات الإنتاج في المجتمعات الحديثة، حيث يعمل النظام الرأسمالي على تجريد الإنسان من قيمته ودمجه في العملية الإنتاجية بوصفه قوة عمل لا غير. ففي الاقتصاد الصناعي الرأسمالي يصبح الإنسان مكملاً للآلة وقد يتحول إلى عبء على العملية الإنتاجية بوصفها عملية تسعى إلى زيادة الأرباح وتراكم الثروة. يتحول السعي نحو زيادة الإعتماد على الآلة وتقليل الحاجة لقوة العمل البشري إلى إجراء حاسم لتقليل الكلف من خلال تثبيت أجور العمال وتفادي سيطرتهم على وسائل الإنتاج والمطالبة بتحسين الأجور وظروف العمل والمعيشة. فانتشار النشاط الصناعي بشكل واسع وبوتيرة متزايدة سيؤدي إلى انقسام طبقي حاد بين طبقة عاملة فقيرة وأخرى برجوازية تمتلك رأس المال ومراكز صنع القرار، وسينشب صراع شديد حول اقتسام عوائد العملية الإنتاجية. وكلما تم عزل الطبقة العاملة عن السيطرة والتأثير على العملية الإنتاجية، كلما زادت قدرات الطبقة الرأسمالية على حسم الصراع لصالحها وخفض الأجور لتحقيق المزيد من الأرباح. بالنتيجة تصبح قوة العمل البشرية عائقاً أمام تحقيق نسب أعلى من الأرباح.
وبذلك لايعود صحيحاً ذلك الربط التعسفي بين أفكار ماركس حول مستقبل النظام الرأسمالي وبين الحتمية التأريخية لصعود الطبقة العاملة وفرضها لديكتاتورية البروليتاريا وللنظام الاشتراكي العالمي. فهذه الأفكار جاءت في سياق تطور النظرية الماركسية على يد لينين وما حققه من تعديلات لنقل تلك النظرية من سياق التأملات الفكرية والثقافية إلى سياق الممارسة السياسية المباشرة تأسيس نظام محدد لإدارة الدولة. فقد أدى ذلك الربط إلى نمط من التبسيط المضاعف والتسطيح لنظريات ماركس، وساعد على فقدانها للكثير من زخمها الفكري والاجتماعي في سياق التحولات التأريخية للنظام الرأسمالي في القرن العشرين. كما أن إصرار العديد من المفكرين والمنظرين الماركسين العقائديين على حتمية انهيار النظام الرأسمالي بفعل تراكم تناقضاته الداخلية جعل من مفهوم فعل الثورة حدثاً بديهياً سيتحقق بصورة آلية حتى مع غياب الوعي والثقافة الثورية. لذلك شاع القول بأن الطبقة العاملة ستكون قادرة على انجاز لحظة التحول التأريخية وتقويض النظام الرأسمالي حتى مع افتقارها إلى الوعي الثوري. وكان من نتيجة ذلك أن تم إهمال قوة تأثير البعد الثقافي في الوعي الجمعي والنظر إليه بوصفه بنية عليا أو ناتج عرضي لطبيعة البنية التحتية في المجتمعات الحديثة. وقد شكل التشديد على أهمية البعد الثقافي والوعي الثوري خطاً فاصلاً بين الماركسية العقائدية التقليدية والماركسية الجديدة، أو اليسار الجديد، كما أنطلق من خلال قراءة أنطونيو غرامشي لأفكار ماركس، وتطور بعد ذلك على يد نخبة من مفكري اليسار الجديد أمثال هربرت ماركوزه وروجيه غارودي ولوي ألتوسير.
فقد شدد هؤلاء المفكرين على أن الاستسلام لفكرة حتمية الثورة وإهمال العمل على نشر الوعي الثوري هو الذي قاد إلى نجاح النظام الرأسمالي المتأخر في تحييد الطبقة العاملة في البلدان الصناعية الكبرى ودمجها ضمن بنية النظام وتحويلها إلى طبقة ذات نزعة استهلاكية وترفيهية بحتة. فقد أصبح لهذه الطبقة الواسعة الكثير مما يمكن أن تخسره في حال انهار النظام الرأسمالي. وبذلك تحولت من قوة ثورية كامنة في المجتمعات الحديثة إلى قوة معطلة وعاجزة عن الفعل. وهذا ما أشار إليه كل من هربرت ماركوزه في كتابه (الإنسان ذو البعد الواحد) وروجيه غارودي في (منعطف الاشتراكية الكبير).
أكد ماركوزه في كتاباته الفكريه على أن المجتمعات الصناعية الكبرى نجحت في تعطيل قوة الطبقة العاملة بوصفها القوة المحركة لإرادة التغيير الثورية، وتمكنت من دمجها بالنظام الرأسمالي تحت ضغط النزعة الاستهلاكية. فتم إخراجها من دائرة الصراع الاجتماعي والسياسي والثقافي، وتحولت إلى قوة استهلاكية كبيرة تدعم دورة تراكم رأس المال وتضاعف من أرباح الشركات الرأسمالية. وأعلن ماركوزه صراحة أن "الطبقة العاملة لم تعد عامل التغيير الاجتماعي"(4)، وبدلاً من الطبقة العاملة وضع أمله في مثقفي اليسار والجماعات التي لم يتم دمجها بالنظام من خلال الاستهلاك، مثل جماعات العاطلين عن العمل والشباب الراديكالي وجماعات الهبيين والمهمشين اجتماعياً من مختلف الأعراق والانتماءات. فهذه الجماعات من الممكن أن تكون معارضتها لمجتمعاتها ثورية حتى لو كان وعيها غير ثوري.
افترضت الماركسية التقليدية أن جميع أنماط ومستويات الصراع في الفضاء الاجتماعي ستختصر إلى المستوى الاقتصادي، ولابد من أن تصل في النهاية الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية إلى نقطة المواجهة الحاسمة في ساحة الاقتصاد. ولعل هذا ما دفع عالم الاجتماع الأمريكي المحافظ دانيل بيل للقول بأن ما حدث في النهاية هو ما تنبأ به عالم الاجتماع الكبير ماكس فيبر وليس ماركس، فالصراع على صعيد العمل والاقتصاد قد تم عزله وإبعاده عن بقية التوترات والصراعات الاجتماعية الأخرى. وظهرت صراعات تتعلق بما أطلق عليه فيبر بالجماعات المعزولة، وهي الأقليات التي تصنف على أساس العرق والجنس والطائفة واللغة داخل مجتمع معين، ولم يعد لتنبؤات ماركس أية صلاحية على أرض الواقع الجديد(7).
المراجع:
1- أنطوني غيدنز: "الرأسمالية والنظرية الاجتماعية"، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، 2009، ص 95.
2- المصدر نفسه، ص108.
3- المصدر نفسه، ص115.
4- هربرت ماركوز: "الإنسان ذو البعد الواحد"، ترجمة جورج طرابيشي، منشورات دار الآداب، بيروت، ط 3 1988، ص20.
5- Daneil Bell: “The Coming of the Post-Industrial Society: A Venture in the Social Forecasting”, Basic Books, 1991, P163.



#معن_الطائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطن... كذبة قصة قصيرة
- المرويات الكبرى وجماليات تزييف الواقع في الثقافة الكولونيالي ...
- في اشكاليةالخطاب النقدي العربي المعاصر
- ميشيل فوكو بين التاريخية الجديدة والمادية الثقافية


المزيد.....




- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - معن الطائي - مغالطة الحتمية التأريخية في الفكر الماركسي