حسن ورامي
الحوار المتمدن-العدد: 4467 - 2014 / 5 / 29 - 17:02
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
-;---;-- اسباب استعمار الجزائر
هنالك العديد من الباحثين الدين يعطون انطباعا في تحاليلهم لتاريخ الجزائر بان السبب في إقدام فرنسا علي استعمار الجزائر و القضاء علي السلطة الجزائرية و تعويضها بسلطة استعمارية جديدة يرجع إلي حادثة المروحة بين الداي و قنصل فرنسا بالجزائر في ابريل عام 1827 , و الحقيقة أن لهذا الاستعمار عدة أسباب مخفية وغير معلن عنها , وان هناك عدة جهات فرنسية تعاونت فيما بينها من اجل استعمار الجزائر و استغلال خيراتها وإذلال شعبها , وقد أفصح عن هدا الاتجاه شارل العاشر ملك فرنسا يوم أعلن في مارس عام 1830 "إن التعويض الحاسم الذي أريد الحصول عليه وأنا اثأر لشرف فرنسا ,أن يتحول بمعونة الله لصالح المسيحية " , ونفس التعبير نجده في التقرير الذي رفعه وزير الحربية الفرنسي إلي مجلس الوزراء في يوم 14 ماي 1827 حين قال "لعله مع الوقت سيكون من حظنا أن نمدنهم وذالك بجعلهم مسيحيين" .
فما هي الأسباب الحقيقية للاحتلال الفرنسي للجزائر؟؟
ظاهريا فان حادثة ضربة المروحة هي التي أدت إلي تأزم العلاقات بين الجزائر و فرنسا ,لكن من الناحية الواقعية فان فرنسا كانت تخطط لاحتلال الجزائر و الاستيلاء عليها مند 1972 أي سنة إبعاد اسبانيا و تصفية قاعدتها العسكرية بوهران . فقد كانت هناك رغبة قوية للتجار الفرنسيين و القيادة السياسية بتلك البلاد أن تحل فرنسا محل اسبانيا في شمال إفريقيا وتسيطر علي هده المنطقة الغنية بالثروات الطبيعية و بصفتها موقعا استراتيجيا هاما من الناحية العسكرية .فان الجيش الفرنسي كان لاستعمار الجزائر لتقوية أسطوله وإنهاء السيطرة الانجليزية علي حوض البحر الأبيض المتوسط, لكن المشكل هو أن فرنسا لم تكن قوية أو قادرة علي فرض نفسها في حوض البحر الأبيض المتوسط لان الدول الكبرى القوية بأوروبا غير مستعدة لقبول أي توسع فرنسي في شمال إفريقيا يكون علي حسابها.كما إن قيام الثورة الفرنسية قد غير مجري الأمور في فرنسا ذاتها حيث وجه نابليون اهتماماته إلي الطبقة الارستقراطية التي قهرها, وصمم علي إضعاف بريطانيا و الدول الكبرى التي كانت تساندها وتتحالف معها ,ولهدا الأسباب تأجل غزو الجزائر إلي غاية انهزام نابليون و عودة جيشه المهزوم إلي فرنسا سنة 1815.
وابتدءا من هده السنة التي عادت فيها الرجعية الفرنسية للحكم بمساعدة الحلفاء,بدا الصراع الداخلي بين رجال العهد القديم و الجيل الثوري الجديد.
وفي حقيقة أن مجرد عودة شارل العاشر و بقية أفراد الحاشية إلي الحكم المطرودين من قبل قيادة الثورة ,قد أثار مخاوف الفرنسيين خاصة وان الأسرة الملكية قد أعيدت إلي السلطة بفضل الحلفاء و ليس بفضل رغبة شعبية . و لعل الشيء الذي زاد الوضع سوءا هو تصميم المطرودين من أبناء الأسرة الملكية الدين عادوا إلي فرنسا علي استعادة نفوذهم ومعاقبة الأفراد الدين تعاملوا مع الحكم الثوري الذي وضع حدا لامتيازاتهم.
وهكذا وجد الملك نفسه وجها لوجه مع الأعضاء البرلمان الجديد الثائرون علي الأسرة الملكية ,ورأي أن الحل الوحيد للتغلب علي الأزمة السياسية هو ترضية رجال الجيش بتشجيعهم علي تحقيق انتصار عسكري يعيد لهم الثقة بالنفس و الهيبة الاجتماعية التي فقدوها بعد انهزامهم في أوروبا.كما رأي انه من الضروري خلق تحالف مع التجار الدين جردتهم الثورة من مكانتهم الاجتماعية المرموقة في المجتمع و الإمبراطورية قضت علي أرباحهم الهائلة غداة انهزام نابليون و إعادة السيطرة البريطانية علي التجارة في العالم .
كما إن الدول الكبرى مثل بريطانيا و النمسا قد شجعت شارل العاشر علي القيام بغارة علي الجزائر بحيث يحافظ علي عرشه ويبقي في الحكم لمدة أطول.
و باختصار فان مصالح الدول الكبرى المتمثلة في إبعاد فرنسا من أوروبا, وتشجيعها علي الاهتمام بمناطق أخري غير أوروبا, ورغبة القوية بقيادة الأسر الملكية المنفيين في عهد الثورة وأصحاب السفن و التجارة و قادة الجيش الفرنسي لكي يغزوا الجزائر ويخدموا مصالحهم الذاتية هي العوامل الرئيسية التي دفعت بفرنسا إلي احتلال الجزائر سنة 1830.
و نستخلص من كل ما تقدم أن الأسباب الحقيقية لاحتلال الجزائر و الاستيلاء علي خيراتها يمكن تلخيصها فيما يلي
الاسباب السياسية وتتمثل في اعتبار حكومة الداي تابعة للإمبراطورية العثمانية التي بدأت تنهار , و الدول الأوروبية تتهيأ للاستيلاء علي الأراضي التابعة لها وخاصة و أن الفرنسيين كانوا يعتقدون أنهم سيحصلون علي غنيمة تقدر ب 150 مليون فرانك توجد بخزينة الداي .كما أن شارل العاشر ملك فرنسا كان يرغب في خلق تعاون وثيق مع روسيا في الحوض البحر الأبيض المتوسط حيث يتغلب علي الهيمنة البريطانية في هدا البحر والتمركز في ميناء الجزائر الذي كان يعتبر في نظر الملك الفرنسي تابعا للإمبراطورية العثمانية المنهارة .
الأسباب العسكرية إن انهزام الجيش الفرنسي في أوروبا وفشله في احتلال مصر و الانسحاب منها تحت ضربات القوات الانجليزية سنة 1801 , قد دفع نابليون بونابرت إن يبعث احد ضباطه إلي الجزائر في الفترة الممتدة من 24 ماي إلي 17 يوليوز 1808 لكي يضع خطة عسكرية تسمح بإقامة محميات فرنسية في شمال إفريقيا تمتد من المغرب الأقصى إلي مصر(مثلما عملت روما في الماضي) . وفي عام 1809 قام هدا الضابط بوتان بتسليم المخطط العسكري لاحتلال الجزائر إلي نابليون واقترح فيه علي الإمبراطور الفرنسي أن يحتل مدينة الجزائر عن طريق البر تم التوسع لاحتلال بقية الأراضي الجزائر لان بقية المقاطعات الجزائرية سوف تتعاون فيما بينها و تطيح بالسلطات الفرنسية في الجزائر العاصمة.وعند انهزام نابليون في معركة واترلو سنة 1815,وتحالف الدول الكبرى ضد الجيش الفرنسي في أوروبا , شعر ملك فرنسا انه من الأفضل أن يعتمد علي السياسة التوسع في إفريقيا ويعمل علي انشغال الجيش بمسائل حيوية تتمثل في احتلال الجزائر و تحقيق انتصار باهر هناك وبالتالي تتخلص الملك من إمكانية قيام الجيش بانقلاب ضده في فرنسا.
الاسباب الاقتصادية إن الجانب الاقتصادي لعب دورا قويا في تحفيز فرنسا علي احتلال الجزائر و يظهر هدا بوضوح في الدراسة التي نشرها السيد تاليران في شهر يوليوز من عام 1729 تحت عنوان "محاولة حول الامتيازات التي يمكن الحصول عليها من جراء إنشاء مستعمرات جديدة في الظروف الحالية "وق طلبت حكومة فرنسا في عهد نابليون من قنصلها في الجزائر أن يجيبها بدقة عن بعض الأسئلة المتعلقة بمشروع احتلال الجزائر.
وهدا يتبين لنا في الأخير إن حادثة المروحة ما هي إلا سبب من عدة أسباب تذرعت بها فرنسا لتبني حجتها في احتلال الجزائر و إضفاء الشرعية لتنفيذ مخططها الاستعماري القديم و البحث عن منفذ لازمتها الداخلية باستغلال الوضع الأمني الداخلي الجزائري الغير واستباق انجلترا التي كان تطمح لنفس الهدف .و الخلاصة ما هي إلا حلقة من حلقات الحروب الصليبية وكما قال الأمير النمسا مترنيش" ليس من اجل قضية المروحة نصرف 100 مليون فرانك فرنسي و نعرض 40000 عسكري ". ولو لم تقع حادثة المروحة لكانت فرنسا قد اصطنعت حادثة أخري من اجل إضفاء الشرعية علي عدوانها ضد الجزائر.
وفي الأخير ستتمكن فرنسا من احتلال الجزائر سنة 1830 بعد حصار دام ثلاث سنوات ,لتشرع بعد دلك بتطبيق سياستها الاستعمارية الهادفة إلي احتلال البلاد بشكل تام و القضاء علي كل أشكال المقاومة , كما ستقوم بتهييء الظروف المناسبة لاحتلال تونس و المغرب في فترة لاحقة.
#حسن_ورامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟