أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد كمال - المسيحية بين التبشير والسلطة















المزيد.....

المسيحية بين التبشير والسلطة


محمد كمال

الحوار المتمدن-العدد: 4466 - 2014 / 5 / 28 - 09:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




تتوسط المسيحية الأديان، السماوية الثلاث, وتتجاذب هذا الدين المسيحي منذ إنبثاقته الأولى وإلى اليوم حضارتان هما حضارة الشرق وحضارة الغرب؛ فقد انبثق نور هذا الدين من الشرق على أرض فلسطين التي كانت في ذاك الزمان تحت سلطة (الغرب) الأمبراطورية الرومانية, وهذا التمازج بين أرض الشرق التي تبرعمت فيها المسيحية ونمت وأيعنت وأثمرت, وبين سلطة الغرب التي اقتبست المسيحية واستثمرتها لتدعيم سلطتها الأمبراطورية وأفقدت هذا الدين السمح المتسامح من نور ضيائه وبهاء رونقه تحت سقف الجغرافيا الغربية إنطلاقاً من روما عاصمة الأمبراطورية، يعود الفضل في هذا التمازج للقديس بولس الذي بذل جهداً كبيراً في امتداد المسيحية من الشرق إلى الغرب بدءاً من القرن الميلادي الأول؛ وما أن تأسست المسيحية وانتشرت شرقاً وغرباً بفضل القديسين والمبشرين حتى أصبحت وبالاً على المؤمنين بها وخاصة في الغرب حيث تعرض المسيحيون لجميع صنوف الاضطهاد والقتل والتنكيل وتقديمهم وجبات حية لأسود جائعة، وكانت هذه مرحلة الإمساك بالجمرة، مرحلة التبشير الديني الصرف والإيمان الصافي المجرد من نزعة السلطة والتسلط، والمبشر بالدين الجديد بالحوار والإقناع لا بالقسر وفرض الإرادة؛ ورغم أن السلطة الأمبراطورية كانت عدوة لدودة غير رحيمة للمسيحيين، إلاّ أن الروح المسيحية استطاعت أن تنفذ في بنية الأمبراطورية الرومانية ومفاصلها، ما اضطرها إلى الاعتراف بالدين المسيحي وإيقاف حملات الإضطهاد والتنكيل؛ ولكن الأمبراطورية الرومانية لم تقف عند حدود الاعتراف بها ديناً ضمن أديان الأمبراطورية ـ وليتها وقفت عند حدود الاعتراف فقط ـ ولكنها تبنت الديانة المسيحية وجعلتها دين الأمبراطورية, وكان ذلك في عهد الأمبراطور قسطنطين في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي وتَسَمَّى بالقديس؛ فتمازج الدين بالسلطة، وصارت الغلبة لنزعة السلطة على محاسن الدين، وهكذا تحول الحال من مسكة الجمرة إلى مسكة السلطة؛ وغابت الحِكَمُ العظيمة من أرض الواقع من أمثال «اللهم إعطنا خبز يومنا» و«من ضربك على خدك الأيمن فقدم له الاخر أيضاً»؛ وإذا بالسلطة الغالبة على الدين والمتوشحة بردائه تسعى إلى الملك والتوسع وفرض الإرادة وتحويل سياط الإضطهاد والتنكيل من المسيحيين إلى من لا يؤمن بالمسيحية؛ لم يمر وقت طويل على هذه السلطة لتقدم على جرائم لا تمت إلى المسيحية بأية صلة اللهم إلاّ صلة فرض الإرادة على المسيحية نفسها وزرع نزعة الغريزة في نفوس المسيحيين مقابل نهج الفكر والتبشير والإقناع, فتنامت في المجتمعات الخاضعة للأمبراطورية مجموعات غوغائية لا تتردد في قتل من هم على غير دينهم. وبسرعة انتشرت سلطة الدولة المسيحية في أرجاء الأمبراطورية وبنهج جديد مناقض للنهج الأصيل وكانت الإسكندرية في حينها مركزاً للعلم وبها أكبر مكتبة علمية, ومن أشهر علمائها عالم الرياضيات والفيلسوف ثيون وكانت ابنته هيباتيا عالمة في الرياضيات والفلك والفلسفة ولها مكانة مرموقة في المجتمع وقريبة من الوالي أوريستوس، إلاّ أن هذه المناقب والفضائل كلها لم تشفع لها فكان قتلها سحلاً على طرقات الإسكندرية على أيدي غوغائيين (غيورين على المسيحية!!!) حتى تسلخ جلدها وتقطعت أوصالها وكانت هذه الجريمة بإيعاز من أسقف الإسكندرية كيرلس الذي كان يهابه الجميع بمن فيهم الوالي، وبعد أن أصبحت جثة مقطعة ألقوها فوق كومة من الأخشاب وأشعلوا فيها النيران, وكان ذلك في شهر مارس عام 415 م، أي أقل من مائة عام على تبني روما المسيحية. وأضحى العنف والتنكيل والقتل سحلاً ضد اليهود والوثنيين في ربوع المناطق الخاضعة تحت سلطة الأمبراطورية الرومانية والسلطة البابوية نهجاً عملياً مقبولاً ومباركاً من قبل السلطة المزدوجة (الدين والسياسة). تفجرت نزعة التوسع والتسلط عند هذه السلطة الأمبراطورية التي تتدثر برداء المسيحية لتشن حروبها الصليبية المشينة المعروفة، باعتراف أهلها, بمجازرها البشعة ضد المسلمين واليهود وضد المسيحية الشرقية الأصيلة التي كانت تنأى بنفسها أن تكون تابعة لإمبراطورية الإضطهاد والتنكيل, وكانت هذه السلطة المزدوجة تسعى أن تكون الوصية المطلقة على جموع المسيحيين في العالم وتدمر كل ما هو غير مسيحي.
مع تراكم تأثير العنف والإضطهاد والتنكيل طفح الكيل وتوضحت الرؤية أمام ملوك ونبلاء وشعوب أوروبا التي كانت تعيش تحت رحمة السلطة المطلقة للبابوية المقدسة, وحتى بعض رجال الدين المسيحيين وتحت قبة البابوية, وتنامت في النفوس روح التمرد على الكنيسة البابوية وكانت باكورتها الشق الفاصل في جسم السلطة البابوية بإعلان مارتن لوثر الراهب الألماني والقسيس وأستاذ اللاهوت ومطلق عصر الإصلاح في أوروبا بإعلان رسالته الشهيرة عام 1517 والتي اعترض فيها على «صكوك الغفران» وانشقاقه عن السلطة البابوية (الكاثوليكية) وتأسيسه لمذهب جديد هو البروتستانتية, وقد فَجَّرَ هذا الانشقاق حروباً مذهبية ومجازر متبادلة استمرت إلى خواتم القرن الثامن عشر, وحصدت من الأرواح مئات الألوف من الأبرياء على أيدي (أبرياء) غوغائيين مُغَرَّرِين؛ ومن المجازر الشهيرة مجزرة (القديس!!!) برثولوميو في باريس في القرن السادس عشر ميلادي حيث القتلى عشرات الألوف على أيدي غوغائيين كاثوليك وبإيعاز ومباركة من القديس برثولوميو. وكانت الكنيسة البابوية تتصرف بمصير وحياة الملوك والنبلاء باسلوب قهري إلزامي معتبرة نفسها الوصية المطلقة والمخولة من الرب المسيح.
في حين كانت المسيحية الغربية تنهش في ذاتها, كانت مسيحية الشرق, مسيحية النبع والأصل والحب والسلام ترقب وترصد في ألم وحيرة وكثير من الحرج.
من القرن الرابع إلى القرن الثامن عشر ميلادي، أي أربعة عشر قرناً من الزمان, كانت السماحة الدينية, التي هي جوهر المسيحية, مختطفة ومعطلة من قبل السلطة الدينية الممزوجة بالسلطة السياسية, إلى حين بزوغ نور التنوير الأوروبي والذي كان ثمرة عصر النهضة في القرن السادس عشر ميلادي, وأتى مفعوله بتفجر الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر, والذي أعاد للدين المسيحي مكانته الروحية ومكانه المقدس, فكان فصل الدين عن الدولة, أي تَجَرُّدَ الدين وتَطَهُّرِهِ من أردان السياسة وألاعيبها القذرة.
وهكذا وُلِدَتْ الدولة العلمانية التي تبنت نهج التفكير الموضوعي الحر المسؤول الذي يدعو ويعمل على بناء الوطن على أساس المساواة والأخوة والعدالة دون تمييز بين المواطنين، ونبذ التفرقة الدينية والمذهبية والعرقية، وبعبارة عصرنا وجغرافيتنا نبذ الطائفية والقبلية.
الفضل كل الفضل يعود إلى الفكر التنويري الذي أنتج مفهوم الدولة العلمانية وطبقها ووضع نهاية للحروب الدينية والمذهبية وجعل الدول التي تعيش تحت نهجها تنعم بالأمن والاستقرار والتقدم والنمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام, وأن يُعِيْدَ للدين المسيحي وبقية الأديان والعقائد مكانتها الروحية وموقعها الآمن, وأعاد للإنسان كرامته وحقوقه بغض النظر عن عرقه ولونه ودينه وهويته؛ وكان هذا الفكر التنويري ومازال وسيظل هو الداعم الفعال لبناء الأوطان وزرع روح المواطنة والاحترام المتبادل بين الإنسان وأخيه الإنسان والعيش تحت سقف وطن واحد يتسع للجميع ويسعى لتحقيق الأمن والتقدم والرفاه لكل أبناء الوطن.
ويسعى كذلك هذا الفكر التنويري العظيم إلى الجمع بين مختلف الأوطان في جغرافية الكون إلى تسامح إنساني شامل ينبذ العنف والإرهاب والحروب والمؤامرات السياسية من الساحة الدولية خدمة للبشرية جمعاء حتى يعم السلام والأمن والرخاء ربوع البيت الوحيد للإنسان وهو هذه الكرة الأرضية الغنية بمواردها الطبيعية وبقدرات الذكاء والعطاء عند أبنائها.



#محمد_كمال (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القوى السياسية بين الأيديولوجيا والبرنامج السياسي
- الوعيُ المُغَيَّبُ عند نوابنا الكرام
- نَبْعُ الفتنة وتردداتها
- تحصين منظومة التعليم
- حريق وزارة الإعلام
- الجريمة والعقاب
- الرقص طرباً على أنغام الطائفية
- المشروع الإصلاحي والطائفية
- الطائفية هي الطائفية رغم الأطياف
- مخاطر المحاصصة الطائفية
- الإقطاعية الدينية
- الإسلام و الإرهاب


المزيد.....




- البنتاغون يؤكد استمرار مراجعة المساعدات العسكرية لأوكرانيا ب ...
- بعد حديث ترامب عن إعادة برنامج طهران النووي عقوداً للوراء، - ...
- يديعوت أحرونوت: مجموعات مسلحة تعمل ضد حماس مع عصابة أبو الشب ...
- إيران تعلق تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتنديد د ...
- مقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخرين في كمين مركب بحي الشجاعية
- وباء الحمى الشوكية يضرب أطفال مخيمات غزة الشمالية
- تحقيق لأسوشيتدبرس: المتعاقدون الأميركيون بغزة يستخدمون الذخي ...
- منظمة أممية: طفل يقتل أو يشوّه بالشرق الأوسط كل 15 دقيقة
- وصول سفينة إماراتية جديدة تحمل 2500 طن من المساعدات إلى غزة ...
- قد تهلك الجسم.. 5 خرافات عن الماء


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد كمال - المسيحية بين التبشير والسلطة